تقارير ودراسات

كندا تتجه إلى أزمة تطرف وشيكة

منذ الهجمات القاتلة التي وقعت في إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كُتب الكثير من المقالات والتحليلات حول معاداة السامية والكراهية المناهضة للغرب التي تشتعل في المدن الكندية الكبرى. وعلى الرغم من أن هذه القضايا أمنية وطنية حادة ينبغي معالجتها على النحو اللائق، فإنها مجرد أعراض لتهديد أكبر وأكثر فتكاً يتطلب المزيد من الاهتمام: الإسلاموية أو التطرف الإسلاموي.

إن هذه الأيديولوجية المزمنة تستغل الضعفاء والمحبطين من خلال مفاهيم ملتوية عن هدف إلهي [إقامة دولة دينية] واحتمال شن حرب مقدسة ضد الكفار. وعلى الرغم من أن الإسلاموية تعمل في الغالب تحت الرادار، فإنه من الصعب للغاية على الحكومات وأجهزة الأمن تتبعها أو قياسها أو حتى فهمها بالكامل.

وعلى غرار نظرائهم في تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية (داعش)، الذين يحتفون بهم ويجلونهم، يتبنى الإسلاميون في الغرب وسائل بسيطة وغير متطورة وموارد محدودة لارتكاب أعمال عنف شديدة التأثير، أو كما وصفها أحد خبراء مكافحة الإرهاب باختصار: الإرهاب على طريقة شركة نايكي “فقط افعلها”. وعلى جبهة الدعاية، يتمتع الإسلاميون بالتزام وتنسيق لا جدال فيه كما يتضح من طول أمد الاحتجاجات المؤيدة لحماس وطبيعتها المنظمة على نحو متزايد.

وعلى النقيض من الجهات الفاعلة في الدول المارقة مثل روسيا والصين، فإن ما يجعل الإسلاميين قوة هائلة يجب أخذها في الحسبان هو قدرتهم على تسليح الدين لإسكات ومعاقبة وردع أي شخص، بما في ذلك المسلمون الليبراليون الذين يجرؤون على التحدث علناً عن الإسلاموية ونقدها وإدانتها.

وتتضمن بعض تكتيكات الترهيب الشائعة لديهم: إصدار فتاوى بالقتل، وتقديم ادعاءات مشكوك فيها حول معاداة الإسلام، وممارسة “الجهاد الشرعي” من خلال التلاعب بالقوانين والأنظمة الغربية بدعاوى قضائية تافهة لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية استراتيجية.

بالنسبة إلى العديد من الكنديين، كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول وحادث إطلاق النار في البرلمان الكندي عام 2014 بمثابة جرس إنذار لمخاطر التطرف الإسلاموي. وذكر تقرير صادر عن هيئة السلامة العامة الكندية عام 2017 أن أكثر من 190 متطرفاً كندياً يُشتبه في انخراطهم في أنشطة إرهابية في الخارج؛ في ذلك الوقت، كانت الحكومة على علم بعودة حوالي 60 منهم. في مارس / آذار، أشارت تقارير إعلامية إلى أن أحد المروجين الغامضين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، المجموعة التي تقف وراء الهجوم الأخير في موسكو والذي أسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصاً، يعيش في كندا.

لقد اكتسبت كندا الآن تميزاً غير مرغوب فيه يتمثل في تحولها إلى مركز لتمويل الإرهاب الإسلاموي. فقد أشار تقرير صادر عن “منتدى الشرق الأوسط” في مارس/ آذار إلى أن خمس مجموعات ذات روابط إسلاموية في كندا تلقت ما لا يقل عن 42 مليون دولار من الإدارات الحكومية؛ أي من أموال دافعي الضرائب، بين عامي 2018 و2022.

ومع ذلك، فإن الطبيعة المنحرفة للإسلاموية وتهديداتها طويلة الأمد غير مفهومة بشكل جيد وغالباً ما يقلل من أهميتها معظم الكنديين بما في ذلك قادة الحكومة والمشتغلون في الإعلام والمحللون. يزعم الكثيرون أنه نظراً لحدوث ست هجمات جهادية ناجحة فقط في كندا بين عامي 2000 و 2020، فإن البلاد أكثر أماناً مقارنة بمعظم نظيراتها الغربية. وهذا يوضح نقصاً واضحاً في فهم أعدائنا الأيديولوجيين.

هناك مثل إفريقي يقول: “لا تظن أن التماسيح لا وجود لها لمجرد أن النهر هادئ”. تلعب العديد من الجماعات الإسلاموية لعبة طويلة الأمد، وتنتظر الوقت المناسب للانقضاض بينما تعمل في هدوء على تقويض وإضعاف خصومها في الغرب. إن شن هجمات إرهابية صاخبة ليس بأيّ حال من الأحوال هدفها الوحيد أو النهائي. إن الطموحات الدولية الحقيقية للجماعات الإسلاموية مثل الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة هي إبادة جماعية وطويلة الأمد للمجتمعات الغربية، وشنّ جهاد عالمي، وإنشاء خلافة عالمية.

إن هذه الأهداف يساعد على تحقيقها الإسلاميون في الغرب الذين يلجأون إلى استخدام العصابات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، ومنصات الإعلام الاجتماعية، والجامعات، والجمعيات الخيرية، لتنفيذ تكتيكات هجينة سرية مثل نشر الدعاية للكراهية، وجمع الأموال لدعم الأعمال المسلحة في الخارج، وتحويل الشباب وتجنيدهم، والتلاعب بالناخبين، وتهديد المنتقدين. وبفضل شبكاتهم الراسخة، يتمكن الإسلاميون من تعبئة الموارد بسرعة والاستفادة من التوترات الاجتماعية التي تندلع في أعقاب الصراعات العالمية مثل الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس.

إن الفوضى العارمة في شوارعنا والاعتقالات الأخيرة للشباب في أوتاوا وكالجاري بتهمة الإرهاب تثبت أن جهودهم التخريبية قد نجحت بالتأكيد. ومع ذلك، تظل الحكومة ـ عن عمد ـ عمياء عن مخاطر تطرف الشباب والإرهاب المحلي، على الرغم من وجود مؤشرات واضحة على أن كندا تكافح ضد هذه المخاطر.

إن موقف كندا المتساهل يتناقض مع موقف أوروبا، حيث كانت السلطات تحذر من التطرف الإسلاموي ـ الذي يعدّ تهديداً حادّاً للقارة ـ حتى قبل هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وأحبطت ما لا يقل عن عشر خطط لشن هجمات في العام الماضي. وتراقب الاستخبارات الألمانية جماعة “إسلاموية شعبية” مقرها هامبورج تضم عشرات الآلاف من الأتباع الغربيين بسبب دعوتها إلى إقامة خلافة إسلامية، في حين رفعت فرنسا نظام التأهب الأمني ​​الوطني إلى أقصى مستوياته وسط مخاوف متزايدة بشأن عودة داعش لتجنيد الشباب الفرنسي لتنفيذ هجمات في البلاد.

في المملكة المتحدة، يتعاطف ما يقرب من 50% من المسلمين مع حماس. ومن بين المعتقلين مؤخراً في سياق مكافحة الإرهاب، كان هناك 20% من الأطفال دون سن 18 عاماً. واعتقلت الشرطة الأسترالية سبعة مراهقين متطرفين لتورطهم في هجوم بالسكين في سيدني. وكشف تقرير صدر هذا العام عن “معهد دراسة معاداة السامية والسياسة العالمية” ومقره الولايات المتحدة عن مليارات الدولارات من التمويل غير المشروع للجامعات الأمريكية من قبل حكومات أجنبية مثل قطر وجماعات إسلاموية مثل الإخوان المسلمين، والتي تروج لأيديولوجيات معادية للديمقراطية ومعادية للسامية ولها صلات بالإرهاب.

وعلى الرغم من التعيين المثير للجدل لأميرة الغوابي ممثلة خاصة لمكافحة الإسلاموفوبيا في كندا، فإن الصمت المطبق من جانب الحكومة على التهديد الإسلاموي يشكل إهمالاً صارخاً لواجبها تجاه المواطنين الكنديين. فمن تمجيد الإرهاب والهتاف لتدمير كندا وإسرائيل والولايات المتحدة، إلى تجاهل الإسلاميين التام للقانون والنظام، من الواضح أن كندا تسير وهي في نوم عميق نحو أزمة تطرف وشيكة.

خلال السنوات الأولى من الحرب الأفغانية، وبعد أن خسرت حركة طالبان معارك متعددة أمام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة المتفوقة عسكرياً، صرح أحد قادة الحركة بلا مبالاة: “أنتم تملكون الساعات، ولكننا نملك الوقت”. وبالفعل، ثبتت صحة كلامه عندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021 واستولت طالبان على السلطة مرة أخرى.

لقد انتهت فترة التوقف القصيرة التي أعقبت حملة “عملية العزم الصلب” [في العراق وسوريا] وحملة “الحرب العالمية على الإرهاب” التي شنتها الولايات المتحدة [بعد هجمات 11 سبتمبر / أيلول]. ومع تزايد تعقيد وخطورة التهديدات الأمنية العالمية، يتعين علينا أن نتخلص من سياسات الهوية والصوابية السياسية فيما يتصل بقضايا أمننا القومي.

لقد أخبرنا أعداؤنا مراراً وتكراراً من هم وماذا ينوون أن يفعلوا بنا. لقد حان الوقت لكي تتخذ الحكومة التدابير المضادة المناسبة لمنع الأراضي الكندية وأموال دافعي الضرائب من مساعدة أيديولوجية شريرة تسعى بصبر ولكن بحماس إلى تدمير العالم كله.

الكاتب: جو آدم جورج*

* محلل للأمن القومي وشؤون الشرق الأوسط بمعهد ماكدونالد لوريير / كندا.

زر الذهاب إلى الأعلى