أنصار الله الحوثيون
هم جماعة دينية وسياسية شيعية مسلحة مدعومة من إيران، تقاتل الحكومة اليمنية منذ عام 2004، ظهرت لأول مرة في الثمانينيات تحت اسم “حركة الشباب المؤمن”، وأعلنت عن نفسها بشكل رسمي عام 1992. ويعد الحوثيون أكبر ميليشيا مسلحة في اليمن والجزيرة العربية كلها، ويقدر عدد أفرادها بحوالي نصف المليون ما بين مقاتلين ومدنيين، ويقع معقلها الرئيس في صعدة شمال اليمن؛ فهم عشيرة كبيرة تنحدر من محافظة صعدة، على الحدود مع المملكة العربية السعودية، ويعتنقون المذهب الزيدي. والزيدية هي فرع من الإسلام الشيعي يختلف عن الشيعة الاثني عشرية في إيران والعراق ولبنان؛ إذ يشكل الزيديون نحو 35 بالمئة من سكان اليمن.
حكمت الإمامة الزيدية اليمن لمئات السنين، قبل الإطاحة بها في انقلاب عسكري عام 1962. ومنذ ذلك الحين، ناضل الزيديون ـ الذين جردوا من سلطتهم السياسية ـ من أجل استعادة سلطتهم ونفوذهم في اليمن. وكانت الأهداف المعلنة للجماعة في البداية تشمل مكافحة التخلف الاقتصادي والتهميش السياسي مع السعي إلى الحصول على الحكم الذاتي للمناطق ذات الأغلبية الزيدية في البلاد. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحولت إلى ميليشيا مسلحة متمردة على الدولة بطموحات سياسية وسلطوية أوسع.
في الثمانينيات، بدأت أسرة الحوثي حركة فكرية واجتماعية واسعة النطاق لإحياء التقاليد الدينية والثقافية الزيدية، وسعت لتثقيف الشباب المحلي حول تاريخ الزيدية الطويل في محافظة صعدة. ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت شبكة من الجمعيات والأندية الرياضية والمعسكرات الصيفية، كما سعى الحوثيون إلى حماية الزيدية من الاختراق الملحوظ للدعاة السلفيين / الوهابيين المرتبطين بالمملكة العربية السعودية لشمال اليمن، حيث ينتشر المذهب الزيدي منذ قرون.
وتحمل الجماعة اسم بدر الدين الحوثي: أحد أبرز المراجع الفقهية الزيدية في اليمن، والزعيم الديني للجماعة، ووالد كل من حسين الحوثي: المؤسس الفعلي للجماعة، والذي قتله الجيش اليمني عام 2004، وعبد الملك الحوثي: زعيم الحوثيين الحالي.
ويطلق الحوثيون على أنفسهم تسمية أنصار الله نسبةً للآية القرآنية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: 14]. وقد اتخذوا هذه التسمية بعد قيام “ثورة الشباب اليمنية” عام 2011، والتي أعلنوا تأييدهم لها. قبل ذلك، كانوا يشيرون إلى أنفسهم بـ “أنصار الحق”، و”الحسينيين”، و”المجاهدين”، و”جند الله”.
في يونيو/ حزيران 2004، بدأ الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح حملة عسكرية لقمع المتمردين الحوثيين في محافظة صعدة: المركز الرئيس للجماعة. وقتلت القوات اليمنية زعيمهم حسين الحوثي في سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، ما أدى إلى تصعيد الصراع، حيث خاض الحوثيون ما بين 2004 و 2010 سلسلة من الحروب المتقطعة ضد قوات صالح، وخلال الربيع العربي في عام 2011، بدأت احتجاجات حاشدة ضد الحكومة اليمنية، وتنحى صالح في عام 2012 بموجب اتفاق انتقالي تم التفاوض عليه دولياً، لكن الحوثيين واصلوا القتال ضد القوات الحكومية.
