مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب يحذّر من الصعود السريع لداعش في إفريقيا
حذر مسؤول أمريكي كبير في مكافحة الإرهاب من أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد وضع نصب عينيه إفريقيا كحدود جديدة له، وأن أنشطته هناك أصبحت خطيرة بشكل متزايد.
وفي مقابلة أجريت معه، قال بريت هولمجرين، رئيس المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة: “نعتقد أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش في إفريقيا يشكل أحد أكبر التهديدات طويلة الأجل للمصالح الأمريكية. ومن الواضح أنهم أعطوا الأولوية لإفريقيا بوصفها فرصة للتوسع”.
إن وجود تنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا ليس بالأمر الجديد، لكن كبار المسؤولين في وكالات مكافحة الإرهاب نادراً ما تحدثوا عنه في خطاباتهم العامة. وتقدم تقييمات هولمجرين تحذيراً صارخاً لواشنطن التي تسعى إلى تجاوز عصر الحرب على الإرهاب والتركيز على المنافسة بين القوى العظمى ضد منافسين مثل الصين وروسيا، وهي أولوية لكل من إدارة بايدن المنتهية ولايتها وإدارة ترامب القادمة.
ويقول هولمجرين إن فروع داعش في إفريقيا تشكل في الوقت الحالي “تهديدات محلية في الغالب”، حيث تركز على نشر أيديولوجيتها، واستغلال الانقسامات العرقية والاجتماعية في الأراضي التي تعاني من سوء الحكم للحصول على المزيد من السلطة والإطاحة بالحكومات المحلية، لكنه حذر من أن “هذه الجماعات إذا تركت دون رادع، فإنها يمكن أن تسعى بمرور الوقت إلى تحقيق طموحات أكبر”.
وأضاف: “قد يشمل ذلك استهداف المصالح والأهداف الأمريكية في إفريقيا، أو إذا جلبوا مقاتلين أجانب، كما رأينا في صراعات أخرى، عند هذه النقطة قد يصبح الأمر بمثابة تهديد خارجي للولايات المتحدة”.
إن المتشددين الإسلاميين يزرعون الفوضى في مناطق النيجر وبوركينا فاسو ومالي، ويوجهون أنظارهم إلى الجنوب في غرب إفريقيا الساحلية. ويتوزعون على فروع تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ومقرّها مالي. كما أن لتنظيم الدولة الإسلامية فروعاً في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد والكونغو وموزمبيق والصومال، بعضها تشكل من انشقاقات عن جماعات تابعة لتنظيم القاعدة.
ولكن بعض المسؤولين الآخرين في مجال مكافحة الإرهاب يقولون إن الحصول على موارد أمريكية كافية للتركيز على التهديدات الإرهابية الصادرة من منطقة الساحل مهمة صعبة، نظراً للضغوط التي يواجهها قادة الأمن القومي في واشنطن بسبب الأزمات العالمية الأخرى، ناهيك عن الانتقال بين إدارتين تختلفان إلى حد كبير في وجهات النظر والأولويات.
وقال مسؤول كبير آخر في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه: “أكره استخدام هذه الكليشيه، لكنها في الحقيقة قنبلة موقوتة. إن عالم مكافحة الإرهاب يدرك ذلك، لكن معظم واشنطن منشغلة بأوكرانيا أو الصين أو أزمة إسرائيل. إذا سمحنا لهذا التهديد في منطقة الساحل بالانتشار، فسوف نندم حقاً”.
ورفض فريق انتقال ترامب الرد على سؤال حول أولوياته في مكافحة الإرهاب، وكما فعل في الرد على أسئلة أخرى حول السياسة الخارجية، قال إن ترامب “سيستعيد السلام من خلال القوة في جميع أنحاء العالم”. وأعلن ترامب أن سيباستيان جوركا، المعلق الإعلامي المحافظ والمسؤول السابق للأمن القومي في البيت الأبيض خلال فترة ولايته الأولى، سيشغل منصب المدير الأول لمكافحة الإرهاب بمجرد توليه منصبه.
وأجرى هولمجرين ومسؤولون أمنيون ومحللون غربيون آخرون مقارنات بين الطريقة التي تمكنت بها مجموعات داعش من تجميع الأراضي في منطقة الساحل في إفريقيا والصعود البارز للتنظيم في الشرق الأوسط قبل حوالي عقد من الزمان.
يقول تشارلز ليستر، الخبير في مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط: “إن حجم وتهديد عمليات داعش في إفريقيا في الوقت الحالي يذكرني بشكل مخيف بما رأيناه في العراق وسوريا في عامي 2013 و2014. أعني أن جيش داعش يزحف في الأساس كما يحلو له عبر منطقة الساحل ويستولي على قواعد عسكرية”.
وتعد منطقة الساحل في إفريقيا واحدة من أكثر الأماكن تقلباً في العالم، وأصبحت أكثر تعقيداً بسبب صراعات القوة الجيوسياسية من قبل منافسي الولايات المتحدة مثل روسيا. وأطاحت الانقلابات بالحكومات ذات الميول الغربية في مالي والنيجر في السنوات الأخيرة، ثم طردت المجالس العسكرية التي تولت السلطة في تلك الانقلابات القوات الأمريكية والفرنسية في نكسة عالية المستوى للغرب، واختارت بدلاً من ذلك جلب المرتزقة المتحالفين مع روسيا لدعم حكوماتهم.
وبشكل عام، ارتفعت أعداد القتلى المرتبطة بالجماعات الإسلامية المتشددة في إفريقيا بنحو 60 في المائة من عام 2021 إلى عام 2024 وفقاً لبيانات مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية.
وانتقد جيه بيتر فام، المبعوث الأمريكي الخاص السابق لمنطقة الساحل في إدارة ترامب الأولى، سجل إدارة بايدن في هذه القضية. وقال: “على الرغم من تفاخرها بعودة الدبلوماسية، فإن سجل إدارة بايدن في منطقة الساحل كان مؤسفاً. لم تعين إدارة بايدن خليفة لي كمبعوث خاص لمنطقة الساحل”.
وعندما سُئل عن التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا، قال فام: “ليس لديّ أدنى شك في أنه مع مرور الوقت سوف يحققون طموحهم في ضرب أهداف أبعد من ذلك، بما في ذلك أوروبا وحتى أمريكا”.
وقال مسؤول أمريكي كبير في مكافحة الإرهاب إن الولايات المتحدة نقلت بعد طردها من النيجر بعض أصولها العسكرية إلى دول أخرى، بما في ذلك تشاد، ونشرت قوات خاصة في الدول الإفريقية الساحلية مثل كوت ديفوار وبنين لتدريب قواتها وتقديم المشورة لها.
وقد قام القائد الأعلى للقيادة الأمريكية في إفريقيا، الجنرال مايكل لانجلي، بزيارة الجابون وليبيريا ونيجيريا في وقت سابق من هذا الشهر لمناقشة التهديدات الأمنية التي تشكلها الجماعات المتطرفة مع مسؤولين من تلك البلدان.
وواجهت مجموعات المرتزقة الروسية في منطقة الساحل انتكاسات كبيرة منذ أن حلت محل قوات مكافحة الإرهاب الغربية، بما في ذلك تعرض مجموعة من مرتزقة فاغنر لكمين مميت في شمال مالي في يوليو/ تموز.
وقال هولمجرين: “في المناطق التي عملت فيها فاغنر بشكل أكثر تركيزاً ـ وأعتقد أن مالي هي مثال جيد إلى حد ما، وبوركينا فاسو هي مثال آخر ـ اتضح أن التهديدات الإرهابية آخذة في التصاعد”.
ولكن بالنسبة إلى الكرملين، يضيف هولمجرين، “لم يكن الأمر يتعلق أبدا بمكافحة الإرهاب”: “كان الأمر يتعلق بدعم الحكومات المحلية، ولكن أيضاً بملاحقة المصالح الاقتصادية والأمنية الاستراتيجية الروسية في المنطقة تحت ستار مكافحة الإرهاب”.