من دوشانبي إلى برلين: التهديد الناشئ لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان
على الرغم من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) رسمياً على يد قوات التحالف في عام 2019، فإن فرعه الذي يركز على أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى سعى مؤخراً إلى تنفيذ هجمات بارزة خارج المنطقة. نفذ مواطنو آسيا الوسطى، وخاصة الطاجيك، العديد من هجمات ومخططات داعش-خراسان الأخيرة في أوروبا والولايات المتحدة، مما يشير إلى أن الظروف العامة في طاجيكستان تسمح بتجنيد إرهابيين على نطاق واسع. قد يؤدي معالجة بعض هذه الظروف من خلال المشاركة الغربية والدعم الاقتصادي لدوشانبي [عاصمة طاجيكستان] إلى تقليل قدرة داعش-خراسان على التجنيد من طاجيكستان وفي نهاية المطاف الحد من قدرة المجموعة على تنفيذ عمليات خارجية.
وتسعى داعش-خراسان إلى إقامة خلافة والتوسع خارج ما تسميه خراسان، أو آسيا الوسطى والجنوبية. وقد أظهرت المجموعة قدرتها ونيتها في القيام بذلك من خلال سلسلة من الهجمات الناجحة في أوائل عام 2024. في يناير / كانون الثاني ومارس / آذار من هذا العام، نفذت داعش-خراسان ثلاث هجمات منفصلة أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في إيران وتركيا وروسيا. سلطت هذه الهجمات الضوء على قدرة داعش-خراسان المتزايدة على تنفيذ عمليات خارجية، وخاصة في أوروبا، وأظهرت التهديد المتزايد الذي تشكله المجموعة على الغرب. هذا الصيف، هددت داعش-خراسان والأفراد المرتبطون / والمتأثرون بها بمهاجمة كأس العالم للكريكيت، التي أقيمت في نيويورك؛ وأولمبياد باريس؛ وبطولة أوروبا لكرة القدم. ومن المثير للاهتمام أن كل واحد من هذه التهديدات صيغ بطريقة تشجع بالخصوص الذئاب المنفردة على تنفيذ الهجوم.
ونشر داعش-خراسان دعواته إلى التحرك من خلال مجلته الناطقة باللغة الإنجليزية “صوت خراسان” التي بدأت في الصدور في عام 2022. ويتم نشر المجلة الناطقة باللغة الإنجليزية من خلال قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة، وخاصة على تيليجرام، وتهدف إلى نشر دعاية داعش للجمهور الغربي. وفي طبعة شهر مايو / أيار من المجلة، نشر داعش-خراسان صورة لمقاتل يقف في ملعب كرة قدم ألماني، ويدعو “المجاهدين” إلى “تسجيل الهدف الأخير”. وفي يونيو/ حزيران، وفي أعقاب هذه الدعوة إلى التحرك، ألقت السلطات الألمانية القبض على فرد مرتبط داعش-خراسان كان يبحث عن عمل بالقرب من مكان إقامة نهائيات كأس أوربا لكرة القدم. ومن المرجح أن يكون هذا الفرد ذئباً منفرداً، لكن سعيه للحصول على وظيفة بالقرب من فعاليات كأس أوربا مباشرة بعد دعوة تنظيم داعش في خراسان إلى التحرك يؤكد على الاحتمال الواقعي لشن هجمات ضد أهداف سهلة في الغرب.
حتى الآن، شملت عمليات داعش-خراسان ضد أهداف غربية تفجيرات انتحارية وهجمات مسلحة. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن العمليات المستقبلية قد تكون أكثر تعقيداً وتنفذها خلايا متفرقة، والتي يصعب ردعها. على سبيل المثال، تضمنت إحدى دعوات العمل التي أطلقها تنظيم الدولة الإسلامية مؤخراً باللغة الإنجليزية دليلاً تفصيلياً يشرح كيفية تكييف الطائرات بدون طيار المتاحة تجارياً لحمل المتفجرات، وهي التعليمات التي تداولها أحد المتعاطفين في قنوات التواصل الاجتماعي الجهادية. يلخص هذا المقطع القصير استخدام التقنيات الجديدة في التخطيط للهجوم، والتي يمكن أن تؤدي إلى هجوم يمكن تنفيذه من مسافة بعيدة. علاوة على ذلك، يشير إلى التدريب السيبراني، وهو مصطلح يصف استراتيجية داعش-خراسان في تقديم التوجيه والدعم لخلايا المقاتلين من مسافة بعيدة. يسمح التدريب السيبراني لأعضاء داعش-خراسان الكبار في أفغانستان بتقديم التوجيه والتنسيق للهجوم من بعيد، مما قد يؤدي إلى توسيع نطاق مسرح عمليات التنظيم وقدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات ضد أهداف غربية.
لقد مكّن التدريب الإلكتروني الذي قدمته داعش-خراسان أنصار المجموعة في أوروبا من التخطيط لهجمات محلية، وغالباً باستخدام تطبيقات الاتصالات، مثل محاكي اللاسلكي زيلو أو تطبيق الدردشة المشفر تيليجرام وتطبيقات العملات المشفرة الشائعة في مناطقهم. في عام 2020، على سبيل المثال، أحبط المسؤولون الألمان مؤامرة ضد منشآت عسكرية أمريكية في أوروبا. وفي هذا الهجوم، قدمت القيادة العليا المتمركزة في أفغانستان “محاضرات أمنية” لخلية من المواطنين الطاجيكيين في ألمانيا عبر تطبيق مراسلة. من المؤكد تقريباً أن قدرة المجموعة على تنفيذ الهجمات وإلهامها من خلال التدريب الإلكتروني تعزز فرصها في تنفيذ عمليات خارجية.
وكما حدث مع مخطط عام 2020 في ألمانيا، ينفذ الطاجيك بشكل متكرر هجمات داعش-خراسان خارج أفغانستان وآسيا الوسطى. وقد شارك الطاجيك في الهجمات الثلاث الكبرى للمجموعة في عام 2024، وتم القبض على أكثر من اثني عشر شخصاً بتهم الإرهاب في الولايات المتحدة وأوربا هذا العام وحده. ويشير عدد الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب للطاجيك في الغرب إلى التركيز الذي وضعه داعش-خراسان على التجنيد من الدولة الصغيرة في آسيا الوسطى. وقد أصبح هذا الاتجاه في التجنيد أكثر وضوحاً خلال العام الماضي.
في شهر مارس/ آذار، نشرت الذراع الإعلامية لتنظيم داعش الطبعة الأولى من مجلتها الإلكترونية باللغة الطاجيكية، والتي تحمل أيضاً عنوان “صوت خراسان”، وقد تضمنت موضوعات مثل تاريخ الخلافة ومعلومات الاتصال بالأفراد الساعين إلى الانضمام إلى “الجهاد”. ويسلط نشر “صوت خراسان” باللغة الطاجيكية الضوء على الدور المتزايد الذي يلعبه الطاجيك في العمليات الخارجية لتنظيم داعش-خراسان وأهمية هؤلاء الأفراد بالنسبة إلى التنظيم، حتى إن زعيم الجماعة، سناء الله غفاري، هو نفسه طاجيكي، ويسعى إلى توسيع نطاق التجنيد عبر آسيا الوسطى من خلال الاستفادة من الهجمات الاستعراضية والبارزة.
وفي حين أنه ليس من الواضح على وجه التحديد، لماذا يركز داعش-خراسان على تجنيد الشباب من طاجيكستان لتنفيذ عملياته الخارجية، فإن تلك الدولة تعاني من مجموعة من المشاكل المحلية – مثل الفقر الهيكلي، والحرية الدينية المحدودة، والافتقار إلى الحراك الاجتماعي- يمكن أن تجعل الأفراد يشعرون بالحرمان من حقوقهم وتدفعهم نحو المعتقدات المتطرفة، بما في ذلك الإرهاب، كمنفذ لإيجاد معنى في الحياة. تدفع هذه الظروف أيضاً آلاف الطاجيك إلى أن يصبحوا عمال مهاجرين في الخارج، حيث يواجهون غالباً التمييز وظروف المعيشة الصعبة والأجور المنخفضة، وكل هذا يمكن أن يؤدي إلى بناء بيئة أكثر تطرفاً للإرهاب. هناك أدلة على أن هؤلاء المهاجرين قد تطرفوا داخل وخارج طاجيكستان، حيث انضم بعضهم إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة في بلدانهم الجديدة. يمكن للعديد من المهاجرين الطاجيك المطالبة بشكل شرعي بوضع اللاجئ الاقتصادي للوصول إلى الدول الغربية، ويمكن لهؤلاء الأفراد أن يندمجوا في تدفقات الهجرة إلى أوربا عبر أوكرانيا وإلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية وأن يشكلوا تهديداً إرهابياً لبلدانهم الجديدة.
إن معالجة هذه القضايا داخل طاجيكستان، وخاصة من خلال مكافحة الفقر الهيكلي وانعدام الفرص الاقتصادية، قد تقدم أحد الحلول لتقليل التجنيد لصالح داعش-خراسان، وربما تحد من قدرة المجموعة على القيام بعمليات خارجية. إن تقليل عدد المهاجرين الاقتصاديين الطاجيكيين – والفرص المرتبطة بالتجنيد في الخارج – قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل عدد الإرهابيين المحتملين من المنطقة. توضح حالة نيجيريا، على سبيل المثال، تأثير إصلاحات حقوق الإنسان – بما في ذلك المساعدات الخارجية – على الحد من عدد الأفراد الذين ينضمون إلى بوكو حرام، وهي جماعة تابعة لداعش. وعلى الرغم من أن هذا المثال يركز على الهجمات داخل نيجيريا، فإن الحلول للحد من التطرف المطبقة هناك قد يكون لها أوجه تشابه قوية مع الوضع في آسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، قد تقدم الحلول الدبلوماسية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك مشاركة الولايات المتحدة وتبادل المعلومات مع السلطات الحكومية الإقليمية، وسيلة لزيادة الضغط على داعش-خراسان.
وعلى الرغم من أن مساعدة الولايات المتحدة لدوشانبي قد تساعد على الحد من قدرة داعش-خراسان على تجنيد أعضاء جدد، فإن الموقف يصبح أكثر تعقيداً بسبب حقيقة مفادها أن طاجيكستان وروسيا تشتركان في تاريخ طويل. فموسكو تعتبر آسيا الوسطى ضمن نطاق نفوذها، وقد مارست ضغوطاً تاريخية على آسيا الوسطى لتقليص مشاركتها مع الغرب. ولكن في الآونة الأخيرة، انخرطت طاجيكستان بشكل هادف مع الدول الغربية في مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية. وفي السنوات الماضية، سعت طاجيكستان إلى تحقيق مشاركة خارجية كبيرة بشكل مستقل عن روسيا، وقد أثبتت هذه الشراكات الناشئة فائدتها للبلاد. على سبيل المثال، قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مؤخراً حزمة مساعدات اقتصادية وبيئية كبيرة لطاجيكستان، وأجرى الحرس الوطني في فرجينيا تدريبات مع الجيش الطاجيكي، ولم يجتذب أي من ذلك انتباه موسكو. والواقع أن البناء على الناجحة القائمة مع دوشانبي يمثل أفضل إطار للجهود الرامية إلى الحد من جهود تجنيد داعش-خراسان في طاجيكستان.
إن تركيز تنظيم داعش على آسيا الوسطى، وخاصة في دولة طاجيكستان الفقيرة، يؤكد رغبة التنظيم في توسيع قدرته على تنفيذ هجمات في الغرب. وفي حين لا توجد بيانات موثوقة عن عدد سكان آسيا الوسطى الذين جندهم التنظيم، فإن الاعتقالات الأخيرة للطاجيك بتهمة التخطيط لهجمات في الخارج تشير إلى استراتيجية تعتمد على هؤلاء الرجال، وكثير منهم مهاجرون اقتصاديون، لتنفيذ هجمات في الغرب. علاوة على ذلك، فإن تركيز التنظيم على اجتذاب المقاتلين من طاجيكستان يشير إلى وجود عدة مسارات للحد من التجنيد وردع الهجمات في الخارج، بما في ذلك زيادة المشاركة الغربية للمساعدة على انتشال طاجيكستان من الفقر وتعزيز تدابير مكافحة الإرهاب التقليدية مثل تبادل المعلومات مع السلطات الإقليمية. ومع استمرار هؤلاء الرجال الطاجيك في السفر إلى الخارج؛ فمن المرجح أن يزيدوا من قدرة تنظيم داعش على تحقيق هدفه المعلن المتمثل في توسيع خلافته وقتل “الكفار” من المسلمين والمسيحيين واليهود على السواء. إن هذا الهدف، إلى جانب الهجمات الثلاث الناجحة التي نفذها التنظيم، والمؤامرات المتعددة التي أحبطت في عام 2024، ومحاولات التجنيد الموسعة، تسلط الضوء كلها على إمكانية تطور داعش-خراسان إلى مشكلة رئيسية في مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي.
الكاتب: مورجان تاديتش
محللة في مركز عمليات الأمن العالمي.
المصدر:
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/europe-isis-k-tajikistan/