ما مدى نفوذ إيران على وكيلها “محور المقاومة”: حزب الله وحماس والحوثيين؟
من هجمات المتمردين في البحر الأحمر إلى الغارات في شمال إسرائيل والهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، وجه المحللون الغربيون أصابع الاتهام إلى إيران.
وبغض النظر عن مدى تورط طهران بشكل مباشر في التخطيط لمثل هذه الحوادث وتنفيذها، فإن الاتهامات تصل إلى حقيقة أوسع: في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، استراتيجية إيران المتمثلة في التحالف مع الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية ـ لا سيما حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن ـ تؤثر على توازن القوى الإقليمي.
وباعتبارنا خبراء في علاقة إيران بشبكة وكلائها، فإننا نفهم أن علاقة إيران بكل مجموعة متميزة ولكنها مترابطة، مما يكشف عن أهداف طهران الإقليمية. فمن جنوب لبنان إلى غزة إلى اليمن، تشكل هذه التحالفات المشهد السياسي وتسلط الضوء على طبيعة النفوذ والسيطرة في الحرب بالوكالة؛ فهي بمثابة ثقل موازن لقدرات إيران العسكرية التقليدية المحدودة نسبياً، وتشكل جزءاً أساسياً من سياستها الخارجية.
“محور المقاومة” في إيران
تشكل المجموعات الإقليمية، التي يديرها الحرس الثوري الإسلامي، وهو جهاز أمني شبه عسكري في إيران يتبع فقط المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ما أطلقت عليه طهران اسم “محور المقاومة”.
تم تصميم العلاقة بين هذه المجموعات وطهران لتكون بمثابة توازن ضد نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ونفوذ حلفاء واشنطن الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
لكن وصف “محور المقاومة” بأنه عبارة عن وكلاء مباشرين هو أمر بعيد المنال بعض الشيء. وبدلاً من ذلك، فإن النهج الذي تتبعه إيران ـ في العراق وسوريا ولبنان واليمن والأراضي الفلسطينية ـ يتلخص في توسيع نفوذها من خلال الشراكات الاستراتيجية. وعلى الرغم من أن هذه الشراكات تقوم على أهداف وأيديولوجيات مشتركة، فهي تسمح بدرجات متفاوتة من الاستقلالية. توفر إيران الموارد والتنسيق، لكن كل مجموعة تحتفظ بأجندتها الخاصة وقاعدة دعم محلية، وتعمل كشريك أكثر من كونها وكيلاً. والعلاقة بين إيران وكل عضو في “محور المقاومة” فريدة من نوعها.
حزب الله: الشريك المحوري لإيران
تأسس حزب الله في أوائل الثمانينيات، وهو منظمة شيعية مسلحة، وظهر بمساعدة مباشرة من الحرس الثوري الإيراني، في المقام الأول، كرد على الغزو الإسرائيلي للبنان، وبهدف إنشاء قاعدة للنفوذ الإيراني على الحدود الإسرائيلية. قدمت طهران التدريب والدعم المالي والأسلحة، مما عزز نمو الحزب وقدراته.
وقد أدى هذا التعاون إلى قيام حزب الله بتطوير ترسانة متطورة، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة والأسلحة الكيميائية والقدرات الصاروخية الموسعة.
ونتيجة لتورطه في الحرب الأهلية السورية والأعمال العدائية المستمرة مع إسرائيل، قام حزب الله بإضفاء الطابع الاحترافي على جيشه. ومن خلال نشر قوات لدعم الحكومة السورية بما يتماشى مع دعم إيران للنظام، انتقل حزب الله من تكتيكات حرب العصابات إلى حرب أكثر تقليدية. بالإضافة إلى ذلك، أدى صراعه المستمر مع إسرائيل إلى تفاقم استراتيجيته وقدراته العسكرية. وقد ساعد ذلك في رفع دور حزب الله إلى دور سياسي وعسكري بارز داخل الحكومة اللبنانية، والذي يتماشى في كثير من الأحيان مع المصالح الجيوسياسية لإيران.
وقد مكّن هذا التطور أيضاً حزب الله من أن يصبح مرشداً وداعماً للجماعات الأخرى المدعومة من إيران. وقد نقل حزب الله خبرته في عمليات الطائرات من دون طيار إلى منظمات مثل فاطميون في أفغانستان، وكتائب حزب الله في العراق، والمقاتلين الحوثيين في اليمن.
لقد تعمقت العلاقة بين طهران وحزب الله على مر السنين، وتطورت من مجرد المساعدة إلى تحالف استراتيجي قوي. تتشارك الكيانات في الأهداف والاستراتيجيات والمواد. وتعزز العلاقة الوثيقة بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وخامنئي الإيراني هذا التحالف.
وعلى الرغم من نفوذ إيران الكبير، وخاصة في الصراعات الإقليمية، فإن حزب الله يحتفظ بالاستقلالية في السياسة اللبنانية الداخلية وخدماته الاجتماعية.
ويمكن القول إن هذا التحالف بين حزب الله وإيران أكثر أهمية من علاقة إيران مع الوكلاء الآخرين، كما أنه يلعب دوراً أساسياً في استراتيجية طهران الإقليمية. فهو لا يعمل على توسيع نفوذ إيران في الشرق الأوسط فحسب، بل يعمل أيضاً بمثابة ثقل موازن لخصومها، ولا سيما إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
حماس: متحدون ضد إسرائيل
بعد ظهورها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، أقامت حماس علاقات مع إيران في أوائل التسعينيات. وعلى الرغم من الاختلافات الإيديولوجية ـ حماس ذات أغلبية إسلامية سنية، في حين أن إيران نظام شيعي متشدد ـ فقد وجدا أرضية مشتركة في معارضتهما لإسرائيل ورؤية متطابقة لتحرير فلسطين.
ويشمل دعم إيران لحماس المساعدات المالية والتدريب العسكري، والأهم من ذلك، توفير تكنولوجيا الصواريخ. وقد أدى هذا التمويل إلى تصعيد القدرات العملياتية لحماس، مما مكن من تطوير ترسانة صاروخية أكثر تطوراً وأبعد مدى.
لقد أدى الدعم الإيراني إلى تحويل التوازن في صراع حماس مع إسرائيل، مما يدل على دور إيران المؤثر في ديناميكيات القوة الإقليمية.
ومع ذلك، فإن التوافق بين إيران وحماس متقلب. وفي عام 2012، أدت الخلافات حول الحرب الأهلية السورية إلى حدوث صدع في علاقتهما. وكان دعم حماس الضمني للمتمردين السنة في سوريا يتعارض مع ولاء إيران لنظام الأسد، مما أدى إلى انقطاع مؤقت للدعم الإيراني.
ومع ذلك، فإن هذا التوتر لم يكن دائماً. ففي السنوات اللاحقة، تمت إعادة تنظيم وتعزيز العلاقة بين إيران وحماس، والدليل على ذلك عودة إيران لتقديم مساعدات عسكرية كبيرة لحماس. وقد أظهر التخطيط والتنفيذ المتطوران لهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول كيف تمكنت حماس من تحسين قدرتها العسكرية بمساعدة إيران.
ومع ذلك، تحافظ الحركة على درجة من الاستقلال السياسي والاستراتيجي، مع التركيز في المقام الأول على المصالح الفلسطينية.
وتعكس هذه الديناميكية استراتيجية إيران الإقليمية الأوسع: تمكين الجماعات المتحالفة معها من توسيع نطاق نفوذها، مع منحها الاستقلالية لتحقيق أجندات محلية محددة.
الحوثيون: حليف استراتيجي ضد السعودية
ظهرت حركة الحوثي في التسعينيات في اليمن كمجموعة إسلامية شيعية زيدية، وركزت في البداية على الإحياء الديني والثقافي قبل أن تنخرط تدريجياً في الساحتين السياسية والعسكرية في اليمن.
وبسبب المظالم ضد الحكومة المركزية والتدخل الأجنبي في اليمن، تحولت الحركة إلى التمرد المسلح. وقد تميز هذا التطور بالمواجهات المتزايدة مع الحكومة اليمنية والتورط في صراع إقليمي أوسع ضد التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، المنافس الإقليمي لإيران، وهذا ما مهد الطريق لتحالفها مع طهران.
كان تحالف الحوثيين مع إيران مدفوعاً بالمعتقدات الدينية المشتركة، بالإضافة إلى معارضتهم لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
واكتسب التعاون مع إيران زخماً بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014، وهي الخطوة التي يعتقد أنها أدت إلى تصعيد في الدعم الإيراني.
وجاء الدعم من طهران على شكل أسلحة متطورة وتدريب عسكري ومساعدات مالية، وقد عزز بشكل كبير قدرات الحوثيين الصاروخية والطائرات من دون طيار. وقد استخدم الحوثيون هذه القدرة المتنامية لتحدي المملكة العربية السعودية، ومؤخراً إسرائيل.
وبدعم من إيران، قام الحوثيون بتوسيع عملياتهم لتشمل الهجمات على السفن الأمريكية وغيرها من السفن الدولية في البحر الأحمر.
وعلى الرغم من الدعم الإيراني العميق، يحتفظ الحوثيون بمستوى من الاستقلالية، وتحديداً في السياسة اليمنية المحلية. وعلى الرغم من أن نفوذ إيران ملحوظ، فإنه لا يترجم إلى سيطرة مطلقة. وبدلاً من ذلك، يتم وضع الحوثيين كحلفاء استراتيجيين ضمن أجندة إيران الإقليمية وليس مجرد وكلاء.
نفوذ إيران المتزايد
تشكل شبكة وكلاء إيران، التي تمتد إلى مجموعات في العراق وسوريا وخارجها، جزءاً أساسياً من استراتيجية طهران لتوسيع نفوذها في مواجهة نفوذ واشنطن وحلفائها.
وعلى الرغم من أن هذه الشراكات نادراً ما تنطوي على سيطرة مطلقة، فإنها تُظهر أيضاً مهارة إيران في التعامل مع المشهد الجيوسياسي. ويسمح “محور المقاومة” لإيران بتكييف استراتيجيتها مع الديناميكيات الإقليمية المتغيرة. على سبيل المثال، يتناسب وضع حماس تحت توجيهات الحرس الثوري مع استراتيجية لمواجهة إسرائيل مع تحول الديناميكيات الإقليمية نحو التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
وتشكل مثل هذه الشراكات أيضاً تحدياً لخصوم إيران. ويتطلب ردع هذه المجموعات الوكيلة التنقل عبر شبكة معقدة من العلاقات والمصالح والصراعات المستمرة. وقد أدى هذا التعقيد، إلى جانب الدور المحوري الذي تلعبه إيران، إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، مما يشير إلى فترة من التوترات المتصاعدة ذات الآثار الدولية واسعة النطاق.
الرابط: