اللجان النوعية للإخوان المسلمين
ظهر مصطلح “اللجان النوعية” في القاموس الإخواني بعد عزل الرئيس محمد مرسي عام 2013، حيث أطلق على الخلية القيادية التي تسلّلت من اعتصام رابعة قبل الفض الأمني من أجل إدارة العمليات المسلحة ضد نظام “ثورة 30 يوليو”، وترأسها القيادي محمد كمال، ثم أطلق بعد ذلك على مجموع الهياكل المسلحة التي شكلتها الجماعة لاستهداف قوات الجيش والشرطة في مختلف محافظات ومدن مصر وفقاً للخطة التي وضعتها آنذاك، والقائمة على ثلاثية: الإرباك الإنهاك الحسم.
وعملت الجماعة على التأصيل الديني / الإسلامي لتوجهها العنفي ضد الدولة من خلال تشكيل “هيئة شرعية” مصغرة لتحرير البحوث الشرعية التي تجيز ممارسة العنف الممنهج ضد مؤسسات الدولة وقوات الشرطة والجيش، من منطلق أن ولاية مرسي شرعية من الناحية الدينية، وأن الخروج عليه وعزله مخالف لصحيح الإسلام، وأن إسقاط الحكم الحالي واجب شرعي، وهو من باب دفع الصائل (= المعتدي)، وأن على كل مسلم الانضمام إلى “معركة الشرعية” التي يخوضها الإخوان، وإلا فهو في حكم “الخوالف” و”القاعدين” الذين تركوا “الجهاد” وتوعدهم الله بـ “النار” في الآخرة.
ومن أهم البحوث التي صدرت في هذا الصدد، كتاب “كشف الشبهات.. عما وقع فيه الناس من اختلافات” لأبي عبد الله مسلم بن محمد الأزهري (اسم مستعار)، وقد صدر في أواخر عام 2014 عن دار الأزاهرة الجديدة للتراث (دار نشر وهمية)، وكتاب “فقه المقاومة الشعبية للانقلاب” لأبي العز ضياء الدين أسد (اسم مستعار أيضاً)، وقد صدر في 25 يناير 2015.
وحملت “اللجان النوعية“ المسلحة التي أنشأها الإخوان عام 2013 أسماء متعددة للتمويه وحتى لا يؤثر العنف على علاقتهم بالشارع، مثل “كتائب حلوان“ التي تأسست في غشت 2013، وأعلنت عن نفسها من خلال مقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه عدد من الملثمين يرفعون أسلحة نارية ويتوعدون رجال الأمن. و“حركة المقاومة الشعبية“ التي أعلنت عن نفسها في 13 غشت 2014: في الذكرى الأولى لفض اعتصاميْ رابعة والنهضة. و”حركة العقاب الثوري“ التي أعلنت عن نفسها في 24 يناير 2015 من خلال مقطع فيديو نشر على موقع يوتيوب. و”حركة سواعد مصر حسم“ التي تأسست في أواخر عام 2015، وأصدرت في 16 يوليو 2016 بلاغها العسكري رقم 1 معلنة انطلاق عملياتها ضد ما وصفته بـ “الاحتلال العسكري والميلشيات التابعة له”، وكانت توقع بلاغاتها العسكرية بالآية 14 من سورة التوبة (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين). و”لواء الثورة” الذي أعلن عن نفسه في غشت 2016 من خلال بيان تبنى فيه الهجوم على كمين للشرطة بمدينة السادات بمحافظة المنوفية.
تنظيمياً، تم بناء مجموعات “العمل النوعي” على نظام الخلايا العنقودية، حيث تتولّى كل خلية مهمة محددة في منطقة معينة، دون أن يكون لها تواصل مع الخلايا الأخرى، تجنباً لسقوط كل البناء في حال سقطت إحدى لبناته. وتتكون كل خلية من كادر قيادي وأربع مجموعات: مجموعة الاستطلاع والرصد، ومهمتها التحري وجمع المعلومات عن محيط “الهدف” وتحركاته. مجموعة الدعم اللوجستي، ومهمتها توفير احتياجات العملية من الأسلحة والذخائر. مجموعة التنفيذ. وأخيراً مجموعة التأمين التي تتولّى تغطية انسحاب منفذي العملية من منطقة العمليات دون خسائر أو بأقل خسائر ممكنة.
ونفذت “اللجان النوعية“ خلال سنوات 2014 2017 المئات من العمليات المسلحة (تفجيرات اغتيالات) التي استهدفت منشآت وأفراد الجيش والشرطة. على سبيل المثال: ما بين شهري فبراير ومارس 2014، نفذت “كتائب حلوان“ عمليات عديدة ضد أهداف أمنية بضاحية حلوان (جنوب القاهرة) منها اقتحام وحدة مرور، وإحراق العشرات من سيارات النجدة، والهجوم على قسم شرطة، وإحراق مستودع تابع لقسم شرطة آخر. كما أعلنت مسؤوليتها عن اغتيال ضابط شرطة في 16 يونيو من العام نفسه.
ومن جهتها، أعلنت “حركة المقاومة الشعبية“ قيامها بقطع شريط السكة الحديد أمام مدينة كفر سعد بمحافظة دمياط، وتعطيل حركة القطارات تماماً بين دمياط والقاهرة، وقطع الطريق الصحراوي الغربي قبالة مركز ديروط بمحافظة أسيوط، وتعطيل الحركة تماماً على الطريق الذي يربط القاهرة وأسوان، وقطع طريق المحور بـ 6 أكتوبر، وحرق سيارة مدير أمن بني سويف.
وفي 28 يناير 2016، نشرت الحركة على صفحتها على الفيسبوك أنفوجرافيك لأكثر من 25 عملية نفذتها خلال “ثلاثة أيام مضت”، منها سبع عمليات حرق (6 سيارات شرطة وعمارة ضباط حلوان)، وتفجيران بعبوة ناسفة في المنوفية والإسكندرية، وأربعة قتلى وسبع إصابات في أفراد من الجيش والشرطة، من بينهم ضابط جيش وضابطان وأمين شرطة. كما أعلنت في 10 مارس مسؤوليتها عن تفجيرات فيصل واستهداف دورية أمنية بحلوان.
أما “حركة العقاب الثوري“، فقد تبنت العشرات من عمليات العنف ضد قوات الجيش والشرطة، بالإضافة إلى منشآت حكومية، منها: استهداف مديرية أمن الفيوم بعبوة ناسفة في 5 أبريل 2015، وزرع عبوة ناسفة بمعسكر تابع للشرطة العسكرية ببورسعيد في 12 أبريل، وتفجير برجي الكهرباء الرئيسين لمدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة بثماني عبوات ناسفة في 14 أبريل، وقد أطلقت على هذه العملية اسم “قطع الألسنة”، واستهداف المحكمة العسكرية ببورسعيد بثلاث عبوات شديدة الانفجار في 19 مايو، وزرع قنبلة بمحكمة ديروط بأسيوط في 23 مايو، وهجوم مسلح على مركز شرطة بالإسكندرية في 30 يونيو، وزرع عبوة ناسفة أمام مكتب مساعد وزير الداخلية لقطاع شمال ووسط الصعيد في 18 غشت، واغتيال ضابط بالأمن الوطني في القاهرة في 22 يناير 2016.
كذلك أعلنت “حركة سواعد مصر حسم” مسؤوليتها عن عدد كبير من العمليات المسلحة ضد أفراد الأمن ومسؤولين قضائيين ورجال دين مسلمين، منها: اغتيال ضابط شرطة في 16 يوليو 2016، ومحاولة اغتيال مفتي مصر السابق علي جمعة في 5 غشت، واغتيال ضابطين وإصابة خمسة في 21 غشت، ومحاولة تفجير نادي شرطة دمياط في 4 سبتمبر، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز عثمان في 29 سبتمبر، ومحاولة اغتيال رئيس محكمة جنايات القاهرة أحمد أبو الفتوح في 4 نوفمبر، وقتل ضابطين وأربعة مجندين في 9 ديسمبر، واغتيال 3 ضباط شرطة وإصابة 5 في 2 مايو 2017، واغتيال ضابط في الأمن الوطني في 8 يوليو، ومحاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية في 24 يونيو 2018.
وانتشرت “اللجان النوعية“ للإخوان في مختلف المحافظات والمدن المصرية، وكانت لها خلايا في كل مكان، حيث يصعب حصرها بشكل دقيق. وبمتابعة المجموعات التي تم ضبط أفرادها وتقديمهم إلى القضاء، يتبين أن توزيعها الجغرافي كان يتركز بشكل أساسي في القاهرة، الجيزة، حلوان، دمياط، الفيوم، البحيرة، الإسكندرية، الزقازيق، طنطا، بني سويف، الإسماعيلية، بورسعيد، أسيوط، قنا.
وبالنسبة إلى أعضائها، يتضح من مراجعة بياناتهم أن معظمهم من الشباب ما بين العشرين
والثلاثين، ويبلغ أصغرهم 14 عاماً، وهو طالب إعدادي، كان عضواً بإحدى خلايا الإسكندرية، مع وجود بعض كبار السن الذين يتجاوزون الـ 60 عاماً، لكنهم أقلية. أما مهنياً، فالنسبة الأكبر منهم من طلاب الجامعات الحكومية (بما فيها الأزهر) والمعاهد الفنية المتوسطة، يليهم الموظفون (قطاع عام وخاص)، ثم أصحاب المهن الحرة.
وعلى مستوى القيادة، ارتبطت “اللجان النوعية” بشكل مباشر بمؤسسها وقائدها الميداني محمد كمال: عضو مكتب الإرشاد ورئيس لجنة إدارة الأزمة (اللجنة الإدارية العليا) التي تم تشكيلها لتسيير شؤون الجماعة بعد عزل مرسي، وتحديداً بعد فض اعتصاميْ رابعة والنهضة، حيث كان هو المسؤول الأول عن إدارة وتوجيه إستراتيجية المواجهة المسلحة ضد الدولة التي تتفق في كثير من عناصرها مع أفكار وتوجهات المجموعات الجهادية.
ويعد كمال، وهو من صقور التيار القطبي (نسبة إلى سيد قطب: المنظر التاريخي للجماعة)، والذي حصل على عضوية مكتب الإرشاد عام 2011، أحد أهم الأصوات الداعية لاستخدام العنف الممنهج ضد الدولة لتغيير النظام والانتقام للإخوان الذين سقطوا في فض اعتصاميْ رابعة والنهضة، كما كان من أشد الرافضين لمبدأ المصالحة أو حتى التهدئة مع الدولة، واستطاع أن يجمع حوله عدداً كبيراً من شباب الإخوان الغاضبين الذين يشاركونه توجهه الصدامي / العنفي تجاه الدولة، إلى أن قتل هو نفسه في مداهمة أمنية لمكان اختبائه بإحدى الشقق بمنطقة البساتين (جنوب القاهرة) في أكتوبر 2016.
وبعد مقتله، بدأ العد العكسي لسقوط العمل التنظيمي المسلح للإخوان، حيث اشتدت الملاحقة الأمنية للجان النوعية التي أصبحت هياكلها شبه مكشوفة للسلطات، وتراجعت عملياتها بالتدريج، وأخذت تتفكك تباعاً، وسقط الكثير من أفرادها في قبضة الأجهزة الأمنية أو قتلى في مواجهات مسلحة معها، في حين نجح عدد من كوادرها في الفرار إلى خارج البلاد: إلى تركيا بالتحديد، حيث استقروا في مدينة إسطنبول، وما زالوا يقيمون بها إلى الآن، ويشكلون نواة ما يعرف بـ “تيار التغيير” أو “الكماليون”، الذي يمثل اليوم، إلى جانب جبهتيْ إسطنبول ولندن، الطرف الثالث على خارطة الانقسام الفكري والتنظيمي الحاد الذي يضرب الإخوان المسلمين منذ خسارتهم للحكم وفشل كل محاولاتهم بعد ذلك للخروج من عنق “الأزمة” والعودة مجدداً إلى صدارة المشهد.