تقارير ودراسات

شبكة هيئة تحرير الشام في سوريا

في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، أطاحت قوات المتمردين بنظام الديكتاتور السوري بشار الأسد، بعد أن اقتحموا أجزاء كبيرة من البلاد، واستعادوا عواصم إقليمية مختلفة، وانتهت سيطرتهم إلى دمشق نفسها.

كانت أغلب هذه الهجمات بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي واحدة من أكبر الجماعات المتمردة في سوريا والتي حكمت فعلياً جزءاً كبيراً من محافظة إدلب في البلاد لعدة سنوات. وعلى الرغم من أن الهيئة تدعي أنها لم تعد تابعة لتنظيم القاعدة، فإنها تظل منظمة جهادية بدأت حياتها كفرع محلي للتنظيم.

حتى وقت نشر هذا التقرير، لا تزال هيئة تحرير الشام مدرجة على قائمة الحكومة الأمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية، وزعيمها أبو محمد الجولاني هو إرهابي عالمي محدد بشكل خاص بسبب تاريخه كجزء من تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من هذه التصنيفات، هناك نقاش متداول داخل إدارة بايدن حول إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بعد أن قادت المجموعة الهجوم الذي أطاح بالأسد. ولكن رسميّاً، تم نفي إمكانية الإقدام على هذه الخطوة في المستقبل القريب.

إن السبب وراء موقف أولئك الذين يؤيدون شطب هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب هو أن المجموعة أصبحت “معتدلة” ونأت بنفسها عن تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، بما أن هيئة تحرير الشام لا تزال الجماعة الأقوى في سوريا، فمن المرجح أن يجد العديد من قياداتها، بما في ذلك الجولاني، أنفسهم ضمن الحكومة السورية الجديدة.

إن الادعاء بأن هيئة تحرير الشام انفصلت عن تنظيم القاعدة ينبع من تصريح الجولاني في يوليو/ تموز 2016، عندما قال إن سلف هيئة تحرير الشام الذي تم تشكيله حديثاً آنذاك، جبهة فتح الشام، “لن يكون لها أي انتماء لأي كيان خارجي”. جاء هذا القرار بعد أن استشار الجولاني الممثلين الرسميين للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة في سوريا في ذلك الوقت.

ومن المهم أن نلاحظ أن الجولاني لم يتراجع صراحة عن بيعته لتنظيم القاعدة في هذا التصريح، على الرغم من أنه من الواضح أنه كان يسعى إلى إبعاد نفسه ومجموعته عن التنظيم الإرهابي. وفي هذا السياق، ظل الجولاني يشكر القاعدة على “تفهمها للحاجة إلى قطع العلاقات”.

“لا شك أن المشاكل نشأت بين كبار قادة القاعدة وأبو محمد الجولاني بعد “انفصال” الأخير عن التنظيم في عام 2016″، كما قال توماس جوسلين، الخبير في شؤون الإرهاب والمؤسس المشارك لمجلة “لونغ وور جورنال”. “لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن “انفصال” الجولاني الأولي كان بتأييد الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في ذلك الوقت”.

وتابع جوسلين: “في إعلانه، أشاد الجولاني بأسامة بن لادن وأيمن الظواهري، بينما استخدم لغة غامضة فيما يتعلق بما يعنيه تحركه بالفعل. وكما أشار أفراد القاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن الجولاني ارتدى ملابس بن لادن في هذه المناسبة. وهذه ليست سوى بعض الأسباب التي تجعل التحليل الحقيقي يتطلب التشكيك وليس التشجيع”.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن تنظيم القاعدة لم يُحل علناً الجولاني من بيعته لأمير التنظيم آنذاك أيمن الظواهري. في الواقع، أشاد الظواهري بالجولاني بعد فترة وجيزة من كسر الزعيم السوري ولاءه له. ومع ذلك، منذ وفاة الظواهري في يوليو / تموز 2022، من غير المعروف نوع العلاقة التي تربط الجولاني بكبار قادة القاعدة.

وعلى الرغم من أن مجموعة الجولاني اعتقلت بشكل دوري أفراد مرتبطين بتنظيم القاعدة في سوريا واشتبكت في بعض الأحيان مع حراس الدين، الفرع الحالي للقاعدة في سوريا، فإن فكرة أن هيئة تحرير الشام “لا تنتمي إلى أي كيان خارجي” يمكن دحضها بسهولة من خلال النظر إلى الجماعات الجهادية الأجنبية التي تعمل إما تحت رايتها أو تقاتل إلى جانبها بشكل روتيني كمنظمة “معتمدة” من قبل قيادة الهيئة.

ولابد من وضع هذه الجماعات في الحسبان عند النظر في إمكانية رفع تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، وفي تقييم مستقبل التعامل معها في سوريا. وحتى لو كان صحيحاً أن هيئة تحرير الشام ليس لها الآن أي انتماء رسمي للقاعدة كمنظمة، فإن العديد من أعضائها أو المتحالفين معها يظلون في الواقع تابعين للقاعدة.

وفيما يلي عينة من الجماعات الجهادية الأجنبية التي تتعاون مع كادر الجولاني:

ـ الحزب الإسلامي التركستاني: هو جماعة جهادية أويغورية تابعة لتنظيم القاعدة تعمل في كل من أفغانستان وسوريا. داخل أفغانستان، قاتلت الجماعة إلى جانب القاعدة منذ ما قبل الغزو الأمريكي في عام 2001. الأمير العام الحالي للحزب الإسلامي التركستاني، الذي يرأس كلا الفرعين، هو عبد الحق التركستاني، وهو أيضاً عضو في مجلس الشورى الرئيس لتنظيم القاعدة. داخل سوريا، تظل المجموعة حليفة قوية لهيئة تحرير الشام، وغالباً ما تشارك في الهجمات جنباً إلى جنب مع مقاتلي الهيئة. تم إلغاء إدراج الحزب الإسلامي التركستاني (يُطلق عليه أحياناً حركة تركستان الشرقية الإسلامية) بشكل صادم كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة في عام 2020 على الرغم من علاقته الأساسية بتنظيم القاعدة.

خلال التقدم الأخير الذي أطاح بنظام الأسد، كان الحزب الإسلامي التركستاني في طليعة معظم المعارك، وقد استعرض ذلك بشكل مكثف في قنوات الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به. كما أصدر عبد الحق بياناً أشاد فيه بانتصار المتمردين في سوريا. ظهر مقطع فيديو لمقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني وهم يستعرضون قواتهم في اللاذقية في 10 ديسمبر / كانون الأول 2024.

ـ كتيبة الغرباء التركستانية: هي جماعة جهادية أخرى من الأويغور تعمل تحت لواء هيئة تحرير الشام. تم تشكيلها حوالي عام 2017، وكانت مؤيدة للقاعدة بشكل علني على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، لكن منذ انضمامها إلى هيئة تحرير الشام، لم تعد تصرح بدعمها للقاعدة. الأهم من ذلك، أن المجموعة كانت تدير سابقاً وحدة فرعية مكونة من مقاتلين فلسطينيين من كتائب عبد الله عزام في لبنان. كانت كتائب عبد الله عزام، التي تم حلها في عام 2019، منظمة تابعة لتنظيم القاعدة.

وعلى غرار الحزب الإسلامي التركستاني، شاركت كتيبة الغرباء بشكل كبير في تقدم هيئة تحرير الشام عبر شمال سوريا. على سبيل المثال، نشرت المجموعة عدة صور لقواتها العاملة في حلب وسراقب في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

ـ كتيبة الإمام البخاري: هي جماعة جهادية أوزبكية تعمل في سوريا وأفغانستان ومتحالفة مع هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة وحركة طالبان. تدين الجماعة بالولاء لأمير حركة طالبان الأفغانية، هبة الله أخوندزاده، وشاركت في استيلاء طالبان على أفغانستان في عام 2021. وقد صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية في عام 2018.

في سوريا، كانت كتيبة الإمام البخاري حليفة لهيئة تحرير الشام والمجموعات التي سبقتها منذ فترة طويلة. بالإضافة إلى مساعدة هيئة تحرير الشام على الإطاحة بالأسد في الأيام الأخيرة، كانت الجماعة حاضرة أيضاً أثناء استيلاء الهيئة على إدلب في عام 2015 (عندما كانت هيئة تحرير الشام لا تزال تُعرف باسم جبهة النصرة). نشرت كتيبة الإمام البخاري مقطع فيديو لزعيمها في اللاذقية في 9 ديسمبر / كانون الأول 2024.

ـ كتيبة التوحيد والجهاد: هي جماعة جهادية أوزبكية (وقيرغيزية) أخرى تعمل في سوريا وأفغانستان وتتحالف مع هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة وحركة طالبان. كانت كتيبة التوحيد والجهاد وراء تفجير انتحاري على السفارة الصينية في قيرغيزستان في عام 2016. وبسبب هذا الهجوم وعلاقتها بتنظيم القاعدة وجماعات جهادية أوزبكية أخرى، بما في ذلك كتيبة الإمام البخاري، صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية في عام 2022.

داخل سوريا، اندمجت كتيبة التوحيد والجهاد بشكل كبير في صفوف هيئة تحرير الشام وتشارك بشكل مباشر في القتال تحت قيادتها. وقد شاركت بشكل كبير في الهجوم الذي قادته الهيئة والذي أطاح بنظام الأسد. أصدرت المجموعة مقطع فيديو لمقاتليها وهم ينفذون عمليات في حلب في 29 نوفمبر / تشرين الثاني 2024.

ـ اتحاد الجهاد الإسلامي: هو جماعة جهادية أوزبكية أخرى تعمل في كل من سوريا وأفغانستان، وهي متحالفة مع هيئة تحرير الشام والقاعدة وطالبان. يقع مقر اتحاد الجهاد الإسلامي في أفغانستان، ولكنه يحتفظ بفرع داخل سوريا ويقاتل تحت راية هيئة تحرير الشام وفقاً لتقرير للأمم المتحدة. كان اتحاد الجهاد الإسلامي مرتبطاً منذ فترة طويلة بتنظيم القاعدة وساعد طالبان على الاستيلاء على أفغانستان في عام 2021. وقد صنفته الولايات المتحدة منظمة إرهابية في عام 2005.

في سوريا، كان اتحاد الجهاد الإسلامي يعمل سابقاً تحت اسم أنصار الجهاد بقيادة أحد قدامى المحاربين الأويغور في تنظيم القاعدة، أبو عمر التركستاني. ومع ذلك، بعد مقتل التركستاني في عام 2017 إلى جانب قادة آخرين في تنظيم القاعدة، اندمجت المجموعة في هيكل هيئة تحرير الشام الأكبر. الوضع الحالي لاتحاد الجهاد الإسلامي غير معروف، لأنه لا يحتفظ بمنصات إعلامية مستقلة مثل الفصائل الأوزبكية الأخرى.

ـ لواء المهاجرين والأنصار (المعروف سابقاً باسم جيش المهاجرين والأنصار): هو جماعة جهادية تتألف من مقاتلين من شمال القوقاز أعلنوا الولاء لجبهة النصرة السابقة، والتي كانت نواة هيئة تحرير الشام. تم تصنيف لواء المهاجرين والأنصار منظمة إرهابية تحت مسمى جيش المجاهدين والأنصار في عام 2014. أصدر لواء المهاجرين والأنصار صوراً لقواته العاملة في حلب وسراقب في 29 نوفمبر / تشرين الثاني 2024.

ـ أجناد القوقاز: هي جماعة جهادية تتألف من الشيشانيين وغيرهم من سكان شمال القوقاز الذين يقاتلون إلى جانب هيئة تحرير الشام في سوريا. وعلى الرغم من أن لقيادتها التاريخية علاقات طويلة الأمد مع إمارة القوقاز، وبالتالي تنظيم القاعدة، فإن أجناد القوقاز ظلت منظمة مستقلة داخل سوريا ولا تنحاز إلى أي جماعة علناً. يقاتل مؤسسها عبد الحكيم الشيشاني الآن في أوكرانيا ضد القوات الروسية. ونشرت الجماعة مقطع فيديو لمقاتليها في المسجد الأموي في دمشق في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

ـ جماعة الألبان: هي جماعة جهادية تتألف في المقام الأول من الألبان ومقاتلين آخرين من البلقان في سوريا، وهي جزء رسمي من هيكل هيئة تحرير الشام، حيث يعمل أميرها أبو قتادة الألباني، وهو من مقدونيا، مستشاراً للجولاني. وقد صنفت الولايات المتحدة الألباني، واسمه الحقيقي عبدول جشاري، على أنه إرهابي في عام 2016. وأعلنت جماعة الألبان علناً مشاركتها في المعارك الأخيرة التي أطاحت بالأسد.

– أنصار الإسلام: هي جماعة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة تأسست في الأصل في شمال العراق عام 2001 وتعمل الآن بشكل أساسي في سوريا (على الرغم من محاولتها إحياء نفسها في العراق عام 2019). لطالما كانت أنصار الإسلام تابعة لتنظيم القاعدة وكانت جزءاً رئيساً من عمليات التنظيم داخل العراق أثناء الحرب الأمريكية هناك؛ صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية في عام 2004.

في سوريا، تقاتل أنصار الإسلام إلى جانب هيئة تحرير الشام كحليف، لكنها ليست جزءاً رسمياً من هيكلها. في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلنت أنصار الإسلام مشاركتها في القتال للإطاحة بنظام الأسد.

ـ أنصار التوحيد: تشكلت من بقايا جند الأقصى، وهي جماعة جهادية تتألف من سوريين محليين ومقاتلين أجانب انفصلوا عن حراس الدين، فرع القاعدة الحالي في سوريا. وقد صنفت الولايات المتحدة الجماعة منظمة إرهابية في عام 2016، عندما كانت تحمل اسم جند الأقصى، على الرغم من أن تشكيلها الحالي غير مدرج على القائمة.

وتضم أنصار التوحيد العديد من الوحدات الأجنبية في صفوفها، مثل فرقة الغرباء، وهي مجموعة جهادية فرنسية يقودها عمر ديابي (المصنف على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة)، وهي موالية لتنظيم القاعدة علناً. وكانت فرقة الغرباء قد خاضت صراعات مع هيئة تحرير الشام في الماضي، لكنها الآن تعمل بالاشتراك معها كجزء من جماعة أنصار التوحيد.

وتعمل جماعة أنصار التوحيد جنباً إلى جنب مع هيئة تحرير الشام كحليف، لكنها ليست جزءاً رسمياً من هيكلها. وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أصدرت الجماعة مقطع فيديو لمقاتليها وهم يعملون في سوريا للإطاحة بنظام الأسد. كما تبين أن فرقة الغرباء، كجزء من أنصار التوحيد، شاركت في الهجوم الأخير الذي أطاح بالأسد.

 

المصدر: مجلة “لونغ وور جورنال”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى