مركزية العراق وسوريا بالنسبة إلى خلافة تنظيم الدولة الإسلامية

على الرغم من التقارير التي تتحدث عن التهديد المتنامي الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة القرن الإفريقي، وانتقال قيادات التنظيم إلى منطقة بونتلاند في الصومال، فإن الأراضي الوسطى في العراق وسوريا، المنطقة الأصلية للخلافة الإقليمية التي أعلن عنها في يونيو/ حزيران 2014، لا تزال تحتل مكانة رئيسية في دعاية التنظيم وأيديولوجيته. ومهما كانت أهمية سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من منطقة القرن الإفريقي، فإنها لا تحقق للدعاية والتجنيد ما حققته السردية التي تتحدث عن عودة الحكم الإسلامي إلى أراضي العراق وسوريا. والواقع أنه من غير المعقول أن يتخلى التنظيم فجأة عن منطقة جغرافية حققت له الكثير، وكانت تشهد زيادة في النشاط الجهادي حتى سقوط نظام الأسد في أوائل ديسمبر/ كانون الأول، وخاصة في ما يعرف بالبادية السورية.
الثقافة التنظيمية والانتقال إلى القارة الإفريقية
على النقيض من القاعدة التي تأسست في باكستان، نشأ تنظيم الدولة الإسلامية في قلب العالم العربي من تنظيم صغير عُرف بجماعة التوحيد والجهاد بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. وقد وفر الموقع العربي الاستراتيجي في العراق للتنظيم كل ما يحتاج إليه لدعم أيديولوجيته ووجوده اللوجستي، وخاصة النجاح المزدوج في الدعاية والتجنيد، والذي كان على الرغم من محدوديته في البداية اللبنة التي تشكلت منها قوة التنظيم. ومن حيث الشرعية الأيديولوجية، قدمت المنطقة فرصة فريدة لقتال القوات الأمريكية [الصليبيين] في العراق تحت مفهوم الجهاد الدفاعي (صد المعتدي). ونتيجة لذلك، تلقى التنظيم دعماً كبيراً، وخاصة خلال الفترة التي سبقت الاقتتال بينه وبين الجماعات والفصائل الأخرى على الساحة العراقية بعد إعلان دولة العراق الإسلامية في أكتوبر/ تشرين الأول 2006.
كان أحد العوامل الرئيسة التي شكلت هيكل التنظيم في بداياته هو توزيع مقاتليه وقادته بين جنسيات عربية مختلفة، بدءاً بالزرقاوي الذي كان أردنياً. لكن المرحلة التي أعقبت إعلان دولة العراق الإسلامية شهدت تضييقاً في هيكل التنظيم وانتقالاً من القيادة والمقاتلين العرب إلى التركيز على العراقيين والسوريين، إلى الحد الذي هيمن فيه العراقيون على قيادة التنظيم في مجالسه العسكرية والأمنية، بينما تراجع السوريون إلى المرتبة الثانية. والأمر الأكثر خطورة هو أن منصب الأمير العام للتنظيم لم يعرف أحداً سوى العراقيين، منذ التأسيس في عام 2006 إلى إعلان الخلافة في عام 2014 وحتى يومنا هذا. وهذا التركيز على العراق وسوريا، وعلى العراق بشكل خاص، يوضح عدم ملاءمة البيئة الإفريقية لهوية التنظيم ونواة قيادته.
في يونيو/ حزيران 2014، أعلن أبو بكر البغدادي الخلافة في الموصل، المدينة العراقية التي شهدت اضطرابات واسعة منذ سقوط النظام العراقي في عام 2003. وعلى إثر الإعلان، سعت الآلة الإعلامية للتنظيم المتطرف إلى استقطاب المجتمعات الغربية والمسلمين في الشتات (إن صح التعبير) من خلال إصدار منشورات إعلامية مكتوبة ومرئية بلغات متعددة، أبرزها الإنجليزية والفرنسية، تدعو إلى الهجرة إلى ما يسمى “أرض الخلافة”. وعلى الرغم من هذه الدعوات التي حققت نتائج فعلية على الأرض وأثارت مخاوف الحكومات الغربية من خطورة العائدين الذين [قد] ينفذون عمليات إرهابية، فإن التنظيم حافظ على هيكلية تقوم على التمييز العرقي بين أعضائه العرب والأجانب، وعلى تمييز أضيق بين أغلب الجنسيات العربية والعراقيين، الذين احتفظوا بالسيطرة على أعلى المناصب القيادية، بما في ذلك منصب الخليفة، وبدرجة أقل السوريين. وتعود أسس البنية العرقية للتنظيم إلى فترة ما بعد الزرقاوي مع إعلان الخلافة الأولية، دولة العراق الإسلامية. وقد عمل أبو عمر البغدادي، زعيمه الأول، على فصل الأعضاء العراقيين عن الجنسيات الأخرى التي كانت تمثل عماد التنظيم في عهد الزرقاوي، بحيث أصبح البغدادي مسؤولاً عن العراقيين في التنظيم، بينما تولى أبو حمزة المهاجر المصري، وزير الحرب، مسؤولية “المهاجرين” غير العراقيين.
تعززت منظومة التمييز العرقي في تنظيم الدولة الإسلامية بعد مقتل أبي عمر البغدادي وتولي أبي بكر البغدادي السلطة في العام 2010، وما تلاه من اندلاع الحرب الأهلية في سوريا ثم إعلان الخلافة بعد عدة سنوات. عمل البغدادي على خلق بيروقراطية جديدة للتنظيم، تقوم على إعادة هيكلة منصب وزير الحرب، وإعادة تركيز مهامه في المجلس العسكري، الذي اختار أعضاءه من بين مجموعة من ضباط الجيش العراقي السابقين الجدد على الفكر الجهادي، وتضم هذه المجموعة، التي كانت تتشكل من أشخاص يثق بهم البغدادي، شخصيات مثل أبو علي الأنباري، وأبو أحمد العلواني، وأبو عبد الرحمن الببلاوي. ومن خلال هؤلاء، عمل البغدادي على تحييد المهاجرين، وخاصة العرب، وتوزيعهم ضمن الهيكل الجديد في مختلف الهيئات والمؤسسات الإدارية والإعلامية.
وقد مثل بعض هؤلاء المهاجرين التيارات المتهمة بالتطرف والتي تم تصفيتها لاحقاً من قبل الدائرة المقربة من البغدادي، كما عزز البغدادي أهمية منصب الخليفة، وقد انعكس ذلك في الانتقادات التي وجهها المنشق أبو محمد الهاشمي، الذي أعلن انشقاقه عن تنظيم الدولة الإسلامية، في كتابه الصادر عام 2019 تحت عنوان “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي”، حيث اتهم البغدادي ودائرته المقربة بالهيمنة على التنظيم من خلال ما يعرف باللجنة المفوضة، كما اتهمهم بالتطرف والوحشية.
وعلى الرغم من انهيار الخلافة الإقليمية في آخر معاقلها في الباغوز بسوريا عام 2019، وما تلا ذلك من خسارة تنظيم الدولة الإسلامية لنفوذه الجغرافي في العراق وسوريا، فإن البيئة القيادية للتنظيم ظلت تعكس طابعاً عراقياً. فمع وفاة البغدادي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تزامن تولي أمير محمد سعيد المولى (المعروف أيضاً بأبي إبراهيم الهاشمي القرشي؛ ت. فبراير/ شباط 2022) منصب الخليفة مع بداية إدارة أكثر لامركزية لولايات التنظيم. ومع ذلك، تجلى الطابع العراقي في كل من مجلس الشورى (المسؤول عن اختيار الخليفة) برئاسة جمعة البدري شقيق البغدادي، واللجنة المفوضة (المسؤولة عن الإدارة التنفيذية) برئاسة المدعو سامي جاسم الجبوري والمكونة بالكامل من عراقيين. وعلى الرغم من عدم التأكد بشكل كامل من هوية الخليفتين الثالث والرابع، أبو الحسن الهاشمي القرشي (ت. أكتوبر/ تشرين الأول 2022)، وأبو الحسين الحسيني القرشي (ت. أبريل/ نيسان 2023)، فمن المرجح على نطاق واسع أنهما كانا عراقيين أيضاً.
في يناير/ كانون الثاني 2023، أشار حساب “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” على تطبيق تليجرام، وهو حساب يديره منشقون عن تنظيم الدولة الإسلامية، إلى شخص يُدعى “أبو سارة العراقي”، الذي قُتل لاحقاً، بصفته المسؤول عن إدارة الولايات في ذلك الوقت. ووفقاً للحساب، كان لأبو سارة نفوذ واسع على مجلس الشورى ومنع غير العراقيين من تولي منصب الخليفة.
إن مقتل أبو سارة، إذا كانت الرواية صحيحة، يثير تساؤلات حول إمكانية تولي غير العراقيين منصب الخليفة واحتمال أن يكون عبد القادر مؤمن الصومالي (أو أي شخصية غير عراقية أخرى) هو في الواقع الخليفة الحالي أبو حفص الهاشمي القرشي. ومع ذلك، تظل هذه الفرضية ضعيفة. وعلى الرغم من أن نقل قيادة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الصومال من شأنه أن يضع الخليفة مباشرة في المنطقة التي ينفذ فيها التنظيم عملياته المالية الأكثر كثافة، والتي تتم من خلال ما يعرف بمكتب الكرار، فضلاً عن نحو 60% من إجمالي العمليات العسكرية التي تنظمها فروعه في إفريقيا على مستوى العالم، فإن التركيز الحالي على إفريقيا يمكن فهمه بوصفه الخيار الأفضل مؤقتاً وليس تحوّلاً استراتيجيًّا حقيقيًّا.
ويرجع توجه تنظيم الدولة الإسلامية نحو إفريقيا في السنوات الأخيرة إلى عدد من الأسباب، أبرزها غياب التركيز الدولي على مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية وظروفها من الفوضى السياسية والأزمة الاقتصادية. فالظروف المعيشية السيئة تعني أن التنظيم لا يحتاج إلى ميزانية تشغيلية عالية، وتحديداً في دفع الرواتب الشهرية للمقاتلين، في حين أن ضعف ضغوط مكافحة الإرهاب نسبياً يجعل المنطقة مناسبة لإنشاء شبكات مالية تغذي فروع أخرى للتنظيم في جميع أنحاء العالم. وعلى هذا النحو، أصبحت الصومال عقدة بارزة في الشبكة المالية لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث تدعم ولايات في وسط وجنوب إفريقيا وموزمبيق ودول أخرى خارج القارة الإفريقية.
العراق وسوريا في سردية تنظيم الدولة الإسلامية
إن مركزية العراق وسوريا بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية ترجع في المقام الأول إلى الطرق التي تعزز بها هذه المنطقة الجغرافية جاذبية سردية التنظيم عن الخلافة، وحقيقة أن هذه المنطقة كانت المقر الأصلي للخلافة حيث جاء معظم قادتها والجهات الفاعلة الرئيسة منها. وكما هو الحال في إفريقيا، تعاني منطقة العراق وسوريا من عدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية، ولكنها تمتلك أيضاً خصوصية تاريخية للتنظيم لا تمتلكها إفريقيا. فمن ناحية، كانت هذه المنطقة مقر الخلافة في الماضي (العباسيون في بغداد والأمويون في دمشق)، وهي حقيقة تعزز سردية التنظيم حول “شرعية” الخلافة. وفي الآونة الأخيرة، روج التنظيم أيضاً للمنطقة بوصفها أرض هجرة، وتظل فكرة إعادة تأسيس الخلافة هناك قضية أساسية في دعاية التنظيم وسردياته الإعلامية.
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن في العام 2014 عن رؤيته العالمية بـ”كسر الحدود” بين العراق وسوريا، والتي جعلت من إفريقيا وغيرها من الأراضي تساوي جميع الأراضي الأخرى نظريًّا، فإن التنظيم في الواقع لا يزال متمسكاً بالبيئة التي ولد فيها. ومع كل نجاحاته في إفريقيا، فإنه لم يتمكن من تحقيق المستوى الضروري من النفوذ والسيطرة هناك كما كان الحال في العراق وسوريا في السنوات التي بدأت في العام 2014. والواقع أن إفريقيا اليوم لا تتمتع بميزة استراتيجية واقعية مقارنة بالأراضي العربية تؤهلها لأن تكون مركزاً للدولة الإسلامية.
إن أحد الموضوعات الرئيسة في الدعاية التي يتبناها تنظيم الدولة الإسلامية، والتي تميزه عن غيره من الجماعات الجهادية، هو الادعاء بتجاوز مرحلة الإعداد والتقدم إلى مرحلة الدولة، أو بعبارة أخرى، الانتقال من مرحلة الدعوة والتحريض إلى مرحلة الفتح والتمكين. ويعود هذا الموضوع إلى عام 2006 مع إعلان قيام دولة العراق الإسلامية، والتي روجت لسردية استعادة الحكم الإسلامي وأمجاد الخلافة المبكرة. وكان هذا أمراً بالغ الأهمية لجهود الدعاية التي تبذلها لاستمالة مشاعر الشباب المسلم، وخاصة الشباب العربي، الذي يعاني عموماً من القمع السياسي، والظروف الاقتصادية السيئة، والشعور بالانحدار الحضاري مقارنة بالغرب، وكل هذا يسهم في إيقاد جذوة الحنين إلى العصر الإسلامي المبكر بانتصاراته وفتوحاته.
إن تسمية تنظيم الدولة الإسلامية لمجلته السابقة “دابق”، والتي كانت تصدر باللغة الإنجليزية، هي مثال على أهمية المنطقة الجغرافية العراقية والسورية في سردية التنظيم. يعود اسم “دابق” إلى حديث منسوب إلى النبي محمد يشير إلى إحدى معارك نهاية الزمان التي ستقاتل فيها جيوش المسلمين (التي يفترض التنظيم أنه يمثلها) أعداءها قبل شن حملة نحو القسطنطينية (إسطنبول) وبقية العالم. تدور المعركة المفترضة في قرية دابق السورية، على بعد 35 كيلومتراً شمال شرق مدينة حلب. سيطر التنظيم على دابق في أغسطس / آب 2014 وقاتل هناك بشراسة حتى فقد السيطرة عليها في أكتوبر / تشرين الأول 2016. في حين لا توجد مراجع إسلامية ذات أهمية دينية أو أخروية حول إفريقيا.
في أغسطس / آب 2023، أعلن أبو حذيفة الأنصاري، المتحدث الرسمي باسم تنظيم الدولة الإسلامية، تعيين أبو حفص الهاشمي القرشي في منصب الخليفة في خطاب بعنوان “فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به”. وبذلك أصبح أبو حفص الخليفة الخامس في الخط الذي يبدأ بأبي بكر البغدادي، الذي قُتل في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وفي حين لا يُعرف سوى القليل عن هويته، فقد صرح أبو حذيفة أن الخليفة الجديد هو من قدامى المحاربين في تنظيم الدولة الإسلامية وله خبرة في محاربة “الصليبيين والمرتدين”. والجدير بالذكر أن أبو حذيفة قارن بين الخلفاء الأربعة القتلى قبل أبي حفص والخلفاء الراشدين في القرن السابع الذين “قُتلوا نتيجة الخيانة”. وبينما كان يشيد بـ “جنود الخلافة”، أعطى الأولوية لأولئك الموجودين في “العراق والشام” على “الجنود” الموجودين في “الولايات البعيدة” ـ خراسان وإفريقيا، مما يوضح مرة أخرى الأهمية الجوهرية لهذه المنطقة بالنسبة لـ “الدولة الإسلامية” التي يسعى التنظيم إلى إقامتها / أو استعادتها.
النسب القرشي
على الرغم من النفوذ الواسع الذي كان يتمتع به أبو حمزة المهاجر المصري في تنظيم القاعدة في العراق، بصفته خليفة للزرقاوي، والذي دفع إدارة بوش إلى وضع مكافأة لمن يأتي بمعلومات عنه، لم يكن هو بل أبو عمر البغدادي من اختير أميراً لدولة العراق الإسلامية عندما أُعلن عنها في عام 2006؛ وذلك لاستيفائه أحد الشروط التقليدية لتولي منصب الخلافة، وهو، كما ذكر العالم الماوردي (ت. 1058) وآخرون، النسب القرشي؛ أي النسب الذي يعود إلى قبيلة النبي قريش. في البداية، امتنعت وسائل إعلام دولة العراق الإسلامية عن التأكيد على نسب البغدادي القرشي، ربما لأنها لم تكن ترغب في تقديمه بصفته الخليفة الفعلي. فلم يحدد البيان الأولي الذي أعلن عن تأسيس دولة العراق الإسلامية الزعيم الجديد إلا كونه “أبو عمر البغدادي”، في حين لم يؤكد مؤلف كتاب “إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام”، وهو نص أيديولوجي رئيس يشرعن مساعي الجماعة المبكرة لإقامة دولة، على هذا [النسب] باعتباره شرطاً للخلافة، بل تطرق إليه عرضاً. وظهرت الإشارة الأولى إلى النسب القرشي في تعهد أبو حمزة المهاجر بالولاء للبغدادي في بيان صدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2006، حيث وصفه بأنه “الحسيني القرشي الهاشمي”. وقد أثار كل هذا عدداً من التساؤلات والانتقادات من جانب مختلف الجهاديين حول معنى مصطلح “الدولة” ومنح لقب “أمير المؤمنين” للبغدادي، وهو ما تناوله زعيم القاعدة عطية الله الليبي في مقال كتبه في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام.
وعلى الرغم من محدودية البحث في حقيقة النسب القرشي لأبي عمر البغدادي، فإنه مثّل لاحقاً نقطة محورية عادت إلى الظهور مع أبي بكر البغدادي عندما قُدّم على أنه حسيني قرشي، وهي حقيقة استُخدمت لتوضيح كيفية تلبيته لشروط الخلافة كما شرحها تركي البنعلي في كتابه “مد الأيادي لبيعة البغدادي” الصادر في يوليو/ تموز 2013. وفي وقت لاحق، استغل معارضو تنظيم الدولة الإسلامية قضية النسب هذه للزعم بأن خليفة البغدادي، أبو إبراهيم الهاشمي، لا يمكن أن يكون خليفة؛ لأن أصله التركماني يجعله من أصل غير قرشي. وفي حين أن هذه المسألة فشلت في تشويه سمعة الخليفة الجديد في نظر أنصاره، فإن حالة النسب القرشي ظلت تشكل محوراً مهماً في شرعية تعيين الخلفاء اللاحقين، حيث ظهرت (على الأقل في التصريحات العامة) كمؤهل أكثر أهمية من المتطلبات التقليدية الأخرى مثل المعرفة الدينية، والنزاهة، والشجاعة، وما إلى ذلك.
في أوائل عام 2024، بدأت التقارير تتحدث عن أن عبد القادر مؤمن، أمير فرع تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، هو في الواقع الخليفة المعين حديثاً أبو حفص الهاشمي القرشي، وهو احتمال بدا للبعض معقولاً بسبب الروابط القبلية بين عشيرة عبد القادر الدارود وقريش من خلال عقيل بن أبي طالب ـ ابن عم النبي محمد. لم يؤكد تنظيم الدولة الإسلامية أو ينف هذه التقارير، لكن احتمال أن يكون عبد القادر هو أبو حفص يبدو مستبعداً للغاية. في الواقع، من غير المعروف ما إذا كان لعبد القادر الحق في ادعاء النسب القرشي في نظر القاعدة التقليدية لقادة تنظيم الدولة الإسلامية العراقيين، ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإن هؤلاء القادة، الذين يشكلون جماعة الضغط العراقية القوية داخل التنظيم، لن يقبلوا بسهولة التخلي عن سلطتهم من خلال تعيين خليفة إفريقي، والذي، في حالة عبد القادر على الأقل، تأخر نسبيًّا في الانضمام إلى المجموعة.
إن أهمية منصب الخليفة في تنظيم الدولة الإسلامية تبرز من خلال حقيقة أنه يلعب دوراً سياسيًّا وروحيًّا للتنظيم. ومع ذلك، مع إنشاء ما يسمى بالمديرية العامة للولايات وإدارتها للمكاتب المالية والشبكات العالمية في التنظيم، لم يعد الخليفة يلعب الدور الإداري الأبرز الذي كان يلعبه في السابق. وفي حين لم يتم [حتى الآن] تجاوز سلطة الخليفة، فإن صعود المديرية العامة للولايات استلزم درجة أكبر من اللامركزية في إدارة شؤون الدولة المزعومة. وفي مثل هذه الظروف، يبدو من غير الضروري للتنظيم نقل منصب الخليفة إلى شخص مشكوك في نسبه القرشي، وهو ما من شأنه أن يتسبب في نزاعات في المركز الجغرافي الأصلي للعراق وسوريا، وبين العرب في الشرق الأوسط بشكل عام. وبما أن التقارير تشير إلى أن عبد القادر تولى قيادة “مكتب الكرار” للتنسيق المالي داخل هيكل المديرية العامة للولايات، فلن تكون هناك حاجة لنقل مكتب الخلافة إلى الصومال إلا في حالة وجود مصلحة محتملة في إبقاء الخليفة على قيد الحياة لفترة تزيد عن أشهر، وهي المدة التي استمر فيها الخليفتان السابقان. ومع ذلك، وفي حين أنه لا يمكن نفي هذا الاحتمال في المطلق، فإنه يبدو مستبعداً بالفعل.
الكاتب: عمر ضبيان
