تنظيم الدولة الإسلامية سيستغل الوضع الحالي في سوريا لصالحه
إن البيئة الحالية في سوريا مصممة خصّيصاً لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاستغلالها في محاولة عودته وانبعاثه، ليس فقط في البلاد، ولكن في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، فإن الوضع معقد. في حين أن داعش سوف يستفيد بالتأكيد من غياب نظام الأسد، مما يوفر له حرية أكبر في المناورة والحركة في سوريا. إن السبب الجذري الذي أدى إلى المظالم السورية، وبالتالي كان نعمة لداعش، كان نظام الأسد القمعي. مع رحيل الأسد، قد يضطر داعش إلى العمل بجدية أكبر لتجنيد المقاتلين، مع التركيز على المظالم التي لا تزال موجودة، من الطائفية إلى التفاوت الاجتماعي والاقتصادي إلى خطوط الصدع القائمة، والتي قد تتفاقم بين القبائل والعشائر والميليشيات السورية.
بالنظر إلى البيانات المتاحة علناً وغير المصنفة، فإن هجمات داعش في سوريا وحدها تضاعفت ثلاث مرات عن العام الماضي، لتصل إلى حوالي 700 هجوم بحلول ديسمبر / كانون الأول 2024. كما تحسنت قدرات التنظيم، وأصبح أكثر فتكاً، وأكثر انتشاراً جغرافياً. ونظراً للحجم الهائل للصندوق الحربي الذي يمتلكه داعش، فحتى في حالته المتضائلة، سيكون لدى التنظيم الموارد اللازمة لإعادة بناء هياكله، وتجنيد أعضاء جدد، والمضي قدماً في هجماته. والأهداف الأكثر وضوحاً هي السجون ومعسكرات الاعتقال في شمال شرق سوريا، التي تحرسها حالياً قوات سوريا الديمقراطية، وهي ميليشيا كردية متحالفة مع الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يراقب تنظيم داعش قوات سوريا الديمقراطية عن كثب، وخاصة مع اندلاع الاشتباكات بينها وبين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. وتعرض الأكراد للهجوم في كل من كوباني ومنبج، بمساعدة طائرات من دون طيار تركية وأصول عسكرية أخرى. وفي شمال سوريا، وقف إطلاق النار بين الجيش الوطني السوري والأكراد هش، وهناك مخاوف من أن يخسر الأكراد كوباني، وهو أمر مهمٌّ جغرافياً ورمزياً. وتواجه قوات سوريا الديمقراطية أيضاً تحدّيات كبيرة في دير الزور، مع الاحتجاجات ضد حكمها في الرقة والحسكة من قبل العرب السنة.
إذا استمرت هذه الاشتباكات، وإذا دفع الرئيس رجب طيب أردوغان الجيش التركي لبناء منطقة عازلة في تركيا و/ أو نقل المعركة إلى الأكراد، فسوف يؤثر ذلك على القتال ضد داعش. وإذا تم سحب القوات الكردية من حراسة السجون ومراكز الاحتجاز، فمن المرجح أن ينتظر داعش الوقت المناسب للضرب، على غرار هروب السجناء في الحسكة في يناير/ كانون الثاني 2022، وتماشياً مع حملة داعش “كسر الجدران”. هناك أكثر من 9500 من مقاتلي داعش محتجزون في أكثر من 20 منشأة منفصلة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في جميع أنحاء سوريا. هذا بالإضافة إلى 42000 فرد من أفراد الأسرة المرتبطين – نساء وأطفال – في مخيمات مثل الهول والروج.
في الأمد القريب إلى المتوسط، من المرجح أن يواصل تنظيم داعش زيادة وتيرة عملياته، بينما يعمل في الوقت نفسه على إعادة بناء هياكله التنظيمية. وبعد أن رأى مدى نجاح هيئة تحرير الشام، فمن المرجح أيضاً أن يخصص المزيد من الاهتمام للسيطرة على الأراضي لإعطاء انطباع بأنه قادر على الحفاظ على حكومة ظل في أجزاء من سوريا خارج سيطرة هيئة تحرير الشام. علاوة على ذلك، إذا كان هناك متشددون داخل هيئة تحرير الشام غير راضين عن النهج المعتدل والبراجماتي الذي تتبناه الهيئة، فقد يسعى تنظيم داعش إلى استقطاب هؤلاء المتشددين وضمهم إلى صفوفه. لا يزال عدد من الجهاديين من الشيشان والبلقان وآسيا الوسطى يملأون صفوف هيئة تحرير الشام، والتي تضم مئات المقاتلين الأجانب، بما في ذلك الأوروبيون. لقد تم التخلص من العديد من المتشددين من الهيئة على مر السنين، ولكن من المؤكد تقريباً أن لن يكون الجميع على وفاق مع مشروع بناء الدولة الحالي للهيئة، وسوف تظهر الانقسامات حتماً وقد تتفاقم.
إن العقبة الأكثر أهمية أمام آفاق تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا تتمثل في وجود دولة قوية وموحدة تحت قيادة سلطة واحدة قادرة على ممارسة احتكار استخدام القوة على إقليم ذي سيادة محددة بوضوح. ولكن في ظل الانقسامات التي تعيشها البلاد، ووجود الأكراد بحكم الأمر الواقع في الشمال الشرقي، والاشتباكات بين العرب والأكراد، وعدم اليقين بشأن حكم هيئة تحرير الشام، فمن غير المؤكد أن تكون سوريا مستقرة وموحدة. ومن المرجح أن يستمر تنظيم داعش في النمو، وهو ما يوضح أهمية الإجراءات العسكرية التي تتخذها الولايات المتحدة لكبح جماح التنظيم، كما حدث مع الغارات الجوية الأمريكية في نهاية الأسبوع الماضي ضد معسكراته في وسط سوريا، والتي أسفرت عن إصابة 75 هدفاً منفصلاً، كما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن المزيد من الضربات المستهدفة، مشيرة في بيان صحفي إلى أن “الضربات ضد قادة تنظيم الدولة الإسلامية وعملائه ومعسكراته نُفذت كجزء من المهمة المستمرة لتعطيل التنظيم وإضعافه وهزيمته ومنعه من القيام بعمليات خارجية وضمان عدم سعيه إلى فرص إعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا”.
وكما هو الحال دائماً، فإن عودة داعش إلى الظهور في أي مكان يمكن أن تساعد على تعزيز الشبكة العالمية للتنظيم. وسيتم إظهار هذه العودة في سوريا بشكل بارز في دعاية التنظيم، والتي سيتم تضخيمها بعد ذلك من خلال نظام بيئي أوسع من شبكات الإعلام، بعضها رسمي وكثير منها غير رسمي، لتوسيع نطاق انتشارها، ولاستقطاب وإلهام المؤيدين والأتباع الجدد. وكما فعل مع الحرب في غزة، سيبحث داعش عن روايات مبتكرة [وموجهة] لتأطير سقوط حكم الأسد في سوريا بطرائق تساعد على تعزيز جاذبية مشروعه الجهادي. وإذا تمكن من اقتطاع بعض المساحة في سوريا للعمل دون مضايقات نسبياً، فسوف يكثف من دعايته، وخاصة إذا كان قادراً على عرض عمليات هروب ناجحة من السجون أو عمليات معقدة أخرى. وقد بدأ التنظيم بالفعل في زيادة قدراته على جمع الأموال بطرائق مختلفة، بما في ذلك الابتزاز، وهو ما يشير إلى شبكة استخباراتية نشطة، وخاصة على المستويات المحلية. وبالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية، فإن السيناريو الأسوأ هو أن يتمكن داعش من إعادة بناء القدرة على التخطيط لعمليات خارجية من سوريا، وهو الأمر الذي افتقر إليه في السنوات الأخيرة.
لقد تحدث الرئيس المنتخب ترامب علانية عن سحب القوات الأمريكية البالغ عددها 900 جندي، والتي تعمل حالياً في سوريا. وفي مؤتمر صحفي عقد مؤخراً، ذكر ترامب الدور الذي تلعبه تركيا في سوريا، مشيراً بشكل إيجابي إلى علاقته بأردوغان، وتحدث عن بعض الديناميكيات الجيوسياسية التي تلعب دوراً أيضاً. لذا ليس من المستبعد أن يسعى ترامب، بعد تولّيه منصبه، إلى سحب القوات الأمريكية المتبقية في سوريا، تاركاً المعركة ضد داعش لأنقرة، وهو ما سيعود في نهاية المطاف بالنفع على التنظيم في سعيه إلى إعادة تجميع صفوفه، وخاصة في الأمد القريب. لذلك، حتى لو انسحبت الولايات المتحدة تماماً، أو قلصت وجودها بشكل أكبر، فإن استمرار دورها في سوريا سيكون حاسماً لإبقاء داعش في حالة ضعف. وهذا يعني أن الضربات الجوية والغارات الأمريكية ضد قادة داعش والأهداف ذات القيمة العالية والمخططين العملياتيين ستظل ركيزة ضرورية للمعركة ضد التنظيم في سوريا، بغض النظر عن كيفية تطور الأحداث في البلاد على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة.
المصدر: صوفان جروب