الحوثيون: من عصابة محلية إلى خطر عالمي
الحوثيون أو أنصار الله جماعة قبلية من شمال اليمن وقوة متمردة بدأت في السيطرة على الأراضي داخل اليمن منذ الربيع العربي في عام 2011 واحتلت صنعاء، العاصمة اليمنية، على مدى العقد الماضي. وهم ملتزمون بالقضية الفلسطينية، وجعلوها جزءاً رئيساً من برنامجهم السياسي لدعم الجماعات [المسلحة] الفلسطينية، وهذا الالتزام مستمر حتى يومنا هذا. وقد أثبت الحوثيون أنهم أكثر الأعضاء التزاماً في ما يسمى “محور المقاومة”، والذي يضم إيران وميليشياتها في العراق وحزب الله اللبناني وحماس، في صراعه مع إسرائيل والغرب. وكانوا أيضاً على الأرجح الأكثر فعالية في تدويل الحرب بين حماس وإسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول من خلال مهاجمة السفن في البحر الأحمر وإغلاقه مع قناة السويس جزئياً أمام حركة الملاحة التجارية.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، كان الحوثيون في حالة حرب مباشرة أو غير مباشرة مع جارتهم الشمالية، المملكة العربية السعودية، بسبب دعم الرياض لحكومة الجمهورية اليمنية. وبصفتهم وكيلاً لإيران، قاتل الحوثيون الحكومة اليمنية بين عامي 2004 و2010 بصواريخ كاتيوشا غير موجهة. ومنذ بداية الحرب مع قوات التحالف لدعم الشرعية اليمنية بقيادة المملكة العربية السعودية في عام 2015، وسع الحوثيون، بدعم عسكري من إيران، قدراتهم إلى الحد الذي جعلهم قادرين على إطلاق صواريخ باليستية متوسطة المدى لمسافة 1000 كيلومتر على الرياض، العاصمة السعودية.
منذ ثمانينيات القرن العشرين، عمل الحوثيون، الملتزمون أيديولوجياً بالثورة الإسلامية الإيرانية، بشكل وثيق مع إيران وقادتها المرتبطين بالمرشد الأعلى علي خامنئي، والحرس الثوري، ووكيل إيران، حزب الله اللبناني. يشكل الحوثيون في كثير من النواحي استمراراً أو محاولة استمرار لـ “الإمامة”، وهو نظام ديني للحكم مرتبط بتقاليد حكمت اليمن لنحو 95٪ من الألف عام الماضية.
وعلى الرغم من أنهم لا يمثلون القبائل الأخرى في شمال اليمن، فإن الحوثيين كانوا فعالين للغاية في التزاوج والتحالف مع العديد منها. وقد مكنهم هذا من التحول من مجموعة هامشية داخل المجتمع القبلي في شمال اليمن إلى جماعة تمكنت من الحكم بنجاح، في الغالب بالقوة، في شمال اليمن بأكمله. ويتواجد الحوثيون بجوار ساحل البحر الأحمر السعودي المهم سياسياً واقتصادياً، ولديهم خطط للتوسع في المستقبل إلى الشمال، إلى المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من سيطرة الحوثيين على أغلب سكان اليمن، فإن احتياطيات البلاد من النفط والغاز تقع إلى حد كبير في أيدي حكومة الجمهورية اليمنية. وهذا يعني أن [الحوثيين] لديهم فائض هائل من الأفواه الجائعة، ولا يوجد لديهم ما يطعمونهم به تقريباً. ولحل هذه المشكلة، أصبح الحوثيون بارعين للغاية في إجبار الفصائل غير الحوثية في الحرب الأهلية في اليمن على ترتيب معين لتقاسم الإيرادات حيث يتم منحهم معظم الأموال من النفط والغاز التي تحتفظ بها القوات الحكومية لإطعام ودفع رواتب اليمنيين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطرون عليها.
ويسيطر الحوثيون على جزء رئيس من التضاريس في وسط ممرات الشحن العالمية، وهي النقطة التي تلتقي فيها أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. كما أصبحت الملاحة الدولية رهينة للمبتزين الحوثيين [الذين] يستخدمون أسلحة تقليدية متقدمة وأنظمة طائرات بدون طيار وأنظمة صواريخ لاستهدافها، وهم على أحد الطرق السريعة التجارية في العالم، قناة السويس في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب.