ولأكثر من عقدين من الزمن، ظل الحوثيون والحكومة اليمنية عالقين في صراع مستمر، بمشاركة العديد من اللاعبين الخارجيين أبرزهم إيران. في البداية، قدم الحوثيون أنفسهم بشكل فضفاض كقوة مقاومة ضد الوجود العسكري اليمني في صعدة، وكقوة معارضة لنظام صالح الاستبدادي. ولاحقاً، تحالفوا مع العديد من زعماء القبائل من غير الزيديين، بالإضافة إلى السياسيين من السنة المعارضين للحكومة.
ويرتبط النظام الإيراني ارتباطاً وثيقاً بالجماعة، حيث يوفر لمقاتليها التدريب والمعدات العسكرية، علاوة على التوجيه والمشورة العسكرية. وقال علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى خامنئي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، إن “إيران تدعم النضال المشروع لأنصار الله في اليمن وتعتبر هذه الحركة جزءاً من حركات الصحوة الإسلامية الناجحة”. وفي المقابل، يشيد الحوثيون بشكل متكرر بالنظام الإيراني، وبمقاومته للغرب والولايات المتحدة، ويعتبرون أنفسهم جزءاً من “محور المقاومة”.
ويُعرف عن الأيديولوجية السياسية للحوثيين أنها مناهضة للإمبريالية بشدة، وتحمل عداءً خاصاً لإسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهم الأعداء التقليديون لإيران. ويختزل شعار الجماعة المنتشر في كل مكان توجهها الأيديولوجي / السياسي:
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام.
ويرى بعض الخبراء أن الحوثيين لا يروجون لأيديولوجية متماسكة، كما أن برنامجهم السياسي غامض ومتناقض إلى حد كبير، وللتغطية على ذلك، يتحدثون عن قضايا وطنية أوسع باستخدام لغة قومية وشعبوية بدلاً من تصوير أنفسهم كحركة زيدية بحتة لها مطالب محددة. “لقد رغب المتمردون الحوثيون الأصليون في تقليد حزب الله، والحصول على السلطة دون أن يحكموا فعلياً. إنهم قوة عسكرية قوية وقادرة، خاصة في ظل غياب دولة مركزية وجيش وطني منظم ومتماسك، لكنهم ليسوا مجموعة ذات خبرة سياسية ومستعدة لإدارة الحكومة أو إدارة الاقتصاد”.
وحقق الحوثيون مكاسب كبيرة في الفترة 2014 ـ 2015، حيث استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، وفي يناير/ كانون الثاني 2015، أطاحوا بحكومة الرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي، واحتلوا المباني الحكومية والقصر الرئاسي، ووضعوا هادي وحكومته تحت الإقامة الجبرية وطالبت باستقالاتهم. وفي الشهر التالي، أعلنوا رسمياً حل البرلمان وتشكيل حكومتهم المؤقتة المعروفة باسم “اللجنة الثورية العليا”. وبحلول ربيع عام 2015، كان الحوثيون قد سيطروا على 16 محافظة في شمال وشمال غرب اليمن.
استقال هادي، وتمكن من الفرار إلى عدن حيث طلب المساعدة من مجلس التعاون الخليجي. وهنا قررت السعودية التدخل، فشكلت تحالف عاصفة الحزم مع الإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى، من بينها: البحرين والكويت ومصر والأردن. وكان الغرض من التحالف هو منع المتمردين الحوثيين من التوسع جنوباً، الأمر الذي كان من شأنه أن يضع قوة وكيلة لإيران على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.
ويعد الهيكل التنظيمي لجماعة أنصار الله الحوثيين غامض إلى حد ما؛ فقد بدأت الجماعة كمنظمة دينية شعبية تستهدف الشباب، لكنها مع مرور الوقت دخلت عالم السياسة وطوّرت قدراتها العسكرية، وتشمل الأقسام المعروفة للتنظيم المكتب السياسي، مكتب العلاقات الخارجية، مكتب الصحة، مكتب التعليم، المكتب الاجتماعي، جهاز المخابرات، وهيئة الإعلام، وهناك وحدات تنظيمية أخرى لم يتم الكشف عنها بعد.
وتدور القيادة السياسية للجماعة حول أربعة “أجنحة”: الجناح العسكري الذي يرأسه عبد الله الحكيم، والجناح القبلي الذي يضم أبناء القبائل، والجناح العقائدي الذي يتزعمه عبد الكريم الحوثي، والجناح السياسي الذي يمثله مهدي المشاط: الرئيس الحالي للجنة الثورية العليا.
وتشكل مجموعة مختلطة من القوات القاعدة العسكرية للحوثيين. وفقاً لمسؤولين حوثيين في عام 2018، احتفظت الجماعة بقوة قوامها 60 ألف مقاتل، في حين حددت تقديرات خارجية العدد بما بين 15 ألف و50 ألف. وقدر تقرير صدر في سبتمبر/ أيلول 2019 عددهم بما يتراوح بين 180 و200 ألف. المنطقة الرئيسة لتجنيد الحوثيين هي المحافظات الشمالية من اليمن: المعقل الأيديولوجي للجماعة، لكن في فبراير/ شباط 2016، ذكرت قناة العربية أن الجماعة قامت بتوسيع نطاق التجنيد بما يتجاوز قاعدتها السياسية التقليدية من خلال استقدام “مرتزقة” من الدول الأفريقية.
ويتوفر الحوثيون على أنظمة أسلحة تتوزع بين الدبابات والمركبات التقنية إلى الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والصواريخ الباليستية طويلة المدى. وتزعم الجماعة أن معظم ترسانتها من الأسلحة قد تم الاستيلاء عليه من مستودعات الجيش اليمني، عندما سيطرت على العاصمة صنعاء عام 2014.
ويدرب الحوثيون تاريخياً مقاتليهم في المناطق الجبلية في شمال اليمن. ويشارك ضباط من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في تدريب الحوثيين في اليمن، ويُعتقد أن قادة عسكريين إيرانيين متواجدون في اليمن لتقديم المشورة العسكرية والإستراتيجية. ويُعتقد أيضاً أن الحرس الثوري الإيراني لديه غرف عمليات متعددة في جميع أنحاء اليمن، واحدة تقع في الحديدة وأخرى على الساحل الغربي لليمن تعمل على تأمين وصول القوات العسكرية والأسلحة.
تقدم إيران الدعم السياسي والمالي للحوثيين بشكل منتظم، وقد أكد تقرير للأمم المتحدة عام 2015 دعم طهران للجماعة منذ عام 2009 على الأقل، كما أكدت تقارير أخرى الدعم الإيراني، بما في ذلك مقال نشرته رويترز في ديسمبر / كانون الأول 2014. وقال أحد المصادر: “نعتقد أن هناك أموالاً نقدية يتم توجيه بعضها عبر حزب الله إلى الحوثيين”. وفي عام 2015، أكد مسؤول حوثي أن إيران قدمت “دعماً مباشراً” على شكل خدمات لوجستية واستخباراتية وأموال للحوثيين. وبحسب المسؤول، فقد تلقت الجماعة عشرات الملايين من الدولارات من النظام الإيراني في السنوات الأخيرة، ويقدر الخبراء حجم الدعم المالي الإيراني بما يتراوح بين 10 و20 مليون دولار سنوياً.
ويعد عبد الملك الحوثي الزعيم الروحي والعسكري والسياسي للجماعة منذ عام 2007، ولا يُعرف سوى القليل عن حياته الشخصية، ولا يظهر علانية إلا نادراً، ويتولى صهره يوسف الميداني منصب نائب القائد، كما أن شقيقي عبد الملك، يحيى وعبد الكريم، من كبار قادة الحركة.
صنفت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وماليزيا جماعة أنصار الله الحوثيين على أنها “منظمة إرهابية”، وفي 19 يناير / كانون الثاني 2021، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، وأعلنت زعيمها عبد الملك الحوثي واثنين آخرين من قادتها إرهابيين عالميين محددين بشكل خاص، لكن في 16 فبراير/ شباط، عكس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مسار سلفه وألغى التصنيف. ومع ذلك، أعلن أن الحوثي والزعيمين الآخرين سيظلون خاضعين للعقوبات بسبب أعمال “تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن”.