تقارير ودراسات

حرب الظل الجزائرية: كيف تمول وتسلح أخطر الجماعات الإرهابية في إفريقيا

لطالما أخفت الجزائر، القوة الصامتة في شمال إفريقيا، عملياتها السرية خلف واجهات دبلوماسية. وبينما تصور نفسها كعامل استقرار إقليمي، أصبح من المستحيل تجاهل دورها الخفي في تأجيج الصراعات وتسليح الميليشيات وتمويل الشبكات المتطرفة.

من تمرد جبهة البوليساريو ضد المغرب إلى الحركات الجهادية التي تنشر الفوضى في منطقة الساحل، تتجلى بصمات الجزائر في أعنف صراعات إفريقيا. ومع ذلك، لا يزال العالم غافلاً إلى حد كبير، منشغلاً بالصراعات الجيوسياسية الكبرى، بينما تتضح ملامح هذه الحرب الخفية.

لعقود، حافظت الجزائر على شبكة تحالفات معقدة مع جماعات مسلحة تحت ستار دعم “حركات التحرير”. لكن لا شك أن الأمر لا يتعلق بالتضامن الأيديولوجي، بل باستراتيجية مدروسة لاستعراض القوة، وتحقيق التوازن مع المنافسين الإقليميين، واستغلال عدم الاستقرار لتحقيق مكاسب سياسية. جبهة البوليساريو، الناشطة في الصحراء الغربية المتنازع عليها، خير مثال على ذلك.

بدعم قوي من الجزائر، شنّت هذه الجماعة الانفصالية حرباً لا هوادة فيها على المغرب، حيث تعمل قيادتها براحة تامة انطلاقاً من الأراضي الجزائرية. وكشفت مصادر استخباراتية أن جبهة البوليساريو حصلت على أسلحة روسية متطورة وطائرات مسيرة إيرانية، مما أثار مخاوف جدية بشأن دور الجزائر في تصعيد التوترات. فهذه الأسلحة لا تؤجج أحد أطول الصراعات في شمال إفريقيا فحسب، بل لها أيضاً تداعيات سلبية تزعزع استقرار المنطقة بأسرها.

أبعد من الصحراء الغربية، يمتد نفوذ الجزائر عميقاً إلى منطقة الساحل، وهي منطقة باتت تُعرف بتمرداتها الجهادية. وفي حين تدين الجزائر الإرهاب علناً، تُتهم بلعب دور مزدوج: التفاوض مع المتطرفين وتمكينهم سراً من تنفيذ عملياتهم.

تشير التقارير إلى أن القوات المالية والفرنسية اعترضت أسلحة جزائرية المنشأ في أيدي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. هذه ليست مجرد مشكلة تسرب أسلحة؛ بل هي استراتيجية متعمدة للسيطرة. بسماحها للجماعات الجهادية بالعمل في الدول المجاورة مع الحفاظ على أمن حدودها، ترسّخ الجزائر مكانتها كوسيط أساسي ومؤثر- وسيط تعتمد عليه الدول الغربية، على مضض، متجاهلة ازدواجيتها.

ومع ذلك، العامل الحاسم الحقيقي هو المجمع الصناعي العسكري الجزائري، المتشابك بعمق مع روسيا وإيران. بصفتها من أكبر مستوردي الأسلحة في إفريقيا، جمعت الجزائر ترسانة هائلة، حيث اشترت أسلحة بمليارات الدولارات من موسكو. ولكن إلى أين تذهب هذه الأسلحة؟ إن الوجود المتزايد للمعدات العسكرية الروسية في أيدي جهات غير حكومية يطلق إشارات تحذير جدية.

يشير اكتشاف منظومات دفاع جوي محمولة روسية الصنع في مناطق سيطرة جبهة البوليساريو، وطائرات إيرانية من دون طيار مرتبطة بالجزائر، إلى وجود سلسلة توريد سرية تؤجج الصراعات من شمال إفريقيا إلى منطقة الساحل. هذا ليس تخميناً، بل مناورة جيوسياسية مدروسة. فمن خلال توريد الأسلحة إلى وكلاء، توسع الجزائر نفوذها دون الانخراط المباشر في حرب، مما يسمح لها بتشكيل الديناميكيات الإقليمية مع تجنب المواجهة المباشرة.

يقع في قلب حرب الظل الجزائرية جهاز استخباراتها العسكرية القوي، المعروف باسم دائرة الاستعلام والأمن. بخلاف المغرب، الذي يعمل ضمن إطار دبلوماسي واقتصادي، فإن القيادة الجزائرية تخضع لسيطرة نخبة عسكرية سرية تعطي الأولوية للاستقلال الاستراتيجي والهيمنة الإقليمية.

لقد مكّن هذا النموذج من الحكم العسكري البلاد من اللعب على طرفي نقيض: التعاون مع الغرب في مبادرات مكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه تمكين التهديدات التي تدّعي مكافحتها. إنها لعبة خطيرة، وعاجلاً أم آجلاً، ستكون عواقبها وخيمة.

صمت المجتمع الدولي يصمّ الآذان. الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، تتردد في مواجهة دور الجزائر في تأجيج عدم الاستقرار. لماذا؟ لأن الجزائر مورد رئيس للغاز إلى أوروبا، وفي عالم يعاني من آثار الحرب الروسية الأوكرانية، فإن أمن الطاقة يفوق المساءلة الجيوسياسية.

مع ذلك، بدأت تظهر بعض الانفراجات. ففي واشنطن، تتزايد الأصوات المطالبة بتشديد الرقابة على صفقات الأسلحة الجزائرية مع روسيا، ويدفع البعض باتجاه فرض عقوبات بموجب “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”. في غضون ذلك، بدأ صناع القرار الأوروبيون يتساءلون عن نفوذ الجزائر غير المقيد في المغرب العربي وتأثيره على أمن البحر الأبيض المتوسط.

لم يعد بإمكان العالم تجاهل حرب الظل التي تشنها الجزائر. فكل صراع تؤججه، وكل ميليشيا تسلحها، وكل جماعة متطرفة تمكّنها، يدفع إفريقيا إلى مزيد من الفوضى. إذا لم تتحرك الدول الغربية، ستواصل الجزائر العمل دون عقاب، متخذة دور صانع الملوك في منطقة على حافة الهاوية. لقد حان الوقت لكشف الحقيقة، ومحاسبة الجزائر، وكسر حلقة زعزعة الاستقرار قبل أن تخرج عن السيطرة.

الكاتب: أمين أيوب

https://www.meforum.org/mef-online/algerias-shadow-war-how-it-funds-and-arms-africas-deadliest-terror-groups

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى