المؤسسات والمنظمات

تنظيم القاعدة في جزيرة العرب

تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو اتحاد فرعيْ تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية واليمن. تأسس في يناير / كانون الثاني 2009، وعلى الرغم من أنه ينفذ معظم هجماته داخل اليمن، إلا أنه معروف على نطاق واسع بتنفيذ إطلاق النار المميت على مكاتب مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة في باريس في يناير / كانون الثاني 2015، فضلاً عن تورطه في مؤامرات إرهابية على الأراضي الأمريكية، بما في ذلك “تفجير يوم عيد الميلاد” عام 2009 و”تفجير تايمز سكوير” عام 2010.

في الفيديو الافتتاحي للتنظيم الذي نشر عام 2009، أعلن مؤسسه وزعيمه السابق ناصر الوحيشي عن دمج الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية واليمن، لتشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وفي الفيديو، أعلن الوحيشي رسمياً عن نية التنظيم الانتقام من أعدائه “بالدم والدمار” من أجل إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة.

توسعت وثيقة للتنظيم عام 2012 في شرح أهدافه؛ ووفقاً للوثيقة، فإن الأهداف الأساسية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب هي “طرد اليهود والمسيحيين من شبه الجزيرة العربية” و”إقامة الخلافة الإسلامية وحكم الشريعة الذي علقته الحكومات المرتدة”.

وبوصفه فرعاً رسمياً لتنظيم القاعدة، فإن أيديولوجية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وممارساته تتماشى مع الأهداف الأوسع للقاعدة المتمثلة في العمل من أجل الهيمنة الإسلامية العالمية. ويُعتقد أن القاعدة في جزيرة العرب هي الفرع الأكثر تشابهاً من الناحية الأيديولوجية مع تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أن التنظيم يتمركز في اليمن، فقد حاول أعضاؤه تنفيذ هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم.

ووفقاً لتقرير صدر عام 2010 عن مركز الأبحاث “نيو أمريكا”، فإن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب “مجزأ وهرمي، مع تقسيم واضح للعمل، ولديه زعيم سياسي يتولى التوجيه العام، وقائد عسكري للتخطيط لتفاصيل العمليات، وجناح دعائي يسعى لجذب المجندين، وفرع ديني يحاول تبرير الهجمات من منظور إسلامي جهادي”. وفي عام 2011، أنشأ التنظيم فرعاً محلياً يسمى “أنصار الشريعة” لجذب المجندين الحذرين من الانضمام بشكل مباشر إلى تنظيم القاعدة.

وتخطط اللجنة العسكرية لجميع الهجمات العنيفة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مثل التفجيرات والعمليات الانتحارية، بالإضافة إلى هجمات حرب العصابات ضد الحكومة والجيش اليمنيين، كما أنها تنظم عمليات الاختطاف لطلب الفدية. ومن أشهر الشخصيات في اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب إبراهيم العسيري.

كان العسيري مسؤولاً عن أبرز محاولات التفجير التي قام بها التنظيم، بما في ذلك مؤامرة “يوم عيد الميلاد” عام 2009 ومؤامرة “تايمز سكوير” عام 2010. وقُتل العسيري في غارة جوية أمريكية بطائرة من دون طيار في أواخر عام 2017. ويرى خبراء الأمم المتحدة أن مقتله مثل انتكاسة خطيرة للقدرات العملياتية للتنظيم. وفي عام 2018، عين التنظيم العديد من القادة الإقليميين، بالإضافة إلى “قائد عسكري” جديد، وهو جهادي أقل شهرة يُدعى عمار الصنعاني.

ويعتمد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل كبير على جناحه الدعائي لجذب المجندين وبناء قاعدة دعمه. وهذا الجناح مسؤول أيضاً عن التواصل مع الأنصار خارج اليمن والمملكة العربية السعودية، ويُعرف باسم “مؤسسة الملاحم”. أصدرت “الملاحم” مجلة نصف شهرية باللغة العربية موجهة إلى جمهورها اليمني، بالإضافة إلى مجلة دورية باللغة الإنجليزية تسمى “إنسباير” موجهة إلى جمهورها الغربي.

وينشر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أيضاً “المسرى”، وهي نشرة إخبارية رقمية يتم إصدارها عدة مرات شهرياً. على الرغم من أن “المسرى” من إنتاج التنظيم، إلا أنها تتضمن تحديثات إخبارية عن شبكة القاعدة بأكملها. ولأغراض التجنيد، توفر النشرة أيضاً وجهة نظر تنظيم القاعدة بشأن التطورات السياسية البارزة في الدول الغربية.

وكان يرأس اللجنة الشرعية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب رجل الدين الكبير والمعتقل السابق في غوانتانامو إبراهيم الربيش، بصفته “مفتياً” للتنظيم. كان الربيش مسؤولاً عن إصدار الفتاوى (الأحكام الدينية) التي تجيز العمليات، كما أصدر بيانات عامة ردًّاً على رجال الدين البارزين من جميع أنحاء العالم من أجل الدفاع عن سلوك تنظيم القاعدة وتبرير أيديولوجيته العنيفة. وفي 13 أبريل / نيسان 2015، أكد التنظيم أن الربيش قُتل في غارة جوية أمريكية بالقرب من مدينة المكلا الساحلية الجنوبية. وبعد عامين تقريباً، قام أمير التنظيم قاسم الريمي بتعيين عبد الله مبارك، وهو جهادي يمني، “مسؤولاً شرعياً جديداً للقاعدة في جزيرة العرب”.

ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن تمويل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يأتي في المقام الأول من “السرقة، والسطو، وعائدات النفط والغاز، وعمليات الاختطاف مقابل فدية، والتبرعات من المؤيدين ذوي التفكير المماثل”. وفي رسالة إلى “الحلفاء الجزائريين” عام 2012، كتب مؤسس التنظيم ناصر الوحيشي أن “معظم تكاليف المعركة، إن لم يكن كلها، تم دفعها من خلال الغنائم. ما يقرب من نصف الغنائم جاءت من الرهائن”، ثم وصف الوحيشي الاختطاف بأنه “غنيمة سهلة، ويمكنني وصفها بأنها تجارة مربحة وكنز ثمين”. ما بين عامي 2011 و2013، تلقت القاعدة في جزيرة العرب ما يقرب من 30 مليون دولار على شكل فدية.

وبالإضافة إلى احتجاز الرهائن، يعتمد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل كبير على عمليات السطو المسلح. في غشت / آب 2009، كشفت ويكيليكس أن أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سرقوا ما يقدر بنحو 500 ألف دولار في عملية واحدة. كما وردت تقارير عن مشاركة التنظيم في تهريب الأسلحة والمخدرات. وبحسب المحلل اليمني أحمد عبد الله الصوفي، فإن التنظيم قام بتهريب الأفيون بشكل منتظم.

وسيطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على ثالث أكبر ميناء في اليمن من أبريل / نيسان 2015 إلى أبريل / نيسان 2016، وهو ما حقق له دخلاً بملايين الدولارات. يُزعم أن مدينة المكلا الساحلية بجنوب شرق اليمن تضم 1000 مقاتل من التنظيم، والذين سيطروا على ما يقرب من 375 ميلاً من الساحل. ووفقاً لمسؤولين يمنيين وزعماء قبائل محليين، قام مقاتلو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدوريات في المياه قبالة الساحل الخاضع لسيطرتهم، وفرضوا الضرائب والرسوم الجمركية على السفن المارة. وبهذه الطريقة، تفيد التقارير أن التنظيم حصّل يومياً ما بين مليونين إلى خمسة ملايين أخرى من إيرادات الموانئ.

وسرق تنظيم القاعدة في جزيرة العرب العديد من البنوك في جميع أنحاء اليمن. وبينما كان التنظيم يسيطر على المكلا، نهب مسلحوه فرع البنك المركزي في المدينة، وحصلوا على ما يقدر بنحو 100 مليون دولار. ووفقاً لمسؤولين أمنيين يمنيين، فإن عمليات النهب تمثل “أكبر مكسب مالي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية حتى الآن”، وهي “كافية لتمويلهم على المستوى الذي كانوا يعملون فيه لمدة 10 سنوات أخرى على الأقل”.

ويلجأ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى وسائل الإعلام المطبوعة والرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز عمليات التجنيد. في عام 2010، أطلق التنظيم مجلة باللغة الإنجليزية على الإنترنت بعنوان “إنسباير” للوصول إلى المتعاطفين الغربيين والمجندين المحتملين. تجيب المجلة عن أسئلة حول التنظيم ومهمته وكيفية دعمه، وتقدم توجيهات للمتعاطفين بدءاً من صنع قنابل محلية الصنع وحتى الدعوات لشن هجمات منفردة في الولايات المتحدة. قال المحلل جريجوري جونسن إن مجلة “إنسباير” تساعد القاعدة في جزيرة العرب على “الوصول والتأثير وإلهام الأفراد الآخرين ذوي التفكير المماثل في الغرب. ولم يعد هؤلاء الأفراد بحاجة للسفر إلى اليمن أو قراءة اللغة العربية لتلقي التعليمات من التنظيم، يمكنهم فقط تنزيل المجلة وقراءتها باللغة الإنجليزية”.

في عام 2012، أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب دليل تجنيد كتب معظم مواده سمير خان، المحرر الراحل لمجلة “إنسباير”. ويدعو الدليل المجندين المحتملين المقيمين في الغرب إلى التخلي عن السفر إلى المنطقة، ويطلب منهم استهداف أمريكا بدلاً من ذلك. ووفقاً للدليل، فإن “مهاجمة العدو في ساحته الخلفية” من أكثر المهام المفيدة التي يمكن أن يقوم بها المجندون، حتى أكثر من القتال مع التنظيم في اليمن.

وفي السنوات الأخيرة، واصل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب استغلال فرص التجنيد التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي. على تويتر، على سبيل المثال، بمجرد إغلاق حساب للتنظيم، كان يظهر حساب آخر على الفور تقريباً، وعادةً ما يستخدم معرفاً جديداً مع تعديل حرف واحد.

منذ بداية عام 2015، استولى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على الأراضي في جميع أنحاء جنوب اليمن وقدم الخدمات العامة للسكان المحليين. ونتيجة للتمرد اليمني، غادرت العديد من قوات الأمن في المناطق الجنوبية للقتال إلى جانب قوات التحالف ضد المتمردين الحوثيين في الشمال. وحاول التنظيم ملء الفراغ السياسي من أجل كسب ثقة سكان الجنوب. ووفقاً لمحلل الشرق الأوسط توماس جوسلين، حاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ترسيخ نفسه بين السكان المحليين بدلاً من الحصول على استسلامهم من خلال العنف الوحشي كما فعل تنظيم داعش في معاقله في العراق وسوريا. وبحسب ما ورد، قام التنظيم ببناء الجسور والطرق، وحفر الآبار، وتقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة الجنوبية، مع تسليط الضوء على هذه الجهود على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مجلته الدعائية باللغة العربية “المسرى”. ووفقاً لمحلل مؤسسة جيمس تاون، مايكل هورتون، فإن “الاستراتيجية الأكثر سرية” التي اتبعها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مكنته من “توسيع علاقاته مع المجتمعات المحلية”. ومع ذلك، لجأ التنظيم أيضاً إلى المدفوعات النقدية مقابل ضمان الدعم بعد أن سيطر على المكلا في أبريل / نيسان 2015.

ووفقاً لخبراء الأمم المتحدة، كان لدى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ما يقدر بنحو 6000 إلى 7000 مقاتل في اليمن عام 2018، وهو ما يمثل زيادة عن التقديرات الأمريكية لعام 2017 التي حددت العدد في “آلاف قليلة”. ويشير غريغوري جونسن، عضو فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن، إلى أنه على الرغم من دقة هذه الأرقام، إلا أنها قد تكون مضللة.

وقد استُنزفت أعداد عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في السنوات التالية بعد تقرير عام 2018. وقدر تقرير أصدره في فبراير / شباط 2022 فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يحتفظ بحوالي 3000 مقاتل يعانون من نزاعات داخلية وهجمات عسكرية، لكنه مع ذلك لا يزال يمثل “تهديداً كبيراً”. ووفقاً للتقرير، لم تصل أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب إلى اليمن لتجديد صفوف التنظيم، باستثناء أعداد محدودة من المهاجرين الأفارقة الذين تم تجنيدهم في مناصب مبتدئة. وأفاد فريق المراقبة أن التنظيم متردد أيضاً في الترحيب بالمهاجرين على نطاق واسع بسبب محاولات التسلل والاختراق السابقة.

ويقع المعقل الرئيس لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في منطقة المحفد بمحافظة أبين في جنوب اليمن. وفي مايو/ أيار 2014، أشار مسؤول يمني إلى أن معسكرات تدريب القاعدة في جزيرة العرب كانت “الأكثر نشاطاً” في المنطقة، كما تعمل معسكرات تدريب التنظيم أيضاً في محافظات شبوة وحضرموت ومأرب.

في 14 يوليو / تموز 2016، أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مقطع فيديو يظهر ما يسمى بتدريب القوات الخاصة في “معسكر حمزة الزنجباري” في جنوب اليمن، والذي يصور مقاتلي التنظيم، وهم يجرون تدريبات على الأسلحة، وتمارين بدنية، وسيناريوهات إطلاق نار حي، وتدريبات على فنون الدفاع عن النفس، كما يظهر الفيديو أيضاً قدرة المسلحين على تنفيذ عمليات اعتداء وخطف باستخدام سيارات الدفع الرباعي والدراجات النارية.

يُذكر أن سعيد كواشي، أحد منفذي هجوم يناير/ كانون الثاني 2015 على مكاتب شارلي إبدو في باريس، قد تدرب مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن ما بين عامي 2009 و2011. ووفقاً لمسؤول أمني يمني كبير، تدرب كواشي في مدينة دماج، وهي بلدة في شمال غرب اليمن، ومعقل لأكبر مدرسة سلفية في البلاد.

إلى جانب الهجوم على مكاتب شارلي إبدو، تتمثل أبرز عمليات التنظيم الخارجية في محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية السعودي، في 28 غشت / آب 2009 بمدينة جدة، ومحاولة تفجير طائرة أمريكية في 25 ديسمبر / كانون الأول 2009 في رحلة من أمستردام بهولندا إلى ديترويت بالولايات المتحدة. وفي نهاية أكتوبر / تشرن الأول 2010 عُثر في مطار دبي على طرود ملغومة في طائرة شحن متوجهة إلى الولايات المتحدة انطلاقاً من اليمن، واتهمت واشنطن التنظيم بالوقوف وراء العملية.

ومع ذلك، منذ عام 2017، عانى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من خسائر في صفوف قيادته العليا وقادته الميدانيين بسبب عمليات مكافحة الإرهاب اليمنية والدولية واسعة النطاق. قُتل صانع القنابل الرئيس في التنظيم إبراهيم العسيري، مما خلق فراغاً عملياتياً، وكذلك قُتل مسؤول الدعاية البارز أبو حجر المكي، مما أدى إلى تعطيل الجهود الدعائية بشدة. بالإضافة إلى ذلك، عندما قُتل رجل الدين الكبير إبراهيم الربيش عام 2015، تُرك منصبه شاغراً قبل أن يعين في نهاية المطاف الجهادي اليمني عبد الله مبارك ليكون بمثابة “المسؤول الشرعي الجديد” بعد أكثر من عامين.

في 10 مارس / آذار 2024، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وفاة زعيمه خالد باطرفي وتسمية سعد العولقي زعيماً جديداً للتنظيم دون الكشف عن أي تفاصل عن ملابسات وفاة باطرفي الذي يقود التنظيم منذ فبراير / شباط 2020.

زر الذهاب إلى الأعلى