تقارير ودراسات

شهادة زوليا بارسي على السلوك القمعي لحركة طالبان ضد المرأة الأفغانية

“لقد تعرضتُ للسجن والتعذيب من قبل طالبان بسبب احتجاجي على الفصل العنصري بين الجنسين”

في الخامس عشر من غشت / آب 2021، سقطت كابول في أيدي طالبان. وكانت زوليا بارسي، التي كانت في كابول في ذلك الوقت، قد أمضت أربعة عشر عاماً كمعلمة قبل الانضمام إلى آخر حكومة جمهورية في أفغانستان كعضو في المجلس الأعلى للمصالحة. وبعد أن استولت طالبان على السلطة، شاركت بارسي في تأسيس “حركة الاحتجاج النسائي في أفغانستان” للتظاهر ضد تصاعد الفصل العنصري بين الجنسين في بلدها. ولهذا السبب، سجنتها طالبان وعذبتها، وهي القصة التي ترويها أدناه.

كان آخر يوم ذهبت فيه إلى المكتب هو الخامس عشر من غشت / آب. وفي ذلك اليوم، طُردت من وظيفتي وأُبلِغت بأن طالبان دخلت المدينة. وفي الشوارع، كانت المدينة في قبضة الرعب: الناس يركضون في كل مكان، والسيارات عالقة في حركة المرور، ورجال الشرطة يخلعون زيهم الرسمي، والآباء يحاولون بجنون إحضار أطفالهم من المدرسة والاندفاع إلى منازلهم. وعندما عدت أخيراً إلى المنزل، وجدت بناتي في حالة من اليأس، والجيران يرفعون علم طالبان فوق بوابات منازلهم. وبين عشية وضحاها تغيرت حياتنا.

لقد استغرق الأمر منّي ثلاثة أيام للخروج بعد استيلاء طالبان على السلطة. لقد مشيت مع صديقتي في حيّ شهر نو، ونشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، مشجعة النساء الأخريات على الخروج، حتى لا تتمكن طالبان من إنكار وجودنا. بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع، في 3 سبتمبر / أيلول، شاركت في أول احتجاج في ساحة فوارة آب أو “نافورة المياه” في كابول. وبينما كنت أنشر الصور ومقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعية، بدأت أتلقى رسائل من الأصدقاء الذين يسعون للانضمام إلي. لقد أنشأت مجموعة دردشة على واتساب، وبعد إضافة الأشخاص الذين أثق بهم، نظمنا احتجاجاً آخر في اليوم التالي. ولكن هذه المرة، كان عناصر طالبان مستعدين، وقاموا بقمع تجمعنا بسرعة، وضربوا الناس وأطلقوا الغاز المسيل للدموع في الهواء. وتفرق معظم المتظاهرين، لكن بعضنا واصل طريقه إلى مكان آخر، وزاد عددنا على طول الطريق، ليشمل رجالاً ونساءً من عامة الناس. وشعرنا بالنشاط الشديد، فقررنا تنظيم المزيد من الاحتجاجات.

وبما أنني لم أكن أملك أي خبرة سابقة في تنظيم الاحتجاجات، فقد تعلمت بسرعة أن الأمر يتطلب الكثير من العمل. فبدأنا التنسيق من خلال مجموعة الدردشة على تطبيق واتساب التي أنشأتها، بينما كنا نعمل أيضاً على إقامة اتصالات إعلامية ومحاولة إيصال أصواتنا داخل وخارج البلاد. في البداية، كنا عبارة عن تحالف فضفاض يضم العديد من مجموعات الاحتجاج المختلفة، خمسين مجموعة على الأقل، ولكن سرعان ما عملنا تحت مظلة مجموعة كبيرة واحدة، متحدين كحركة في معارضتنا للفصل العنصري بين الجنسين، والاستبداد، والقيود، واستبعاد المرأة.

وقد رد أعضاء طالبان على احتجاجاتنا المتزايدة بمزيد من القمع والعنف. لقد أسقطونا على الأرض، وضربونا باللكمات والركلات، ودمروا هواتفنا وممتلكاتنا. تم احتجاز العديد منا لأيام وتعرضوا للتهديدات والإهانات. تم سجن البعض وتعذيبهم لفترات أطول. حتى وقت اختطافي وسجني من قبل طالبان، شاركت في ثمانية وثلاثين احتجاجاً ضد نظام الفصل العنصري القمعي.

بمرور الوقت، تسللت استخبارات طالبان إلى منظمتنا، وكان النظام على علم باحتجاجاتنا حتى قبل حدوثها. في 19 سبتمبر / أيلول 2023، تلقيت مكالمة تنبهني إلى أن طالبان اختطفت إحدى المنظِّمات مع زوجها وطفلها، وحذرتني من أنني قد أكون التالية. فررت من منزلي في ذلك اليوم، تاركة بناتي مع والدتي من أجل سلامتهن. ولكن عندما عدت سرّاً بعد أسبوع لحضور جنازة، هاجمني رجل في الشارع وصاح: “إنها هي”. في غضون دقائق، وصلت اثنتا عشرة مركبة عسكرية تابعة لطالبان. وضع الرجال غطاء أسود على رأسي، وأجبروني على ركوب سيارة، واقتادوني إلى مركز للشرطة بعد أن كبّلوا يديّ بإحكام وبشكل مؤلم لساعات.

عند وصولي، وجهوا مسدساً نحوي وطلبوا كلمة المرور لهاتفي المحمول. قاومت في البداية لكنني رضخت عندما هددوني بتعذيب واعتقال أطفالي. ألقوني في غرفة جلست فيها قلقة على زميلاتي المتظاهرات اللائي لم يكنّ على علم بأن هاتفي أصبح الآن في أيدي طالبان. بعد نصف ساعة، دخل الشخص الذي اعتقلني الغرفة بهواتف ابني وابنتي. عندما رأيت هاتف ابني البالغ من العمر تسعة عشر عاماً غير مقفل، أدركت أنه قد تم اعتقاله أيضاً، وسقطت على الأرض.

احتُجزت في الحبس الانفرادي في غرفة رطبة لمدة شهرين تقريباً، وتعرضت للاستجواب والتعذيب بشكل روتيني من أجل الاعتراف. كانوا يعرضون عليّ مقاطع فيديو لابني، وهو يرتدي زي السجن ويضعف يوماً بعد يوم. علمت لاحقاً أنه كان محتجزاً أيضاً في الحبس الانفرادي. لقد دخلت المستشفى مرتين أثناء سجني، مرة بسبب الألم الشديد والتورم، والمرة الأخرى لأنني انهرت بعد أن شهدت انتحار صبي صغير بسبب تعرضه للتعذيب.

ولكنني كنت محظوظة مقارنة بالسجناء الآخرين الذين تعرضوا للجلد والصدمات الكهربائية والتجويع القسري. لم يعذبوني بهذه الطرائق، بل مارسوا عليّ التعذيب النفسي، فوضعوا غرفتي في مواجهة غرفة تعذيب الرجال، حيث كنت مستيقظة أستمع إلى صراخهم لأيام. وخلال جلسات الاستجواب، أُجبرت على الجلوس في وضع مقلوب ويداي مقيدتان بذراعي الكرسي. وفي إحدى الجلسات، سمعت محققي طالبان يقولون: “إذا أطلق سراحها، فسوف تتحدث عن هذا. فهي في نهاية المطاف زعيمة هذه الحركات”. أدركت حينها أنهم كانوا يخافون من صوتي، تماماً كما تخشى كل أنظمة الفصل العنصري أصوات مواطنيها.

في اليوم الخامس والأربعين، سُمح لي برؤية عائلتي لمدة خمس دقائق. أخبروني أنهم كانوا يبحثون عني وقدموا عرائض لا حصر لها إلى طالبان قبل أن يؤكد النظام أخيراً اعتقالي. كانت هذه هي المرة الأولى التي سُمح لي فيها برؤية ابني المسجون، ولو لمدة خمس دقائق فقط.

بعد ثمانية عشر يوماً تقريباً، عُدت إلى الزنازين العامة، حيث روت سجينات أخريات قصصهن وقصص صديقاتهن، بما في ذلك واحدة حاولت مراراً وتكراراً الهروب وقاتلت بشراسة في كل مرة كان جنود طالبان يأخذونها للاستجواب. وفي النهاية أُطلق سراحها بعد تسعة أشهر.

كنت أنا أيضاً في أمس الحاجة إلى إطلاق سراحي ورؤية أسرتي، ولكنني لم أُظهر يأسي قط لحراس السجن. وحتى عندما لكموني وركلوني ـ أو الأسوأ من ذلك، عندما أطلقوا على ابني لقب “دي كابر زوي” (ابن الكافرة)، كنت أحافظ على رباطة جأشي. ولم يكن أحد على استعداد لإخراجي بكفالة من السجن؛ لأنهم كانوا يخشون أن يصبحوا أهدافاً أيضاً. ولكن في نهاية المطاف، وافق حاكم سابق من طالبان على أن يكون ضامناً لي، فأطلق سراحي تحت وصاية أسرتي.

وعلى الرغم من حريتي، كنت حبيسة منزلي، وكانت شوارع مدينتي مغلقة في وجهي. وكان مقاتلو طالبان يراقبونني باستمرار ويراقبون منزلي. كما قدموا لي عرضاً: أن أعمل لصالحهم مقابل أن أعيش في راحة أينما أريد في أفغانستان. ولم تكن خيانة وطني وحرية نسائه خياراً مطروحاً بالنسبة لي قط.

وفي نهاية المطاف، اضطررت إلى قبول المنفى. وفي وقت متأخر من إحدى الأمسيات، تلقيت رسالة إلكترونية تخطرني بنقلي خارج البلاد. فبكيت طوال الليل، كنت حزينة على فقدان بيتي ووطني. وعندما عبرت الحدود خارج أفغانستان، صرخت من الألم. فكرت في البقاء والعمل سرّاً تحت هوية مزيفة، لكن هذا لم يكن خياراً قابلاً للتطبيق بالنسبة إلى عائلتي.

لقد أصبحت الآن غريبة في أرض أجنبية، بلا وطن وبلا هوية. وأنا أعدّ الدقائق حتى أتمكن من العودة إلى أفغانستان لأشهد سقوط طالبان. وفي منفاي، فإن أعظم أمل لي هو ألا تذهب احتجاجاتنا وتضحياتنا وثوراتنا سدى، وأن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه بلدي من قبضة التطرف والقمع والفصل العنصري بين الجنسين.

الرابط:

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/i-was-imprisoned-and-tortured-by-the-taliban-for-protesting-gender-apartheid-in-afghanistan/

زر الذهاب إلى الأعلى