الخطة الاستراتيجية لمديرية الشؤون الدينية التركية للفترة 2024 ـ 2028
حكومة أردوغان تسعى إلى السيطرة على أتراك الخارج
تسعى الحكومة الإسلاموية للرئيس رجب طيب أردوغان، من خلال ذراعها الدينية، إلى الوصول إلى ما يقرب من 12 مليون شخص في الخارج كجزء من عمليات التأثير؛ وذلك باستخدام المساجد الخاضعة لسيطرة تركيا في أوروبا وأمريكا الشمالية، لتوسيع نطاقها الأيديولوجي والسياسي.
تم تحديد الهدف في الخطة الاستراتيجية لمديرية الشؤون الدينية (ديانت) للفترة من 2024 إلى 2028، والتي تتضمن السياسات المحدِّذة للأهداف، والتكتيكات الموصى بها، والحلول المقترحة لمعالجة أوجه القصور التي تم رصدها.
وبحسب نسخة من الخطة حصل عليها موقع “نورديك مونيتور”، فقد وصلت “ديانت” إلى 1.9 مليون شخص بحلول نهاية الفترة الاستراتيجية السابقة (2020-2024)، وتهدف إلى توسيع هذا الرقم إلى 11.9 مليون بحلول نهاية عام 2028.
إن المنصة الأساسية لهذه الأنشطة الدعوية هي المساجد، على الرغم من أن الحكومة التركية تستخدم أيضاً أماكن خاصة لتقديم دورات دينية. يتم تشغيل هذه المنصات من قبل أئمة أتراك يتم نشرهم في الخارج من قبل “ديانت” ويتم تمويلهم من أموال دافعي الضرائب.
وتخضع العمليات الخارجية التي تقوم بها مديرية الشؤون الدينية التركية للإشراف المحلي من جانب الملحقين الدينيين والمستشارين العاملين في السفارات التركية، والذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية أثناء خدمتهم في الخارج. ويتبع هؤلاء المسؤولون مباشرة المديرية العامة للشؤون الخارجية، أحد الفروع الثلاثة الرئيسة في مديرية الشؤون الدينية التركية، والتي تعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس المنظمة.
وتوصي الخطة بزيادة رواتب موظفي “ديانت” العاملين بنظام التعاقد، مشيرة إلى أن التعويضات الحالية غير كافية للاحتفاظ بالموظفين الذين هم إما من مواطني الدول المضيفة أو الحاصلين على إقامة دائمة هناك. وتنص الخطة على أن عملية زيادة الرواتب التي تم اعتمادها في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 كانت غير كافية، مما أدى إلى استقالة أكثر من 100 موظف.
وحثت الخطة على تعديل القانون رقم 633، الذي يحكم منظمة “ديانت”، للسماح بحزم تعويضات أفضل للموظفين المتعاقدين.
وفي هذا العام، وجه مكتب الرئيس أردوغان مديرية الشؤون الدينية للتعاون مع المنظمات غير الحكومية التي أنشأتها تركيا في الخارج كجزء من خطة شاملة لتعزيز قدراتها. والهدف من ذلك هو استخدام الدوافع الدينية لمساعدة هذه المنظمات غير الحكومية على تعزيز الأهداف السياسية لحكومة أردوغان في البلدان الأجنبية.
وطلب المكتب الرئاسي أيضاً من مديرية الشؤون الدينية تعيين المزيد من الموظفين المؤهلين في البعثات التركية في الخارج، وتعزيز قدراتها الإدارية والفنية وتخصيص موارد مالية إضافية للمنظمات العاملة فيما يسمى “الدبلوماسية الثقافية”.
وبحلول بداية هذا العام، أفادت “ديانت” أن لديها 586 موظفاً يخدمون في الخارج، بما في ذلك مستشار والسفارات والملحقون، ومعظمهم يعملون على أساس تعاقدي. ومع ذلك، يشير التقرير الداخلي لوزارة الخارجية لعام 2024 إلى إجمالي 1497 موظفاً، بما في ذلك الأئمة المكلفون بالعمل في المساجد والمؤسسات الدينية الأخرى في الميدان.
ويرجع هذا التناقض في الأرقام إلى الموظفين المكلفين بعمل مؤقت قصير الأجل فضلاً عن برنامج سري تديره وكالة الاستخبارات التركية، والتي توظف العاملين الدينيين كغطاء لنشر عملائها في البلدان الأجنبية.
وبما أن الأئمة الأتراك يستطيعون العمل بسهولة داخل المجتمعات المهاجرة ولديهم إمكانية الوصول المباشر إلى المنظمات والبلديات المحلية، فإن هذا الوضع يمثل فرصة ممتازة للاستخبارات التركية ليس فقط لجمع المعلومات ولكن أيضاً لتحديد عملاء محتملين داخل هذه المجتمعات.
وتتيح المعلومات التي يتم جمعها للمخابرات التركية تحديد نقاط الضعف داخل المجتمعات المحلية والتي يمكن استغلالها للتأثير على السياسة الوطنية للدولة المضيفة لصالح الحكومة التركية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تنشئ شبكة من الاتصالات التي يمكن حشدها عند الضرورة لإطلاق الاحتجاجات والتجمعات في البلدان الأجنبية.
ويؤكد اختصاص المديرية العامة للشؤون الخارجية في رئاسة الشؤون الدينية صراحة على أهمية تنسيق أنشطتها مع وكالات الحكومة التركية الأخرى، بما في ذلك الاستخبارات، في اختيار وتدريب وإعداد الموظفين المخصصين للخدمة في الخارج.
وفي تفويض شامل وواسع النطاق، ينص التعميم الذي يحدد نطاق مهام المديرية على أنها “مطلوبة للوفاء بأي مهمة تُعطى لها”، والتي قد تشمل التجسس على الأراضي الأجنبية لصالح الاستخبارات التركية.
على مدى العقد الماضي، كثفت حكومة أردوغان عمليات التجسس في الخارج بشكل كبير، حيث قامت العديد من الوكالات الحكومية بتجنيد العملاء والأصول والمخبرين، من المواطنين المزدوجين إلى الأجانب، لجمع المعلومات الاستخبارية.
الهدف هو توفير نفوذ لحكومة أردوغان في المناقشات مع نظرائها، والتأثير على سياسات الحكومات المضيفة، وإنشاء وكلاء للتعبئة لتحقيق الأهداف السياسية وقمع جماعات المعارضة داخل المجتمعات التركية المغتربة.
في السنوات الأخيرة، خضع أئمة ومساجد أتراك في أوربا للتحقيقات بتهمة القيام بعمليات تجسس تستهدف منتقدي ومعارضي حكومة أردوغان. وقد نفذت العديد من دول أوربا الغربية، وخاصة ألمانيا وفرنسا والنمسا، تدابير للحد من التدخل الأجنبي من جانب تركيا من خلال مديرية الشؤون الدينية والمساجد التركية.
وللتغلب على العقبات في الدول الأجنبية، توصي الخطة الاستراتيجية بأن توقع تركيا بروتوكولات تعاون مع الدول المضيفة لحماية الأئمة بشكل أفضل من التدقيق. وتشمل التدابير المقترحة لمعالجة التحديات التي يواجهها الأئمة الأتراك في الخارج إطلاق حملات تحت ذريعة حرية الدين، والتعاون مع منظمات حقوق الإنسان الدولية لتجنيد الحلفاء وتنسيق الجهود الدبلوماسية.
وتحث الخطة أيضاً على تجنيد الأتراك الذين هم بالفعل مواطنون من هذه البلدان، وتوصي بتدريبهم في تركيا قبل تعيينهم كأئمة. ولدعم هذه المبادرة، خصصت “ديانت” 608 ملايين ليرة تركية للبرنامج. وقد تلقى أكثر من ألف طالب من أوروبا وأمريكا الشمالية تعليمهم وتدريبهم في تركيا، حيث تولّى العديد منهم بالفعل مناصب داخل “ديانت”.
تمتلك “ديانت” كل من القوى العاملة والموارد المالية اللازمة لتحقيق الأجندة الطموحة لحكومة أردوغان. واعتباراً من هذا العام، يبلغ عدد موظفيها 140.185 موظفاً، معظمهم من الرجال، باستثناء الموظفين المعينين في وظائف المستوى الأول. وتشرف المنظمة على ما يقرب من 90 ألف مسجد ولديها ميزانية لعام 2024 تبلغ 91.8 مليار ليرة تركية، مما يعكس زيادة مذهلة بنسبة 151 في المائة مقارنة بميزانية العام السابق البالغة 36.5 مليار ليرة. ومن المرجح أن تتضاعف هذه النسبة، حيث شهد مشروع الميزانية الجديد لعام 2025، الذي قدمته حكومة أردوغان في سبتمبر/ أيلول الماضي، زيادة إضافية إلى 130.1 مليار ليرة تركية.
المصدر: