لماذا تتجاهل أوروبا تهديدات الإخوان المسلمين؟
إن تهديدات الإسلام السياسي اللاعنفي التي يشكلها الإخوان المسلمون والمنظمات المرتبطة بهم، يتم التغاضي عنها والاستهانة بها في أوروبا بطريقة تكاد تستوجب العقاب.
إن هدف الإخوان المسلمين ليس أقل من تقويض الديمقراطية الغربية وتدميرها، ومع ذلك، لا تزال جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات المرتبطة بها تتلقى دعماً مالياً كبيراً من الموارد العامة، وتستفيد من منصات التأثير على الرأي العام في أوروبا؛ إذ يتم دعم الدراسات الإسلامية والجمعيات الثقافية على جميع مستويات الحكم في أوروبا، وترسل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تبرعات بملايين الدولارات إلى منظمات مثل الإغاثة الإسلامية، والتي، على الرغم من مشاركتها في الأعمال الخيرية، لا تزال تحمل أجندة إسلاموية وآراء معادية للسامية.
وتستمر أموال الاتحاد الأوروبي في تمويل المنظمات الإسلامية داخل أوروبا وخارجها، وبالتالي، فإن الدول الديمقراطية الأوروبية والاتحاد الأوروبي ككل يقطع فرع الشجرة الذي يجلس عليه، عندما يدعم المنظمات التي تهدف أجنداتها إلى تقويض الديمقراطية الغربية وتدميرها في نهاية المطاف.
هدف جماعة الإخوان المسلمين هو السيطرة على الإنسانية
تُعرف جماعة الإخوان المسلمين بقدرتها على التكيف مع المشهد السياسي المحلي، حيث تقوم بتعديل استراتيجياتها وفقًا للاحتياجات المختلفة في مختلف البلدان. ومع ذلك، يظل التركيز دائمًا على نفس الهدف النهائي. إن قدرة جماعة الإخوان المسلمين على التكيف مع الظروف المحلية هي أعظم خداع للجماعة، الأمر الذي يقود الكثيرين أيضًا إلى التقليل من مدى خطورة هذه المنظمة التي تعود جذورها إلى مُثُل الحركات الإسلامية في القرن العشرين.
إن جماعة الإخوان المسلمين هي عدو للعالم الغربي، ولمفاهيمنا عن الديمقراطية، وهي تسعى جاهدة لتدميرهما معًا. إنها عملية للغاية وتنحاز استراتيجيًا إلى الجمعيات التقدمية، وتخفي دوافعها الحقيقية وراء العمل الخيري، غير أن هدفها النهائي هو “التمكين” الذي يعني، وفقاً لأحد أعظم منظري الإسلام السياسي، علي الصلابي، “حكم الإسلام على أي دين آخر، والسيطرة على الإنسانية جمعاء”.
ويصف العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين، محمد لويزي، نموذج العمليات الحالي للجماعة بأنه مثل “نجمة البحر”، لها أشعة مختلفة، وهي مستقلة رسميًا عن بعضها البعض، ولكنها متصلة من خلال وجهات النظر الأيديولوجية، والمنظمات الإطارية المشتركة، والروابط الفردية، وتلعب المنظمات المرتبطة بها دورًا حاسمًا في عمليات جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا.
جماعة الإخوان المسلمين ليست منظمة سلمية
على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا لا تدعم تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة، فإن وصف الإخوان المسلمين بالسلمية ليس في محله. إن دعمهم لحماس والجهاد في سوريا يشكل دليلاً على استعدادهم لاستخدام العنف كأداة لتحقيق أهدافهم. ويمكن ملاحظة الطبيعة الفعلية للإخوان من خلال علاقتهم الودية بالثيوقراطية الإيرانية. لقد كانت العلاقات بين المسلمين السنة والشيعة متوترة تاريخياً. كان حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يرغب في تهدئة هذا التوتر، وعندما تولى روح الله الخميني السلطة في عام 1979، عرض أعضاء الإخوان دعمهم.
ويمكن للمنظمات الإسلامية التي لا ترتبط بالعنف أن تعطي انطباعًا بأنها “معتدلة” عند مقارنتها بالجماعات السلفية الجهادية، التي تتبنى العنف علنًا، لكن هذا الفهم غير الصحيح هو خطأ مأساوي، مثل غيرها من المنظمات الإسلامية العالمية، فإن جماعة الإخوان المسلمين هي عدو للقيم الغربية، وسوف يسيء أنصارها استخدام مصطلحات مثل الحرية الدينية، وتمثيل المجتمعات، والتعددية الثقافية، والهوية، ويدعون إلى “الحوار” بين الحضارات لإخفاء طبيعتها الحقيقية.
وتهدف كل هذه الجهود إلى تدمير الديمقراطيات والحريات الغربية، وهي نفس الحريات التي ينتهكها أنصار الإخوان المسلمين باستمرار. ويتضمن هذا النهج شراكات إستراتيجية مع الحركات التقدمية. ومع ذلك، فإن ذلك لا يغير أي شيء في هدفهم النهائي، وهو إقامة دولة مبنية على الشريعة الإسلامية.
الغرب هو العدو رقم واحد
يعتقد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، أن التاريخ يتميز بالقتال والتوترات المتأصلة بين الشرق والغرب، كما رأى أن تراجع الشرق يمكن أن يعزى إلى التدهور التدريجي للإسلام الحقيقي. في نظره، كانت أسوأ عواقب الاستعمار الغربي هي ربط الاحتلال بتحرير القواعد الأخلاقية.
ولهذا السبب، أعاد حسن البنا تعريف ثنائية الإسلام الكلاسيكية المتمثلة في دار الإسلام ودار الحرب، ووسع الفئة الأخيرة، لتشمل كل بلد تقريبًا لا يحكمه نظام الدولة الإسلامية وسلطة الشريعة.
ووصف البنا الجهاد بأنه “واجب ضروري وحاسم ولا غنى عنه على جميع المسلمين”، والذي يجب القيام به أيضًا ضد “أهل الكتاب (المسيحيين واليهود)”، وتابع أنه في كل وقت “يُستضعف المسلمون ويحكمهم الكفار”، يصبح الجهاد “فرض عين” على “كل مسلم”، كما رفض البنا تزييف أي حديث شائع يعتبر جهاد الروح أعلى أشكال الجهاد.
الشخصية المثيرة للجدل ليوسف القرضاوي
ولكي نفهم موقف الإخوان المسلمين من العنف بشكل أفضل، اسمحوا لي أن أشير إلى يوسف القرضاوي. لقد أثر هذا اللاهوتي الإسلامي البارز المعاصر بشكل كبير على جماعة الإخوان المسلمين، ويعتبره بعض التقدميين جسرًا بين الغرب والإسلام، كما أنه يجسد تناقضات موقف الإخوان المسلمين من العنف.
صحيح أن يوسف القرضاوي هو الذي يقف وراء الإدانة الدولية لأحداث 11 سبتمبر في صحيفة القدس العربي اللندنية، لكنه أيضاً مؤيد للعمليات الانتحارية في مواقع مختلفة، على سبيل المثال، في إسرائيل أو ضد التحالف في العراق.
وفي الوقت نفسه، يرفض القرضاوي المواجهة العنيفة، ليس لأنه يعتقد أنها خاطئة بطبيعتها، ولكن ببساطة لأنه يرى أنها في ظل الظروف الحالية تأتي بنتائج عكسية على أهداف الحركة، كما أعرب أيضًا عن أن الإسلام سوف يغزو أوروبا سلميًا ذات يوم من خلال المساعي التبشيرية (أي الدعوة). إن تدهور التقاليد الغربية هو موضوع بارز على أجندة القرضاوي، وهو لا يخجل من الدعوة، على سبيل المثال، إلى عقوبة الإعدام للمثليين والمنشقين.
دعم سخي من ميزانية الاتحاد الأوروبي
من الأمثلة المعروفة للمنظمات التي أسسها الإخوان المسلمون، أو تأثرت بأيديولوجيتهم منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية التي سبق ذكرها، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي يوحد المنظمات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
علاوة على ذلك، فإن اتحاد الشباب الإسلامي والمنظمات الطلابية الأوروبية، الذي يستهدف الطلاب والشباب، يقع أيضًا تحت تأثير اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا. وكما تم التأكيد عليه في بداية المقال، فإن هذه المنظمات تستفيد من الدعم المالي من الموارد العامة، وحتى من ميزانية الاتحاد الأوروبي، واسمحوا لي أن أقول إننا لا نتحدث عن العملات الصغيرة هنا.
بحسب نظام الشفافية المالية التابع للمفوضية الأوروبية، فقد تلقى فرع الإغاثة الإسلامية في ألمانيا (الإغاثة الإسلامية الألمانية) أكثر من نصف مليون يورو دعماً في عام 2019 من ميزانية الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2018، دفعت المفوضية مبلغ 400 ألف يورو لمنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية و340 ألف يورو لشركة الإغاثة الإسلامية التابعة لها في ألمانيا.
علاوة على ذلك، دعمت المفوضية مبادرة مدتها ثلاثون عاماً تتعلق بتعليم وتدريب الشباب، وتنفذها منظمة الإغاثة الإسلامية في كينيا ضمن إطار صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني للطوارئ من أجل أفريقيا.
واستمرت الأموال في التدفق
في عام 2012، شاركت المفوضية الأوروبية بمبلغ 70 ألف يورو في تمويل مشروع بعنوان “شبكة رصد ومكافحة الإسلاموفوبيا” نظمه المنتدى الإسلامي الأوروبي للشباب والطلاب المذكور سابقًا ومنظمة مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا.
ومن الضروري أن نذكر هنا أن الحكومة الفرنسية قامت بحل منظمة مكافحة الإسلاموفوبيا بعد مقتل صموئيل باتي بسبب الدعاية الإسلامية طويلة الأمد، والعلاقات مع الجهاديين، والدعاة المتطرفين الذين يدعمون التخريب، ونشر آراء الكراهية المعادية للمثليين والسامية علنًا، وإضفاء الطابع النسبي على الهجمات الإرهابية.
هناك قضية أخرى تتعلق بمنظمة مكافحة الإسلاموفوبيا، وهي إحجامها عن التحرك ضد تعليقات مؤيديها على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي احتفلت بمقتل باتي وصحفيين آخرين في مجلة شارلي إيبدو الأسبوعية.
حملة مكافحة التطرف “قلب الظلام” لم تسر كما كان متوقعاً
جاءت ردود الفعل الغاضبة في جميع أنحاء أوروبا في أعقاب إطلاق مبادرة يمولها صندوق الأمن الداخلي الأوروبي لمكافحة التطرف. ويمكن اعتبار مقطع الفيديو الخاص بالحملة التي روج لها المشروع على موقع يوتيوب بعنوان “قلب الظلام” بمثابة محاولة لصياغة دفاع عن الجهادية والإخوان المسلمين.
الفيديو، الذي كان من المفترض أن يشرح مفهوم الجهاد، روج في الواقع لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة سلمية، حتى إن المفوضية اعترفت بأن “لديها مخاوف تنبع من فيديو “الجهاد” وحملة “قلب الظلام”.
وطلبت المفوضية بعد ذلك توضيحاً، وهددت بأنها “ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة إذا ثبتت أوجه القصور”، وأدى ذلك إلى حذف مقاطع الفيديو من موقع يوتيوب، وانتهت حملة مكافحة التطرف في هذه الحالة بشكل مخزٍ تماماً؛ لأنها أظهرت أن الأشخاص الذين يروجون لآراء متطرفة شاركوا أيضاً في تصميم الحملة.
الدراسة التركية المشينة حول الإسلاموفوبيا
فضيحة أخرى للمفوضية الأوروبية في السنوات الأخيرة تتعلق بتورطها في تقرير حول الإسلاموفوبيا لعام 2018، والذي نشرته مؤسسة الأبحاث التركية سيتا، المعروفة بعلاقاتها مع الرئيس رجب طيب أردوغان. مثل كل تقرير سنوي عن الإسلاموفوبيا، يدين تقرير ذلك العام انتقادات جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية السياسي التركي، كما تم تقديم مقاطع مختلفة من التقرير في البرلمان الأوروبي من قبل أعضاء المجموعات السياسية الموالية لتركيا وحزب الخضر.
وحصلت نسخة 2018 من التقرير على دعم مالي قدره 126,951,81 يورو من المفوضية الأوروبية، وحملت العلم الرسمي للاتحاد الأوروبي، مصحوبًا بالعلم التركي، وعنوان “هذا المشروع ممول من الاتحاد الأوروبي”. وأثار نشر التقرير ردود فعل غاضبة من عدة جهات، بما في ذلك من المسلمين المعارضين للإسلام السياسي والسياسيين الأوروبيين.
ونددت مجموعة العلماء والمثقفين المسلمين الألمان، في رسالة موجهة إلى رئيسة المفوضية السيدة أورسولا فون دير لاين، بدعم الاتحاد الأوروبي للتقرير، الذي يجمع، بموجب تعريف “الإسلاموفوبيا”، بين المتطرفين اليمينيين والمسلمين الإصلاحيين.
كما انتقدت المجموعة المنهجية الخاطئة للتقرير، والجمع بين التمييز ضد المسلمين وانتقاد الإسلام السياسي تحت نفس الاسم “الإسلاموفوبيا”، وشككوا في شرعية الدعم المالي الذي تقدمه المفوضية، والذي تمت الموافقة عليه من قبل مجموعة كبيرة من أعضاء البرلمان الأوروبي، بما في ذلك المجموعات السياسية مثل حزب الشعب الأوروبي، وحزب الهوية والديمقراطية، والاشتراكيين والديمقراطيين.
منظمة إسلامية كضمان للموضوعية
في عام 2017، نشرت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية تقريرًا بعنوان “التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي”، ويكشف القسم الذي يشرح منهجية الدراسة أن التقرير تمت كتابته بناءً على مشاورات مع خبراء من المجتمع المدني. إذا نظرنا بشكل صحيح بين منظمات حقوق الإنسان ومنظمات “الرقابة” التي تمت استشارتها، فيمكننا أن نجد المنتدى الإسلامي الأوروبي للشباب والطلاب.
وفي عام 2018، نظم البرلمان الأوروبي حدث “الشباب الأوروبي” الذي يستهدف جميع الشباب في جميع الدول الأعضاء. حاول الحدث “تقديم ومناقشة ـ مع المشاركين الآخرين ومع صناع القرار الأوروبيين ـ الأفكار للوصول إلى تغييرات في أوروبا”، و”دعم السياسات الأوروبية المستقبلية”، و”تيسير التواصل الثقافي”، و”تبادل ومناقشة التنوع الثقافي في أوروبا”. إحدى اللجان التي تحمل عنوان “آمن أو حر”، والتي كانت مخصصة لإيجاد التوازن بين الأمن والحرية في الاتحاد الأوروبي، تم تخصيصها للمنظمة الإسلامية المنتدى الإسلامي الأوروبي للشباب والطلاب.
وقف الدعم عن الإسلاميين تحت غطاء التعددية التعبيرية
يتعين على المتشككين أن يعترفوا أخيراً بأنه حتى الإسلام السياسي الذي يتسم بالسلمية في الخارج، من الممكن أن يشكل مشكلة خطيرة، وأن أنصار جماعة الإخوان المسلمين يتقاسمون نفس العقلية التي يتبناها الإسلاميون، الذين، على العكس من ذلك، يؤيدون العنف علناً لتحقيق أهدافهم.
لديهم آراء لا تتفق مع المجتمع الحر ويحاولون نشرها. هدفهم هو تقويض الديمقراطية في أوروبا وتدميرها في نهاية المطاف. يجب أن نتوقف عن دعم الإسلاميين على جميع مستويات السياسة الأوروبية، وخاصة أولئك المتخفين تحت شعار “تعددية الآراء”.
ليس من الصواب على الإطلاق، أن ندعم أولئك الذين يريدون تدمير حريتنا. إن توفير الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي وجميع مستويات الحكم في أوروبا للمنظمات المتأثرة بالإخوان المسلمين هو مسعى سخيف، ولكن أكيد لأوروبا لتدمير نفسها. إن تخصيص أموال الاتحاد الأوروبي للأشخاص الذين يريدون تدمير حريتنا أمر مثير للسخرية، ولا يمكننا أن نتجاهل هذا الخطر بعد الآن؛ لأن مستقبل الحرية في أوروبا بأكملها أصبح على المحك.