تقارير ودراسات

سقوط الأسد أثبت أن رهان روسيا وإيران وحماس كان خاطئاً

لقد كان لعدد كبير من الأطراف يد في سقوط الدكتاتور السوري بشار الأسد: هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية التي قادت الهجوم، وتركيا التي رعت ودعمت هيئة تحرير الشام، والعديد من الجماعات والأشخاص السوريين الذين سدّدوا للطاغية المكروه الضربة الأخيرة، لكن سقوط الأسد كان أيضاً عمل رجل ميت: يحيى السنوار.

عندما أمر السنوار الجناح العسكري لحماس، كتائب القسام، بشنّ هجوم على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان يقصد إحداث ثورة في الشرق الأوسط. واليوم، يتم بالفعل إعادة تشكيل المنطقة، ولكن ليس كما كان يريد السنوار: فقد أدى الهجوم الانتقامي الإسرائيلي إلى تدمير حماس وبقية “محور المقاومة” الإيراني، والآن أصبح الأسد هو الضحية الأخيرة.

لم يكن هدف مقاتلي حماس الذين تدفقوا إلى إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مجرد ارتكاب أعمال خطف وقتل لإسرائيليين، بل كانوا يسعون أيضاً إلى جرّ إسرائيل إلى حرب متعددة الجبهات.

لفترة من الوقت، بدا أن خطة حماس تؤتي ثمارها. فقد انجرفت إسرائيل إلى حرب طاحنة وغير أخلاقية في غزة أفقدتها التعاطف على مستوى العالم، وأُخليت أراضيها الشمالية من السكان بسبب هجمات حزب الله اللبناني، وأفلس ميناء إيلات بسبب هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، وأطلقت إيران صواريخ وطائرات من دون طيار على مدن إسرائيلية.

لكن بعد أربعة عشر شهراً، كان الواقع على الأرض مغايراً تماماً للتوقعات: دُمرت حماس وقُتل قادتها، بما في ذلك السنوار. وتعرض حزب الله لإصابات بالغة ـ وأُجبِر على قبول وقف إطلاق النار ـ بسبب أجهزة النداء المتفجرة والغارات الجوية والتوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان. ولم تتسبب الصواريخ الإيرانية في إحداث الكثير من الضرر لإسرائيل، لكن الرد الإسرائيلي شتت الدفاعات الجوية الإيرانية وأحرج النظام بشدة. والآن سقطت سوريا، حجر الزاوية في استراتيجية إيران الإقليمية، كنتيجة غير مباشرة للضربات الإسرائيلية.

لسنوات، كان دعم إيران وحزب الله وروسيا كافياً لبقاء الأسد في السلطة، لكن روسيا استنزفت وانشغلت بالحرب في أوكرانيا، كما تلقت إيران وحزب الله هزيمة ساحقة على يد إسرائيل. وقد فتح هذا الباب أمام هيئة تحرير الشام لشنّ هجومها الحاسم ضد النظام في سوريا، الذي أصبح ضحية أخرى غير مقصودة لخطة السنوار التي عمل عليها لفترة طويلة.

والنتيجة هي ثورة حقيقية في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط؛ فقد كانت سوريا بمثابة قناة إيران إلى حزب الله وأقدم حليف لها في الشرق الأوسط. إن سقوط الأسد يحرم طهران من العمق الاستراتيجي والنفوذ، كما أنه يعقد بشدة مهمة إعادة بناء شبكة الوكلاء التي تعرضت لضربات شديدة.

إن رحيل الأسد يشكل أيضاً إذلالاً لروسيا، التي ادعت أن تدخلها الذي أنقذ الأسد في عام 2015 كان انتصاراً عظيماً على الغرب. ومن خلال تعريض القواعد الروسية على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في سوريا للخطر، فإن هذا يهدد قدرة موسكو على فرض قوتها في إفريقيا أيضاً.

ولكن هذه الثورة في الشرق الأوسط ربما لم تنته بعد. إن الولايات المتحدة لديها فرصة للضغط على إيران بشكل أكبر في الأشهر المقبلة. لقد فقدت طهران أفضل أنظمتها المضادة للطائرات وشبكة التأمين الاستراتيجية التي كان من المفترض أن يوفرها لها حزب الله ووكلاؤها الآخرون. والآن تواجه رئيساً أمريكياً جديداً، دونالد ترامب، الذي من المرجح أن يزيد من الضغط الاقتصادي من خلال العقوبات التي تهدف إلى إجبار إيران على عكس برنامجها النووي أو مواجهة خطر انفجار النظام. وقد تواجه طهران حتى ضربة عسكرية إسرائيلية على منشآتها النووية، إذا قرر ترامب أن هذه هي اللحظة المناسبة للضغط على هذه الميزة.

ولكن هذا لا يعني أن الشرق الأوسط يدخل عصراً جديداً مشرقاً من السلام؛ ذلك أن انهيار نظام الأسد قد يؤدي إلى إحياء تنظيم الدولة الإسلامية، أو ظهور تنظيم جهادي في دمشق، أو الانزلاق إلى فوضى من شأنها أن تؤثر على المنطقة بأسرها.

كما أن مصير الأسلحة الكيماوية المتبقية لدى الأسد غير مؤكد. وقد تتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى حد كبير، إذا اغتنم الأتراك الفرصة لمهاجمة الجماعات الكردية السورية المتحالفة بشكل فضفاض مع واشنطن. وعلى الرغم من أن إيران في وضع محفوف بالمخاطر، فإنها لا تزال تملك أوراق لتلعب بها.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكثف الحوثيون هجومهم على سفن الشحن في البحر الأحمر، إذا حصلوا على صواريخ كروز مضادة للسفن من موسكو. وقد تعمل إيران على تشديد قبضتها على العراق من خلال الميليشيات الشيعية التي تمنحها النفوذ هناك، أو ربما تندفع إيران التي تشعر بأنها أصبحت محاصرة إلى تكثيف جهودها لامتلاك سلاحها النووي، لتواجه الإدارة الأمريكية الجديدة بالاختيار بين القبول بالأمر الواقع والتفاوض معها أو بدء حرب كبرى في الشرق الأوسط، وهي الحرب التي تعهد ترامب بتجنبها.

ومع ذلك، في الوقت الحالي، فإن توازن القوى الإقليمي أصبح أكثر ملاءمة للولايات المتحدة وحلفائها لكسر النفوذ الإيراني في المنطقة مقارنة بأي وقت مضى. ومن المرجح أن يتذكر الناس السنوار بصفته مؤلف ومخرج الهجوم المفاجئ والقاتل الذي سرعان ما ارتد بطرائق عكسية بشكل ملحمي. وبالتأكيد، لم يكن هذا الإرث الذي سعى الرجل إلى تركه من خلال “طوفان” السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى