تقارير ودراسات

مؤسسة جهادية تابعة لعائلة أردوغان تصوره على أنه “فاتح سوريا”

لقد أدى سقوط نظام الأسد في سوريا بعد 54 عاماً في السلطة إلى تنشيط مؤيدي الحزب الحاكم في تركيا، والذين بعد سنوات من مواجهة الانتقادات القاسية بسبب سياسات الحكومة في سوريا، وتدفق الملايين من اللاجئين، بدأوا الآن في التجمع خلف الرئيس رجب طيب أردوغان، وتصويره على أنه مهندس سقوط نظام الأسد.

وقد بدأت المؤسسات العائلية الإسلاموية المرتبطة بأردوغان في نشر هذه الرواية، مستهدفة الشباب بالدعاية بنبرة تذكرنا بالخطابات الجهادية. وتسعى هذه الحملة إلى إعادة صياغة سياسات أردوغان المثيرة للجدل في سوريا بوصفها نجاحاً استراتيجياً ولحظة حاسمة في زعامته.

كانت مؤسسة الشباب التركية (توغفا)، وهي منظمة ممولة من الحكومة، في طليعة هذه الحملة الدعائية. في منشور حديث على منصة التواصل الاجتماعي اكس، احتفلت المؤسسة بانهيار النظام السوري، ونشرت صورة للاجئين سوريين في تركيا يحملون ملصقات أردوغان أثناء مظاهرة. وجاء في المنشور: “عندما يتذكرك التاريخ، سيعترف الجميع بعظمتك، أيها القائد العظيم، فاتح سوريا، رجب طيب أردوغان”.

بالإضافة إلى ذلك، نشر أعضاء في المؤسسة صوراً من مقر الجيش الوطني السوري، وهي مجموعة تمولها وتدعمها تركيا. في هذه الصور، يمكن رؤية ملصقات أردوغان معروضة بشكل بارز على الجدران.

وتضمن منشور آخر من فرع مؤسسة “توغفا” في اسطنبول صورة لرجل يدوس على تمثال مقلوب لحافظ الأسد، الذي كان حاكماً لسوريا من عام 1971 حتى وفاته في عام 2000 ووالد الرئيس السوري المخلوع الآن بشار الأسد. وجاء في التعليق: “سنسقط الطغاة في حماة وحمص وحلب ودمشق – النصر قريب!”. وغالباً ما يتم تفسير صور التماثيل المدمرة بين الإسلاميين الأتراك على أنها إشارات خفية إلى مصطفى كمال أتاتورك، المؤسس العلماني للجمهورية التركية، مما يعكس معارضتهم لإرثه ورسالة أيديولوجية أعمق في هذه الاحتفالات.

كما ساهم رئيس مؤسسة “توغفا”، إبراهيم بشينجي، الذي يشارك بشكل متكرر في الوفود الرسمية خلال الزيارات الخارجية للرئيس أردوغان، في الخطاب الاحتفالي. وفي رسالة نشرها على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، كتب بشينجي:

“لقد وقف رئيسنا بثبات في وجه الظلم في سوريا لمدة 13 عاماً، ودفع الثمن، ولكنه لم يتراجع أبداً. وخلال هذه الفترة شهدنا جميعاً صموده ودفاعه عن الكرامة الإنسانية. إنه قائد لا يقبل الاستبداد، صوت ليس فقط لهذه الأرض بل للإنسانية جمعاء. لقد دخل التاريخ، وبفضل الله شهدنا تحرير حلب ودمشق، ونسأل الله أن نشهد تحرير غزة”.

وتتوافق تصريحات بشينجي، مثل تصريحات أخرى صادرة عن مؤسسة “توغفا”، بشكل وثيق مع رواية أردوغان، مما يجعله زعيماً عالمياً في مكافحة الاضطهاد وشخصية منقذة في العالم الإسلامي.

ونشرت مؤسسة أخرى خاضعة لسيطرة عائلة أردوغان، تدعى “أنصار”، عبر الإنترنت أيضاً: “مبارك نصر دمشق”.

كما شارك أعضاء آخرين من المؤسستين برسائل باللغة العربية جاء فيها “من صبر ظفر” ونشروها إلى جانب كلمة ألقاها أردوغان هنأ فيها الشعب السوري عقب اجتماع لمجلس الوزراء بعد يوم واحد من سقوط الأسد.

كانت مؤسسة “توغفا” تقوم بجهود دعائية تتعلق بإسرائيل قبل سقوط النظام في سوريا. وقد تولت المؤسسة زمام المبادرة في اليوم الأول من عام 2024، حيث خرج عشرات الآلاف من الأتراك إلى شوارع اسطنبول احتجاجاً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مما جذب انتباهاً واسع النطاق. وأشارت التقارير إلى أن مديرية الشؤون الدينية في تركيا، المسؤولة عن المساجد في جميع أنحاء البلاد، أصدرت تعليمات للأئمة في إسطنبول بالانضمام إلى الاحتجاج وتشجيع الناس على المشاركة. وخلال المسيرة، ارتدى عدد من المشاركين الشباب كوفيات تشبه تلك التي يرتديها أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مع تغطية وجوههم أثناء مسيرتهم. وقد اكتسب أبو عبيدة شهرة واسعة بين الدوائر المتحالفة مع الجماعات الإسلاموية المتطرفة في تركيا ويُشاد به دائماً باعتباره بطلاً.

في عام 2021، كشفت صور مسربة من الأرشيفات السرية لمؤسسة “توغفا” عن معسكرات تدريب على الطراز الجهادي تستهدف الشباب في تركيا والشتات التركي في أوربا والولايات المتحدة. أظهرت الصور شباباً يتظاهرون تحت رايات جهادية، ويحضرون محاضرات لرجال دين متطرفين مرتبطين بجهاديين من جماعات مثل القاعدة والدولة الإسلامية (داعش).

تم تخزين الصور في مجلد يحمل عنوان “معسكر العمل”، والذي يضم 12 صورة مخصصة للاستخدام الداخلي وتمت مشاركتها مع مجلس إدارة “توغفا”، مما يشير إلى أن الأنشطة تمت الموافقة عليها من قبل الإدارة العليا للمؤسسة.

كان نور الدين يلديز، وهو داعية تركي معروف بتأييده للجهاد المسلح، أحد رجال الدين المدعوين إلى معسكر “توغفا”. يصف يلديز الديمقراطية بأنها نظام للكفار، مدعياً أنها لا يمكن أن تكون إلا أداة خداع للوصول إلى السلطة. وهو أيضاً الشخص الذي حوّل ضابط الشرطة الجهادي الشاب المسؤول عن اغتيال السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف في ديسمبر / كانون الأول 2016 إلى متطرف. وعلى الرغم من تورطه كمتواطئ في القتل، فقد حمته الحكومة من الملاحقة القضائية.

في عام 2021 أيضاً، نظمت مؤسسة “توغفا” معسكرًا صيفياً لطالبات المدارس الثانوية تحت شعار “القدس تنتظركم”. واستقبل المعسكر ضيفاً خاصًّا، سمية أردوغان، ابنة الرئيس وزوجة سلجوق بيرقدار، الذي تنتج شركته العائلية طائرات من دون طيار يستخدمها الجيش التركي. شاركت سمية في العديد من الأنشطة، بما في ذلك الرماية وجولة في المضمار الرياضي. صعدت على المسرح في إحدى الأمسيات أمام حشد مبتهج وخاطبت الفتيات الحاضرات بلافتة خلفها تقول “القدس تنتظركم. سارعوا للمساعدة كما فعل صلاح الدين”، في إشارة إلى السلطان الذي يعتبره المسلمون بطلاً لأنه انتزع القدس من الصليبيين عام 1187. كما كان لديها مفاجأة للجمهور. اتصلت بوالدها على هاتفها المحمول وطلبت منه مخاطبة الطالبات، اللواتي صحن بحماس، عندما علمن أن الرئيس على الخط.

في هذه الأثناء، خلال اجتماع مع زعماء حزبه في المحافظات في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024، استهدف الرئيس أردوغان إسرائيل بشكل غير مباشر، محذراً من أن أولئك الذين يعملون على تقسيم سوريا سوف يجدون أنفسهم في مواجهة تركيا.

وأكد أردوغان على دعم تركيا المستمر للشعب السوري، سواء داخل أو على طول حدودها، مشيراً إلى أن تركيا “حمت السوريين ووفرت لهم الأمان”. وأضاف: “كما قلت بالأمس، لقد فعلنا ذلك ليس من باب الشكوى، بل من باب السرور. لقد سمح لنا ربي باجتياز اختبار الأخوة بشرف خلال فترة صعبة اختبرت إنسانيتنا وإسلامنا”.

وتابع قائلاً: “كان هناك من سعى إلى تسميم هذه الأخوة بخطاب الكراهية وتدنيس الضيافة الفريدة لتركيا بالتخريب العنصري. لكن شعبنا تصرف ببصيرة وحكمة، ولحسن الحظ لم يقع في فخ العقلية الفاشية”.

وأضاف أردوغان “من الآن فصاعداً، لن نسمح بتقسيم سوريا مرة أخرى. لن نقبل أبداً أن تتحول أراضي البلاد إلى ساحة معركة مرة أخرى. لا يمكننا أن نقبل أي خطوات أو استفزازات تعيق عودة الشعب السوري إلى دياره. أيّ اعتداء على حرية الشعب السوري أو استقرار الحكومة السورية الجديدة أو وحدة أراضي سوريا القديمة سيجعلنا نقف إلى جانب الشعب السوري”.

وقال: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما يشجع الآخرون القوى التي يتحالفون معها ومعتقداتها المتعصبة وأيديولوجياتها المنحرفة وأوهامها المريضة لتحويل منطقتنا إلى مكان للدماء والنار. إن الدروس التي تعلمناها مما يحدث في سوريا والمأساة المستمرة في فلسطين والحرب في الشمال، تخبرنا أنه يتعين علينا أن نكون على استعداد للمواجهة”.

المصدر: موقع “نورديك مونيتور”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى