تقارير ودراسات

شبكات حزب الله العالمية وتجارة الكوكايين في أمريكا اللاتينية

حزب الله هو منظمة ذات شبكات عالمية شاركت في مختلف الأنشطة السياسية والإجرامية والإرهابية منذ ما يقرب من 40 عاماً. إن تنوع أنشطة الحزب ووظائفه يجعله قضية معقدة، مما يخلق نقاشات حول كيفية تصنيفه، وما إذا كان منظمة بديلة لإيران في مناطق النزاع، أو منظمة إرهابية تستهدف اليهود في الغالب، أو مجموعة تهريب تهيمن على شبكات تهريب السجائر العالمية، أو مجموعة لغسل الأموال، أو منظمة لتهريب المخدرات متورطة في تجارة الكوكايين في جميع أنحاء العالم. وبسبب ارتباطه الوثيق بالنظام الإيراني، قام حزب الله بنشر نفوذه في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا. بعد تفصيل أصوله وموارده المالية وأنشطته العالمية. يركز هذا المقال بشكل واضح على كيفية تورط حزب الله في تجارة الكوكايين من أمريكا اللاتينية.

أصول حزب الله وموارده المالية

تأسس حزب الله في عام 1982 خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاماً. وقد أثر استيطان الجماعات الفلسطينية في أواخر السبعينيات على التركيبة السكانية في لبنان، وتزايد عدد السكان السنة ضد الشيعة والمسيحيين. وحقيقة أن هذه الجماعات بدأت في استخدام جنوب لبنان كقاعدة لمهاجمة إسرائيل أدت إلى احتلالها. علاوة على ذلك، سجلت تلك السنوات التمييز والتهميش الذي تعرضت له الطائفة الشيعية في ظل حكم الأقلية المسيحية. وبدعم من النظام المنشأ حديثاً في إيران، والذي نتج عن ثورة 1979 التي أطاحت بسلالة بهلوي، حمل الشيعة اللبنانيون السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي. الحرس الثوري الإسلامي، وهو جيش خاص أسسه روح الله الخميني، مكلف بحماية الثورة الإسلامية، قدم الأموال، وقام بتدريب الميليشيات الشيعية، وساعد في تشكيل حزب الله. وامتدت أنشطة الحزب خارج حدود لبنان لتصبح رصيداً حيوياً لإيران، وتخدم وكلاءها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبسرعة كبيرة، أصبح حزب الله منظمة عابرة للحدود الوطنية والإقليمية يتم تمويلها بموارد مختلفة. أولاً، تقدم إيران الأسلحة والمال للمنظمة. ووفقاً لتقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2020، يتلقى حزب الله 700 مليون دولار سنوياً من إيران. ثانياً، تقوم المنظمة، التي لم تخضع لعقوبات كاملة من قبل دول الاتحاد الأوروبي، بجمع ملايين الدولارات من الموالين لها في الولايات المتحدة وأوروبا. ثالثاً، يساهم الابتزاز في زيادة إيرادات حزب الله، مما يؤثر على الشركات التي يديرها أعضاء الشتات اللبناني بشأن المبلغ الذي يجب عليهم دفعه، ويبني حزب الله علاقات مع مجتمعات الشتات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ويستغلها. رابعاً، إن استخراج الموارد من المؤسسات التجارية وأعمال الزراعة يمكّن أنصار حزب الله من غسل الأموال لصالح المنظمة. خامساً، الجرائم المالية، فاستغلال النظام المصرفي يتيح للمنظمة تحقيق إيرادات عالية. على سبيل المثال، قام البنك اللبناني الكندي بغسل مئات الملايين من أموال المخدرات لصالح حزب الله من خلال بنوك في الولايات المتحدة. وأخيراً، فإن حزب الله متورط بشكل مباشر في أنشطة إجرامية مثل تجارة المخدرات وتهريب السجائر، حيث يجني من خلالها مبالغ هائلة من المال.

شبكات حزب الله العالمية

حزب الله هو منظمة عالمية تنشط في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا. في الشرق الأوسط، حزب الله هو حزب سياسي مسلم شيعي ومجموعة مسلحة مقرها في لبنان. ويُعرف عنه أنه “دولة داخل الدولة” بسبب أجهزته الأمنية الواسعة وتنظيمه السياسي المحكم وشبكته المتشعبة للخدمات الاجتماعية. وقد وصفت مصادر الحكومة الأمريكية حزب الله بأنه وكيل ودمية وطليعة حركة ثورية متأثرة بإيران، وبأنه الشريك غير الحكومي الأكثر أهمية والأطول أمداً لإيران. وقام حزب الله بنقل أفراده الحيويين من المواقع التي تركز على إسرائيل إلى العراق واليمن وسوريا، ليكون بمثابة قوة إقليمية داعمة للمصالح الإيرانية. في أعقاب اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، تولّى حزب الله دوراً قيادياً في تنسيق الوكلاء المسلحين الشيعة في الشرق الأوسط.

وتم تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والأرجنتين وباراغواي، ولا يزال الحزب متورطاً بشكل كبير في الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط. سجلت قاعدة بيانات المركز العالمي لتحليل اتجاهات الإرهاب 44 هجوماً لحزب الله في إسرائيل ولبنان وسوريا بين عامي 2018 و2022. وكشفت مجموعة بيانات الفحص أن 18 من هذه الهجمات حدثت في إسرائيل. وفي لبنان، كانت المنظمة هي الجهة التي نفذت 12 هجوماً في الفترة نفسها، حيث أطلق أعضاء الحزب النار على قوات إنفاذ القانون، واستهدفوا الأحزاب السياسية المتنافسة، واشتبكوا مع السكان السنة، واستهدفوا المتظاهرين والصحفيين. وفي سوريا، يخضع حزب الله لقيادة صارمة من الحرس الثوري الإيراني ويهدف إلى الحفاظ على نظام بشار الأسد. وشاركت قواته في 14 هجوماً في الفترة نفسها، حيث خاضت مواجهات مسلحة مع مسلحي داعش، ونهبت المتاجر في المدن السورية، واستهدفت الجماعات المتمردة المدعومة من تركيا وروسيا.

لقد زاد تورط حزب الله في الأنشطة غير المشروعة بشكل ملحوظ في العقدين الماضيين. وقد توسعت مشاركته في شبكات الكوكايين في أمريكا اللاتينية منذ مشروع كاسندرا، وهي عملية أمنية بدأت في عام 2007 واستمرت عقداً من الزمن وكانت تهدف إلى وقف تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة وأوربا. وبالإضافة إلى أنشطته الإجرامية في غرب أفريقيا وأوربا وأمريكا اللاتينية، يمتلك حزب الله أيضاً شبكات قوية لتجارة المخدرات في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، هو متورط بشكل مباشر في تهريب الكبتاغون في المختبرات على طول الحدود اللبنانية والسورية. بالإضافة إلى ذلك، وثّقت تركيا حالات تهريب مخدرات تثبت صلات حزب الله بتجار المخدرات الأتراك.

وفي الولايات المتحدة، حاول حزب الله استهداف الجيش الأمريكي وسلطات إنفاذ القانون. على سبيل المثال، في عام 2018، تم القبض على اثنين من عناصر الحزب كانا يخططان لشن هجمات في ميشيغان ونيويورك. علاوة على ذلك، تظهر القضايا المعروضة على المحاكم أن حزب الله متورط في تهريب السجائر إلى الولايات المتحدة. وفي إحدى هذه الحالات، قامت خلية تابعة للحزب بتهريب السجائر من ولاية كارولينا الشمالية إلى ميشيغان، بهدف تحقيق إيرادات من الفرق في معدلات الضرائب على السجائر بين الولايتين. وفي دعوى قضائية حديثة في أبريل / نيسان 2023، اتهم المدعون الأمريكيون ممولاً مزعوماً لحزب الله حاول التهرب من العقوبات الأمريكية المفروضة عليه. وكان المشتبه به متورطاً في معاملات مالية تنتهك العقوبات بأكثر من 440 مليون دولار، بما في ذلك استيراد البضائع إلى الولايات المتحدة وتصدير الماس والأعمال الفنية في الغالب.

حزب الله في أمريكا اللاتينية

يمكن إرجاع تأثير حزب الله في أمريكا اللاتينية إلى الموجة الأخيرة من الهجرة العربية إلى المنطقة، والتي تزامنت مع الحرب الأهلية اللبنانية. في الوقت الحالي، يمكن لنحو 18 مليون أمريكي لاتيني أن يتتبعوا أصولهم إلى المنطقة العربية. هاجر معظم هؤلاء السكان في البداية في مطلع القرن العشرين، وجاء معظمهم من سوريا ولبنان. تم تحفيز هذه الموجة المبكرة من الهجرة العربية إلى أمريكا الجنوبية من خلال حرية التعبير السائدة في المنطقة في الوقت الحالي، والإمكانية التي أتاحها ذلك للمثقفين لنشر أفكارهم دون رقابة. في الواقع، تم إنشاء عدد كبير من المطابع العربية في البرازيل والأرجنتين ودول أمريكا اللاتينية الأخرى خلال هذه السنوات، ولعبت دوراً رئيساً في نشر الأفكار التقدمية وتشجيع المؤلفين في العالم العربي.

بحلول النصف الثاني من القرن العشرين، تغيرت طبيعة دوافع الهجرة العربية إلى أمريكا اللاتينية وبدأت في الاستجابة للعنف الذي أنتجته الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والأزمة الاقتصادية التي تلت ذلك والتي عانت منها البلاد. وعلى وجه الخصوص، أدى انهيار النظام التعليمي إلى هجرة الشباب والعائلات، حيث كانت الأسر اللبنانية تقليدياً تعطي أهمية كبيرة للتعليم. وبينما حاولت العائلات لم شملها في الخارج، أدى العدد المتزايد من الهجمات الإرهابية في بيروت إلى تدقيق عالمي لجميع اللبنانيين، وبالتالي، أصبحت إجراءات التأشيرة والتجنس أكثر صعوبة بالنسبة إلى المهاجرين اللبنانيين، وهو ما دفع جميع الذين انتقلوا مؤقتاً إلى السعي للحصول على جنسيات جديدة في البلدان المضيفة لهم، إما عن طريق المساطر القانونية أو عن طريق الاحتيال. إن الحصول على الجنسية في دول أمريكا اللاتينية من خلال الاحتيال هو ممارسة لا تزال تحدث في المنطقة كما يتضح من الفضائح الأخيرة في كولومبيا وفنزويلا. وخلال هذه الفترة، استغل حزب الله وإيران هجرة اللاجئين هذه لزرع العديد من العملاء مزدوجي الجنسية وتجنيد المتعاطفين بين المهاجرين العرب والمسلمين في القارة الأمريكية.

كانت الأعمال الإرهابية الأولية التي قام بها حزب الله في أمريكا اللاتينية جزءاً من تدويل الصراع العربي الإسرائيلي. كان أولها تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس في مارس/ آذار 1992. وكان الهدف هو الانتقام لمقتل الزعيم الشيعي عباس الموسوي وابنه حسين البالغ من العمر خمس سنوات، اللذين قُتلا في غارة جوية إسرائيلية في 16 فبراير / شباط 1992 خارج حدود لبنان. وبعد أكثر من عامين بقليل، في عام 1994، وقع انفجار كبير في المركز اليهودي التابع للجمعية اليهودية الأرجنتينية الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 150 آخرين. وقررت العدالة الأرجنتينية أن الهجوم تم التخطيط له وتمويله من قبل حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله اللبناني.

وسجلت السنوات التالية تورط حزب الله في الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة. على سبيل المثال، ألقت الشرطة البيروفية القبض على أحد عناصر الحزب الذي كان يخطط لهجوم إرهابي في ليما في عام 2014. وفي تحقيق أمني آخر، أحبطت الشرطة التشيلية مؤامرة إرهابية لحزب الله في العام نفسه. وفي عام 2017، صادرت سلطات إنفاذ القانون البوليفية ما يكفي من المواد المتفجرة لصنع قنبلة تزن طنين ونصف في مستودع تابع لحزب الله. وفي عام 2021، أحبطت الشرطة الكولومبية خطة لحزب الله لاغتيال مواطن إسرائيلي وأمريكيين انتقاماً لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في يناير/ كانون الثاني 2020.

إلى جانب أعماله الإرهابية، تعود أنشطة حزب الله الإجرامية في أمريكا اللاتينية أيضاً إلى أوائل التسعينيات وتركزت بشكل رئيسي في منطقة الحدود الثلاثية في البرازيل والأرجنتين وباراغواي. وتشير وكالات الاستخبارات الرسمية إلى التهريب، وتزوير الوثائق، وغسل الأموال، وقرصنة البرامج والموسيقى، والاتجار في الأسلحة والمخدرات، باعتبارها مصادر أخرى لتمويل أنشطة الحزب في جميع أنحاء المنطقة.

حزب الله وتجارة الكوكايين

بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، امتدت روابط حزب الله في معظم أنحاء منطقة أمريكا اللاتينية، وتم تسجيل وجوده في باراجواي وفنزويلا والإكوادور وبيرو وبوليفيا والأرجنتين والبرازيل وتشيلي. في هذا الوقت، ومع استمرار تزايد الطلب العالمي على المخدرات، بدأت المنظمة في النظر إلى تجارة الكوكايين كوسيلة لتمويل أنشطتها. يعود أول مؤشر واضح على روابط حزب الله المباشرة بتجارة المخدرات إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما علمت السلطات بوجود عصابة دولية لتهريب الكوكايين وغسل الأموال يقودها ممول للحزب يدعى شكري حرب.

ربطت عمليات حرب في البداية بين مكتب إنفيغادو الكولومبي والجماعات شبه العسكرية اليمينية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) مع عصابة فاسدة في ميناء العقبة الأردني ومنظمة للتهريب البري على الحدود مع سوريا. ومع ذلك، ونظراً للطبيعة المتقلبة لسوق المخدرات الدولية، وما يترتب على ذلك من ديناميكيات متغيرة في مرحلة الإنتاج، فإن روابط حزب الله بتهريب المخدرات من كولومبيا سوف تتغير باستمرار على مر السنين.

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تم التعرف على أنشطة حرب، كان سوق إنتاج الكوكايين في كولومبيا يتركز بشكل كبير في حفنة من المنظمات الهرمية الكبيرة الراسخة. ومع ذلك، ونتيجة لإنفاذ القانون خلال العقدين الماضيين، تفرقت أعمال تصنيع الكوكايين وتوزيعه إلى عدد لا يحصى من المجموعات الصغيرة والمستقلة نسبياً التي تعمل أفقياً، ومعظمها منشق عن الكارتلات التاريخية، ويحفزها استمرار الطلب العالمي.

على سبيل المثال، ظهرت عصابة ميديلين من مكتب إنفيجادو بعد وفاة بابلو إسكوبار، ثم انقسمت في وقت لاحق إلى سلسلة من الجماعات شبه العسكرية، والتي بدورها، بعد تسريحها في عام 2005، انقسمت مرة أخرى إلى عشرات المجموعات الأخرى. اليوم، إحدى هذه المجموعات، قوة الدفاع الذاتي جايتانيستا في كولومبيا، والمعروفة أيضاً باسم جولف كلان، هي واحدة من اللاعبين الرئيسيين في سوق توزيع الكوكايين.

وبنفس المعنى، أدى تسريح القوات المسلحة الثورية الكولومبية في عام 2016 إلى ظهور سلسلة من المجموعات المنشقة التي استمرت في إدارة أجزاء أصغر من المراحل المختلفة لتجارة الكوكايين في مناطق نفوذها. وقد تم التعرف على ما لا يقل عن اثنتي عشرة من هذه الجماعات ـ المعروفة بشكل مختلف باسم المنشقين عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية أو باكريم (باندا المجرمين) ـ وعلى الرغم من أنها تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض، فقد ظهر فصيلان رئيسيان في البلاد من خلال التحالفات فيما بينها: ما يسمى “استادو مايور سونترال” بقيادة ايفان مورديسكو، وفصيل “سيغوندا ماريكيتاليا” بقيادة ايفان ماركيز.

بالموازاة مع ذلك، أصبح جيش التحرير الوطني، وهو جماعة حرب عصابات قديمة مدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب، لاعباً رئيساً في تجارة الكوكايين بعد تسريح القوات المسلحة الثورية الكولومبية والجماعات شبه العسكرية. ويسيطر جيش التحرير الوطني حالياً على الغالبية العظمى من الاقتصادات غير القانونية الموجودة على طول الحدود التي تتقاسمها كولومبيا مع فنزويلا.

في التعامل مع هذا السيناريو الجديد، تمكن حزب الله من إنشاء طريقين رئيسيين للمشاركة في تجارة الكوكايين الدولية: أحدهما عبر فنزويلا، والذي أصبح متاحاً بعد أن عزز الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والرئيس السابق لفنزويلا هوغو تشافيز العلاقات الثنائية بين البلدين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والآخر عبر الطريق الثلاثي في المنطقة الحدودية استناداً إلى علاقات الحزب طويلة الأمد مع الشبكات الإجرامية هناك. ويربط هذان الطريقان إنتاج أمريكا الجنوبية بالمستهلكين الأوروبيين عبر سوريا ولبنان، وفي الوقت نفسه يمولان أنشطة حزب الله الإرهابية.

ظهرت روابط حزب الله بفنزويلا نتيجة للتقارب بين إيران والدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد تم تسهيلها جزئياً بسبب الفساد المستشري في نظام الهجرة الفنزويلي. وتم التعرف على شبكة دولية مخصصة لبيع التأشيرات وجوازات السفر الفنزويلية من مختلف سفارات العالم لمواطني سوريا ولبنان والأردن وإيران والعراق في عام 2012. وأشارت التحقيقات إلى حصول أعضاء في حزب الله على مثل هذه الوثائق.

كما مُنحت الجنسية الفنزويلية بموافقة أعلى المستويات الحكومية، وفي بعض الحالات استفاد منها حزب الله بشكل مباشر. هذا هو حال ما أصبح يعرف باسم عشيرة نصر الدين، وهي مجموعة أفراد من عائلة واحدة يحملون الجنسيتين اللبنانية والفنزويلية، والذين أصبحوا مرتبطين بشكل وثيق بالثورة البوليفارية وشاركوا أيضاً في عدد لا يحصى من الأنشطة الإجرامية الداعمة لحزب الله. غازي عاطف، أكبر الإخوة في عائلة نصر الدين، ولد في لبنان عام 1962 وأصبح مواطناً فنزويلياً في عام 2000، وسرعان ما أصبح ثاني أكبر دبلوماسي فنزويلي في سوريا، وتم تعيينه فيما بعد مديراً للشؤون السياسية في السفارة الفنزويلية في لبنان، كان له دور أساسي في توسيع نفوذ حزب الله في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. وقيل إن عبد الله وعدي، إخوة غازي الأصغر، يديرون شبكة غسيل أموال ومركز تدريب لحزب الله من جزيرة مارجريتا.

وتؤكد الحكومة الكولومبية أن آل نصر الدين متورطون أيضاً في تجارة الكوكايين والأسلحة التي يستفيد منها كل من القوات المسلحة الثورية الكولومبية وحزب الله. ومؤخراً، أشارت التقارير إلى قيام غازي بتنسيق الخدمات اللوجستية لإدخال طائرة شحن لبنانية مليئة بالأسلحة إلى فنزويلا من أجل استبدالها بالكوكايين الذي قدمته القوات المسلحة الثورية الكولومبية. وقد تأكدت هذه المعلومات خلال لائحة الاتهام التي أصدرتها وزارة العدل ضد عادل الزبيار (مواطن سوري فنزويلي شغل منصب عضو في الكونغرس الفنزويلي ما بين 2000 و2015)، حيث أشير إلى أن تورط غازي في هذه العملية قد بدأ في عام 2009.

واستناداً إلى شبكات التهريب التاريخية على طول الحدود الكولومبية الفنزويلية، أنشأ حزب الله أيضاً شبكة من الخلايا العاملة للمشاركة في الاتجار غير المشروع. إحدى بؤر هذه التجارة غير المشروعة هي بلدة مايكاو، حيث أدار علي محمد صالح، وهو مقاتل سابق في حزب الله وله صلات بمكتب إنفيغادو، عمليات متواصلة لتهريب المخدرات والأسلحة والسلع والأموال، بالإضافة إلى غسيل الأموال، والتي ذهبت أرباحها لتمويل حزب الله. أيمن سعيد جمعة، أحد كبار تجار المخدرات الكولومبيين اللبنانيين، وهو أيضاً من مايكاو، أدار منظمة لتهريب المخدرات ربطت مكتب إنفيغادو في كولومبيا، ولوس زيتاس في المكسيك، بحزب الله في لبنان.

ويمر طريق الكوكايين الثاني الذي يربط حزب الله بأمريكا اللاتينية عبر منطقة الحدود الثلاثية الجنوبية، حيث يتمتع الحزب بعلاقات تقليدية مع الاقتصادات الإجرامية القائمة. وقد سهلت الظروف الجغرافية التي توفرها هذه المنطقة التجارة في الكوكايين لعقود من الزمن. فمن الشمال، المناطق التي يتم توريد الكوكايين منها بأعلى درجة نقاء، إلى الموانئ الجنوبية والشرقية، حيث يتم إخراج الكوكايين إلى الأسواق الاستهلاكية الأكثر ربحية، كما هو الحال في مايكاو في كولومبيا، ترتبط العائلات اللبنانية بروابط تاريخية مع شبكات الاتجار غير المشروع الممتدة عبر الحدود. وأصبحت هذه العلاقات مصدر قوة لأنشطة حزب الله في تجارة المخدرات وغسل الأموال في المنطقة.

وتشير مضبوطات الكوكايين في السنوات الأخيرة إلى زيادة عدد شحنات الكوكايين الأسود من بلدان منطقة الحدود الثلاثية. ويُذكر أن الكوكايين الأسود هو نتيجة عملية كيميائية يتم من خلالها تحويل المادة غير المشروعة إلى قوالب فحم يتم خلطها مع البضائع المشروعة، مما يجعلها وسيلة فعالة للغاية لإخفاء المادة غير المشروعة ونقلها عبر نظام التجارة الدولي. ويتزامن ارتفاع صادرات الفحم من دول المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية مع تورط حزب الله في تجارة الكوكايين الأسود.

في عام 2016، ألقت السلطات الفرنسية القبض على حسن محسن منصور، تاجر الفحم اللبناني الكندي الذي له صلات بحزب الله، والذي كان يعمل انطلاقاً من كولومبيا، بتهمة تهريب الكوكايين الأسود وغسل الأموال. وبعد وقت قصير، ألقت السلطات في سيوداد ديل إستي، باراجواي، القبض على علي عيسى شمص، وهو تاجر مخدرات لبناني، عندما كان متورطاً في إرسال شحنة كوكايين سوداء إلى سوريا لصالح حزب الله. وكشف شمص في وقت لاحق أمام المحكمة أن رئيس العملية كان يقيم في كولومبيا. وفي وقت لاحق، في عام 2018، تم تفكيك هيكل إجرامي مكون من ثلاثة كولومبيين أثناء الاستعداد لإرسال شحنة من هذه القوالب إلى اللاذقية، وهو ميناء سوري خاضع لسيطرة نظام الأسد ويستخدمه حزب الله بشكل متكرر. بعد ذلك، زادت باستمرار مضبوطات الكوكايين الأسود من منطقة الحدود الثلاثية من حيث العدد والحجم.

في الختام، فإن الزيادة في إنتاج الكوكايين في كولومبيا وبيرو وبوليفيا، إلى جانب الزيادة الكبيرة في صادرات الفحم من باراجواي والأرجنتين والبرازيل، والحدود التقليدية التي يسهل اختراقها، وضعف إنفاذ القانون في منطقة التجارة الحرة، كلها تشير إلى أن هذه المنطقة أصبحت مركزاً خطيراً لعمليات تهريب وتجارة الكوكايين الأسود، والتي أصبحت تشكل بدورها مصدراً مهماً لتمويل الأنشطة الإرهابية لحزب الله. إن المضبوطات المذهلة من الكوكايين الأسود التي تمت مؤخراً في موانئ باراجواي تدعم هذا الادعاء بشكل قاطع.

 

الرابط:

https://smallwarsjournal.com/jrnl/art/hezbollahs-global-networks-and-latin-american-cocaine-trade

زر الذهاب إلى الأعلى