الشخصيات

أبو ماريا القحطاني

من هو أبو ماريا القحطاني الذي اعتقلته هيئة تحرير الشام في سوريا بتهمة العمالة للاستخبارات الأمريكية؟

في 14 غشت الجاري، تم اعتقال القيادي البارز في هيئة تحرير الشام السورية أبو ماريا القحطاني بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات الأمريكية.

وفي ما يلي معلومات حصرية عن هوية ومسار هذا الجهادي / أو الجهادي السابق الذي يعد أحد الشخصيات الأكثر إثارة للخلاف والجدل في مشهد الحرب السورية منذ بدء الانتفاضة عام 2011.

اسمه الحقيقي ميسر بن علي الجبوري، ولد في الموصل بالعراق عام 1976، ويعرف أيضاً بالهراري نسبة إلى قرية هرارة العراقية التي نشأ فيها.

حصل على دبلوم إدارة الأعمال من جامعة بغداد، بالإضافة إلى بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، وانضم أثناء دراسته الجامعية إلى قوات فدائيي صدام التابعة لحزب البعث. وفي ما بعد، ادعى أنه كان مضطراً، ولم يؤمن يوماً بأفكار حزب البعث، وأن “كتاب التوحيد” لمحمد بن عبد الوهاب لم يكن يفارقه، وكان يقرأ فيه بسرية، حتى لا يتعرض للاعتقال.

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، التحق بالشرطة العراقية، وعمل في مديرية أمن نينوى، لكنه سرعان ما ترك الوظيفة لينضم إلى مجموعة جهادية كان يتزعمها محمد خلف شكارة (أبو طلحة الأنصاري)، وهي إحدى المجموعات التي شكل منها الأردني أبو مصعب الزرقاوي جماعة التوحيد والجهاد: النواة الأولى لما سيعرف لاحقاً بـ “داعش”.

في أكتوبر 2004، أعلن الزرقاوي ولاءه لأسامة بن لادن، وتحولت جماعة التوحيد والجهاد إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وكان القحطاني وقتها يعرف بين مقاتلي التنظيم باسم أبي حمزة وأبي مصعب والشمري قبل أن يستقر على كنية الغريب المهاجر القحطاني.

شارك في معركتي الفلوجة الأولى والثانية ومعارك أخرى في تل عفر والموصل وبغداد، وتولى قيادة إحدى الكتائب العملياتية التابعة للقاعدة، ثم عين مسؤولاً عسكرياً بين الموصل وصلاح الدين.

اعتقل في نهاية عام 2004 بعد إصابته في كمين للقوات الأمريكية غرب الموصل، وحكم عليه بالسجن عاماً ونصف قضاها في سجن بوكا الذي كان يديره الجيش الأمريكي، وكان مخصصاً لسجناء الحرب العراقيين، والجهاديين بالتحديد.

أثناء وجوده في السجن، اتجه للتعمق في العلوم الشرعية، وكان ممن درس عليهم طالب المياحي (أبو عبد الله): أحد أبرز منظري السلفية الجهادية في العراق في تلك الفترة، والذي تلقى عنه سند الحديث والرواية وإجازة عامة في الفقه وإجازة بالقراءات العشر للقرآن.

بعد الإفراج عنه عام 2006، عين مسؤولاً شرعياً عاماً للقاعدة لمنطقة غرب الموصل ومسؤول العلاقات العامة مع العشائر.

بعد الإعلان عن دولة العراق الإسلامية (داعش لاحقاً) في أكتوبر 2006، عين مسؤولاً عن ديوان الحسبة وعضو اللجنة الشرعية في مدينة نينوى.

في يناير 2007، تعرض للاعتقال ثانية من قبل القوات الأمريكية غرب الموصل، وظل في السجون الأمريكية في العراق لمدة أربع سنوات، وأفرج عنه مع قيام الثورات العربية.

بعد خروجه من السجن، تم تعيينه مسؤولاً عن مكتب العلاقات العامة وولاية غرب الموصل، لكنه اعتذر عن قبول المنصب وطلب من قادة “دولة العراق الإسلامية” السماح له بالسفر إلى سوريا بدعوى أنه يعاني من مشاكل صحية وبحاجة إلى العلاج.

بمجرد وصوله إلى سوريا، انشق عن التنظيم وترك العمل الجهادي، وافتتح محل بقالة في حي شعبي بدمشق، وكان يخطط للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

عند قيام الانتفاضة السورية عام 2011، أرسل زعيم دولة العراق الإسلامية أبو بكر البغدادي وفداً إلى سوريا لتأسيس فرع للتنظيم هناك، وكان على رأس الوفد أبو محمد الجولاني الذي تواصل مع القحطاني لسابق معرفته به في العراق لمساعدته في مهمته.

في يناير 2012، شارك في تأسيس جبهة النصرة في سوريا بقيادة الجولاني، وشغل منصب المسؤول الشرعي والقاضي العام للجبهة، بالإضافة إلى توليه إمارة المنطقة الشرقية (الرقة، الحسكة، دير الزور)، وغير كنيته إلى أبو ماريا القحطاني.

في عام 2013، كان له دور أساسي في الخلاف الذي تفجر بين “الجبهة” وتنظيم دولة العراق الإسلامية بعد إعلان الأخير التمدد إلى سوريا تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، ورفض الجولاني هذا التمدد، وأعلن ولاءه لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بل إن قادة وأنصار “الدولة” حملوه بشكل شخصي مسؤولية انشقاق الجولاني، وما تلاه من اقتتال دموي بين التنظيمين، ودرجوا على وصفه بـ “الثعبان الذي أشعل فتنة الشام”.

في عام 2014، قام الجولاني بعزله من القيادة الشرعية للجبهة، وعين مكانه الأردني سامي العريدي (أبو محمود الشامي)، مع استمراره عضواً في مجلس شورى الجبهة، ومع ذلك، لم تتأثر العلاقة بينهما، وظل في موقعه كمستشار شخصي للجولاني.

في يوليو 2016، أعلنت جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة على المستويين الأيديولوجي والتنظيمي، وتشكيل جماعة جديدة تحت اسم “جبهة فتح الشام”، وتحولها إلى الجهاد المحلي، وحصر عملياتها داخل سوريا، واعتبر القحطاني المهندس الرئيس لهذا القرار الذي أثار جدلاً واسعاً وتحليلات متضاربة.

في يناير 2017، أعلنت جبهة فتح الشام اندماجها مع أربعة فصائل مسلحة في الشمال السوري تحت اسم “هيئة تحرير الشام”، وأصبح القحطاني فعلياً الرجل الثاني في الهيئة بعد الجولاني.

بعد مقتل الظواهري في يوليو 2022، دعا في حساباته على منصات التواصل الاجتماعي إلى حل تنظيم القاعدة، متهماً الزعيم الجديد (المفترض وقتها) للتنظيم سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) بأنه سيحول القاعدة إلى “مطية للحرس الثوري الإيراني”، في إشارة إلى علاقات سيف العدل القوية بالحرس الثوري الإيراني بعد سنوات من الإقامة في إيران.

في أواخر عام 2022، بدأت مصادر جهادية سورية في تسريب أخبار عن انقسامات وانشقاقات داخلية في هيئة تحرير الشام، وكان اسمه القاسم المشترك بينها.

في مايو 2023: صرح في لقاء مع وسيم نصر، الصحفي بقناة فرانس 24، بأن هيئة تحرير الشام لم تعد حركة جهادية، وأن الجهاد انتهى: “نحن نعتبر اليوم أن الجهاد انتهى، وأننا لسنا حركة جهادية، ولا نريد أن نصنف كجهاديين… نحن خرجنا من هذا الأمر”.

بعد هذا التصريح، اتهمه جهاديون من القاعدة ومن تنظيمات أخرى في سوريا وخارجها بأنه يغازل أمريكا، ويقدم نفسه للاستخبارات الأمريكية على أنه معتدل وقابل للتفاهم والحوار تمهيداً لعقد شراكة إستراتيجية مع الأمريكيين ظل يحلم بها لسنوات.

في يونيو 2023، تم تداول أخبار غير مؤكدة عن حدوث اختراقات أمنية على مستوى عال داخل هيئة تحرير الشام التي تعد لاعباً رئيساً في النزاع السوري الحالي، وتسيطر منذ نحو ست سنوات على الشمال الغربي من سوريا بشكل كامل.

في يوليو 2023، اعترفت الهيئة بتعرضها بالفعل لاختراق أمني كبير، وبأنها اعتقلت خلية من أعضائها يعملون لصالح دولة أجنبية.

في 14 غشت 2023، تم اعتقال القحطاني بأوامر من الجولاني بعد ثبوت إدارته لشبكة تجسس واسعة تعمل لصالح الاستخبارات الأمريكية، وتضم العشرات من قياديي وكوادر الهيئة. علاوة على ذلك، تم اتهامه بالتخطيط لتنفيذ انقلاب داخلي للإطاحة بقيادة الهيئة.

زر الذهاب إلى الأعلى