تقارير ودراسات

الهيئة الإدارية العليا

نظرة على البديل المؤقت لمكتب إرشاد جماعة الإخوان

قبيل بضعة أشهر من ظهور الانقسام بين جبهتي جماعة الإخوان في لندن وإسطنبول للعلن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كانت الجماعة تعمل على إعادة تأسيس كيان بديل لـ”مكتب الإرشاد” ليتولى مهام القيادة التنفيذية في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها.

وبعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات التحضيرية، استقرت جماعة الإخوان على تأسيس الهيئة الإدارية العليا التي اعتمدت من مجلس الشورى العام كبديل تنفيذي مؤقت لمكتب الإرشاد، لتشرف على شؤون الدعوة، وتعمل على تطبيق السياسات المعتمدة من مؤسسات الجماعة الأخرى، وفق نص البيان التأسيسي للهيئة.

وما أن ضرب الانقسام الهيكلي بنيان الجماعة المتصدع، حتى تشظت الهيئة الإدارية العليا إلى هيئتين تحمل كلّ منهما نفس الاسم بعد أن انقسمت الجماعة إلى تنظيمين/ جماعتين متنافسين؛ إحداهما تعرف بجماعة الإخوان – جبهة لندن تحت قيادة القائم بأعمال المرشد صلاح عبد الحق، والأخرى جماعة الإخوان – جبهة إسطنبول تحت قيادة القائم بأعمال المرشد محمود حسين.

ومن الملاحظ أن الخلافات التي ضربت جماعة الإخوان فشطرتها، لم تؤدّ إلى إلغاء أي من الفصيلين للهيئة الإدارية العليا، بل إن كلا من الطرفين المتصارعين ركزا على تسليط الضوء على الهيئة، باعتبارها إطار مؤسسيًا للقيادة التنفيذية للجماعة، وهو ما يحمل في طياته نفيًا ضمنيًا متعمدًا لرغبة أي من القائمين بأعمال المرشد الاستئثار بالسلطة أو النفوذ داخل الإخوان، وسعيهم للعمل المؤسسي كما ذكرا في أكثر من مناسبة سابقة.

المحاولات الأولى لتأسيس كيان بديل لمكتب الإرشاد

وبالأساس، فإن فكرة تشكيل كيان مؤسسي بديل لمكتب الإرشاد أتت في ظل الظروف الصعبة التي واجهتها الجماعة عقب الإطاحة بها من الحكم في مصر، في 3 يوليو/ تموز 2013، فخلال الفترة التي تلت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، شرعت قوات الجيش والأمن المصري في حملة استئصالية ضد قيادة وأعضاء الإخوان، بلغت ذروتها في 14 أغسطس/ آب من نفس العام حينما جرى فض اعتصامي أنصار الجماعة في ميداني رابعة والنهضة.

وبفعل الحملة الأمنية المتواصلة، حتى اليوم، قوضت القيادة التنفيذية العليا لجماعة الإخوان، وهي مكتب الإرشاد الذي ألقي القبض على أكثر من نصف أعضائه بما في ذلك المرشد العام محمد بديع خلال أيام من فض اعتصامي رابعة والنهضة، وبالتالي فقدت الجماعة قدرتها على التنسيق المركزي وظل أعضاؤها يعملون بصورة مناطقية ولا مركزية بفعل المكاتب الإدارية، وهي مكاتب تنفيذية تندرج تحت مكتب الإرشاد، وأعضاء مجلس الشورى العام بالمحافظات، والذين يعملون كخط قيادي موازٍ في حالة الطوارئ.

ونشط مجموعة من أعضاء مكتب الإرشاد أبرزهم (محمد كمال، ومحمد سعد عليوة، ومحمد طه وهدان) في محاولة إعادة التنسيق المركزي وتجميع ما تبقى من أعضاء مكتب الإرشاد في كيان جديد يُمثل القيادة المؤقتة، وبحلول فبراير/ شباط 2012، نجحت تلك الجهود في تأسيس اللجنة الإدارية العليا الأولى (فبراير 2014: مايو 2015)، برئاسة محمد كمال.

وأُقرت تلك اللجنة من مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان، في اجتماع سري عقد في مصر خلال فبراير 2014، واعتُمدت أيضًا من نائب المرشد والقائم بأعماله في ذلك التوقيت محمود عزت، والذي خلف المرشد محمد بديع في منصبه حتى القبض على الأول في أغسطس/ آب 2020، لكن “عزت” اشترط أن لا تتسمى القيادة الجديدة بـ”مكتب الإرشاد المؤقت”، بل تتسمى باللجنة الإدارية العليا.

واستمرت اللجنة الإدارية العليا الأولى في العمل نحو عام وثلاثة أشهر، وحُلت بعد أن وقعت الخلافات التنظيمية الشهيرة داخل الجماعة بين فريقين؛ أولهما فريق محمد كمال واللجنة الإدارية العليا الأولى، وثانيهما فريق محمود عزت ومحمد عبد الرحمن المرسي، عضو مكتب الإرشاد، والذي اختير من القائم بأعمال المرشد ليكون رئيسًا للجنة الإدارية العليا الثانية (مايو 2015: فبراير 2017).

وعملت الجماعة في السنوات الثلاث التالية تحت قيادة القائم بأعمال المرشد محمود عزت بالتنسيق مع إبراهيم منير، نائب المرشد ثم القائم بعمله من سبتمبر/ أيلول 2020 وحتى وفاته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ومحمود حسين عضو مكتب الإرشاد والقائم بأعمال مرشد الإخوان جبهة إسطنبول حاليا.

تأسيس الهيئة الإدارية العليا

وعقب تولي إبراهيم منير منصب القائم بأعمال المرشد في 2020، قرر إنشاء لجنة إدارية معاونة له تكونت من أبرز قيادات الإخوان المصريين في تركيا وخارجها، وتشكلت تلك اللجنة من محمود حسين، ومحيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، وأحمد شوشة، ومحمد عبد المعطي الجزار، ومدحت الحداد، ومصطفى المغير.

وبنظرة مدققة إلى تشكيلة اللجنة الإدارية المعاونة، يتبين أنها تشكلت من قيادات مختلفة المشارب؛ فمنهم من كان أقرب لخط إبراهيم منير، ومنهم من يعُدّ من رجال محمود حسين المخلصين، ولعل هذا كان أحد أهم أسباب عدم التجانس في اللجنة الإدارية المعاونة والتي لم تدم طويلًا على أي حال.

وفي الفترة التي كانت اللجنة الإدارية المعاونة تعمل كقيادة تنفيذية مساعدة للقائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، كان الأخير بمساعدة عدد من قادة الجماعة البارزين يعملون على مشروع تأسيس الهيئة الإدارية العليا التي صدرت وثيقتها التأسيسية في 16 يناير/ كانون الثاني 2021.

نص وثيقة تأسيس الهيئة الإدارية العليا لجماعة الإخوان

جاء نص الوثيقة التأسيسية للهيئة كما يلي: 

تشكلت الهيئة الإدارية العليا للنظر في الشأن العام للجماعة، برئاسة القائم بأعمال المرشد العام الأستاذ إبراهيم منير؛ وذلك وفقًا لاختصاصاتها الواردة في اللائحة العامة لجماعة الإخوان المسلمين، وهي بديل لمكتب الإرشاد.

بند 1: الهيئة الإدارية العليا لجماعة الإخوان، هيئة إدارية مؤقتة يعتمدها مجلس الشورى العام وتُشرف على سير الدعوة وشؤونها وتتابع تطبيق السياسات المعتمدة من مؤسسات الجماعة.

بند 2: مرجعية الهيئة، هو مجلس الشورى العام.

بند 3: المدة القانونية للهيئة سنتان، ويعيد مجلس الشورى العام النظر في تجديدها وتشكيلها بطلب من فضيلة المرشد العام أو القائم بعمله، قبل 60 يوما من نهاية المدة.

بند 4: تتكون الهيئة من 21 عضو، وهم: (عضو مكتب الإرشاد بصفته- محمود حسين، باعتباره عضو مكتب الإرشاد الوحيد المتبقي خارج السجن-، ورئيس رابطة الإخوان المصريين بالخارج بصفته، و7 أعضاء من مجلس الشورى العام بالخارج، و7 من أعضاء اللجنة الإدارية بالداخل أو يزيدون حسبما يرى الداخل).

بند 5: تزول عضوية الهيئة بالوفاة أو طلب الإعفاء ويحق للهيئة الموافقة على إعفاء العضو بأغلبية الحضور في جلسة عرض الطلب، كما تزول العضوية للأسباب الصحية وللإخلال بشروط العضوية ومخالفته نظم الجماعة.

بند 6: في حال خلو عضوية أي عضوية، يتم استكمال العضوية من أعضاء الشورى بالخارج بترشيح من فضيلة نائب المرشد. أما في حالة أعضاء الهيئة بالداخل، فيقوم الداخل باستكمال النقص، شرط أن يحل عضو يحمل نفس الصفة التنظيمية مكان العضو الذي خلا موقعه.

بند 7: الهيئة تسمى رئيسًا من أعضائها، وللرئيس أن ينيب غيره في إدارة الجلسات ويصدر القرار فيها بالأغلبية، ويكون صدور القرار كالتالي: يكون بالتوافق بين الداخل والخارج في الشأن العام الذي يخص الجماعة ككل. أما القرار فيما يخصص الداخل، فيكون القرار بأغلبية أعضاء الداخل وبأغلبية أعضاء الخارج فيما يخص الخارج.

  • مهام واختصاصات الهيئة
  1. تقوم الهيئة بالإشراف على سير الدعوة وشؤونها وتتابع تنفيذ السياسات المعتمدة من مؤسسات الجماعة؛
  2. يقوم الداخل بإدارة شؤونه، وتقوم الرابطة بإدارة شؤونها الذاتية وفقًا للائحتها الخاصة؛
  3. تقوم الهيئة الإدارية بإعداد خطة عمل الجماعة، ويقوم مجلس الشورى العام باعتمادها ومتابعة تنفيذها مع عمل الاستدراكات اللازمة؛
  4. تقوم الهيئة بوضع البدائل والسيناريوهات التي تعالج المستجدات التي تواجهها الجماعة؛
  5. تقوم الهيئة بمتابعة والإشراف على مشروع إدارة وتطوير الجماعة وتفعيل الأداء الخاص بها.

وبتحليل نص الوثيقة التأسيسية للهيئة الإدارية العليا لجماعة الإخوان، يتضح أن الهيئة اضطلعت بنفس المهام المقررة لمكتب إرشاد جماعة الإخوان في اللائحة الداخلية للجماعة التي صيغت عام 1982، وعدلت ثلاث مرات آخرها عام 2010.

وبغض النظر عن الجوانب الإجرائية الواردة في الوثيقة التأسيسية للهيئة، يُلاحظ أن الهيئة رسخت للفصل بين تنظيم الجماعة في خارج مصر وتنظيم الجماعة داخلها، فضلًا عن إقرارها بالاستقلال الإداري لرابطة الإخوان المصريين بالخارج، والتي تتكون من سبعة مكاتب في دول آسيوية وإفريقية ينشط فيها الإخوان؛ وذلك عبر النص على أنها تُدير شؤونها وفقًا للائحتها الداخلية الخاصة.

ويبدو أن الهدف من النص على استقلال تنظيم الداخل ورابطة الإخوان المصريين في الخارج كان هدفه الحفاظ على التخصص الوظيفي في الكيانات التنظيمية ذات الطابع الإداري للجماعة بجانب محاولة من قبل القائم بأعمال المرشد، وقتها، إبراهيم منير لتجنب وقوع شقاق مع المسؤولين عن تنظيم الإخوان في الداخل ومسؤولي الرابطة وقتها الذين كانوا أقرب لغريمه محمود حسين الذي طمح لتولي منصب القائم بأعمال المرشد.

وبالفعل نشب الخلاف بين إبراهيم منير ومحمود حسين، بعد أشهر من تأسيس الهيئة الإدارية العليا، وأحال الأول الأخير وأنصاره ممن كانوا في المكتب الإداري للجماعة بتركيا إلى التحقيق، بدعوى قصور أدائهم، كما تم حل مجلس شورى القطر (تركيا) تمهيدًا لإجراء انتخابات جديدة لاختيار أعضائه؛ إذ إن آخر انتخابات أجريت كانت في 2016، وكان يفترض أن تتم الانتخابات التالية في 2020 لولا أن الظروف لم تكن مناسبة بسبب ظروف جائحة كورونا والأوضاع التي مرت بها الجماعة في ذلك الحين.

بين هيئتين إداريتين

وأدى الخلاف بين “منير” و”حسين”، والذي لا زال دائرًا حتى بعد وفاة الأول في نوفمبر من العام الماضي، إلى انقسام الهيئة الإدارية العليا إلى هيئتين إداريتين؛ فالأولى هي الهيئة الإدارية التابعة لجبهة لندن (منير)، والثانية الهيئة الإدارية التابعة لجبهة إسطنبول (محمود حسين)، والتي أُعلن عنها في يناير/ كانون الثاني 2023.

وتشكلت الهيئة الإدارية لجبهة لندن من رئيس رابطة الإخوان بالخارج في نفس الجبهة السعدني أحمد بالإضافة إلى 6 أعضاء آخرين هم: محيي الدين الزايط، حلمي الجزار، محمد الدسوقي- الطبيب تميزًا له عن قيادي إخواني آخر يحمل نفس الاسم-، وأسامة سليمان، وصهيب عبد المقصود، وأحمد شوشة.

وظلت تلك الهيئة تمارس مهامها حتى يناير/ كانون الأول 2023، حينما أجريت انتخابات تجديدية من قبل مجلس الشورى التابع لجبهة لندن وأسفرت النتيجة عن تصعيد عضوين جديدين بالهيئة؛ هما علي العوضي وحسين الشرقاوي، واللذين حلا محلا أسامة سليمان، وهو المتحدث الرسمي لجبهة لندن، وأحمد شوشة، عضو مجلس الشورى بذات الجبهة.

وفي نفس التوقيت، أعلنت جبهة إسطنبول تشكيل هيئتها الإدارية التي قالت إنها تشكلت بناءً على قرار مجلس الشورى العام- التابع للجبهة- في ديسمبر 2022، لتقوم ببعض أعمال مكتب الإرشاد وتكون ممثلة لجميع مؤسسات الجماعة.

وعلى الرغم من التكتم الشديد على تكوين أعضاء الهيئة الإدارية العليا في جبهة إسطنبول، إلا أن المعلومات المتوافرة عن تشكيلها يشير إلى أنها تتكون من محمد الدسوقي- المهندس وهو خلاف الطبيب محمد الدسوقي عضو الهيئة الإدارية العليا في جبهة لندن-، ويشغل “المهندس الدسوقي” منصب رئيس رابطة الإخوان المصريين بالخارج خلفًا للقيادي محمد عبد الوهاب-، وإسماعيل علي، الذي يتولّى أيضًا الإشراف على الملف الشرعي والدعوي بالهيئة، والقيادي بالإخوان محمود شرف الدين، وأعضاء مجلس الشورى همام علي يوسف، ومدحت الحداد، ورجب البنا وممدوح مبروك.

ويبرهن تشكيل هيئتين إداريتين للجماعة في جبهتي لندن وإسطنبول على الانقسام الهيكلي داخل الجماعة وعلى حالة الازدواج القيادي التي تعيشها منذ الانقسام بين الجبهتين، في أكتوبر 2021، وهو الانقسام الذي لا تلوح له أي نهاية قريبة في ظل الوضع الحالي.

خاتمة

حاولت جماعة الإخوان، منذ الإطاحة بحكمها في مصر عام 2013، تشكيل لجان وهيئات إدارية بديلة لمكتب إرشاد جماعة الإخوان، لتكون تلك اللجان أو الهيئات بمثابة قيادة تعمل على إدارة الأزمة التي تمر بها الجماعة منذ ذلك الحين.

ومع أن أي من تلك اللجان أو الهيئات لم تحمل اسم مكتب الإرشاد المؤقت، إلا أنها عملت من الناحية الفعلية كقيادة تنفيذية عليا للجماعة تحت إشراف القائم بأعمال المرشد الذي تغير أكثر من مرة بسبب ظروف السجن أو الوفاة أو الخلافات التنظيمية، مما يعني أن تلك اللجان أو الهيئات أصبحت هي البديل الحالي لمكتب إرشاد الإخوان.

ونجحت الجماعة، قبل انقسامها الأخير، في الوصول إلى صيغة توافقية حول تأسيس هيئة إدارية لتقوم بالإشراف على سير دعوة الإخوان ومتابعة شؤونها إلا أن الخلاف الذي تفجر بين جبهتي لندن وإسطنبول أدى إلى انشطار الهيئة الإدارية العليا وتأسيس هيئتين لهما نفس المهام تقريبًا في كلا الجبهتين.

ويعني تشكيل هيئتين إداريتين في داخل جماعة الإخوان أن الصيغة الحالية للهيئة يراها كلا الطرفين المتنازعين هي الأفضل كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد، وهذا يعني أن الهيئة الإدارية العليا ستظل موجودة لفترة تقوم بمهام القيادة التنفيذية العليا، حتى تحل محلها هيئة أو لجنة أخرى أو يعود مكتب الإرشاد للعمل، وفقًا لما قد يقرره القائمون على شؤون الجماعة، وهو الأمر الذي يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى