الإخوان المسلمون في أستراليا: تقرير أولي
على عكس الدول الأوروبية الكبرى، تتسم التقارير التي تتابع الوجود الإخواني في أستراليا، على المستويين الفكري والحركي، بضعف شديد في المعلومات بسبب قلة الاهتمام البحثي والإعلامي بوضع الإخوان في هذا البلد.
لا يُعرف حتى الآن الهيكل الدقيق للجماعة داخل أستراليا، لكن الأكيد أنها تسللت إلى هذه القارة أيضاً لنشر نفوذها بين مسلميها وتوجيه أنشطتهم نحو أجندتها الخاصة. لقد وجد الإخوان موطئ قدم لهم في العديد من المساجد والجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية الإسلامية في أستراليا، وشكلوا بنية تحتية مكنتهم من بناء شبكة صغيرة، لكنها فاعلة، من الأفراد والكيانات المرتبطة بهم، لعل أبرزها مجلس الأئمة الفدرالي الأسترالي الذي يمثل اليوم معقل الحراك الإخواني في دولة يحتل فيها المسلمون المرتبة الرابعة بين معتنقي الأديان.
يُذكر أن أستراليا كانت من بين الدول المرشحة عند التنظيم الدولي للإخوان لنقل مراكزه في أوروبا إليها بعد التضييق عليهم وإخضاعهم للمراقبة وحظرهم رسمياً في السنوات الأخيرة في العديد من الدول الأوروبية، غير أن هذه الخطة واجهت صعوبات كبيرة، منها انضمام أستراليا نفسها إلى الحملة الأوروبية ضد الإخوان، حيث أعلنت الحكومة الأسترالية في فبراير 2022 وضع حركة حماس: الفرع الفلسطيني للإخوان، على قائمتها الدولية للمنظمات الإرهابية.
مجلس الأئمة الفدرالي الأسترالي
Australian National Imams Council (ANIC)
الموقع الالكتروني: www.anic.org.au
النشأة والأهداف
يعد مجلس الأئمة الفدرالي الأسترالي التنظيم المركزي للإخوان المسلمين في أستراليا بالنظر إلى الروابط الأيديولوجية القوية التي تربطه بالجماعة، في ما لا تزال العلاقات العملياتية بينهما غير واضحة حتى الآن (1) (2).
ويشكل المجلس، الذي عقد مؤتمره التأسيسي في مارس 2006، ويقع مقره الرئيس في سيدني، أعلى هيئة تمثيلية للأئمة والمشايخ والدعاة المسلمين في أستراليا، حيث يضم حالياً أكثر من 250 إماماً مسجلين كأعضاء نشطين من جميع الولايات والمدن الأسترالية، وله فروع في كل من ملبورن، كوينزلاند، أديلايد، كانبيرا، وبرث.
الهدف الأساسي للمجلس هو التعريف بالإسلام في أستراليا، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عنه، ونشر القيم الصحيحة للدين الإسلامي على نطاق واسع في جميع أنحاء أستراليا، وتعزيز ممارسة الشعائر الإسلامية في أوساط المسلمين الأستراليين، ومساعدتهم على فهم الإسلام بشكل أفضل، وخدمة مصالحهم، وحل المنازعات بينهم على أساس الشريعة الإسلامية.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل المجلس على وضع وتنفيذ خطط وبرامج إستراتيجية للتعامل مع القضايا والتحديات التي تواجه المجتمع المسلم في أستراليا في مجالات التعليم والعمل والأسرة والشباب والمرأة واللاجئين، كما يسعى إلى تعزيز الوحدة والتعاون مع جميع الأئمة والعلماء ولجان المساجد والمنظمات الدينية والاجتماعية والمؤسسات الحكومية والمدنية في جميع أنحاء أستراليا، وتوطيد العلاقات بين المسلمين والمجتمعات الدينية الأخرى على أساس الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل.
الإدارة
تتم إدارة المجلس من قبل جمعية عامة من الأئمة الأعضاء، وتنتخب الجمعية العامة لجنة تنفيذية مكونة من 20 عضواً يمثلون جميع المجالس المحلية للأئمة لمدة ثلاث سنوات، وتتولى اللجنة التنفيذية تسيير المجلس، كما تقوم باختيار أحد أعضائها وتعيينه مفتياً عاماً لأستراليا.
البنية التنظيمية
يتكون المجلس، إلى جانب الجمعية العامة، واللجنة التنفيذية، والأقسام الإدارية والمالية والإعلامية، من ثمانية هياكل رئيسة:
ـ مجلس الإفتاء الأسترالي: وهو من أهم هياكل المجلس، تم إنشاؤه عام 2019، ويتكون من 11 عضواً، ويركز على إصدار الفتاوى والبحث في القضايا الفقهية المستجدة، وتوجيه المسلمين الأستراليين دينياً، ودعمهم للحفاظ على هويتهم الإسلامية.
ـ هيئة الحلال: وهي شركة مختصة في علوم وتكنولوجيا الأغذية معتمدة لدى وزارة الزراعة الأسترالية، تعد من أكبر الشركات العاملة في سوق المنتجات الحلال في أستراليا، مهمتها التدقيق في مختلف أنواع اللحوم والأغذية ومستحضرات التجميل والمواد الصيدلية وغيرها من السلع الاستهلاكية للتأكد من مطابقتها للمواصفات والمعايير الإسلامية، وإصدار شهادات بذلك معترف بها محلياً ودولياً.
ـ مركز خدمات التعليم الإسلامي (ا ي ي س): مركز مختص في تصميم مناهج وأنظمة تدريس العلوم الدينية الإسلامية واللغة العربية بشكل متطور للطلاب المسلمين في المدارس الابتدائية والثانوية العامة الأسترالية، ويرتبط بعقود شراكة مع وزارة التعليم، ويعمل المركز أيضاً على تنظيم دورات تدريبية متخصصة لمدرسي التربية الإسلامية واللغة العربية حول المستجدات البيداغوجية المتعلقة بالتدريس الديني، إلى جانب تنظيم محاضرات وندوات وورش عمل حول مختلف القضايا المتعلقة بالمدرسة الإسلامية في المجتمعات الغربية، كما يشرف بشكل مباشر على إدارة العشرات من المدارس الإسلامية في مختلف المدن الأسترالية.
ـ المجلس الاستشاري للمرأة (أواك): تأسس عام 2020، ويتألف من 19 عضوة، ويهتم بمعالجة القضايا والتحديات التي تواجه المرأة المسلمة في المجتمع الأسترالي، ومنح المسلمات الأستراليات الفرصة للتعبير عن المشكلات التي يتعرضن لها، وبحث طرائق حلها، وتقديم الدعم اللازم لهن للتغلب على السلوكيات السلبية التي تمارس ضدهن بناء على المعتقد والمظهر الإسلامي.
ـ مركز التحكيم وحل النزاعات الزوجية (كارد): يهدف إلى مساعدة الزوجين المسلمين المتنازعين على التفاوض مباشرة مع بعضهما البعض في وجود وسيط إسلامي، ويتم اللجوء إلى المركز عندما يصل الأزواج المسلمون إلى طريق مسدود في مفاوضات الطلاق، ويرغبون في حل المشكلات العالقة بينهم بشكل ودي، والوسطاء العاملون في المركز هم مدربون وذوو خبرة في مساعدة الأطراف على التوصل إلى حل تفاوضي للنزاع، إما بالمصالحة أو الانفصال؛ وذلك وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية وضمن إطار النظام القانوني الأسترالي.
بالإضافة إلى ذلك، يقدم المركز نصائح شرعية واجتماعية ونفسية للراغبين في الزواج حول أهمية البحث عن الزوج المناسب، وأحكام الزواج الإسلامي والمسؤوليات المترتبة عنه، وكيفية بناء أسرة مسلمة على أسس وقواعد إسلامية صحيحة.
ـ منصة مكافحة الإسلاموفوبيا: تأسست عام 2021 بهدف معالجة مشكلة الممارسات العنفية المدفوعة بالكراهية للإسلام والمسلمين التي يتعرض لها المسلمون في أستراليا، والتصدي للأحزاب المعادية للإسلام وخطاباتها العنصرية التحريضية، وفتح المجال للاستماع لصوت المسلمين الذين غالباً ما يتم تصويرهم بشكل خاطئ في الإعلام المحلي والدولي، وتعمل المنصة أيضاً على توثيق حوادث الاعتداء الجسدي والإساءات اللفظية التي تستهدف الإسلام / المسلمين، خاصة النساء والأطفال، والتي يتم الإبلاغ عنها من قبل الضحايا، ونشرها على نطاق واسع، والتواصل مع السلطات الأمنية والقضائية المختصة لمتابعة مرتكبيها.
ـ لجنة أمن وسلامة المجتمع (سي اس اس سي): تهدف إلى المساعدة وتقديم المشورة لمسلمي أستراليا، والأخص القادة والمسؤولين، بشأن برامج وسياسات إدارة الأمن والطوارئ؛ وذلك من خلال إجراء مراجعات أمنية وقائية للمساجد والجمعيات والمراكز الإسلامية والتجمعات التي تتم في الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية الكبرى التي تخص المسلمين، وتوفير نقطة اتصال مركزية للسلطات المحلية والفدرالية من أجل التنسيق لضمان سلامة وأمن المنشآت الإسلامية في أستراليا بشكل أفضل، بالإضافة إلى عقد ندوات وورش عمل توعوية للسلامة والأمن يستفيد منها المسلمون، خاصة الشباب.
ـ المؤسسة الوطنية للزكاة: تعمل على جمع أموال الزكاة والتبرعات في أستراليا وتوزيعها على المستحقين من أفراد الجالية المسلمة، كما تعمل المؤسسة على التوعية بأهمية الزكاة في الإسلام وتوفير المعلومات الصحيحة والدقيقة حول كل ما يتعلق بها من أحكام.
التمويل
يعتمد المجلس في تمويل أنشطته على المنح الحكومية وأموال الزكاة والتبرعات من الجالية المسلمة، إلى جانب إيرادات أوقافه واستثماراته الخاصة، ومنها “هيئة الحلال” التي تحقق أرباحاً بمئات الآلاف من الدولارات سنوياً.
القيادة
شادي سليمان: وفقاً لتقارير إعلامية متعددة، هو الشخصية الإخوانية الأساسية في أستراليا (3)، ولد في سيدني عام 1978، وهو من عائلة فلسطينية هاجرت إلى أستراليا في ستينيات القرن الماضي. درس العلوم الشرعية بإحدى الجامعات الإسلامية في باكستان.
شارك شادي في تأسيس العديد من المؤسسات الإسلامية في أستراليا، على رأسها “مجلس الأئمة الفدرالي”، و”المسلمون المتحدون في أستراليا”، و”مركز الشباب المسلم في سيدني” (الفرع الشبابي لمنظمة “المسلمون المتحدون”)، وكلية سيدني الإسلامية، ومع أنه يرأس هذه المؤسسات جميعاً، إلا أن نشاطه الإخواني يتركز بشكل أساسي في “مجلس الأئمة الفدرالي”.
ألقى سليمان على مدار السنوات الماضية، محاضرات في عدة بلدان أوروبية كان بعضها محل جدل إعلامي وسياسي واسع. على سيل المثال: ألقى عام 2014 محاضرة في أكاديمية بارك فيو، وهي مدرسة ثانوية في برمنجهام في المملكة المتحدة، تحدث فيها عن الجهاد، ودعا الطلاب المسلمين إلى الاهتمام بأخبار المجاهدين ونصرتهم في العالم كله، ما دفع وزارة التعليم البريطانية إلى الاعتراف في وقت لاحق، تحت ضغط سياسي وإعلامي، بأن الأكاديمية ارتكبت حطأ فادحاً وخرقت القوانين التعليمية بالسماح لداعية أصولي معروف بآرائه المتشددة بمخاطبة الطلاب (4) (5) (6).
يخضع شادي للمراقبة في العديد من الدول الأوروبية، وفي أبريل 2018، منع من دخول الدنمارك بعد أن وضعته وزارة الهجرة والاندماج على قائمة رجال الدين الأجانب الممنوعين من دخول البلاد (7) (8).
إبراهيم أبو محمد: أكاديمي وداعية مصري يحمل الجنسية الأسترالية، ولد ونشأ في مصر وتلقى تعليمه في جامعة الأزهر ومنها حصل على درجة الدكتوراه. عمل أستاذاً للدراسات الإسلامية بإحدى جامعات أبو ظبي في الإمارات ما بين عامي 1988 و1996، بعدها، هاجر إلى أستراليا واستقر بها: وبالتحديد بمدينة سيدني. أسس عام 1997 محطة إذاعية خاصة للقرآن الكريم والبرامج الدينية، كما أسس عام 1998 المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية، وما زال يرأسها حتى الآن، كذلك شارك في تأسيس مجلس الأئمة الفدرالي الأسترالي الذي تولى فيه عدة مناصب قيادية، وفي عام 2019، أشرف على تأسيس “مجلس الإفتاء الأسترالي” التابع لمجلس الأئمة، وتولى رئاسته، كما يشغل منذ عام 2011 منصب المفتي العام للقارة الأسترالية.
ويرتبط أبو محمد بعلاقات خاصة مع حركة حماس وقادتها، خاصة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الذي خصه باستقبال رسمي في زيارته لغزة في ديسمبر 2012، وهي الزيارة التي رتبت لها وأشرفت عليها منظمة الإغاثة الإسلامية في أستراليا: الفرع المحلي لمنظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم في المملكة المتحدة التابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين (9) (10) (11).
خاتمة
قد يبدو، ظاهرياً، ومن خلال الحركية اللافتة لـ “مجلس الأئمة الفدرالي الأسترالي”، أن الإخوان المسلمين هم التيار الأكثر تمثيلاً للجماهير المسلمة في أستراليا، إلا أنهم في الواقع الحقيقي ما زالوا يشكلون أقلية في ظل وجود تيارات وشخصيات إسلاموية منافسة، سنية وشيعية، تسعى هي الأخرى، وبشكل منهجي، إلى التأثير على المسلمين الأستراليين ومصادرة هويتهم الإسلامية لصالح أجنداتها العقائدية / الأيديولوجية الخاصة.
هوامش:
(1) https://cutt.us/C5fPm
(2) https://cutt.us/aFLSd
(3) https://cutt.us/DicAI
(4) https://cutt.us/74JbU
(5) https://cutt.us/VwoXX
(6) https://cutt.us/c3N1h
(7) https://cutt.us/kUAze
(8) https://cutt.us/j2usB
(9) https://cutt.us/mqlfA
(10) https://cutt.us/CH5X8
(11) https://cutt.us/Gc7SG