العمليات الخارجية الإيرانية في أوروبا: الصلة الإجرامية

في آخر تحديث له حول التهديدات الأمنية الوطنية ضد المملكة المتحدة، كشف مدير عام جهاز المخابرات البريطاني الداخلي كين ماكالوم أنه منذ يناير / كانون الثاني 2022، واجهت السلطات عشرين مؤامرة مدعومة من إيران تستهدف مواطنين ومقيمين في المملكة المتحدة. وأضاف أنه في هذه المؤامرات، “تستخدم الجهات الفاعلة في الدولة الإيرانية المجرمين على نطاق واسع كوكلاء، من تجار المخدرات الدوليين إلى المحتالين من المستوى المنخفض”. في الواقع، هذا هو الاتجاه الذي نشهده في جميع أنحاء أوروبا.
في سبتمبر/ أيلول، كشف المحققون في ألمانيا وفرنسا عن قيام عملاء إيرانيين ـ يعملون من خلال تجار مخدرات أوربيين يعيشون في إيران ـ بتوظيف مجرمين أوروبيين لمراقبة اليهود والشركات اليهودية في باريس وميونيخ وبرلين على مدى الأشهر القليلة الماضية. على سبيل المثال، وبعد إلقاء القبض عليه، اعترف أحد المجرمين الفرنسيين بأنه حصل على ألف يورو مقابل التقاط صور لمنزل أحد المستهدفين في ميونيخ في أبريل/ نيسان. ووفقاً لجهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسي، فإن “الأجهزة الإيرانية تكيفت مع أسلوب العمل هذا، وهي الآن تفضل بشكل أكثر منهجية استخدام أشخاص من الدوائر الإجرامية لتنفيذ هجماتها في الخارج”.
بالاعتماد على مجموعة بيانات طورها أحد المؤلفين (ليفيت)، يوضح تحليل الاتجاهات بوضوح أنه في أعقاب مؤامرة تفجير إيرانية فاشلة عام 2018 خارج باريس، والتي أدت إلى اعتقال وإدانة دبلوماسي إيراني لدوره في المؤامرة، استغل القادة العملياتيون الإيرانيون، وتحديداً الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن الداخلي، بشكل متزايد الشبكات الإجرامية كوكلاء لتنفيذ هجمات في الخارج لتوفير مسافة بين طهران وعملياتها الخارجية. وقد أنتج معهد واشنطن خريطة تفاعلية تعتمد على مجموعة البيانات هذه والتي تصور العمليات الخارجية الإيرانية – الاغتيالات والاختطاف والترهيب ومؤامرات المراقبة – في جميع أنحاء العالم. وتُظهر الخريطة زيادة ملحوظة في النشاط العملياتي الإيراني في أوروبا، حيث شملت العديد من هذه المؤامرات مجندين مجرمين.
خلفية: العمليات الإيرانية الأخيرة في أوروبا باستخدام مجرمين
بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، شرعت القيادة الثورية في إيران في حملة لاغتيال المعارضين الإيرانيين والمسؤولين الإيرانيين السابقين الذين خدموا في ظل نظام الشاه. وعلى مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية، واصل العملاء الإيرانيون الانخراط في مؤامرات الاغتيال والاختطاف والترهيب والمراقبة التي تستهدف معارضي النظام في جميع أنحاء العالم. وقد وقعت العديد من هذه المؤامرات في أوروبا، من اغتيال ابن شقيق الشاه، شهريار شفيق، في باريس في ديسمبر / كانون الأول 1979، إلى طعن الصحفي الإيراني بوريا زراعتي في لندن في مارس / آذار 2024.
استناداً إلى مجموعة بيانات المؤلف (ليفيت) للعمليات الخارجية الإيرانية، والتي تم تصويرها في الخريطة التفاعلية، من بين 218 مؤامرة في مجموعة البيانات الإجمالية التي تغطي الفترة من عام 1979 حتى اليوم، وقعت 102 مؤامرة في أوروبا. ارتفعت وتيرة النشاط العملياتي الإيراني في أوربا، حيث حدث أكثر من نصف هذه المؤامرات (54 حالة) ما بين 2021 و2024. ركزت هذه العمليات على استهداف المنشقين الإيرانيين (34 حالة)، بما في ذلك الصحفيون الذين يبثون باللغة الفارسية الأخبار التي تفضل طهران عدم نشرها، والمواطنين والدبلوماسيين الإسرائيليين (10 حالات)، واليهود (7 حالات). علاوة على ذلك، من بين هذه المؤامرات الـ 54، تضمنت 16 مؤامرة استخدام مجرمين لتنفيذها. استهدفت 6 من هذه الحالات منشقين أو صحفيين إيرانيين، واستهدفت 7 دبلوماسيين أو سفارات إسرائيلية، واستهدفت 4 يهوداً أو مؤسسات يهودية.
ولنتأمل هنا المؤامرة الفاشلة التي أطلقت عليها المخابرات الإيرانية لقب “حفل الزفاف” لاغتيال مذيعيْ أخبار إيران الدولية في لندن. فقد استأجر الحرس الثوري الإيراني مهرباً للبشر (أشير إليه في التحقيق باسم “إسماعيل” حفاظاً على سلامته) لاغتيال فرداد فرحزاد (العريس) والمذيعة السابقة سيما ثابت (العروس)، اللذين صنفتهما وحدة الحرس الثوري الإيراني 840 كأهداف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. وبدأ إسماعيل العمل مع المخابرات الإيرانية في عام 2016، وتم تجنيده لدوره كمجرم عابر للحدود الوطنية مقيم في أوروبا.
كيف يتم استخدام المجرمين في أوروبا؟
إن المسؤولين الحكوميين الإيرانيين يستخدمون بشكل متزايد تجار المخدرات وغيرهم من المجرمين في إيران كوسطاء لتجنيد المجرمين لتنفيذ هجمات في الخارج. ولنتأمل هنا قضية أوميت ب، وهو تاجر مخدرات من منطقة ليون في فرنسا من أصول تركية، والذي يقال إنه يعمل الآن انطلاقاً من إيران. فوفقاً لتقارير الاستخبارات الغربية، سُمح له بالاختباء في إيران بعيداً عن أعين المحققين الأوروبيين، وفي المقابل يساعد النظام على التخطيط لهجمات ضد اليهود والإسرائيليين في الخارج. وهذا يماثل قضية ناجي إبراهيم زندشتي، الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية بأنه “تاجر مخدرات مقيم في إيران”، وأن شبكته الإجرامية “نفذت العديد من الجرائم العابرة للحدود الوطنية بما في ذلك الاغتيالات والاختطاف عبر ولايات قضائية متعددة في محاولة لإسكات منتقدي النظام الإيراني”. وفي المقابل، تشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن “قوات الأمن الإيرانية تحمي زندشتي وإمبراطوريته الإجرامية، مما يمكّنه من الازدهار في سوق المخدرات وعيش حياة مترفة بينما تنفذ شبكته عمليات شنيعة نيابة عن الحكومة”. وتُظهِر البيانات أن إيران تستفيد بشكل متزايد من شبكات إجرامية مثل هذه في عملياتها الدولية. ولا تستخدم إيران أفراداً لديهم ماضٍ إجرامي فحسب، بل وجماعات الجريمة المنظمة أيضاً.
تستغل إيران مراراً وتكراراً بعض العصابات الإجرامية المنظمة البارزة، مثل فوكستروت وهيلز أنجلز ورومبا، لتنفيذ هجمات على أهداف إسرائيلية ويهودية في جميع أنحاء أوربا. في السويد، تم العثور على قنبلة يدوية غير منفجرة داخل السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم في يناير / كانون الثاني 2024. وبعد عدة أشهر، كشفت وكالات الاستخبارات السويدية والإسرائيلية أن الهجوم تم تدبيره من قبل عصابة الجريمة المنظمة فوكستروت بناءً على طلب إيران. ووفقاً لجهاز الاستخبارات السويدي، فإن “إيران كانت تنفذ أنشطة تهدد الأمن في السويد منذ عدة سنوات” باستخدام عصابات إجرامية لاستهداف اليهود وممثلي الحكومة الإسرائيلية والمعارضين الإيرانيين. وفي السويد أيضاً، حققت الشرطة في إطلاق نار خارج السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم واعتقلت في النهاية مشتبهاً به ينتمي إلى عصابة رومبا الإجرامية بقيادة رجل العصابات إسماعيل عبدو. في مايو / أيار 2024، ألقى أحد عملاء فوكستروت، بناءً على تعليمات إيرانية، قنبلتين يدويتين على السفارة الإسرائيلية في بروكسل، بلجيكا. في ألمانيا، استأجر الحرس الثوري الإيراني زعيم عصابة هيلز أنجلز الهارب والمواطن الألماني الإيراني رامين يكتاباراست لتنظيم هجمات إرهابية تستهدف المعابد اليهودية في البلاد، واحدة في بوخوم والأخرى في إيسن، في عام 2021.
وبالإضافة إلى تنفيذ الهجمات، حذرت الحكومات الأجنبية مواطنيها من عمليات المراقبة التي يقوم بها المجرمون نيابة عن الحكومة الإيرانية. ففي عام 2023، صرح وزير الدولة البريطاني للأمن توم توجندهات أن إيران تستأجر عصابات إجرامية في المملكة المتحدة للتجسس على اليهود استعداداً لحملة اغتيال محتملة تستهدف أعضاء بارزين في المجتمع اليهودي. ويشير توجندهات إلى أن إيران تستخدم “مصادر غير تقليدية”، بما في ذلك “عصابات إجرامية منظمة”، وتوجه “التهديدات والنشاط العملياتي الإيراني” ضد أهداف يهودية محتملة. وقد حظيت هذه المؤامرات باهتمام المجتمع الدولي.
الاستجابة الدولية
مع وقوع 54% من العمليات الخارجية الإيرانية ما بين 2019 و2024، تستمر المؤامرات الإيرانية في استقطاب قدر متزايد من الاهتمام من المسؤولين والحكومات الأجنبية. وردّاً على العمليات الإيرانية العالمية، حذرت ما لا يقل عن اثنتي عشرة دولة عبر خمس قارات مواطنيها من تهديدات صادرة عن إيران. ويشمل ذلك تحذيرات لأفراد محددين مثل الصحفي ومقدم البرامج على قناة “إيران الدولية” فرداد فرحزاد. في عام 2022، حذرت شرطة العاصمة البريطانية فرحزاد من تهديدات “وشيكة وموثوقة” لحياته وحياة عائلته من الحرس الثوري الإيراني.
وعلى نطاق أوسع، حذرت عدد من الدول مواطنيها من العمليات الإيرانية الجارية على أراضيها، وطردت دبلوماسيين إيرانيين نتيجة لذلك. ففي عام 2013، وفقاً لصحيفة “ديلي نيشن” الكينية، نبهت سفارة إسرائيل في نيروبي وزارة الخارجية الكينية إلى أن إيران وحزب الله “يجمعان معلومات استخباراتية عملياتية عن أهداف إسرائيلية ويهودية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك كينيا”. وفي عام 2020، طردت ألبانيا السفير والدبلوماسيين الإيرانيين بسبب “الإضرار بالأمن القومي” و”انتهاك قواعد السلوك الدبلوماسي”. وفي عام 2022، طردت الشرطة التايلاندية دبلوماسيين إيرانيين من البلاد لانتهاكهم قواعد السلوك الدبلوماسي”. وفي عام 2022، أصدرت أمراً باليقظة من جواسيس إيرانيين يُعتقد أنهم في المنطقة يجمعون معلومات استخباراتية عن تحركات منشقين إيرانيين. وفي عام 2022، أعلن كين ماكولوم، مدير جهاز المخابرات البريطاني الداخلي، أن أجهزة المخابرات الإيرانية خططت عشر مرات على الأقل بين 1 يناير / كانون الثاني و16 نوفمبر / تشرين الثاني 2022 لاختطاف واغتيال أشخاص في المملكة المتحدة، بما في ذلك مواطنون بريطانيون تعدّهم طهران “أعداء للنظام”. وأضاف ماكولوم أن إيران من خلال “أجهزتها الاستخباراتية” تشكل “تهديداً مباشراً للمملكة المتحدة”. وأشارت خدمة الاستخبارات الأمنية الكندية في تقريرها السنوي لعام 2023 إلى أن “إيران تواصل استهداف أعدائها المفترضين، حتى عندما يعيشون في دول أجنبية”، وأن “الأنشطة الإيرانية المتعلقة بالتهديد الموجهة إلى كندا وحلفائها من المرجح أن تستمر في عام 2024”. ومؤخراً، ألقت السلطات الأمريكية القبض على مواطن باكستاني بتهمة التخطيط لتجنيد مجرمين لاغتيال مسؤولين أمريكيين بارزين داخل الولايات المتحدة. وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي: “هذه المؤامرة للقتل مقابل أجر مأخوذة مباشرة من كتاب القتل الإيراني”.
خاتمة
إن العمليات الخارجية الإيرانية تكتيك تستخدمه طهران لمعالجة العديد من التهديدات المختلفة المتصورة للنظام الثوري في إيران. تستهدف إيران المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين للانتقام لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير/ كانون الثاني 2020. وتستهدف المسؤولين ورجال الأعمال الإسرائيليين كجزء من حربها الخفية مع تل أبيب والتزامها بتدمير إسرائيل. وتستهدف اليهود – من رجال الأعمال البارزين في أوربا إلى طلاب الجامعات في الولايات المتحدة ـ وتستهدف المنشقين والصحفيين الإيرانيين في الخارج الذين يكشفون وحشية النظام للعالم ويمكّنون الإيرانيين من تحدي النظام الثوري.
ومن المرجح أن تستمر كل هذه العوامل الدافعة للعمليات الخارجية الإيرانية، مع ظهور عوامل دافعة إضافية، مثل تعهد إيران بالانتقام لمقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران. وعلى نحو متزايد، تسعى طهران إلى إيجاد سبل لتنفيذ عملياتها مع قدر من الإنكار المعقول للحد من احتمالية استهداف إيران من خلال رد مباشر. في أبريل/ نيسان 2024، أطلقت إيران نحو ثلاثمائة صاروخ وطائرة من دون طيار على إسرائيل، لتستهدف إسرائيل إيران ردّاً على ذلك. وتسعى إيران إلى تجنب حدوث هذه المواجهة المباشرة مرة أخرى خوفاً من أن تجعل مثل هذه الضربات النظام يبدو ضعيفاً، ليس فقط أمام الأعداء في الخارج ولكن أيضاً أمام المعارضين في الداخل. ونتيجة لهذا، تظهر إيران الآن تفضيلاً واضحاً للمؤامرات التي تستخدم وسطاء – عادة المجرمين ولكن أيضاً مزدوجي الجنسية الذين لديهم علاقات مع الجماعات الشيعية المسلحة التابعة لشبكة وكلاء إيران.
إن ما يعنيه هذا هو أن السلطات في مختلف أنحاء العالم ـ بما في ذلك أوروبا ـ تحتاج إلى تطوير أنظمة للكشف عن مثل هذه المؤامرات وتعطيلها. وعليه يتعين على الاتحاد الأوروبي، أو الدول الأعضاء الفردية، أن تستجيب لدعوة السويد وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. ففي نهاية المطاف، كما قال رئيس وزراء السويد مؤخراً: “الخيار المعقول الوحيد… هو أن نحصل على تصنيف مشترك للإرهابيين حتى نتمكن من العمل على نطاق أوسع من العقوبات القائمة بالفعل”. إن أعمال الإرهاب التي ترعاها إيران، والتي ينفذها وكلاء مجرمون، لا يمكن معالجتها بفعالية بوصفها مسألة جنائية وحدها. من شأن التصنيف المشترك أن يوفر مجموعة أوسع من أدوات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب لمعالجة التهديد.
الكاتب: سارة بوشيس، ماثيو ليفيت
