تقارير ودراسات

تركيا مستعدة لتولي مسؤولية السجون التي تضم أعضاء داعش في سوريا وسط غموض بشأن خطط هيئة تحرير الشام

تستمر أنقرة في إصرارها على الحد من نفوذ الجماعات الكردية التي تراها معادية من خلال اقتراح نقل الإشراف على المعسكرات والسجون التي تحتجز مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا إلى الإدارة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام التي أطاحت بالرئيس بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول. وفي حال فشل هذا الاقتراح، فإن تركيا أعربت عن استعدادها للتدخل بشكل مباشر. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى الحد من الحكم الذاتي الكردي في المنطقة وضمان نفوذ تركي أكبر على المسائل الأمنية الرئيسة في شمال سوريا.

ففي الثالث من يناير/ كانون الثاني، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البلجيكي برنارد كوينتين، بأن “الحكومة السورية لابد أن تتولى مسؤولية أمن المخيمات والسجون في أقرب وقت ممكن. وإذا لم يحدث ذلك، فإن تركيا مستعدة لتقديم الدعم الضروري”.

وبعد ثلاثة أيام، في السادس من يناير/ كانون الثاني، وبعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، كرر فيدان موقف تركيا، مؤكداً أن من أهم القضايا المطروحة الآن إدارة السجون والمخيمات التي تأوي مقاتلي داعش والإشراف عليها. وقال إن المعتقلين في مخيم الهول وكذلك أعضاء داعش المحتجزين في مرافق أخرى يمكن أن يخضعوا لإشراف أكثر صرامة. وأكد فيدان أن الظروف المناسبة للمخيمات والسجون التي تحتجز مسلحي داعش وعائلاتهم يمكن أن توفرها الإدارة الجديدة في سوريا، وشدد على أن تركيا مستعدة لتقديم المساعدة في هذه العملية إذا لم تتمكن هيئة تحرير الشام من القيام بذلك. وقال فيدان إن تركيا تراقب الوضع عن كثب، وهي مستعدة لاتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لمواجهة أي تحركات معادية من قبل الجهات الفاعلة المعنية.

منذ تغيير النظام في سوريا، أكدت تركيا باستمرار على ضرورة تحمل الدول الغربية مسؤولية مواطنيها المنتمين إلى داعش والمحتجزين حالياً في معسكرات وسجون في جميع أنحاء البلاد. وأصرت أنقرة على نقل هذه السجون والمعسكرات من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تتألف إلى حد كبير من وحدات حماية الشعب الكردية، وهي المجموعة التي تصنفها تركيا منظمة إرهابية. ووفقاً لتركيا، فإن وحدات حماية الشعب هي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المحظور، وهي المجموعة التي تقاتلها تركيا منذ سنوات.

وفي مقابلة مباشرة مع قناة “ان تي في” في 13 ديسمبر/ كانون الأول، شدد فيدان مراراً وتكراراً على أن الدول الأوروبية يجب أن تعيد مواطنيها إلى أوطانهم، بما في ذلك الآلاف من الرجال والنساء والأطفال المحتجزين حالياً في معسكرات تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية في سوريا.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن أكثر من 11500 رجل و14500 امرأة و30 ألف طفل محتجزون في 27 مركز احتجاز على الأقل ومعسكرين رئيسيين هما الهول وروج في شمال شرق سوريا. وانتقد فيدان الدول الأوربية لتقاعسها عن إعادة مواطنيها، واصفاً السماح لحزب العمال الكردستاني، من خلال قوات سوريا الديمقراطية، بإدارة المعسكرات والعمل كسجانين بـ “النفاق” و”الانتهازية”. وأكد أنه سواء كان هناك 10 أو 20 أو 50 فرداً منتمياً إلى داعش، فيجب على الدول الأوربية إعادتهم إلى أوطانهم. كما زعم أن العراق وسوريا يجب أن يتحملا أيضاً مسؤولية مواطنيهما، في حين يمكن تطوير آلية دولية أو إقليمية للمحتجزين الآخرين.

ولكن سجل تركيا فيما يتصل بتعاملها مع مقاتلي تنظيم داعش داخل حدودها يثير المخاوف. فعلى الرغم من أن السلطات التركية، بما في ذلك الشرطة والقضاء في ظل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، اعتقلت وسجنت العديد من المشتبه بهم في الانتماء إلى التنظيم، فإن قِلة منهم أدينوا، مما أدى إلى إطلاق سراح غالبيتهم على مدى فترة طويلة من الزمن. وتشير التقارير الأخيرة في وسائل الإعلام التركية إلى أن عمليات الإفراج الجديدة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي ربما تكون مرتبطة بمطالب ومفاوضات مع هيئة تحرير الشام التي تحكم سوريا الآن، وهي جماعة تتألف من مقاتلين سابقين من تنظيمي القاعدة وداعش.

ففي 24 ديسمبر/ كانون الأول، أفاد موقع “نورديك مونيتور” أن العديد من عناصر داعش المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة تتعلق بالإرهاب تم إطلاق سراحهم بسبب “نقص الأدلة” المزعوم أو أخطاء في الإجراءات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء أحكام بعض الأفراد المدانين عند الاستئناف.

إن سجل تركيا في التعامل مع المقاتلين الأجانب بعيد كل البعد عن المثالية التي يدعيها المسؤولون الأتراك الآن. فخلال التوسع السريع لتنظيم داعش في العراق وسوريا بعد عام 2014، دخل العديد من المقاتلين الأجانب سوريا عبر تركيا. وفي ذلك الوقت، دعمت تركيا بشكل مباشر الإطاحة بنظام الأسد، وسعت إلى قمع القوات الكردية، بما يتماشى مع بعض الأهداف الأوسع نطاقاً لداعش. ومع ذلك، مع هزيمة داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية وتصاعد الضغوط الدولية، اضطرت تركيا إلى تعديل سياساتها.

كما أثار تعامل تركيا مع الجهاديين الأجانب في الداخل مخاوف دولية. ففي عام 2022، أصدرت المديرية العامة لإدارة الهجرة بياناً نادراً يقدم إحصاءات عن ترحيل “مقاتلين إرهابيين أجانب” من البلاد. وفي حين لم تحدد المديرية أي انتماء لمنظمة معينة، فمن المرجح على نطاق واسع أن معظمهم من المسلحين الجهاديين الذين سافروا إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيمي القاعدة وداعش.

وتضمن البيان الصادر عن المديرية التابعة لوزارة الداخلية التركية عبارات بدا وكأنها تستهدف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. فوفقاً للأرقام، تم ترحيل ما مجموعه 9000 مقاتل إرهابي أجنبي من 102 دولة منذ عام 2011، من بينهم 1168 من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي، كجزء من الجهود الأمنية التي تبذلها تركيا داخل حدودها وعبرها. ومع ذلك، أثار العدد الدقيق للمرحلين، الذي بلغ 9 آلاف، بعض التساؤلات حول مصداقية هذه الإحصائيات.

المصدر: موقع “نورديك مونيتور”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى