تقارير ودراسات

الأزمة السودانية: الإسلاميون ينحازون إلى الجيش

كما كان متوقعاً، اصطف الإسلاميون في السودان إلى جانب الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان في صراعه المسلح ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.

في 15 أبريل: بعد يومين من اندلاع الاشتباكات، أعلن المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان ـ التنظيم العالمي عادل علي الله انحيازه الكامل للجيش، ووصف قوات الدعم السريع بأنها قوات “متمردة” على سلطة الدولة “رفضت الانصياع لتعليمات القيادة العسكرية”، واعتبر أن الجيش يخوض حرباً مفروضة عليه، وأن هذه الحرب “خُطّط لها بمكر وخبث ودهاء من جهات خارجية وإقليمية وعملاء الداخل لتمزيق وحدة البلاد وتفكيك جيشها، وتحويل السودان إلى دولة فاشلة”، وأن هناك مجموعة سياسية معزولة تريد السلطة وتستقوي “بسلاح الدعم السريع مما أدى إلى هذه الفتنة الهوجاء”، كما حث الشعب السوداني والفصائل السياسية كافة على الوقوف بجانب الجيش “الذي هو رمز السيادة”.

في اليوم التالي: 16 أبريل، نشر حزب المؤتمر الوطني المنحلّ، والذي حكم بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير السودان ثلاثة عقود كاملة، بياناً حمّل فيه مسؤولية ما يحدث للتدخل الإقليمي والدولي في شؤون السودان، وللأحزاب السياسية السودانية (العلمانية) التي “تدعي الوطنية” في حين أنها “تستقوي وتستنجد بالقوى الإقليمية والدولية دونما حياء أو خجل”، وأن هذه الأحزاب “مضت تستقوي بقيادة الدعم السريع وتستنجد بها حتى استدرجتها وزجّت بها في مواجهة القوات المسلحة في خطوة حمقاء وتصرف أرعن”، وعبر الحزب عن “دعمه غير المحدود للقوات المسلحة”، داعياً “قيادة الدعم السريع للانصياع التام لأوامر القوات المسلحة لتفويت الفرصة على القوى الخارجية التي تسعى إلى بذر الفتنة وتفتيت الوطن وتمزيقه”.

الموقف نفسه تبنته مختلف مكونات الحركة الإسلامية في السودان، من جماعة الإخوان المسلمين ـ فرع السودان بقيادة سيف الدين أرباب، إلى حزب الأصالة والتنمية التابع لها، إلى حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين، إلى حركة تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بقيادة المحبوب عبد السلام. كلها أعلنت انحيازها إلى الجيش ضد “تمرد” قوات الدعم السريع.

على الرغم من إقصاء الإسلاميين ومنعهم من العمل السياسي عام 2019 بعد الإطاحة بحكم البشير في انتفاضة شعبية دعمها الجيش، فإنهم ظلوا كامنين في دوائر المؤسسة العسكرية، وظلت القيادة العسكرية للجيش تضم العديد من العناصر الإسلامية المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني. وبحسب بعض التقديرات، فإن أكثر من 800 ضابط مصنفين من الإخوان المسلمين، منهم 35 من القادة، استمروا على رأس عملهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد عزل البشير.

وبقي الإسلاميون خارج أي ترتيبات سياسية خلال فترة المرحلة الانتقالية التي استمرت من أبريل 2019 حتى أكتوبر 2021، عندما أطاح انقلاب عسكري قاده عبد الفتاح البرهان بحكومة عبد الله حمدوك بدعوى “تصحيح الثورة”، وتولّى الجيش السلطة بشكل رسمي، وأصبح البرهان هو الحاكم الفعلي للسودان بلا منازع.

بعد الانقلاب، علق الإسلاميون آمالهم على البرهان لدعمهم من أجل العودة إلى صدارة المشهد. فقد سمح لهم بالظهور مجدّداً في المجال العام، وأعاد العديد من أعضاء حزب المؤتمر الوطني إلى مناصبهم السابقة داخل الأجهزة العسكرية والأمنية، كما قام بتعيين آخرين في مناصب حكومية مؤثرة، وتم رفع الحظر تدريجياً عن مئات الحسابات المصرفية الخاصة بقادة بارزين في المؤتمر الوطني، وإعادة أصولهم وممتلكاتهم المصادرة، كما أُخرج آخرون من السجون. كذلك تم تعليق عمل اللجنة التي شُكّلت لتفكيك النظام القديم. أكثر من ذلك، أودع مسؤولون في اللجنة السجن.

بالإضافة إلى ذلك، بُرّئت ساحة رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم غندور الذي كان متهماً بارتكاب جرائم ضد الدولة وأُخلي سبيله في أبريل 2022. بعدها بأيام، سُمح لعشرة كيانات إسلامية من ضمنها جماعة الإخوان المسلمين ـ التنظيم العالمي وجماعة الإخوان المسلمين ـ فرع السودان وتيارات سلفية متشددة بتدشين تكتل “التيار الإسلامي العريض”، وتم اختيار القيادي الإخواني حسن رزق رئيساً له.

وقال القيادي الإخواني أمين حسن عمر في المؤتمر التأسيسي للتكتل أن الهدف من تشكيل “التيار الإسلامي العريض” هو “تنسيق المواقف بين التيارات الإسلامية نحو الهدف الأول، وهو نهضة البلد بالدين”.

يومها، اعتبر مراقبون أن هذا التكتل ليس سوى واجهة شكلية للإخوان المسلمين يحاولون من خلالها محو الصورة الذهنية السلبية التي ارتبطت بهم، والعودة مجدداً، وبشكل علني، إلى المشهد السياسي بدعم واضح من الجيش.

أما المتظاهرون من قوى الحرية والتغيير الذين قادوا المظاهرات ضد البشير، وساعدوا على إنهاء حكمه، وظلوا يخرجون إلى الشوارع للاحتجاج على الانقلاب الذي أجهض مشروع الانتقال الديمقراطي والمطالبة بحكم مدني خالص، فاتهموا البرهان بأنه يعمل على التمكين للإسلاميين من جديد، وبأنه يمثل حصان طروادة الذي يستخدمه الإسلاميون للوصول إلى الحكم.

من ناحية أخرى، سمح البرهان بعد الانقلاب لعسكريين متقاعدين ينتمون إلى التيار الإسلامي بتشكيل ميليشيات مسلحة كقوات مساندة وداعمة للجيش في مواجهة حالة السيولة الأمنية التي تعرفها البلاد.

أبرز هذه الميليشيات قوات كيان الوطن التي تأسست في نونبر 2022، ويقودها عقيد إخواني متقاعد من الجيش هو الصوارمي خالد سعد، وهي تقاتل اليوم إلى جانب الجيش، وتصف في بياناتها قوات الدعم السريع بأنها “قوات متمردة” وراءها “أجندة أجنبية” تستهدف الشعب وتعمل على “تفتيت جيشه ومحاربة دينه”.

يُذكر أن الصوارمي، الذي شغل منصب المتحدث باسم الجيش لسنوات في عهد البشير، مَثل منذ ثلاثة أسابيع فقط أمام محكمة جنايات الخرطوم في قضايا تتعلق بعملات مزيفة وشيكات من دون رصيد وتحويل أموال إلى تركيا تخص شخصيات من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

من الميليشيات الأخرى، قوات درع السودان التي تأسست في دجنبر 2022، ويقودها أبو عاقلة كيكل، وهو رائد متقاعد من الجيش، ويضم مجلس قيادتها 16 من الضباط المتقاعدين من الدفعتين 40 و42 في القوات المسلحة، المعروفتين بولاء ضباطها الصارم للإخوان المسلمين، ولديها مشاريع استثمارية ضخمة في موريتانيا وتركيا.

وصرح أبو عاقلة كيكل في مقطع مصور وُزّع في 16 أبريل بانضمام قواته إلى الجيش تحت شعار “جيش واحد.. شعب واحد”.

وهناك أيضاً التحالف الأهلي لاسترداد الحقوق في ولاية نهر النيل المعروف اختصاراً باسم “تهراقا”، والذي تأسس في يناير 2023. وعلى الرغم من أن هذا التحالف في الأصل تنظيم ذو طابع مدني / قبلي، فإنه يضم جناحاً عسكرياً باسم “درع التحالف” تسيطر عليه شخصيات محسوبة على الحركة الإسلامية.

وقد أعلن بدوره، عن دعمه للجيش.

والخلاصة:

1 ـ من مصلحة الإسلاميين في السودان الوقوف في صف البرهان والعمل معه لتركيز السلطة بشكل كامل في أيدي الجيش: حليفهم التاريخي، على أمل أن يعيد التاريخ نفسه ويتحقق طموحهم في الحكم من خلاله.

2 ـ من غير المستبعد أن يكون للإسلاميين دور في الأزمة الجارية يتجاوز حدود الانحياز إلى أحد طرفيها، وأنهم فاعل أصلي فيها، ولكنهم كعادتهم يتحركون في الظل، ويوجهون الأحداث من مواقعهم في خلفية المشهد، ومع ذلك، من السابق لأوانه تأكيد صحة هذه الفرضية أو نفيها، بالنظر إلى أن الأزمة ما تزال في بدايتها، ولم تتضح بعد معطياتها بصورة كاملة.

زر الذهاب إلى الأعلى