مراجعة لكتاب “الوهابية: تاريخ حركة إسلامية متشددة” لكول بونزل
كانت الوهابية، وهي شكل الإسلام السائد نظرياً في المملكة العربية السعودية، غير معروفة تقريباً في الغرب إلا بين عدد قليل من المتخصصين. وحتى في عام 2001، عندما تم الكشف عن أن 15 إرهابياً من أصل 19 شاركوا في هجمات 11 سبتمبر / أيلول كانوا سعوديين، كان هناك القليل من الوعي في الدول الغربية حول هذه الحركة. ومنذ ذلك الحين، بدأ الاهتمام الأكاديمي يركز على الوهابية، ولكن كان علينا أن ننتظر حتى الآن لنتمكن من قراءة معالجة شاملة لتاريخها وعقيدتها، والتي تظهر أخيراً في كتاب كول بونزل “الوهابية: تاريخ حركة إسلامية متشددة”.
يستحق بونزل التهنئة على بحثه الدقيق والمضني (بما في ذلك الوصول إلى المخطوطات الموجودة في المكتبات الخاصة في المملكة العربية السعودية التي لم يسبق للعلماء الغربيين رؤيتها من قبل)، وعلى معرفته الواسعة بالخلفية التاريخية الإسلامية، وسعيه الدؤوب للحفر في ما قد يبدو لكثير من القراء خلافات لاهوتية غامضة. ومع ذلك، فإن هذا النوع من التاريخ اللاهوتي / الفقهي له أهمية كبيرة؛ لأن الأفكار التي طورها ابن عبد الوهاب خلال القرن الثامن عشر لعبت دوراً رئيساً في إلهام تصرفات أسامة بن لادن وداعش وغيرهما من الحركات الجهادية. في خاتمته، يشير بونزل إلى ملاحظة مهمة: كيف أن الأفكار المأخوذة من الوهابية منذ الثمانينيات فصاعداً، وإلى حد أكبر حتى من أفكار سيد قطب، المنظر المصري الذي دعا إلى العنف الثوري في إطار تعاليم الإخوان المسلمين، قد وفرت المرجعية الأيديولوجية الأساسية لهؤلاء المتشددين / الجهاديين، وهو على حق تماماً.
كانت معتقدات ابن عبد الوهاب (ت 1792) في الأساس بمثابة تعميم وشحذ لأفكار معينة مأخوذة من ابن تيمية (ت 1328) وأقرب تلاميذه ابن قيم الجوزية (ت 1350). يدرس بونزل الروابط بين علماء القرن الرابع عشر وابن عبد الوهاب بالتفصيل. وهذا عمل مهم؛ لأن دراسة ابن عبد الوهاب وأتباعه كانت هي الطريق الذي وصل من خلاله العديد من الجهاديين إلى هذين العالمين السابقين وآرائهما المتصلبة. وكما يشير بونزل، لم يكن ابن عبد الوهاب مساوياً لابن تيمية فكرياً، لكنه ربما كان أفضل في التواصل (وبالتالي واعظ أكثر فعالية). وكان أيضاً مستعداً لإعلان تكفير “قطاعات واسعة” من المسلمين والجهاد ضدهم، وهو ما لم يكن ابن تيمية ليفعله أبداً.
إن جوهر رسالة الإسلام هو “لا إله إلا الله”. لكن بالنسبة إلى ابن عبد الوهاب لم يكن كافياً الاعتراف بوحدانية الله، بل يجب إظهار العداوة والبغضاء للمشركين الذين ينكرون التوحيد، ومحاربتهم حتى يتحولوا إلى الإسلام الصحيح. بالنسبة إلى ابن عبد الوهاب، فإن المشركين يشملون الأغلبية الساحقة من المسلمين لأنهم يصلون للأولياء وللرجال والنساء القديسين. وفي نظره، يعتبر هذا بمثابة “شرك”؛ أي نسبة الشركاء إلى الله. إن تأكيده على أن معظم المسلمين مشركون كان بمثابة القول إن المجتمع المسلم قد ترك الإسلام، مما أثار الغضب في ذلك الوقت وفي أزمنة لاحقة. رد بعض العلماء بالقول إن ابن عبد الوهاب نصب نفسه نبياً كاذباً، وبالتالي ارتد عن الإسلام بنفسه. كما قالوا إنه لم يدرس بما فيه الكفاية ليؤهل نفسه للتعبير عن وجهة نظر قد يتبعها المسلمون الآخرون. لا يجادل بونزل بنفسه في هذا الأمر، ولكن يمكن الإشارة إلى أن انتشار الوهابية كان إلى حد ما مثالاً مبكراً لما يسمى أحياناً “دمقرطة منطق الشريعة”؛ أي اكتساب الدعاة الشعبويين النفوذ على المسلمين العاديين دون الوصول إلى المستوى اللازم من المعرفة الدينية العميقة ليتم قبولهم كعلماء.
ويبين بونزل كيف اعتبر الدعاة الوهابيون أن الوهابيين فقط هم من يستحقون تسمية “مسلمين”، حتى الأتراك العثمانيون يمكن اعتبارهم كافرين. لقد قيل إن السلطان العثماني، بصفته مشركاً، كان أبعد عن الإسلام من المسيحيين واليهود، الذين يُعرف أنهم يعبدون الإله الواحد الحقيقي، وإن كان ذلك بطريقة معيبة.
استفاد مؤسس المملكة العربية السعودية في شكلها الحديث، الملك عبد العزيز (1876-1953)، صاحب الكاريزما والواقعية، استفادة كاملة من الجهاد المستوحى من الوهابية ضد “المشركين” لبناء مملكته، تماماً كما فعل أسلافه على أفضل وجه. وبعد ذلك، عندما نفذ المقاتلون الوهابيون مهمتهم، غيّر عبد العزيز بوصلته بمهارة وسحق تمردهم بلا رحمة. لقد تم التخلي بهدوء عن فكرة أن الوهابيين فقط هم المسلمون الحقيقيون، وتم الاعتراف بشرعية الحكام المسلمين وغير المسلمين الآخرين، على الرغم من أن هذا يتعارض مع العقيدة الوهابية. “روّض” عبد العزيز الوهابية، التي تطورت بعد ذلك إلى شكل من أشكال الإسلام الهادئ، وإن كان غير متسامح، والذي، كما كتب بونزل، اقتصر على “تعليم العبادة الصحيحة، وضبط المجتمع السعودي، والتأكيد على طاعة الحاكم”. ثم جاءت أموال النفط السعودية في السبعينيات لتنشر الأفكار الوهابية غير المعروفة بطريقة منهجية في المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
هذا ليس كتاباً سهل القراءة لأولئك الذين ليسوا على دراية بالفكر الإسلامي. يتسم بونزل بالصرامة في تحديد معاني النصوص العربية، ويستشهد دائماً بمصطلحات مهمة أو تقنية في النص الأصلي إلى جانب ترجماته المدروسة. ومن المؤسف أن التفاصيل الدقيقة التي ينقلها ستضيع أحياناً على أولئك الذين ليس لديهم معرفة جيدة باللغة العربية. إن الخلفية في الدراسات الإسلامية تكاد تكون شرطاً لا غنى عنه لتقدير هذا الكتاب بشكل صحيح. يوجد معجم مفيد، لكنه يغفل الكثير من المصطلحات المتخصصة المستخدمة في الكتاب (لاحظت غياب الحنبلية، والإباضية، والمعتزلة، والشافعي، والزيدي. وأنا متأكد من أن هناك المزيد).
بيانات الكتاب
العنوان: الوهابية: تاريخ حركة إسلامية متشددة.
المؤلف: كول بونزل.
الناشر: منشورات جامعة برنستون.
تاريخ النشر: 16 مايو / أيار 2023
عدد الصفحات: 408