تقارير ودراسات

إغلاق ترامب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يمنح النصر لقطر

لسنوات عديدة، أشار منتقدو المساعدات الخارجية الأمريكية إلى حالات انتهت فيها أموال دافعي الضرائب الأمريكيين بشكل غير مباشر في أيدي منظمات إرهابية. وقد أدت الحالات الموثقة جيداً لاستغلال أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من قبل جماعات ذات صلات بالتطرف إلى تأجيج الدعوات إلى تفكيك الوكالة.

ولكن على الرغم من أن هذه المخاوف مشروعة، فإن الإيقاف المفاجئ للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من شأنه أن يخلق فراغاً خطيراً، وهو الفراغ الذي قد تملأه دول مثل قطر، المعروفة بتمويلها للجماعات الإرهابية. والنتيجة؟ المزيد من الإرهاب.

لا يوجد نقص في الأدلة التي تشير إلى إساءة استخدام المساعدات الخارجية الأمريكية في بعض الأحيان. فعلى الرغم من أن مهمتها المعلنة هي تعزيز التنمية والاستقرار، تعرضت أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للاختلاس من جانب كيانات مرتبطة بالإرهاب في مختلف أنحاء العالم.

في غزة، على سبيل المثال، تم ضخ ملايين الدولارات المخصصة للإغاثة الإنسانية في البنية التحتية الإرهابية لحماس. وفي عام 2016، تم الكشف عن أن حماس تسللت إلى منظمة غير حكومية إنسانية كبرى، واستخدمت ملايين الدولارات من أموال المساعدات الأمريكية لبناء الأنفاق وتمويل شراء الأسلحة.

وقد ظهرت حالات مماثلة في أفغانستان، حيث ضاعت مليارات الدولارات من المساعدات المخصصة لإعادة بناء البلاد بسبب الفساد، مع وصول بعض الأموال إلى أيدي طالبان.

كما استغلت جماعة الشباب السلفية الجهادية العابرة للحدود الوطنية في الصومال جهود المساعدات الدولية مراراً وتكراراً، وفرضت “ضرائب” على قوافل المساعدات واستخدمت شحنات الأغذية كوسيلة ضغط للسيطرة على السكان المحليين.

وقد دفعت هذه الفضائح إلى ظهور دعوات لتفكيك الوكالة بالكامل. ويزعم المنتقدون أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تمول برامج يمكن لأعداء أمريكا استغلالها، وأن من الواجب النظر في سبل بديلة أكثر أمناً لتقديم المساعدات. ولكن قبل إغلاق الباب في وجه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لابد أن نسأل: من الذي سيتدخل لملء الفراغ؟ والإجابة مروعة.

في حين تتعرض الولايات المتحدة لانتقادات كثيرة بسبب سوء إدارتها للمساعدات، فإن لاعباً آخر يتربص في الخلفية، ويمول الإرهاب عمداً على نطاق عالمي: قطر. وعلى النقيض من سوء الإدارة العرضي من جانب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإن تمويل الدوحة للمنظمات الإرهابية متعمد واستراتيجي.

لقد ضخت قطر مليارات الدولارات في ميزانية حماس لدعم حكم الحركة في غزة. وفي حين تزعم الدوحة أن هذه المساعدات مخصصة لأغراض “إنسانية”، فقد تم الكشف مراراً وتكراراً عن الكيفية التي تُستخدم بها الأموال القطرية لدفع رواتب مقاتلي حماس، وإنتاج الصواريخ، وحفر الأنفاق إلى إسرائيل. وفي كثير من الحالات، لا تصل “المساعدات” القطرية حتى إلى سكان غزة، بل تتدفق مباشرة إلى آلة حرب حماس.

كما لعبت قطر دوراً فعالاً في تسهيل عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان. فعلى مدى سنوات، كان زعماء طالبان يعملون بحرية من الدوحة، حيث كانوا يتفاوضون مع المسؤولين الغربيين بينما يخططون في الوقت نفسه للاستيلاء على السلطة عسكريًّا.

ومنذ الانسحاب الأمريكي، وضعت قطر نفسها في موقع الممول الأجنبي الرئيس لأفغانستان، فضمنت بقاء نظام طالبان آمناً مالياً على الرغم من العقوبات الدولية. وربطت التقارير قطر بتنظيم القاعدة في سوريا، بما في ذلك جبهة النصرة التي تحولت إلى هيئة تحرير الشام.

ففي حين سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى دعم قوى المعارضة المعتدلة ضد بشار الأسد في سوريا، قامت قطر بتمويل الفصائل المتطرفة، مما ساعدها على اكتساب النفوذ في ساحة المعركة. كما نما تدخل الدوحة في إفريقيا بشكل كبير، حيث قامت الدولة الخليجية بتمويل الفصائل الإسلاموية في كل من ليبيا والسودان. ومع استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل، اغتنمت الجماعات المتطرفة المدعومة من قطر الفرصة لتوسيع عملياتها، مما يشكل تهديداً للأمن الإقليمي في القارة.

استخدام المساعدات الخارجية كأداة

على الرغم من أخطاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإنها تعمل في الواقع كقوة موازنة للنفوذ الأجنبي المعادي، حيث تستخدم الولايات المتحدة المساعدات كأداة للقوة الناعمة، وتضمن تمثيل المصالح الأمريكية على الأقل في المناطق الهشة. وإذا اختفت الوكالة، فإن هذا لا يعني بالضرورة توقف تدفق المساعدات؛ لأنها ببساطة ستأتي من مصادر مختلفة وأكثر خطورة.

وبعيداً عن قطر، تحرص الصين وروسيا على توسيع نفوذهما في الدول التي تعتمد على المساعدات. وقد نجحت “مبادرة الحزام والطريق” الصينية بالفعل في إيقاع العديد من البلدان النامية في فخ الديون، باستخدام “مساعدات البنية الأساسية” كوسيلة للسيطرة السياسية.

في الوقت نفسه، استغلت روسيا حالة عدم الاستقرار في إفريقيا، فعرضت الدعم العسكري والمالي على الأنظمة الراغبة في التوافق مع مصالح موسكو. وإذا انسحبت الولايات المتحدة من لعبة المساعدات، فإنها ستخسر أداة بالغة الأهمية في السياسة الخارجية. ومن شأن غياب النفوذ الأمريكي أن يسمح للقوى المعادية بالتدخل لتحديد مستقبل مناطق بأكملها. وقد تجد الدول التي كانت ذات يوم متحالفة مع الغرب نفسها معتمدة اقتصادياً على أنظمة مرتبطة بالإرهاب أو دول استبدادية.

إن تراجع الولايات المتحدة عن جهود المساعدة الإنسانية لن يضر بالنفوذ الأمريكي فحسب، بل سيجعل العالم أكثر خطورة أيضاً.

إن المنظمات الإرهابية تزدهر في البيئات التي تتوفر فيها مصادر بديلة للدعم. وإذا حلت قطر أو الصين أو روسيا محل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية باعتبارها المانح الرئيسي في مناطق معينة، فسوف تجد الجماعات المتطرفة سهولة أكبر في العمل والتوسع.

إن الحل لأخطاء الوكالة لا يكمن في تفكيكها بل في إصلاحها. يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف بأخطائها السابقة وأن تطبق تدابير أكثر صرامة لمنع وصول الأموال إلى أيدي الإرهابيين. ومن شأن تعزيز آليات المراقبة أن يضمن وصول الأموال إلى حيث ينبغي لها أن تذهب، مع قطع التمويل عن المنظمات التي ترتبط ولو بأدنى قدر من الصلات بالجماعات الإرهابية.

وبدلاً من إرسال المساعدات عبر وسطاء فاسدين محتملين، يتعين على واشنطن أن تزيد من التمويل المباشر للمنظمات المحلية الموثوقة وتوسع الشراكات مع الحلفاء الذين يتشاركون معها في أهداف مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، ينبغي إلزام المتلقين للمساعدات بمكافحة الإرهاب بنشاط داخل حدودهم، مع خفض التمويل تلقائياً للدول التي تسمح باستغلال الأموال الأمريكية بطريقة سيئة.

إن الدعوات إلى تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تنبع من مخاوف حقيقية، ولكن العواقب المترتبة على مثل هذه الخطوة قد تكون كارثية. فالاختيار ليس بين المساعدات الأمريكية وعدم تقديمها، بل بين المساعدات الأمريكية والمساعدات التي تدعم الإرهاب. وإذا سحبت واشنطن القابس دون استراتيجية بديلة، فسوف تتدخل قطر وغيرها من الجهات باستخدام قدراتها المالية لتعزيز التطرف وتوسيع نفوذها.

لا ينبغي لأمريكا أن تتخلى عن هذه الجبهة. إن ساحة المعركة التي يتم فيها تقديم المساعدات لا تقل أهمية عن ساحة المعركة التي تخاض فيها الحرب. وإذا تخلت الولايات المتحدة عن دورها، فإنها لن تخسر نفوذها العالمي فحسب، بل إنها سوف تسلم النصر إلى نفس القوى التي تسعى إلى هزيمتها.

 

الكاتب: أمين أيوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى