ما الذي يحدث داخل هيئة تحرير الشام في سوريا؟
تعيش هيئة تحرير الشام على وقع الانقسام والفوضى منذ تسريب خبر اعتقال القيادي العراقي أبو ماريا القحطاني (ميسر الجبوري) في 15 غشت الماضي، واضطرار الهيئة لإصدار بيان بعد يومين (17 غشت) تعترف فيه بالأمر.
ويعد القحطاني أحد مؤسسي جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً)، والصندوق الأسود لزعيمها أبو محمد الجولاني، وهو شخصية جدلية أثيرت حوله شبهات كثيرة منذ بروزه السريع واللافت على الساحة الجهادية السورية عام 2011.
وجاء اعتقال القحطاني ليؤكد الشائعات التي ظلت متداولة على الساحة السورية منذ مدة طويلة حول الاختراق الأمني الكبير الحاصل في صفوف الهيئة وعلى جميع المستويات.
وكان العديد من قادة القاعدة البارزين المنتمين إلى تنظيم حراس الدين: فرع القاعدة في سوريا، قد تعرضوا للتصفية من قبل طائرات التحالف بعد تسريب معلومات دقيقة عن برنامج تحركاتهم وأماكن إقامتهم التي يفترض أنها فائقة السرية ولا يعلم بها إلا قلة من المقربين، أبرزهم أبو فراس السوري (رضوان نموس) الذي قتل بغارة أمريكية في إدلب في أبريل 2016، وأبو الفرج المصري (أحمد سلامة مبروك) الذي قتل بغارة أمريكية في ريف إدلب في أكتوبر 2016، وأبو الخير المصري (عبد الله عبد الرحمن) الذي قتل بغارة أمريكية قرب إدلب في مارس 2017، وخلاد المهندس (ساري شهاب) الذي قتل بانفجار عبوة ناسفة في سيارته في إدلب في غشت 2019، وأبو محمد السوداني الذي قتل بغارة أمريكية غربي إدلب في أكتوبر 2020.
غير أن أشهر حالة اغتيال ارتبطت بالقحطاني هي للقائد العسكري ونائب زعيم حراس الدين خالد العاروري (قسام الأردني) الذي تم اغتياله بغارة أمريكية في إدلب في يونيو 2020، وكان العاروري قد أعلن، قبيل اغتياله بوقت قصير، أنه اكتشف أنه مراقب من قبل فريق أمني يقوم بتعقبه وتصويره في إدلب، وأن هذا الفريق تابع للقحطاني.
وهناك حالة مسؤول العمليات في حراس الدين أيضاً أبو عبد الله الرقاوي الذي تم اغتياله بغارة أمريكية في مسقط رأسه في الرقة في أكتوبر 2021، وثبت من خلال مصادر مقربة منه أن القحطاني أمر بالتقصي عنه والسؤال عن محل إقامته قبل أيام قليلة من مقتله.
في آخر التطورات المرتبطة بملف اعتقال القحطاني، بلغ عدد الموقوفين معه بتهمة العمالة للتحالف حتى الآن أكثر من 130 شخصاً، بينهم قياديون وكوادر وإعلاميون، ومعظمهم من جهاز الأمن العام التابع للهيئة.
على صعيد آخر، هناك انقسام حاد في طريقة التعامل مع الملف بين قيادات الصف الأول للهيئة. من جهة، هناك فريق موال للقحطاني يضغط في اتجاه عدم محاكمته والإفراج عنه والاكتفاء بعزله، وأبرز أعضائه: أبو أحمد زكور (جهاد عيسى الشيخ): مسؤول ملف الشمال. مظهر الويس: عضو مجلس القضاء والمجلس الشرعي. زيد العطار: مسؤول المكتب السياسي. أبو محجن الحسكاوي (محمد عبد الرحمن زراع): مسؤول منطقة إدلب. وفي الجهة المقابلة، هناك فريق مناوئ للقحطاني يدفع في اتجاه محاكمته وتطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بالجواسيس والعملاء في حقه، وأهم أعضائه: أنس خطاب (أبو أحمد حدود): نائب الجولاني والمسؤول الأمني العام للهيئة. أبو ماجد الشامي: عديل الجولاني وأحد أهم المسؤولين الماليين في الهيئة. أبو حفص بنش وشقيقه المغيرة: وهما من القادة العسكريين المقربين من الجولاني.
يُذكر أن الجولاني لم يحدد موقفه بعد بشكل واضح من هذه الأزمة، وإن كان على المستوى الشخصي يريد بالفعل التخلص من القحطاني الذي أصبح عبئاً عليه، وطي صفحة هذا الملف بأقصى سرعة لتقليل الخسائر المترتبة عنه، والتي من المؤكد أنها ستؤثر على تماسك واستقرر الهيئة التي تعد لاعباً أساسياً في المشهد الجهادي السوري.
أصبح الجولاني كذلك يحمل ضغينة خاصة للقحطاني بعد توصله ببعض التسجيلات الصوتية التي سجلها أحد قادة الجيش الوطني السوري للقحطاني، وتتضمن سعيه إلى الانقلاب عليه وإبعاده عن قيادة الهيئة.
غير أن الجولاني في هذا الملف بالذات، لا يملك هامشاً كبيراً من السلطة بسبب الضغط الإعلامي المكثف الواقع عليه، وكذلك بسبب تهديد الفريق المناوئ للقحطاني بالانسحاب من الهيئة في حال لم تتم محاكمته مع أعوانه، وتهديدات مقابلة من الفريق الموالي له بالانشقاق في حال تمت محاكمته، وهو ما يجعله في موقف بالغ الحرج.
من جهة أخرى، أصدر تنظيم حراس الدين: الفرع السوري للقاعدة، يوم أمس (23 غشت) بياناً بعنوان “نحن أولياء الدم” دعا فيه إلى محاكمة علنية ومستقلة للقحطاني والخلايا المتورطة معه في “العمالة للتحالف” داخل الهيئة، وهو ما ينذر بصدام مسلح بين التنظيمين في حال لم يستجب الجولاني أو يتوصل إلى تفاهمات مع قادة القاعدة.
المعلومات المسربة حتى الآن، من داخل غرفة التحقيق مع القحطاني في مقر احتجازه في معبر باب الهوى تشير إلى أنه أنكر في البداية كل التهم الموجهة إليه، ثم عاد واعترف ببعضها بحجة أنه فعلها لمصلحة الهيئة والمسلمين في سوريا والعراق.