تقارير ودراسات

الجهادية والانقلابات في منطقة الساحل بغرب إفريقيا: علاقة معقدة

أدى عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في بعض دول الساحل في غرب إفريقيا إلى استيلاء الجيش على السلطة السياسية في الآونة الأخيرة؛ إذ شهدت كل من تشاد وبوركينا فاسو ومالي انقلابات[1]، والشيء الوحيد الذي تشترك فيه هذه الدول هو أنها تواجه جميعاً تهديد التمرد الجهادي. فالمتمردون عازمون على فرض أيديولوجيات سياسية متطرفة معادية للديمقراطية، بما في ذلك إقامة خلافة إسلامية في جميع أنحاء منطقة الساحل، وقد تؤدي العواقب إلى انهيار الدولة في المنطقة، كما حدث مؤخراً في أفغانستان.

فهل هناك علاقة بين الجهادية والانقلابات العسكرية في منطقة الساحل؟

لا توجد إجابة سهلة؛ يقول المحللون إنه على الرغم من عدم وجود علاقة نفعية متبادلة بين الجماعات الجهادية ومخططي الانقلاب، إلا أن هناك صلة بين تنامي النزعة الجهادية وانعدام الأمن الذي طال أمده في جمع أنحاء المنطقة.

وما هو مؤكد أن الموجة الجديدة من الانقلابات العسكرية يمكن أن تقضي على فرص تحقيق الديمقراطية في منطقة دمرها “الجهاد” بالفعل. ويمكن فهم العلاقة المعقدة والمتطورة بين الجهادية والانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الإفريقية على أفضل وجه من خلال ملاحظة أن أنشطة الحركات الجهادية تسبق دائماً ظهور الانقلابات، لكن هذا لا يعني أن الجهادية هي مقدمة مباشرة للانقلابات العسكرية.

تقارب الفوضى

وقع الانقلاب الأخير في غرب إفريقيا في بوركينا فاسو، وهو الثالث في البلاد خلال الأشهر الماضية، كما كانت هناك محاولة انقلاب مؤخراً في غينيا بيساو.

وكان رد فعل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي مجرد “إدانة”

و”عقوبات”، حيث تميل هذه الإجراءات إلى زيادة عزلة الدول المتضررة بدلاً من مساعدتها على تحسين سياسات الشفافية والمساءلة داخل أنظمتها القانوينة.

ويظهر الغوص التاريخي العميق في منطقة الساحل، حيث تحدث معظم هذه الانقلابات العسكرية، أن معظم الدول هناك تواجه التحدي نفسه الذي تشكله الجماعات الجهادية المحلية التي يرتبط معظمها بجماعات جهادية عالمية، مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وتشمل الجماعات الجهادية في المنطقة جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان (يشار إليها شعبياً باسم الأنصار)، وجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام)، والدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

وتشمل الظروف الأساسية التي أدت إلى انتشار هذه الجماعات في جميع أنحاء المنطقة مستويات عالية من الفقر وعدم المساواة، كما أن هناك نسبة بطالة مرتفعة وأمية وسوء إدارة.

وقد أدى وجود هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي والتحديات التي يفرضها تحول المناخ في المنطقة، إلى تفاقم التهديد الذي يشكله الجهاديون، كما أدت هذه الظروف مجتمعة إلى تغذية الجهاد في هذه المنطقة المضطربة، وتركت الدول المتضررة في حالة دائمة من الضعف والهشاشة.

والنتيجة الواضحة كانت هي استمرار عدم قدرة الدول المتضررة على التعامل مع تحدياتها المتعددة. وقد أدى ذلك إلى توترات متكررة في العلاقات بين الدولة والمجتمع، استغلتها الجماعات الجهادية في تكثيف حملاتها التجنيدية.

من ناحية أخرى، أدت أنشطة الجماعات الجهادية أيضاً إلى زيادة الضغط على الأنظمة الديمقراطية الهشة في المنطقة. وهذا ما عزز فرص الاستيلاء على الحكم من قبل العسكريين الذين يعتبرون أنفسهم “أوصياء” على الدولة و”الأمل الأخير” للمواطن العادي.

الفساد عامل مؤثر

إن الاضطرار إلى تحمل وطأة قتال الجماعات الجهادية، على مرّ السنين، مع تكبد العديد من الضحايا، ساهم أيضاً في شيوع خيبة الأمل داخل صفوف الجيش، وزاد الفساد المستشري من انعدام الثقة بين الجيش والنخب السياسية؛ إذ غالباً ما يكون الفساد عاملاً مشتركاً بين الدول المتضررة من الانقلابات في غرب إفريقيا، وغالباً ما يلقي الجيش باللوم على فساد النخب السياسية في المعاناة التي يعيشها مع نقص الموارد المطلوبة لمحاربة التمرد الجهادي.

فوصول الجيش إلى السلطة لا يضمن بالضرورة هزيمة الجهاديين، بل بدلاً من ذلك، فإنه يخلق ميلاً إلى نهج عسكري مفرط في استخدام القوة في عمليات مكافحة التمرد، فيرسخ هذا النهج النتيجة غير المقصودة المتمثلة في دفع المستضعفين للانضمام إلى الجماعات الجهادية بدلاً من إبعادهم عن الأيديولوجيات المتطرفة.

ومن المرجح أن تكثف الجماعات الجهادية في المنطقة جهودها الدعائية بهدف كسب قلوب وعقول السكان المحلين داخل مجال عملياتها، ومن المرجح أيضاً أن يستفيد الجهاديون من استمرار الانقلابات التي تؤدي في النهاية إلى النتيجة التي يريدونها: الإطاحة بالأنظمة الديمقراطية للحكم. ويمكن للجهاديين استخدام هذا الوضع كتكتيك لجذب المزيد من المقاتلين للانضمام إلهم.

مستقبل غير مؤكد

بينما لا تزال الانقلابات مستمرة في منطقة الساحل الإفريقي، من المهم ملاحظة أن الديمقراطية ما تزال أمامها فرصة للبقاء، لكن التمني وحده لا يكفي؛ فإذا استمرت العوامل الأساسية التي أدت إلى موجة التطرف العنيف في جميع أنحاء المنطقة، قد يتعاظم ميل الجيش إلى الاستيلاء على السلطة السياسية، وهو ما يعزز فرص الجهاديين في اكتساب مقاتلين جدد واكتساح مسارح عمليات أوسع.


[1]– كتب هذا الموجز قبل الانقلاب الذي وقع في النيجر في 26 يوليو الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى