تقارير ودراسات

في منفاهم في تركيا، إخوان اليمن يتشبثون بأحلام الخلافة

بعد ما يقرب من عقد من الحرب في الداخل، يعيش حزب الإصلاح اليمني واحدة من أسوأ الفترات في تاريخه، ومصيره مرتبط بالأولويات المتغيرة لحلفائه الدوليين.

في عام 2011، كان أحد القرارات الرئيسة الأولى للحكومة التي وصلت إلى السلطة في اليمن بعد ثورة ذلك العام، والتي كان يسيطر عليها حزب الإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، هو بناء نصب تذكاري عملاق للجنود الأتراك الذين غزوا واحتلوا البلاد مرتين، خلال 1538 و1849. وبقي النصب التذكاري هناك في صنعاء، حتى قرر الحوثيون قصفه أوائل عام 2023.

أزعج النصب التذكاري اليمنيين القوميين الذين كانوا ينظرون إليه على أنه تكريم للغزاة. وانسحب بعض الوزراء غير المنتمين إلى حزب الإصلاح من اجتماع مجلس الوزراء اعتراضاً على القرار، لكن حزب الإصلاح كان قد أجرى حساباته بالفعل. وبدا رئيس الوزراء آنذاك، محمد سالم باسندوة، مصرّاً على القيام بخطوة من شأنها أن تجعله قريباً من الرئيس رجب طيب أردوغان، حتى لو كان ذلك يعني ما اعتبره العديد من اليمنيين إعادة كتابة التاريخ اليمني وتجاهل الروايات والمشاعر القومية اليمنية.

لم يكن هذا هو الرهان الأخير الذي سيضعه الإصلاح على تركيا. طوال السباق الرئاسي التركي لعام 2023، الذي شهد منافسة شديدة، وقف اليمنيون المنتمون إلى التجمع اليمني للإصلاح (الاسم الرسمي لحزب الإصلاح) في طليعة الإسلاميين العرب، وهم يهتفون ويصلّون من أجل نجاح أردوغان وحزبه. ولفهم الكيفية التي تطور بها الحزب حتى وصل إلى هذه النقطة، يجب على المرء أن ينظر إلى تاريخه.

زُرعت بذور حزب الإصلاح اليمني في الأربعينيات على يد الفضيل الورتلاني، الداعية الجزائري الذي كلف من قبل حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المصري، بإنشاء جناح للجماعة في اليمن.

ولكن مرت 50 سنة أخرى، حتى تم تشكيل حزب الإصلاح رسمياً، عندما أصبحت الأحزاب السياسية قانونية في اليمن في التسعينيات. سمح اتفاق بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح والزعيم القبلي القوي عبد الله بن حسين الأحمر للأخير بالمشاركة في تأسيس حزب الإصلاح بدعم سعودي لتحقيق التوازن بين الاشتراكيين في اليمن الموحد حديثاً، وفقاً لسيرة الأحمر.

ومع ذلك، فإن الكثير من أعضاء الحزب اليوم يعيشون في المنفى. ويعيش العديد من قادته في تركيا، بينما تقترب حرب اليمن من عامها العاشر. وكحزب سياسي يتغذى على السلام والانتخابات بدلاً من الحرب، فإن الإصلاح يمر بواحدة من أسوأ الفترات في تاريخه، حيث يعاني من الضعف والتشرذم وسوء القيادة. ومع استمرار المفاوضات لإنهاء الحرب، يجد أيضاً المملكة العربية السعودية، حليفه الرئيس، تجري محادثات مع عدوه الأكبر، الحوثيين، تاركة الحزب خلفها.

كان لنفي كوادر الحزب تأثير مزدوج على حظوظه، فقد جعله البعد ضعيفاً في اليمن، بينما أصبح مديناً للدولة التي احتضنت كوادره وسمحت باستمرار وجوده. ويتابع الحزب الآن بإخلاص أبرز الشخصيات في الحركة الإسلامية التركية ويدخل نفسه في السياسة التركية. بالنسبة إليه، فإن فوز أردوغان في الانتخابات الأخيرة يحمل أهمية أكبر من هزيمة منافسيه السياسيين في اليمن.

ومثل بقية قادة المؤسسة السياسية التركية، لا يفهم أردوغان التعقيدات الحالية في اليمن، ولكن لديه ارتباط عاطفي بالبلاد على أساس الماضي العثماني. يتشابك تاريخ اليمن بشكل عميق مع تاريخ تركيا، حيث يشمل الغزوين العثمانيين في القرنين السادس عشر والتاسع عشر، والاحتلال الطويل الذي شهد مغادرة آخر القوات التركية أو اندماجها في المجتمع اليمني في عام 1919. ونتيجة لذلك، فإن النهج الذي تتبعه تركيا في التعامل مع اليمن يتسم بضبط النفس والتعددية؛ وتستضيف تركيا في عهد أردوغان قادة الحزب وكذلك بعض خصومهم السياسيين والعسكريين اليمنيين. وفي شوارع إسطنبول، يمكنك أن تصادف الحوثيين وقادة حزب صالح وأصحاب الأعمال اليمنيين ومجموعة واسعة من الفصائل اليمنية.

بالنسبة إلى أعضاء حزب الإصلاح على وجه التحديد، فإن إسطنبول ليست مثل أي مدينة أخرى في العالم. إن هجرتهم من اليمن التي مزقتها الحرب تحمل أصداء دينية وتاريخية عميقة، وهي فصل من إرث الإسلام المبكر، عندما عانى أتباع الدين الجديد في مكة من اضطهاد مواطنيهم المشركين. وهاجر كثيرون إلى الحبشة بأمر النبي محمد الذي أثنى على حاكم الحبشة النجاشي قائلا: “هنا يعيش ملك لا يُظلم عنده أحد”.

ويقال إن النجاشي – الذي شبهه بعض أعضاء حزب الإصلاح بأردوغان – كان متعاطفاً مع أتباع الدين الجديد. وتكذب هذه الصورة حقيقة أن قاعدة سلطة أردوغان وشرعيته ترتكز على القومية التركية، على الرغم من الجذور الإسلامية. ومع ذلك، فإن هذه الحقائق المتباينة تعني أنه، حتى اليوم، العديد من كوادر الحزب يحلمون بفكرة الخلافة المتمركزة في تركيا.

ومع ذلك، فإن أعضاء حزب الإصلاح في تركيا ممزقون بين الالتزام بنظام أردوغان وديناميكيات البلاد، والمخاوف الناجمة عن اللاجدوى من وجودهم في المنفى وخطر الانزلاق إلى النسيان.

وترجع جذور هذه المخاوف إلى أسلوب عمل أردوغان، الذي اعتمد إلى حد كبير على الاحتضان الانتهازي للحركات الإسلامية من أجل النفوذ، والتخلص منها عندما تصبح عائقاً. لقد تحالف مع الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة وتخلى عنها عندما سعى إلى إصلاح علاقاته مع الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين تعارضان بشدة جماعة الإخوان المسلمين والإسلاموية بشكل عام.

منذ عام 2015، دعمت تركيا أو عارضت الدورين السعودي والإماراتي في حرب اليمن، وفقاً للطبيعة المتغيرة لعلاقاتها المضطربة مع كل منهما. بعد الخلاف مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن مقاطعة قطر في عام 2017 ـ عندما اندلعت أزمة دبلوماسية بين قطر من جهة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، وتحولت إلى حصار كامل، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين ـ دعا أردوغان إلى إنهاء حروب اليمن ومعاناته. وعندما عاد إلى علاقات جيدة مع الملك السعودي سلمان، أدان دور إيران هناك. علاوة على ذلك، عندما أراد التنمر على السعوديين خلال قضية جمال خاشقجي، عرض على الرئيس اليمني ـ وحزب الإصلاح ـ خيار تفعيل البروتوكول العسكري الذي وقعته تركيا مع اليمن عام 2002. ومع علمه بالمكان الذي يعيش فيه بالضبط (الرياض)، أعلن الرئيس اليمني رسمياً رفض العرض.

كانت هناك حالات قليلة في السنوات السابقة واللاحقة، حيث باعت شركات تركية خاصة العشرات من الطائرات من دون طيار إلى الحكومة اليمنية لاستخدامها على وجه التحديد في حربها ضد الحوثيين، لكنها كانت بسيطة جداً لدرجة أن قائداً عسكرياً شارك في الصفقة قال مازحاً إنها بالكاد تصلح لتصوير حفلات الزفاف.

في النصف الأول من القرن العشرين، كان المجتمع اليمني (وخاصة الجزء الشمالي منه) مجتمعاً محافظاً مقارنة بمعظم الدول العربية الأخرى. وعلى الرغم من أنه كان يُحكم من قبل نظام ثيوقراطي في عهد المملكة المتوكلية، وهي ملكية دينية زيدية يقودها أئمة هاشميون، وكانت أقرب إلى الإسلام الشيعي من الإسلام السني، فإن ولادة حركة المعارضة الإسلامية لا يمكن عدّها ظاهرة يمنية بحتة.

في 26 سبتمبر / أيلول 1962، بدأت ثورة في شمال اليمن أطاحت بالنظام الملكي، وأدت إلى تشكيل الجمهورية العربية اليمنية، أو اليمن الشمالي، وفي 14 أكتوبر / تشرين الأول 1963، أُعلن التمرد في الجنوب الذي أدى في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب أهلية. البريطانيون خرجوا من عدن وأنشأوا جنوب اليمن. استمرت الحركة الإسلامية في الشمال في النمو في النصف الثاني من القرن الماضي، ولكن ليس بنفس معدل الاتجاهات القومية واليسارية في ذلك الوقت التي هيمنت على الساحة السياسية العربية، وشكلت الهوية الوطنية خلال هذه الفترة الثورية.

بعد هاتين الثورتين، تكيف الإسلاميون مع دورهم الثانوي بخفة مذهلة، ودخلوا في تحالفات متتالية مع النظام في الشمال. واستقروا بشكل أساسي على خيار مواجهة الجماعات اليسارية في الشمال التي يدعمها نظام اليمن الجنوبي.

وفي العقود التي تلت ذلك، تمكن قادة جماعة الإخوان المسلمين من تولي مناصب قوية داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية والمدنية. أصبحت جماعة الإخوان المسلمين تحت الرعاية السعودية في السبعينيات بعد أن طاردهم عبد الناصر في مصر، وعندما بدأت المملكة العربية السعودية في دعم الجماعات السنية على مستوى العالم وأصبحت مظلة لها، ما أثر على اليمن اجتماعياً وسياسياً.

ومع ذلك، لم يتخذ الإصلاح شكله الكامل حتى تسعينيات القرن الماضي، ووصل في تلك الفترة إلى ذروة قوته. وشدد الاتفاق المنشئ للاتحاد بين شمال وجنوب اليمن على مبدأ التعددية السياسية، مما ساعد المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين على الحصول على الحكم الذاتي المحلي. ويضم الحزب الذي تم تشكيله حديثاً، والذي يعرف الآن باسم الإصلاح، أيضاً عدداً من الشخصيات المؤثرة وأصحاب الأعمال المحافظين والعائدين من الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان مثل عبد المجيد الزنداني، الذي توفي قبل أسابيع في المنفى في إسطنبول. لقد أصبح حزب الإصلاح نقطة التقاء لجميع الجماعات اليمينية المحافظة، وعلى الرغم من أنه لم يكن كل منتسب إلى الإصلاح عضواً في جماعة الإخوان، فإن جميع المنتسبين إلى جماعة الإخوان في اليمن كانوا بالضرورة جزءاً من الإصلاح.

مثل كل الجماعات الإسلامية السنية السياسية في المنطقة، ارتفعت معنويات حزب الإصلاح وآفاقه بعد وصول أول حزب إسلامي في المنطقة إلى السلطة بفوزه بالرئاسة في مصر في عام 2012. ومع ثورة 2011 في مصر وصعود محمد مرسي إلى السلطة، أصبح الإسلاميون في اليمن أكثر قوة. وصلوا إلى ذروة اعتقادهم الطوباوي بأن “عصر التمكين وعودة الخلافة” على وشك أن يتحقق، كما جاء في كلمة ألقاها في ذلك الوقت عبد المجيد الزنداني في ساحة التغيير بصنعاء. وبعد مرور أربعة عشر عاماً، لم تقم الخلافة في العالم حسب رغبة الزنداني. وبدلاً من ذلك، توفي في عاصمة آخر خلافة عرفها الإسلام، وحضر جنازته أردوغان نفسه، إذ تزامنت مع جنازة الزعيم الديني التركي الشهير حسن كيليتش (زعيم طائفة إسماعيل آغا)، بعد عدم استجابة السعودية لطلب عائلة الزنداني بدفنه في مكة حسب وصيته.

لكن احتفال حزب الإصلاح في عام 2012 واجه مشكلة واحدة: كان الوقت مبكراً جداً. وكما قادت القاهرة جماعة الإخوان المسلمين إلى الهزيمة أمام الإسلام السياسي الزيدي في الأربعينيات من القرن الماضي، فقد فعلت ذلك مرة أخرى في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ضد الحوثيين، وهي حركة إحياء زيدية مسلحة مستوحاة من الإسلام السياسي الإيراني الثوري والرغبة في التصدي لانتشار السلفية المدعومة من السعودية. أدى سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، الذي لم يدم طويلاً، في يوليو/ تموز 2013، إلى تراجع انتفاضات الربيع العربي، وشعرت بذلك الحركات الإسلامية السنية في جميع أنحاء المنطقة، والتي وصلت إلى السلطة من خلال العديد من الثورات الشعبية. وفي اليمن، فتح سقوط الإخوان في مصر فصلاً صعباً أمام المنتسبين إلى الجماعة.

كانت القاعدة الشعبية لحزب الإصلاح وأذرعه الإعلامية منشغلة بالوقوف إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة في عام 2013 وأوائل عام 2014، كما نظم حزب الإصلاح مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء دعماً للرئيس السابق مرسي، الذي كان في ذلك الوقت في السجن. وفي هذه الأثناء، كان الحوثيون يسيطرون على محافظة عمران ويتقدمون نحو صنعاء. وبحلول الوقت الذي أدرك فيه الحزب خطورة التهديد، أصبح مصيره متشابكاً مع جهات فاعلة خارجية، وتراجع تماماً عن معالجة التحديات الداخلية التي يواجهها اليمن لصالح أولويات أخرى.

أدى اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2015 والتدخل العسكري بقيادة السعودية إلى تفاقم محنة الإخوان في البلاد. كانت حركة الحوثيين المسلحة، والمنافسون المحليون الآخرون، والإمارات العربية المتحدة – الحليف ظاهرياً في التحالف العسكري العربي – تهدف جميعها إلى استئصال حزب الإصلاح بسبب معارضتها للإسلام السياسي، وتعتزم إغلاق جميع مكاتب الحزب والمؤسسات التابعة له، حيثما أمكن ذلك، وتحييد قادته بالسجن أو الاغتيال.

وبدأ قادة حزب الإصلاح بمغادرة البلاد، وكان رجل الأعمال الثري والسياسي حامد الأحمر من بين أول من فروا. غادر الأحمر، الذي كان والده الراحل عبد الله الأحمر من بين الأعضاء المؤسسين للحزب، اليمن إلى إسطنبول مع اقتراب الحوثيين من صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014. ولم تعد الملاذات الآمنة التاريخية للجماعة، مصر والمملكة العربية السعودية، مواتية للعديد من أعضاء الإصلاح الذين فروا مع اشتداد الحرب. وكان النظام العسكري في مصر قد سجن مرسي وقام باعتقالات جماعية لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين. وفي الرياض، أدى صعود محمد بن سلمان إلى تقويض علاقة الإخوان المسلمين بالسعودية، مما دفع الإسلاميين إلى الهجرة من الرياض إلى إسطنبول.

وسعياً وراء العزاء والمعنى في التاريخ والجنة، أطلق أحد قادة الإصلاح على هذه الهجرة اسم “الهجرة الثالثة إلى الحبشة”، في إشارة إلى هروب أصحاب النبي محمد إلى إثيوبيا عندما واجه الدين الجديد الاضطهاد في مكة.

ونظراً لأهمية إسطنبول المتزايدة بالنسبة لحزب الإصلاح، افتتح الحزب مكتباً تنفيذياً في المدينة في عام 2016. ويبدو أن الوجود التركي في اليمن، حيث يوجد مكتب في كل محافظة، يتجاوز الأهمية التي توليها أنقرة فعلياً لليمن. واستمر هذا الاتجاه مع مقاطعة قطر في عام 2017. وبدأت إقامة قادة الإصلاح في إسطنبول تمتد من أشهر إلى سنوات.

كانت تلك السنوات من أزمة قطر هي الأصعب والأكثر عزلة بالنسبة لقادة الإصلاح في المملكة العربية السعودية. كانت جوازات سفرهم مليئة بتأشيرات متعددة السنوات لدخول قطر، لكنهم كانوا يعلمون جيّداً أن زيارة رعاتهم في الدوحة في هذه الأثناء ستخاطر بعلاقاتهم في الرياض المتورطة في الحرب في اليمن.

ومن ثم، أصبحت إسطنبول وجهة أكثر مثالية للعديد من قادة الإصلاح. لقد تمتعت ببيئة مواتية للاستثمار ـ وهي ميزة لكبار قادة الحزب ـ ونظام يعيش في سلام مع جماعة الإخوان المسلمين ومتسامح مع أيديولوجيتها. بالإضافة إلى ذلك، أتاحت تركيا للإخوان مساحة لتأسيس تجمعاتهم وتشكيل سياسات الشتات العربي. وقد احتضنت السلطات التركية انتشار القنوات التلفزيونية المؤيدة للإخوان، والتي تبث من إسطنبول (بتمويل كبير من قطر ومرخصة قانوناً من قبل السلطات التركية)، مثل قناة بلقيس، وتلفزيون يمن شباب، والمهرية. وفي تركيا، بدأوا مؤخراً أيضاً في إجراء محادثات دبلوماسية غير رسمية مع الإيرانيين، بشكل آمن وبعيداً عن أعين السعودية، خاصة بعد هجمات 7 أكتوبر / تشرين الأول في إسرائيل.

كما أقام بعض المغتربين من حزب الإصلاح علاقات وثيقة مع أجهزة الأمن التركية، مما سمح لهم بامتيازات معينة للإقامة والاستثمار والتنقل بحرية نسبية. على سبيل المثال، قبل وفاته، سُمح للزنداني، زعيم الإصلاح الذي تم تقييد أنشطته وحركاته في الرياض، بالدعوة في جميع أنحاء تركيا مع حماية أمنية إلى أن تدهورت حالته الصحية بسبب سنه المتقدمة، مما حد من أنشطته. واليوم، يدير اثنان من أبنائه مصالحه التجارية والمالية في تركيا نيابة عنه. ومن بين الآخرين الأحمر، الذي يدير إمبراطوريته التجارية من إسطنبول، وزعيم الميليشيا التي تمولها قطر حمود المخلافي. كان لدى هؤلاء الرجال الكثير من المال، ولم تمانع تركيا في التغاضي عن سياساتهم الإسلاموية. بالنسبة إلى الأتراك، فإن مسألة ما يجب فعله مع زوارهم اليمنيين يمكن أن تنتظر.

ويعيش في تركيا أكثر من 25 ألف يمني، من بينهم حوالي 6000 طالباً. الإصلاحيون ليسوا الوحيدين في المدينة. يمكن للمرء أيضاً أن يلتقي بحلفاء الرئيس السابق صالح ورجال الأعمال ذوي النفوذ، بدءاً من الصرافين التابعين للحوثيين وحتى اليمنيين الأثرياء الذين يستمتعون بالتقاعد في تركيا بعد انهيار اليمن في الحرب. وقد زاد عدد المجمعات السكنية التي يتجمع فيها اليمنيون منذ عام 2015، ومعظمها في ضواحي إسطنبول، حيث يقيم أيضاً الليبيون والمصريون الذين فروا من أنظمتهم الجديدة.

وبحسب إحصائيات الحكومة التركية، يحتل المواطنون اليمنيون المرتبة السادسة بين أصحاب العقارات العرب في تركيا، حيث اشتروا أكثر من 4400 قطعة أرض في السنوات الخمس الماضية وحدها. إن حصص قيادات الإصلاح وأعضائه من هذه الاستثمارات ليست واضحة؛ وقد قام العديد من المغتربين اليمنيين بنقل عائلاتهم ومدخراتهم إلى إسطنبول في السنوات الأخيرة سعياً وراء مستقبل أفضل بتكاليف مالية أقل، بالإضافة إلى فرص المواطنة والتعليم الجيد للأطفال.

على مستوى الأعمال، لا يختلف القادة السياسيون في حزب الإصلاح كثيراً عن نظرائهم اليمنيين من مختلف الاتجاهات السياسية الذين وجدوا أنفسهم بحاجة إلى العمل بعد أن أدى استيلاء الحوثيين على صنعاء إلى إنهاء حياتهم السياسية. وعلى الرغم من مهاراتهم التجارية المحدودة، شارك العديد من قادة الإصلاح بنشاط في مشاريع تجارية، معظمها مطاعم ومحلات حلويات ومنافذ صرف العملات. لقد فشلوا في كثير من الأحيان، إما بسبب الافتقار إلى التخطيط المناسب أو لأن مشاريعهم كانت في المقام الأول مشاريع شبحية أنشئت لغسل الأموال من البلدان المتأثرة بالصراعات والمضطربة سياسياً مثل اليمن ومصر وليبيا والعراق، ومؤخراً السودان. لكن الإصلاحيين ليسوا الوحيدين الذين يمارسون الأعمال التجارية في تركيا. ومثل عمان، استوعبت إسطنبول أعدادا كبيرة من الطبقة العليا من البلدان التي تعاني من الاضطرابات، بما في ذلك سوريا وليبيا والعراق واليمن. ومن خلال القوانين وتصاريح الإقامة المصممة بعناية، تمكنوا من استقطاب الأغنياء من تلك البلدان. في فبراير/ شباط 2022، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على العديد من الصرافين وأصحاب الأعمال، معظمهم يقيمون في تركيا ويقومون بأعمال تجارية نيابة عن الحوثيين.

وبشكل عام، ازدهر مجتمع الإصلاح في ضواحي إسطنبول، وأنشأ قاعدة صلبة بين الشتات اليمني. وكما هو الحال في اليمن، يحكم هيكل هرمي واضح المعالم أعضاء الحزب. على سبيل المثال، يتم تعيين “مشرف” مسؤول عن الفروع والأعضاء في كل محافظة تركية يقيم فيها اليمنيون. فمدينة إسطنبول، على سبيل المثال، التي تستضيف أكبر جالية يمنية، مقسمة إلى مناطق، يقود كل منها مشرف مسؤول عن الأحياء داخل منطقته. كما ينظم الحزب اجتماعات منتظمة لأعضائه في تركيا.

وينظم الذراع الدعوي لحزب الإصلاح ندوات ودروساً دينية لليمنيين في المساجد والمنازل الخاصة، بعضها مخصص للنساء فقط. وتشتمل معظم هذه الدروس على الفقه الإسلامي المتعلق بالعبادات والسلوك الشخصي، والذي يعد جزءاً لا يتجزأ من الهوية الدينية للإصلاح وتماسكه، ولكن على المدى الطويل هناك بعض المخاطر من اصطدام نهج الإصلاح مع الصوفية التي لها حضور قوي في تركيا.

ومع انتقال الإصلاحيين إلى إسطنبول، انتقلت معهم كل الأحاديث والصراعات الداخلية والانقسامات التي كانت موجودة داخل الحزب في اليمن. على سبيل المثال، ترى إحدى المجموعات الحاجة إلى التكيف مع الحياة التركية للتوقف عن الحكم على خيارات الأزياء النسائية والحياة الليلية في إسطنبول والتركيز على المزيد من القضايا السياسية والاستراتيجية. ويؤكد آخرون على أهمية الأنشطة الدعوية والتمسك بالأنظمة والمناهج الأيديولوجية المحافظة التي تتبناها أيديولوجية الحزب.

ويعارض أعضاء حزب الإصلاح بشكل عام الاندماج في المجتمع التركي وتبني أسلوب الحياة التركية. ويستلهمون تجارب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصريين والليبيين والسوريين، الذين تجمعوا في مناطق سكنية محددة مثل أحياء باشاك شهير وكايا شهير في إسطنبول، مما حولها إلى مناطق محافظة يمكن للمرء أن يتجول فيها، ويرى الحجاب أكثر من أجزاء أخرى من المدينة. وعلى الرغم من بعدها الجغرافي عن المركز، فإن ارتفاع الطلب بين الإسلاميين على الاستقرار في هذه الأحياء أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات بها، لتتحول إلى أغلى المناطق في المدينة. وقد أثار هذا استياءً كبيراً بالفعل بين الأتراك تجاه المهاجرين العرب. ففي حين يبلغ متوسط ​​الدخل الشهري للمواطن التركي 500 دولار، فإن إيجارات العقارات في باشاك شهير وكايا شهير لا تقل عن 1000 دولار شهرياً، ويستمر الطلب، في الأساس من جانب المسلمين العرب المتدينين، في الارتفاع في كل من المنطقتين. ويرفض الكثير منهم الاجتماع في الأماكن التي تقدم “الشيشة”، ناهيك عن المطاعم أو الحانات التي تقدم المشروبات الكحولية.

وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بين قيادات حزب الإصلاح المسنين حول أسلوب الحياة الذي ينبغي اتباعه في تركيا، فإن الواقع هو أن العديد من الشباب والشابات الذين يشكلون الجيل الجديد من جماعة الإخوان قد تكيفوا مع النظام الإسلامي التركي والحياة السياسية والاجتماعية التركية بشكل عام. في الواقع، يدرس المئات منهم في المدارس الدينية الإعدادية والثانوية التركية. وفي حين أنها تشبه في كثير من النواحي المعاهد المدرسية التي يديرها الإخوان في اليمن، إلا أن هذه المدارس تابعة لنظام ديني وسياسي يديره حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وتقوم الحكومة التركية أيضاً بتخصيص المنح الدراسية للمدارس الثانوية الدينية لأبناء وبنات الإخوان المسلمين المغتربين في اليمن. إن العقيدة الدينية التي يتبناها هؤلاء الطلاب متشددة، بل إنها أكثر تشدداً من عقيدة الإصلاح. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت المعتقدات المحافظة القوية التي يحملونها عادة هي بسبب تلك المدارس أو رد فعل على نمط الحياة الحديث الذي صدمهم في إسطنبول. لكن أيديولوجية هؤلاء الشباب متطرفة ومثيرة للقلق لدرجة أنهم في حديثهم مع شخص من لبنان، قد يطرحون كموضوع أول الإرهابي المتطرف أحمد الأسير، الذي قاتل ضد الجيش اللبناني والذي يتحدثون عنه باعتزاز.

في محاولته للسيطرة الشاملة على المجتمع اليمني في تركيا، لجأ حزب الإصلاح إلى قواعد اللعبة الكلاسيكية من خلال التركيز على تعليم مجتمع الطلاب اليمنيين البالغ عددهم 6000 طالباً في تركيا، بما في ذلك أولئك الذين يلتحقون بالمدارس والجامعات العلمانية التقليدية. وفي كثير من الأحيان، تنشأ صراعات بين الطلاب المنتمين إلى الحزب وأولئك الذين لا ينتمون إليه، وينتهي معظمها لصالح الطرف الأول، كما حدث عندما رفض الطلاب المتطرفون المنتمون إلى حزب الإصلاح السماح للأستاذ اليمني حبيب عبد الرب السروري بحضور منتدى نهضة وطن السنوي بسبب علمانيته الصريحة. وبحسب أكثر من مصدر داخل الحزب مقيم في إسطنبول، فإن المكتب التنفيذي للإصلاح في إسطنبول هو الذي اتخذ هذا القرار الذي تبناه فيما بعد الاتحاد العام لطلبة اليمن.

وظل التعليم هو المجال الرئيس الذي يركز عليه حزب الإصلاح في اليمن، سواء أثناء وجوده في السلطة أو في المعارضة، لذلك يمنحه وزناً وأهمية متساوية في تركيا. تم إنشاء المدارس اليمنية في تركيا تحت نفس الإدارة التي أشرفت على مدارس الإخوان الخاصة في اليمن. على سبيل المثال، افتتحت مدرسة النهضة الشهيرة في إسطنبول بنفس مدير المدرسة وأغلب المعلمين الذين كانوا في اليمن، حيث تقبل في الغالب أطفال كبار قادة الحزب الأثرياء، الذين يدفعون ما يصل إلى 3000 دولار سنوياً لكل طالب في المرحلة الثانوية. تطبق المدرسة نظاماً صارماً للفصل بين الجنسين، تماماً كما فعلت في اليمن، على عكس المدارس التركية أو غيرها من المدارس الدولية. وبالمثل، نقل حزب الإصلاح نفس نظام المدارس القرآنية من اليمن، بقيادة عبد الرقيب عباد، الذي كان يشرف سابقاً على المدرسة الإسلامية لتعليم القرآن الكريم في مسجد بلال بشارع هائل بصنعاء.

لقد مضى على حرب اليمن ما يقرب من عقد من الزمن. وبوصفه حزباً سياسياً يتغذى على السلام والانتخابات بدلاً من الحرب، فإن حزب الإصلاح يعيش أسوأ أيامه؛ فهو ضعيف ومجزأ ومطارد، وفوق كل ذلك يفتقر إلى القيادة الجيدة. ويتحدث الآن حليفه الرئيس، المملكة العربية السعودية، مع عدوّه الأكبر، الحوثيين، من وراء ظهره. كما أصبحت إسطنبول أيضاً مكاناً أقل ترحيباً مما كانت عليه من قبل، مع تزايد كراهية الأجانب ضد العرب، وهو ما يشكل مصدر قلق بسيط بالنسبة إلى أردوغان الآن بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة.

من الواضح أن أردوغان يحتفظ بحس التضامن التاريخي مع الإسلاميين اليمنيين، والإسلاميين بشكل عام، ولكن تكاليف المقامرة التي يتحملها وحده أصبحت تفوق الفوائد المترتبة على سياسة التحالف مع الإسلاميين التقليدية، وخاصة بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، التي كان أداء حزبه فيها هزيلاً. ويشبه موقف حزب الإصلاح موقف جماعة الإخوان المسلمين المصرية، التي تضررت مكانتها في تركيا إلى حد ما بعد أن اتجه أردوغان إلى التصالح مع مصر. وليس من الممكن أن يصبح الإسلاميون في اليمن أكثر أهمية بالنسبة إلى مصالح تركيا الخارجية من الإسلاميين المصريين. ببساطة، حزب الإصلاح يعيش قصة حب من طرف واحد مع أردوغان وحزبه والتاريخ العثماني بشكل عام.

وفي الوقت نفسه، يعمل مضيف حزب الإصلاح في أنقرة جاهداً على استعادة علاقاته مع الدول العربية. وفي ظل الديناميكيات الإقليمية الجديدة، من غير المرجح أن تدفع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ضغوطها إلى درجة حرمان جماعة الإخوان المسلمين وأتباعها من أحد آخر ملاذاتهم الآمنة حقاً. إنهم أكثر ذكاءً من ذلك. وبدلاً من ذلك، تفضل تركيا وحلفاؤها (الجدد) أن يحتفظ حزب الإصلاح وغيره من الإسلاميين بوجودهم في إسطنبول، حيث الفرصة أفضل لترويضهم عندما يحين وقت الشدة مقارنة بما لو كانوا في عاصمة غربية على سبيل المثال. وفي كلتا الحالتين، يبدو أنه حتى التمويل القطري الإقليمي للقنوات التلفزيونية آخذ في التقلص. وبعد تخفيف التوترات مع السعوديين، طلب القطريون من قناة بلقيس، التي تم تمويلها في البداية من الدوحة، تخفيف حدة تغطيتها. وفي عام 2023، قامت القناة بتسريح عشرين موظفاً استعداداً لتقليص توقيت البث إلى فترة بث واحدة بدلاً من 24 ساعة طوال أيام الأسبوع.

إن زيارات أردوغان الأخيرة لدول الخليج، والتي تضمنت ترحيباً حارّاً من الإمارات العربية المتحدة إلى جانب حزمة اقتصادية بقيمة 50.7 مليار دولار، تسلط الضوء على حقيقة بسيطة: لقد تغيرت حسابات أردوغان بعد الانتخابات. ويجب عليه الآن التركيز على أولوياته واحتياجاته الاقتصادية، خاصة بعد انهيار الليرة التركية، وزلزال فبراير / شباط 2023 الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص، ودمر بلدات بأكملها.

أردوغان وحزبه لا يحتاجون إلى “أئمة أو منظرين أو أي شخص”، كما أخبرني مؤخراً دبلوماسي يمني على دراية بالشؤون اليمنية التركية. “لديهم كل الأشخاص الأذكياء، وهم يعتقدون في الواقع أنهم الأئمة. ما يبحثون عنه هو أن يأتي شخص بمحفظته للاستثمار في بلدهم”.

وحتى قبل الانتخابات، بدأ الكرم التركي تجاه الإسلاميين في اليمن يتضاءل؛ فبينما منحوا الجنسية في الماضي لزعماء وشخصيات إسلامية مثل الحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان، رفضوا بأدب منح الجنسية لشخصيات مثل الزنداني أو الحسن أبكر. وخلافاً لخيال الإصلاح ورغباته، فإن إسطنبول ليست في الحقيقة حبشة جديدة.

عندما يقرأ الإصلاحيون كتب التاريخ، لا ينبغي لهم أن يقعوا في حب القاهرة أو إسطنبول أو الرياض أو حتى الدوحة. إن المقامرة على الأشخاص والأماكن خارج اليمن ليست لعبة محفوفة بالمخاطر فحسب، بل هي لعبة خاسرة بالتأكيد. بعبارة أخرى، فإن حاجة حزب الإصلاح إلى الاعتماد بشكل أقل على جماعة الإخوان المسلمين والجهات الفاعلة الخارجية وغير الحكومية، في هذه المرحلة، أمر وجودي. إذا لم يصدقوا ذلك، أن الطقس في صنعاء وحتى مأرب أفضل من طقس إسطنبول، فكل ما عليهم فعله هو إلقاء نظرة على نظرائهم المصريين، الذين استخدمهم أردوغان، عندما احتاج إليهم وتخلص منهم في النهاية، والذين يتجولون اليوم في شوارع إسطنبول وحيدين ليس لديهم شيء سوى حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

فارع المسلمي

الرابط

https://newlinesmag.com/reportage/in-exile-in-turkey-yemens-muslim-brothers-cling-to-caliphate-dreams/

زر الذهاب إلى الأعلى