إن الحوثيين يسعون إلى الحفاظ على وحدة اليمن لأنهم يسيطرون على أغلب السكان ولا يملكون أي موارد. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يريدون تجنب القوى المعادية لهم، والتي قد تعمل على إنشاء / أو تطوير جيوش متقدمة وتشكيل “كتلة معادية” للحكومة اليمنية في المناطق التي لا تخضع لسيطرتهم. ويريد الحوثيون أن يتم دمج كل المكونات القبلية والسياسية في اليمن في دولة واحدة يكونون هم الصوت المهيمن عليها. وحتى لو كانت المناطق الجنوبية والشرقية في اليمن موحدة جزئيًّا في “دولة كونفدرالية فضفاضة”، فإن الواقع هو أن الحوثيين سيهددون أي تحدّ لسيطرتهم الكاملة.
إن الاستراتيجيات التي تتبناها الولايات المتحدة مع غيرها من الشركاء الغربيين لمواجهة التحدي الخطير الذي يشكله الحوثيون في هذا الوقت من غير المرجح أن تكون فعّالة. فمعاقبة الحوثيين كلما وقع هجوم على سفن الشحن في محاولة لتحويل ميزان الكلفة والفائدة لن يكون لها تأثير يذكر على الميليشيات الحوثية المتشددة. فهم أشبه بحماس، التي تفضل “الموت في حفرة في الأرض بدلاً من الاستسلام”. ومع إخفاء قادتهم بشكل جيد، فإن الحوثيين على استعداد للعيش على القليل جداً، وهم معتادون على ذلك.
إن هذه الطريقة لا يمكن أن تنجح في كسر شوكة الحوثيين، وما لم نكن على استعداد لدعم وتطوير عدو بري يقاتلهم بشكل مباشر، وما لم نكن على استعداد لحصارهم على الأرض، فمن غير المرجح أن يتم إيقافهم. الطريقة الوحيدة لإرغام الحوثيين على تغيير حساباتهم هي بناء هيكل عسكري بديل داخل اليمن قادر على إبعادهم عن المناطق الاستراتيجية، وخاصة ساحل البحر الأحمر. وإذا كان من الممكن إعادتهم إلى الجبال، فسينتهي بهم الأمر إلى الانعزال في إحدى القوى العديدة في شمال اليمن.
كما أن الدفاع عن السفن غير فعال، لأنه على الرغم من أن الحوثيين لا يستطيعون إطلاق أكثر من هجوم واحد كل أسبوعين، فإنه لا يزال كافياً لردع معظم عمليات الشحن. في الواقع، لا يتعين على هجماتهم أن تكون فعالة لتحقيق النتيجة التي يسعون إليها، وهي إثبات قدرتهم على إغلاق مضيق باب المندب وقناة السويس جزئياً. لن يكتسب الغرب ميزة على الحوثيين ما لم يكن مستعداً للذهاب إليهم ومهاجمة أهداف قيادية واستراتيجية في مناطق مكتظة بالسكان.
إن التوصيات بشن “حملة جوية منظمة” يعوقها نقص “الاستطلاع والمراقبة الاستخباراتية”، لأن الولايات المتحدة منخرطة في مراقبة أوكرانيا، ومضيق تايوان، وأزمة غزة ولبنان وسوريا. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تفويض جديد لاستخدام القوة العسكرية لأن الأمريكيين ليسوا راضين عن اعتماد تفويض مكافحة الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول لاستخدام القوة العسكرية لضرب أي جماعة إرهابية في جميع أنحاء العالم.
إن الطريقة الوحيدة للتعامل مع التهديد الحوثي هي تخصيص الكثير من الموارد واتخاذ القرار بالقيام بذلك. لكن هذا الأمر صعب للغاية لأنه عندما تقاتل الحوثيين، يتعين عليك إما المضي حتى النهاية أو عدم المضي على الإطلاق.
* ملخص مداخلة مايكل نايتس، زميل أقدم في برنامج الزمالة “جيل وجاي برنشتاين” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربي، في بودكاست “منتدى الشرق الأوسط” في 16 ديسمبر / كانون الأول. يمكن الاطلاع على المداخلة كاملة (فيديو) هنا: