تقارير ودراسات

من سيشكل نواة جيش الجولاني الموحد؟

كشف أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، عن رؤيته لسوريا ما بعد الأسد. ومع تولي هيئة تحرير الشام السلطة في أعقاب انهيار النظام، تعهد الجولاني بحل الفصائل المسلحة القائمة ودمج مقاتليها في جيش وطني جديد تحت رعاية وزارة دفاع موحدة. وأكد أن إعادة الهيكلة هذه ستؤدي إلى مركزية السلطة العسكرية، وإنفاذ سيادة القانون، وضمان بقاء الأسلحة في أيدي الدولة وحدها.

وقد صاغ الجولاني هذه الخطوة بوصفها تحولاً من “عقلية المعارضة” إلى “عقلية الدولة”، كما تعهد بتفكيك بقايا أجهزة الأمن التابعة للنظام السابق، مما يشير إلى قطيعة حاسمة مع الماضي الاستبدادي لسوريا والالتزام بإعادة بناء مؤسساتها.

السؤال الحاسم الآن هو: من سيشكل نواة هذا الجيش الوطني الجديد؟

على مدى ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية في سوريا، ظهرت مئات الفصائل المسلحة، كل منها يعارض الرئيس السابق بشار الأسد، ولكنها تختلف بشكل حاد في الأيديولوجية، والرؤية لمستقبل سوريا، والولاءات الأجنبية، والتركيبة العرقية والدينية. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، كان الهدف المشترك لهذه الفصائل هو إسقاط نظام الأسد، وإن كان من خلال أساليب واستراتيجيات مختلفة.

وشهدت المراحل المبكرة من الصراع تشكيل حركة الضباط الأحرار في عام 2011، التي أسسها منشقون عسكريون عن قوات الأسد، ثم اندمجت هذه الحركة فيما بعد في الجيش السوري الحر، وهو تحالف من الجماعات المتمردة العلمانية والإسلامية. وإلى جانب الجيش السوري الحر، اكتسبت فصائل أكثر تطرفاً من الناحية الأيديولوجية مكانة بارزة، بما في ذلك جبهة النصرة (التابعة لتنظيم القاعدة)، وأحرار الشام، وهو فصيل إسلامي يتمتع بنفوذ كبير.

كما برزت قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم تحالفاً متعدد الأعراق والأديان تهيمن عليه الجماعات الكردية مثل وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني: الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.

ومع تطور الحرب، ظهرت فصائل أخرى، غالباً ما انفصلت عن مجموعات سابقة أو انضمت إليها. وشملت هذه الفصائل كتائب التركمان السورية، التي تمثل الأقلية التركمانية في سوريا، والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، وهو تحالف من المقاتلين العرب والتركمان الذين تدعمهم تركيا منذ عام 2017 وأعيد تنظيمه لاحقاً باسم الجيش الوطني السوري. وفي جنوب سوريا، ظهر الجيش السوري الحر المدعوم من الولايات المتحدة، والذي يعمل بشكل أساسي في منطقة التنف، ويعمل كقوة معارضة بحكم الأمر الواقع في تلك المنطقة.

كان الهجوم الأخير للمتمردين، والذي بلغ ذروته بالاستيلاء على السلطة في دمشق بعد انهيار نظام الأسد، بمثابة بداية صعود غرفة عمليات الجنوب. يجمع هذا التحالف بين الجماعات المسلحة التي كانت نشطة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، والتي سبق للعديد منها أن شارك في عملية المصالحة التي توسطت فيها روسيا في عام 2018. ومن بين مكوناتها الرئيسية اللواء الثامن، المعروف سابقاً باسم “قوات شباب السنة”، واللجنة المركزية، وكلاهما نجح في التنقل عبر الولاءات المتغيرة على مدار الصراع.

إن مهمة توحيد هذه المجموعات المتفرقة في جيش وطني متماسك ومحترف تواجه عقبات هائلة. فبالإضافة إلى التوفيق بين الاختلافات الأيديولوجية والعرقية والسياسية، تتطلب هذه المهمة تفكيك الولاءات عميقة الجذور للرعاة الأجانب وحل المظالم المحلية، كما يتعين على أي جيش موحد أن يتعامل مع إرث نماذج الحكم المتنافسة التي أنشأتها الفصائل المختلفة في أراضيها، ولكل منها هيكلها الإداري وتسلسلها العسكري. ومن دون معالجة هذه الشقوق الأساسية وتعزيز رؤية مشتركة لمستقبل سوريا، فإن الجهود المبذولة لبناء قوة موحدة تخاطر بإدامة التفتت الذي يعتبر سمة مميزة للصراع.

ويتمثل تحدٍ كبير آخر في الوجود الكبير للمقاتلين الأجانب غير السوريين في صفوف هيئة تحرير الشام. وسوف تحتاج سياسة حاسمة إلى معالجة مصير هؤلاء الأفراد، حيث أصبح السكان السوريون غير متسامحين بشكل متزايد مع المقاتلين الأجانب العاملين على أراضيهم. وعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، شهدت سوريا تدفق أعداد كبيرة من المقاتلين الذين أسسوا أو انضموا إلى جماعات مسلحة مختلفة. وقد ترسخت هذه الجماعات في مختلف أنحاء البلاد، وغالباً ما تولت أدوار الحكم الفعلي في المناطق التي تسيطر عليها.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تكرر هيئة تحرير الشام استراتيجية الأسد في الاستفادة من الميليشيات الأجنبية لتأمين سلطتها، فإن وجود مثل هذه الجماعات في صفوفها يثير مخاوف جدية بشأن دورها المستقبلي في حقبة ما بعد الأسد. وتزيد التقارير التي تشير إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام، الجولاني، منفتح على منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين أقاموا في البلاد لأكثر من خمس سنوات من تعقيد الأمر.

ولكن هناك سؤال بالغ الأهمية لا يزال بلا إجابة: هل سيضم الجولاني مئات الآلاف من جنود نظام الأسد إلى جيشه الوطني الذي يتصوره، أم سيُمنع هؤلاء الأفراد من المشاركة؟ لعقود من الزمن، كانت الخدمة العسكرية إلزامية في سوريا، وكان الجيش السوري يتألف بشكل كبير من المجندين. وقد عززت قوات الدفاع الوطني الجيش السوري، وهي ميليشيا شبه عسكرية تتألف من العلويين والشيعة والمسيحيين والدروز، والتي أنشئت تحت إشراف قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني في عام 2012. وكانت قوات الدفاع الوطني بمثابة العمود الفقري للمشاة في الجيش، ولكنها كانت موالية في المقام الأول لنظام الأسد وليس لأي قضية وطنية.

اعتباراً من 15 ديسمبر/ كانون الأول، بدأت هيئة تحرير الشام عملية نزع سلاح جنود الجيش السوري السابقين وأعضاء الميليشيات مقابل العفو عن خدمتهم في عهد الأسد. ومع ذلك، تشير التقارير الأولية إلى أن عملية نزع السلاح هذه تستهدف المجندين في الجيش – الأفراد الذين أجبروا على الخدمة تحت تهديد السجن. يمكن دمج هؤلاء المجندين، الذين يُنظر إليهم على أنهم مشاركون دون إرادتهم في حرب الأسد، في إطار عسكري موحد، بما يتماشى مع تصريحات الجولاني السابقة بشأن المصالحة.

إن التحدي الأكبر يكمن في ضباط الجيش رفيعي المستوى وأفراد ميليشيات الدفاع الوطني، والذين من غير المرجح أن ينضم معظمهم إلى قوات هيئة تحرير الشام بسبب الاختلافات الأيديولوجية والطائفية. فهؤلاء الأفراد لم يتطوعوا للقتال من أجل الأسد فحسب، بل إنهم متورطون أيضاً في الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية السورية. والتوجه الإسلامي لهيئة تحرير الشام، الذي تهيمن عليه الفصائل السنية، يزيد من تعميق الانقسام، حيث ينحدر هؤلاء الضباط وأفراد الميليشيات في المقام الأول من مجتمعات الأقليات الموالية تاريخياً للأسد.

وفي حين أكد الجولاني استعداده للمصالحة مع من يسلم سلاحه، إلا أنه حافظ أيضاً على موقفه الثابت بشأن [محاكمة] أفراد الجيش الذين شاركوا في جرائم ضد الشعب السوري.

بالنسبة إلى صناع السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا، يجب إيلاء اهتمام دقيق للمرحلة التالية من العملية الانتقالية في سوريا، وخاصة ما يتعلق بمشروع الجيش السوري الموحد الذي يعمل عليه الشرع / الجولاني. ففي حين تظل هيئة تحرير الشام مصنفة منظمة إرهابية أجنبية، وعلى الرغم من التقارير التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تفكر في شطبها من القائمة في ظل ظروف محددة، فمن الأهمية بمكان أن نظل يقظين بشأن الجماعات الإرهابية الأخرى العاملة في سوريا، والتي قد يتم دمجها في الجيش الجديد.

على سبيل المثال، من التطورات المثيرة للقلق في هذا الصدد الاجتماع الذي عقده الشرع / الجولاني مع ممثلين عن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في 16 ديسمبر/ كانون الأول، والذي ضم محمد حسين الجاسم، المعروف أيضاً باسم أبو عمشة. فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أبو عمشة في عام 2022 بسبب تورطه المباشر في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التهجير القسري للسكان الأكراد من عفرين، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وتورطه في عمليات خطف وابتزاز المدنيين المحليين.

الكاتب: أحمد شعراوي

باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات / واشنطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى