إسرائيل وتركيا على مسار تصادمي في سوريا بعد الغارات الجوية على تدمر

تصاعدت التوترات بين إسرائيل وتركيا بشأن النفوذ العسكري في سوريا إلى مستويات جديدة بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف استراتيجية في منطقتي تدمر وحمص أواخر الأسبوع الماضي. استهدفت الغارات، التي وقعت في 21 و22 مارس، قواعد عسكرية سورية، مما أسفر عن إصابة عدد من عناصر وزارة الدفاع السورية. ويسلط هذا التصعيد الضوء على صراع بالوكالة آخذٍ في التبلور بين قوتين إقليميتين تتنافسان علنًا على النفوذ في سوريا ما بعد الحرب.
الغارات الإسرائيلية على تدمر تشعل توترات جديدة
نفّذت المقاتلات الإسرائيلية جولتين من الغارات الجوية المكثفة قرب مدينة تدمر التاريخية في محافظة حمص، وسط سوريا، ليلة 21 مارس، حيث قصفت مطار تدمر العسكري وقاعدة التياس (T4) القريبة. وقالت قوات الدفاع الإسرائيلية إن الأهداف “لا تزال تمتلك قدرات عسكرية استراتيجية”، وإن الضربات تهدف إلى تحييد التهديدات المتبقية والحفاظ على التفوق الجوي الإسرائيلي في المنطقة.
أفادت وسائل الإعلام الرسمية السورية بأن ما لا يقل عن اثنين من عناصر الدفاع السوري أُصيبا في الغارات، بينما وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، إصابة 12 من عناصر وزارة الدفاع السورية في غارات استهدفت تدمر وT4. كما تسببت الغارات في أضرار مادية كبيرة بالمنشآت التي كانت، قبل سقوط الرئيس بشار الأسد، تأوي ميليشيات موالية لإيران.
أشارت مصادر عسكرية سورية إلى أن الطائرات الحربية الإسرائيلية استهدفت برج مراقبة، وكتيبة صواريخ، ومستودع أسلحة في قاعدة T4، بالإضافة إلى مواقع في أطراف تدمر. ويُقال إن هذه المنشآت باتت تحت سيطرة السلطات الانتقالية الجديدة في سوريا بعد الإطاحة بالأسد في أواخر عام 2024، مما جعل استهدافها رسالة واضحة إلى كل من دمشق وأنقرة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “من يهاجمنا أو يخطط لمهاجمتنا، نهاجمه”، مدافعًا عن حرية إسرائيل في التحرك داخل سوريا. أما الحكومة السورية في دمشق، التي يقودها الآن الرئيس المؤقت أحمد الشرع (المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، زعيم جهادي سابق)، فقد أدانت الغارات ووصفتها بأنها انتهاك للسيادة. ومع ذلك، يصرّ المسؤولون الإسرائيليون على أنهم سيواصلون استهداف المواقع الاستراتيجية عند الضرورة لمنع القوى المعادية من ترسيخ وجودها على الأراضي السورية.
عقيدة ما بعد الأسد: التجزئة وخطر “الجهاديين“
أدى الفراغ في السلطة بعد انهيار نظام الأسد إلى دفع إسرائيل لإعادة تقييم عقيدتها الأمنية في سوريا. فقد وسّعت إسرائيل فعليًا بصمتها العسكرية في جنوب سوريا، مستحوذة على منطقة عازلة على طول جبهة مرتفعات الجولان، في محاولة معلنة لإبقاء الميليشيات المعادية بعيدًا عن حدودها. كما نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشرات الغارات في أنحاء سوريا خلال الأشهر الأخيرة، مستهدفة مستودعات أسلحة، ومواقع رادار، وبقايا البنية التحتية العسكرية لنظام الأسد، التي قد تُستخدم من قِبَل إيران أو خصوم آخرين.
لا يزال المسؤولون الإسرائيليون يشككون بشدة في الحكومة السورية الانتقالية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، مشيرين إلى قيادته السابقة لفصيل مرتبط بتنظيم القاعدة. وقال نمرود غورين، رئيس معهد “ميتفيم” الإسرائيلي: “تشعر إسرائيل بالقلق من الشرع وصلاته بالإسلاميين، وتخشى أن تؤدي قوته المتنامية إلى ما تسميه تهديدًا جهاديًا على حدودها الشمالية”.
وعلى الرغم من أن تحالف الشرع أطاح بالأسد في دمشق، فإن إسرائيل ترى أن النظام الجديد متطرف أيديولوجيًا. وقد وصفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شيرين هاسكل، حكام سوريا المؤقتين مؤخرًا بأنهم “جماعة إرهابية إسلامية جهادية استولت على دمشق بالقوة وبدعم من تركيا”، محذّرةً من أن إسرائيل تعمل على منع نشوء معقل إسلامي معادٍ على عتبتها.
بموجب ما يسميه المحللون الإسرائيليون “عقيدة ما بعد الأسد”، يبدو أن إسرائيل تفضل سوريا مجزأة على أن تكون موحدة تحت سلطة إسلامية قد تكون معادية. وقال غورين: “على عكس تركيا، التي تدعم سوريا قوية ومركزية ومستقرة، يبدو أن إسرائيل تفضّل في الوقت الراهن سوريا مجزأة، معتقدة أن ذلك قد يعزز أمنها”.
وفي الواقع، يعني ذلك التنسيق بهدوء مع الولايات المتحدة – التي تحتفظ بقوات في شرق سوريا إلى جانب قوات يقودها الأكراد – والسعي إلى تفاهم مع دول عربية مثل السعودية، التي تعارض هي الأخرى الحركات الجهادية. وتُعتبر العلاقات المتنامية بين السعودية والقيادة السورية الجديدة، من وجهة نظر إسرائيل، فرصة لإبعاد دمشق عن النفوذ الإيراني.
وكانت أول زيارة دبلوماسية للشرع إلى الرياض، فيما وصفه مراقبون بأنه “إشارة سعودية-إسرائيلية إلى إيران” بأن نفوذ طهران في سوريا قد انتهى. ومع ذلك، لا تزال إسرائيل حذرة من أن الشراكة الجديدة بين دمشق وأنقرة قد تمكّن عناصر معادية لها، لذا حافظت على تنسيق استخباراتي وثيق مع واشنطن وحلفائها الإقليميين لمراقبة الوضع المتغير بسرعة.
الدور التركي المتصاعد: طموحات في سوريا ومخاوف كردية
بالنسبة إلى تركيا، فإن سقوط الأسد وصعود حكومة بقيادة إسلاميين سُنّة في دمشق خلق فرصة لتوسيع نفوذها في عمق الأراضي السورية. وقد برزت أنقرة، التي دعمت طويلًا الفصائل المعارضة للأسد، كراعٍ رئيسي للسلطات الانتقالية الجديدة، حيث تدعو إلى سوريا موحدة ومستقرة تحت حكم حليف. وسرعان ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعمه لإدارة الشرع، ورحب باتفاق “اختراق” جديد شهد دمج قوات سوريا الديمقراطية (SDF) بقيادة الأكراد ضمن الجيش والحكومة في دمشق.
ويقول مسؤولون في وزارة الدفاع التركية إن تركيا وسوريا تتعاونان الآن لتعزيز الدفاع والأمن في البلاد، من خلال لجان عسكرية مشتركة ومهام تدريبية قيد التنفيذ.
الدوافع التركية مزدوجة. أولًا، تسعى تركيا إلى منع أي عودة لمشروع الحكم الذاتي الكردي في سوريا. فمن خلال دمج قوات SDF في هيكل القيادة المركزية بدمشق – وهي صفقة ساعدت تركيا في التوسط فيها – يأمل أردوغان في تحييد المناطق الكردية شبه المستقلة التي نشأت تحت الحماية الأمريكية في الشمال الشرقي. وتحذر أصلي أيدنتاشباش، من معهد بروكنغز، من أن السلطات التركية “تشعر بقلق متزايد من دعم إسرائيل لمطالب الحكم الذاتي من الأكراد والدروز والعلويين في سوريا”، وترى أن أي لامركزية كهذه تهدد هدف تركيا التاريخي في الحفاظ على دولة سورية موحدة (وبالامتداد، نضالها الداخلي ضد حركة الحكم الذاتي الكردية).
ثانيًا، تستفيد تركيا من التوافق الجديد في دمشق لتوسيع حضورها العسكري. فمنذ عام 2016، تحتفظ تركيا بقواعد في شمال سوريا وتدعم مجموعة من الفصائل المسلحة المعارضة السابقة. والآن، مع دعوة دمشق للتعاون التركي، تتوسع البصمة التركية نحو الجنوب والشرق. وقد شوهدت قوافل عسكرية ووحدات تقنية تركية تتجه نحو وسط سوريا.
وفقًا لمصادر سورية وإسرائيلية، فإن أنقرة في محادثات متقدمة مع دمشق لتولي السيطرة على وحدة عسكرية ميدانية في منطقة تدمر، مقابل تعهدات تركية بتقديم دعم اقتصادي وعسكري للحكومة السورية الناشئة. ولم يؤكد المسؤولون الأتراك عمليات انتشار محددة، لكنهم يصفون التحالف الناشئ مع دمشق بأنه خطوة نحو استقرار سوريا.
وقد دقت هذه التحركات ناقوس الخطر في إسرائيل، إذ ترى القدس أن الوجود العسكري التركي قرب تدمر يمثل خطًا أحمر استراتيجيًا، بالنظر إلى موقع تدمر كمفترق طرق مركزي بين غرب وشرق سوريا. وإذا ما أنشأت تركيا قاعدة دائمة في شرق حمص – مثلًا في قاعدة T4 أو في حقول الطاقة المجاورة – فإن إسرائيل تخشى أن يغير ذلك ميزان القوى، وربما يمنح تركيا القدرة على توسيع نفوذها العسكري في مناطق تقع ضمن نطاق عمليات إسرائيل في سوريا.
ووفقًا لتقارير “واللا نيوز”، يشعر المسؤولون الإسرائيليون بقلق خاص من احتمال توسع الحضور العسكري التركي شرق حمص، حيث قد يُقرب ذلك تركيا من احتكاك مباشر مع إسرائيل في جنوب سوريا. كما تخشى إسرائيل أن يؤدي استحواذ تركيا على بنى تحتية رئيسية في سوريا – مثل القواعد الجوية أو حقول النفط والغاز أو مراكز النقل – إلى تقليص النفوذ الإيراني، لكنه في الوقت ذاته قد يخلق خصمًا جديدًا وقويًا في مناطق كانت إسرائيل تستهدفها سابقًا دون عوائق.
تحذيرات من مواجهة وشيكة
على الرغم من أن إسرائيل وتركيا لا تزالان تحتفظان بعلاقات دبلوماسية رسمية، إلا أن الخطاب المتبادل بشأن سوريا أصبح أكثر حدة. ما كان في السابق تنافسًا خفيًا بات يُعرض الآن علنًا من قبل المسؤولين والمحللين من كلا الطرفين. تقول أصلي أيدنتاشباش، خبيرة السياسة الخارجية التركية في معهد بروكنغز: “لقد أصبحت سوريا مسرحًا لحرب بالوكالة بين تركيا وإسرائيل، حيث يرى كل منهما الآخر كمنافس إقليمي مباشر”.
وأضافت في حديثها لوكالة أسوشيتد برس: “هذا وضع شديد الخطورة، ففي كل جانب من جوانب التحول في سوريا، هناك تصادم بين المواقف التركية والإسرائيلية”، واصفةً الوضع بأنه مسار تصادمي. وبالفعل، فإن كل جانب من مستقبل سوريا – من وضع الأكراد والعلويين إلى دور إيران والسيطرة على الموارد الطبيعية – أصبح ساحة صراع بين أنقرة والقدس.
من الجانب التركي، هناك اعتراف صريح بأن المواجهة قد تلوح في الأفق. فقد قال الصحفي الكردي المخضرم أحمد دجلة في برنامجه الإخباري على يوتيوب بتاريخ 23 مارس، إن تركيا تكثف طموحاتها العسكرية “الهيمنية” في سوريا، وإن المواجهة المباشرة مع إسرائيل قد تصبح حتمية إذا استمر الطرفان في المسار الحالي. وأكدت تحليلات حديثة في وسائل الإعلام التركية، بما فيها ما قاله دجلة، أن أنقرة لا تستطيع التراجع بسهولة عن سعيها لفرض نفوذها عبر سوريا – حتى إن أغضب ذلك إسرائيل – لأن أردوغان يرى أن التحالف القوي مع سوريا أساسي للهيمنة التركية في المنطقة.
وفي تحذير واضح موجه لإسرائيل، قال أردوغان الأسبوع الماضي: “من يسعى لإثارة الانقسامات العرقية والدينية في سوريا واستغلال عدم الاستقرار… لن يحقق أهدافه”. ويتهم المسؤولون الأتراك إسرائيل بتسليح أو دعم قوى انفصالية (كردية، درزية، وحتى علوية) لإضعاف دمشق، وهي تهمة تنفيها إسرائيل.
في الوقت نفسه، يتزايد في إسرائيل الحديث عن “صدام لا مفر منه” مع تركيا. ففي اجتماع أمني رفيع المستوى الأسبوع الماضي، قال مصدر أمني إسرائيلي صراحة: “الصدام بين تركيا وإسرائيل في سوريا أمر لا مفر منه بسبب محاولات أردوغان تقييد حرية عمل إسرائيل في المنطقة”، وفق ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية.
كما ظهرت تسريبات تفيد بأن مجلس نتنياهو المصغر يضع خطط طوارئ، وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن مستشاري رئيس الوزراء حثوا الإعلام على الترويج لفكرة أن “المواجهة مع تركيا على الأراضي السورية أمر حتمي”، ربما بهدف تهيئة الرأي العام. هذا الخطاب يُمثل تحولًا لافتًا، ويشير ضمنيًا إلى أن إسرائيل باتت تفكر في احتمال اندلاع مواجهات مباشرة مع حليف آخر للولايات المتحدة.
أظهرت لقطات جوية – يُعتقد أنها التُقطت بواسطة طائرات إسرائيلية مسيرة أو مقاتلة – مطار تدمر في وسط سوريا. ويشير المراقبون إلى أن هذا السيناريو لم يعد مستبعدًا. ففي يناير، قدمت مجموعة حكومية إسرائيلية سرية تُعرف باسم “لجنة ناغل” تقريرًا شديد اللهجة عن التحالف التركي-السوري. ودعت اللجنة، التي تم نشر أجزاء من تقريرها لاحقًا، نتنياهو إلى الاستعداد لاحتمال نشوب حرب مع تركيا في سوريا. وذكرت أن نظامًا مدعومًا من تركيا في دمشق قد “يشكل تهديدًا كبيرًا وجديدًا لأمن إسرائيل”، وربما “أشد خطرًا من التهديد الإيراني”.
وخلصت اللجنة إلى أن على إسرائيل تعزيز وضعها العسكري شمالًا بشكل عاجل، والسعي إلى تفاهمات مع قوى أخرى مثل روسيا لكبح الطموحات التركية. وبينما اعتبرت أنقرة هذه التصريحات استفزازية، فإن مجرد مقارنتها بإيران – العدو الإقليمي الرئيسي لإسرائيل – يُظهر مدى جدية التهديد التركي في نظر الإسرائيليين.
التداعيات الإقليمية والاستجابة الدولية
يحمل التصعيد بين إسرائيل وتركيا في سوريا تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط والعالم. فخلافًا لحروب الظل السابقة التي خاضتها إسرائيل ضد وكلاء إيران في سوريا، فإن هذا التصعيد يجمع بين قوتين دولتين قويتين، كلتاهما حليفتان للغرب، مما يثير تساؤلات حساسة لحلف الناتو والولايات المتحدة.
فتركيا عضو في الناتو، بينما إسرائيل حليف رئيسي غير عضو في الحلف، مما يضع واشنطن في موقف حرج. حتى الآن، تحرك المسؤولون الأمريكيون بحذر، مؤكدين دعمهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وتنفيذ ضربات ضد “أهداف إرهابية” في سوريا، مع حث جميع الأطراف على ضبط النفس في الوقت نفسه.
ويخشى الدبلوماسيون الأمريكيون من أن يؤدي أي صدام مفتوح بين إسرائيل وتركيا إلى تقويض الهدوء النسبي الذي تحقق بعد عقد من الحرب في سوريا، وربما يؤدي إلى أزمة إقليمية أوسع. فمواجهة مباشرة داخل سوريا ستكون سابقة، إذ ستضع ثاني أكبر جيوش الناتو (تركيا) في مواجهة الجيش الإسرائيلي، الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط. وتشير التقارير إلى أن عواصم غربية تتحرك بهدوء لمنع هذا التصادم، رغم تباين مواقفها. ففرنسا واليونان، مثلًا، تدعمان نهج إسرائيل المتشدد في كبح تركيا، بينما يدعو بعض مسؤولي الناتو إلى التهدئة.
داخل الناتو، كانت تصرفات أنقرة في سوريا محل خلاف منذ سنوات، وقد تؤدي المواجهة مع إسرائيل إلى مزيد من الانقسامات داخل الحلف. ولا يوجد سابقة لمواجهة بين عضو في الناتو ودولة مثل إسرائيل، مما قد يُجبر الحلف على التدخل دبلوماسيًا أو حتى النظر في التزاماته الدفاعية إذا ما تعرضت أراضي تركيا للتهديد.
قال دبلوماسي غربي: “هذه أزمة تضعنا أمام معضلة سياسية: اثنان من أهم حلفائنا في خلاف”، مشيرًا إلى أن لواشنطن علاقات أمنية حيوية مع كل من القدس وأنقرة. وحتى الآن، لم يشارك الناتو كمؤسسة مباشرة في ملف سوريا، لكنه يراقب الوضع عن كثب.
وقد يتم اختبار علاقات إسرائيل الإقليمية كذلك، فالصراع مع تركيا قد يُعرض التقارب الأخير بين إسرائيل وعدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة للخطر. وفي المقابل، قد يعزز التنسيق بين إسرائيل والدول العربية التي تعارض النفوذ التركي، مثل مصر، الإمارات، والسعودية. واللافت أن روسيا، التي كانت حتى العام الماضي القوة الخارجية الأهم في سوريا، تراجعت بعد سقوط الأسد، لكنها قد تعود كوسيط مستقر.
في الواقع، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن تفضيلهم لعودة روسيا للعب دور الموازن في سوريا بدلاً من التوسع التركي غير المحدود. وقالت مصادر إسرائيلية لموقع “واللا” إنهم يدعمون إعادة تفعيل القواعد الروسية وأدوارها في حفظ السلام في سوريا للمساهمة في موازنة النفوذ التركي. ويمثل ذلك تحولًا مذهلًا: حيث تتحالف إسرائيل ضمنيًا مع روسيا، وربما حتى مع إيران، طالما أن هذا يكبح جماح تركيا.
حتى هذه اللحظة، أصبحت سوريا ساحة صراع جيوسياسي عالي المخاطر بين إسرائيل وتركيا. ما يحدث في صحارى تدمر أو أجواء حمص قد تتردد أصداؤه من أنقرة إلى تل أبيب، ومن واشنطن إلى بروكسل. ويؤكد الطرفان أنهما لا يسعيان إلى حرب مباشرة، حيث تصر إسرائيل على أن تركيزها لا يزال على استهداف التهديدات الإرهابية، وتكرر تركيا أن وجودها في سوريا يهدف لمحاربة التطرف وحماية وحدة البلاد.
ومع ذلك، مع كل ضربة جوية إسرائيلية قرب منطقة تعمل فيها تركيا، وكل انتشار تركي جديد أعمق داخل سوريا، يتقلص هامش الخطأ. وكما قالت أيدنتاشباش: “هذا برميل بارود”. وستكشف الأسابيع المقبلة ما إذا كانت الحكمة ستسود في القدس وأنقرة لتجنب الصدام، أم أن حروب الوكالة في سوريا على وشك أن تتحول إلى مواجهة مباشرة بين اثنين من أقوى جيوش المنطقة.
….
وفي الوقت الذي تصر فيه كل من إسرائيل وتركيا على أنهما لا تسعيان إلى حرب مباشرة، فإن التوترات الميدانية المتصاعدة تُظهر هشاشة هذا الوضع. تؤكد إسرائيل أن تركيزها لا يزال على “استهداف التهديدات الإرهابية”، بينما تشدد تركيا على أن وجودها في سوريا يهدف إلى “محاربة التطرف” و”الحفاظ على وحدة البلاد”.
لكن مع كل غارة جوية إسرائيلية جديدة قرب مناطق النشاط التركي، وكل انتشار تركي أعمق داخل سوريا، يتقلص هامش الخطأ. وكما قالت أصلي أيدنتاشباش: “هذا الوضع أشبه ببرميل بارود”.
الأسابيع المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا: فإما أن تنجح القيادات في القدس وأنقرة في تهدئة التصعيد وتفادي المواجهة المباشرة، أو تتحول سوريا من ساحة صراعات بالوكالة إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين اثنين من أقوى جيوش المنطقة.
– https://medyanews.net/israel-and-turkey-on-collision-course-in-syria-after-palmyra-airstrikes/
