الإخوان وعودة سوريا للجامعة العربية… واقع متأزم وخيارات محدودة
عودة سوريا للجامعة العربية تزيد جراح "الإخوان المسلمين"
عبرت جماعة الإخوان المسلمين بجبهاتها وأفرعها المختلفة عن رفضها عودة سوريا لشغل مقاعدها بالجامعة العربية، داعية الجامعة لإعادة النظر في قرارها الذي اتخذته في مايو/ آيار الماضي، والقاضي بعودة دمشق لحضور اجتماعات مجلس الجامعة العربية وكل المنظمات والأجهزة التابعة لها.
وجاء قرار الجماعة العربية بعد نحو أسبوع من تصريح زكي بن ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان في الأردن سابقًا، والقيادي المجمدة عضويته بالجماعة حاليًا، بأن الإخوان لا تُعارض عودة سوريا للحضن العربي، وأنهم يدعمون وحدة الصف والتكاثف العربي تجاه القضايا المصيرية، وهو التصريح الذي أثار جدلًا واسعًا داخل الدوائر المؤيدة للجماعة، والتي اضطرت لنفيه موضحةً أنها لم تبحث ملف العلاقة مع سوريا ضمن أي مستوى قيادي أو أي دائرة من دوائر صنع القرار الداخلي أو الفريق السياسي لها، وأن موقفها القديم من دمشق لم يتغير.
بيد أن السجال حول الموقف من عودة سوريا للجامعة العربية جاء في وقت تمرّ به جماعة الإخوان عمومًا وفرعها السوري خصوصًا، بفترة صعبة تتقلص فيها الخيارات المتاحة أمام الجماعة بصورة تحرمها من اللجوء للتصعيد في مواجهة القرار الذي اتخذته المنظمة العربية، ولا سيما أنه يأتي في خضم حالة تقارب تقوم بها تركيا، الملاذا الآمن الأهم للإخوان حاليًا، تجاه النظام السوري.
ومع أن الجماعة وفرعها السوري تلقت تطمنيات من الجانب التركي من أن هذا التقارب لن يؤدي إلى ترحيل أو تسليم قياداتها وأنصارها لنظام دمشق، إلا أن الخطوات التي اتخذتها أنقرة، مؤخرًا، تسببت في ارتباك داخل صفوف الإخوان، ودفعها للخوض في مناقشات حول احتمالية نقل مركزها من تركيا إلى دول أخرى أبرزها قطر، حتى تتمكن من مواصلة نشاطها بحرية أكبر.
الإخوان بين الرفض الرسمي والدعوة للحلّ السياسي
وأعلنت جماعة الإخوان الأم (جبهتي إسطنبول ولندن) وكذلك جماعة الإخوان السورية رفضها عودة دمشق للجامعة العربية، داعيةً الدول الأعضاء لاتخاذ موقف ينحاز لاختيارات الشعب السوري الرافض لنظام الرئيس بشار الأسد، وفق بيانات ورسائل رسمية صادرة عنها.
وأكدت رسائل بعثها القائمون بأعمال مرشد الإخوان في جبهتي إسطنبول ولندن، محمود حسين وصلاح عبد الحق، على الترتيب، للقمة العربية التي انعقدت في جدة في مايو/ آيار الماضي أن الجماعة ترفض قرار الجامعة بعودة دمشق لها.
وقال صلاح عبد الحق، في رسالته للقمة العربية، إن جماعة الإخوان تتحفظ على عودة النظام السوري الذي أذاق شعبه القتل والتشريد وفتح الباب أمام القوى الأجنبية لتعيث في البلاد فسادًا، وفق تعبيره.
أما غريمه ونظيره الأبرز محمود حسين فاعتبر، في رسالته، أن الصراع في سوريا ما زال يحتاج حلولًا حقيقية لإخراج البلاد من الواقع الكارثي الذي تعيشه، مضيفًا دعوة النظام السوري للعودة للجامعة العربية لا يمكن أن يمثل حلًا واقعيًا بعد المجازر التي ارتكبها في حق شعبه، واستمرار حالة الجمود المهيمنة على المشهد السياسي في البلاد، وفق قوله.
وبدورها، أصدرت جماعة الإخوان السورية، بيانًا رسميًا، دعت فيه الجماعة العربية لنصرة الشعب السوري ووصفتها بأنها الإنجاز القومي الوحيد للعرب، وأنها لم تُحقق الكثير لقضاياهم، كما استنكرت قرار عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية معتبرةً أنه تماهى مع أفعال النظام على مدار السنوات الماضية، وقدم له صك غفران بإعادته للبيت العربي المشترك، وفق تعبير البيان.
وبنظرة تحليلية للمواقف الصادرة عن جماعة الإخوان، يتبين أنها تركز على محاولة حشد أي دعم ممكن ضد قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكنها تبحث في الوقت نفسه عن إطار لحل سياسي ممكن أن يُنهي حالة الجمود السياسي الحالي.
سياقات ما قبل التطبيع العربي مع دمشق
على أن تلميح جماعة الإخوان بالحل السياسي يرتبط بسياقات أخرى تعود إلى ما قبل قرار الجامعة العربية، فجماعة الإخوان السورية تُدرك أن القيادة السياسية التركية تسير بخطوات حثيثة نحو التقارب مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا سيما أنها أُبلغت في اجتماعات تمت مع الجانب التركي بهذا الموقف قبيل الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، أواخر الشهر الماضي.
ووفقًا للمعلومات المتاحة، فإن الفرع السوري للإخوان سعى لتوسيط القائم بأعمال المرشد العام- جبهة لندن صلاح عبد الحق لدى الجانب التركي من أجل إتمام تفاهمات حول وضع الجماعة وقيادتها في المرحلة الحالية، والتي تتوقع فيها قيادة الإخوان السورية إتمام التقارب بين أنقرة ودمشق.
وأوفدت جماعة الإخوان السورية مجموعة من قياداتها لحضور حفل تنصيب صلاح عبد الحق، قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، أواخر مارس/ آذار الماضي، دون إعلان رسمي عن مشاركة الإخوان السوريين حتى لا يصبح الفرع السوري جزءًا من أزمة القيادة الدائرة بين جبهتي لندن وإسطنبول.
وعقد الوفد القيادي لقاءً مع القائم بأعمال مرشد الإخوان- جبهة لندن، جرى الاتفاق خلاله على تحديد موعد لاجتماع مع قيادات سياسية وأمنية تركية وهو ما سعى فيه “عبد الحق”، قبل أن يتم تأجيل اللقاء لما بعد الانتخابات الرئاسية التركية مع إرسال تطمينات لإخوان سوريا بأن إدارة الرئيس التركي ستسعى لاتباع رؤية متوازنة في الفترة الراهنة للحفاظ على الأوضاع وعدم الإضرار بجماعة الإخوان وقياداتها.
ومع أن اللقاء الذي نسقه القائم بأعمال مرشد الإخوان- جبهة لندن تم إرجاءه لموعد لاحق، إلا أن مجموعة أخرى من قيادة جماعة الإخوان السورية على رأسهم المراقب العام السابق محمد حكمت وليد عقدوا اجتماعًا مع قيادات أمنية تركية، وناقشوا فيه مخاوف الجماعة من التقارب التركي السوري، بينما رد الجانب التركي بأن هدف هذا التقارب الأساسي هو تأمين الحدود المشتركة بين البلدين، وأنه من غير المطروح أن يتم تسليم أي من قادة الجماعة للجانب السوري، باعتباره ضد المبادئ التركية التي تحظر تسليم المعارضين للدول التي ينتمون لها.
ويبدو أن جماعة الإخوان السورية ومن خلفها الجماعة الأم تدركان وجود روابط بين التقارب التركي السوري وعودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، خاصةً وأن تلك التطورات تأتي في سياق واحد تقريبًا، وهو ما دفع الجماعة للعمل على البحث عن ملاذ آمن مناسب يمكنها من العمل بحرية أكبر دون التقيد بالتفاهمات السياسية التي تتم في إطار التقارب التركي السوري من جهة، والعربي السوري من جهة أخرى مع دمشق.
البحث عن ملاذات آمنة البديلة
وعلى الرغم من أن الجانب التركي ظلّ محافظًا على علاقاته مع جماعة الإخوان الأم وجماعة الإخوان السورية، إلا أن الأخيرة أدركت أن التغيرات التي تشهدها الخريطة السياسية الإقليمية من شأنها أن تؤثر على تموضعها وأنشطتها التنظيمية، فاتجهت إلى توزيع مراكز ثقلها وإيجاد ملاذات آمنة بديلة لعدد من قادتها.
ولا يرغب الجانب التركي في أن تسوء علاقته بجماعة الإخوان أو فرعها السوري، لا سيما أن الجهات المسؤولة عن إدارة ملف الإخوان في أنقرة رحبت بتصعيد عامر البوسلامة كمراقب عام لجماعة الإخوان السورية واعتبرته خيارًا يتجاوز أفق الصراع التقليدي بين تيار الحمويين والحلبيين داخل الجماعة، كما أن الجانب التركي يرى إمكانية الاستفادة من “البوسلامة” في إبرام اتفاقات وتفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي يغلب عليها المكون الكردي، وذلك ضمن ترتيبات يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان لإتمامها في الفترة المقبلة.
لكن الرؤية التركية حول إمكانية توظيف جماعة الإخوان السورية في ترتيبات مستقبلية تسعى لها أنقرة لم يحل دون اتخاذ الأخيرة لخطوات من شأنها أن تؤثر على الجماعة، إذ صدر قرار بوقف تجنيس المواطنين السوريين المتواجدين في الداخل التركي، كما تجاهلت الجهات الرسمية المسؤولة عن إدارة ملف جماعة الإخوان طلبًا جرى تقديمه، منذ فترة وجيزة، من قادة الفرع السوري للجماعة لعقد لقاء ثنائي للتباحث في المتغيرات التي طرأت على الساحة مؤخرًا، ولم ترد عليه حتى الآن.
ومن جهتها، استبقت جماعة الإخوان السورية إتمام التقارب التركي السوري وعودة دمشق للجامعة العربية بتوزيع عدد من قادتها على بلدان مختلفة، فحل بعضهم في دولة قطر، فيما انتقل آخرون إلى دول بريطانيا، وفرنسا، وأيرلندا ضمانًا لكي تستمر الجماعة في ممارسة أنشطتها حال حدوث أي طارئ.
ووفقًا للمعلومات المتاحة، فإن عودة سوريا للجامعة العربية والتقارب التركي السوري الذي يسير بخطى متسارعة دفع قيادة جماعة الإخوان السورية لوضع قطر في المرتبة الأولى كملاذ آمن يتم من داخله تكثيف النشاط وتصعيد الحملات المناهضة للنظام السوري.
ولعل اختيار قيادة جماعة الإخوان لقطر كملاذ آمن محتمل لتصعيد النشاط ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد يرجع إلى موقف الدوحة الرافض لعودة سوريا للجامعة العربية أو التطبيع مع دمشق في ظل وجود “الأسد” على رأس السلطة في البلاد.
خاتمة
وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن عودة سوريا للجامعة العربية والمتزامنة مع استمرار المساعي لإتمام تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق فاقم من الأزمات التي تمر بها جماعة الإخوان وبخاصةً فرعها السوري الذي يقوده، حاليا، المراقب العام عامر البوسلامة.
ومن الواضح أن تحفظ جماعة الإخوان الأم وفرعها السوري على قرار عودة سوريا للجامعة العربية، والذي تجسد في صورة رسائل رسمية أرسلها القائمون بأعمال مرشد الإخوان في جبهتي لندن وإسطنبول، كلّ على حدة، وبيانات رسمية ترفض قرار إعادة دمشق للمشاركة في فاعليات الجامعة وأجهزتها المختلفة لم يتم الالتفات له كثيرًا، علاوةً على أن الإخوان فشلت في حشد الدعم والزخم اللازمين لإعاقة القرار أو التشويش عليه على الأقل.
وفي السياق نفسه، لا توجد حتى الآن مؤشرات جديدة توحي بأن جماعة الإخوان الأم أو ربيبتها السورية لديها خطة أو رؤية واضحة للتعامل مع عودة سوريا للجامعة العربية أو التقارب التركي السوري.
ومن ناحية أخرى، تلوح في الأفق بوادر تغيير في موقف أنقرة من وجود ونشاط جماعة الإخوان السورية على الأراضي التركية، حتى مع سعي الجانب التركي للاستفادة من علاقاته مع المراقب العام عامر البوسلامة في إبرام اتفاقات مع أطراف سوريا، منها قوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية.
ويظهر أن جماعة الإخوان السورية تُدرك أن التغيير في الموقف التركي وسعي أنقرة للتقارب مع دمشق سينعكس سلبًا عليها. لذا تسعى الجماعة، في الوقت الحالي، للوصول إلى اتفاقات مع الجانب التركي من أجل تأمين وجودها في البلاد وضمان ألا يتم التضييق على قادتها المتواجدين هناك.
وبجانب مساعيها لتجديد التحالف والتفاهمات مع الجانب التركي، تضع جماعة الإخوان السورية في اعتباراتها احتمالية حدوث تغيير تكتيكي في السياسية التركية. لذا أقدمت الجماعة على توزيع قيادتها على عدة بلدان من بينها قطر، التي تنظر لها كملاذ آمن بديل يمكن أن تمارس نشاطها منه دون الضغط عليها بدلًا من الملاذ التركي الذي يضيق رويدًا على الإخوان وأنصارها.