السلفية: من حركة دينية إلى قوة سياسية 1/3
مقدمة
أصل السلفية وعلاقتها بالأصولية والإسلاموية والوهابية
السلفية والجهادية: داعش
مقدمة
لقد أحدثت العولمة تغييرات سريعة في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد تركت آثاراً مضطربة وتحدت مفاهيم راسخة للهوية، كما غيرت جوهر الدين ودوره في الشؤون الدولية. فالدين ينمو في بلدان ذات تقاليد دينية متنوعة ومستويات تنمية اقتصادية مختلفة، كما يشهد الإسلام نهضة حقيقية. والسلفية هي في المقام الأول حركة لاهوتية في الإسلام السنّي تهتم بتطهير الإيمان. وقد أصبحت السلفية الإسلامية، مثل غيرها من الحركات الدينية الكبرى اليوم، عالمية وأقل ارتباطاً بأي إقليم، وأكثر شخصانية وخصوصية، وتجسد بشكل متزايد البحث الروحي عن تحقيق الذات، كما تطورت السلفية من كونها أيديولوجية غير سياسية إلى قوة سياسية.
وعلى النقيض من توقعات المنظرين الاجتماعيين والمؤرخين في القرن الماضي، لا يبدو أن الدين قد اختفى كقوة اجتماعية. ففي مختلف أنحاء العالم، يتعزيز حضور الدين، وهو ينمو في بلدان ذات تقاليد دينية متنوعة ومستويات تنمية اقتصادية مختلفة، مما يشير إلى أن الفقر أو الإقصاء الاجتماعي ليسا السبب الوحيد وراء هذا.
إن الدين يتكيف مع الثقافات السياسية، بما في ذلك الثقافات الديمقراطية، في كل مكان، سواء في أوروبا الغربية أو الدول الإسلامية. والجانب الأكثر أهمية في العلاقة المتطورة بين الدين والثقافة هو التفاعل الوثيق بين الحركات الدينية والسياسات الوطنية.
إن الإسلام يشهد أيضاً نهضة حقيقية، كما تعمل العولمة على جعل الدين أكثر تعددية. فلم يعد الدين مفروضاً أو مسلّماً به من قِبَل الثقافات السائدة. وفي العالم الإسلامي، يحدث هذا التحول أيضاً، وتدور المناقشات في العديد من البلدان حول قضايا مثل الخطوط الفاصلة بين الشريعة الإسلامية والحرية الدينية، ودور المرأة في المجتمع، والقواعد المتعلقة بالتحول إلى دين آخر والدعوة إليه.
إن السلفية الإسلامية، مثل غيرها من الحركات الدينية الكبرى اليوم، تتحرر من القيود الثقافية. ولم تفقد السلفية أهميتها، ولكنها أصبحت عالمية وأقل ارتباطاً بأي إقليم، وأكثر شخصانية وخصوصية، وتجسد بشكل متزايد البحث الروحي عن تحقيق الذات. وفي سياق ما بعد الربيع العربي، يرى السلفيون أنفسهم في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط بصفتهم الأوصياء الشرعيين على المجال العام، وهم يعملون على ضمان أن ينظر إليهم الآخرون بهذه الطريقة أيضاً. وفي الوقت الحاضر، تسود أفكار السلفيين في المجتمعات الإسلامية من مصر والخليج العربي إلى أوروبا الغربية. وتتراوح التفسيرات الحالية للسلفية من قناعة دينية شخصية بحتة مع التركيز على تنقية نمط حياة المؤمن إلى ما يسمى بالتوجه الجهادي الذي يطالب أتباعه بخوض المعركة ضد الحكومات الغربية والأنظمة الإسلامية “المرتدة” (خاصة في الشرق الأوسط) المسؤولة عن معاناة جميع المسلمين.
إن العولمة تمنح نفوذاً أعظم للشتات العرقي والديني، الذي يساهم في الطبيعة المتغيرة للأمن الدولي ويشكل أحد أهم أنواع الجهات الفاعلة غير الحكومية في العلاقات الدولية. وفي الوقت الحاضر، يستطيع أعضاء الشتات أيضاً الانضمام إلى الجماعات الدينية في بلدانهم الأصلية. فالإنترنت وتذاكر الطيران الرخيصة، على سبيل المثال، تمنح المسلمين الشباب الذين لا جذور لهم والذين يعيشون في الشتات الفرصة لبناء هويات جديدة وجذرية من خلال الانضمام إلى أمة افتراضية، أو مجتمع إسلامي عالمي.
إن نجاح الحركات الأصولية ينبع من قدرتها على الاستيلاء على الثقافة العلمانية وجعلها أكثر تديناً. وفي الوقت نفسه الذي تلجأ الجماعات الدينية إلى الثقافة العلمانية لإصلاحها، فإنها تصبح أكثر علمانية. لقد أدت العولمة إلى طمس الخطوط الفاصلة بين المنظمات الدينية المنخرطة في الدعوة أو الرعاية الاجتماعية والمنظمات الإرهابية البحتة. إن هذه الأنواع من الشبكات الاجتماعية المحلية والعالمية هي التي تسمح للناس بدعم أو تسهيل عمليات الجماعات الإرهابية.
في سوريا وأماكن أخرى، يحرض العديد من الدعاة السلفيين أتباعهم على الجهاد. وكثيراً ما يُشار إلى ابن تيمية بصفته شيخ الإسلام، وهذا يعني أن تعاليمه تشكل أهمية مركزية في حياة المسلمين “الأتقياء أو الصالحين”.
إن السلفية تتوازى مع غيرها من الأيديولوجيات، وخاصة محاولتها خلق هوية جديدة لأتباعها. وقد زعم العديد من العلماء أن المسلمين والمتحولين الغربيين إلى الإسلام الذين يتبنون مبادئ السلفية يعانون من أزمة هوية. وبالنسبة إلى أولئك الذين أربكتهم الحداثة، توفر السلفية إحساساً جديداً بتعريف الذات والانتماء في شكل عضوية في كيان فوق وطني. ويحاول السلفيون الجهاديون غرس فكرة مفادها أن الهوية الوحيدة التي تهم حقاً هي العضوية في الأمة، المجتمع الإسلامي العالمي الذي يوفر الراحة والكرامة والأمن والشرف للمسلمين المضطهدين.
في العقود الأخيرة من القرن العشرين، شهد الشرق الأوسط العربي صعود الجماعات الإسلامية العنيفة المتأثرة بنشاط جماعة الإخوان المسلمين والنزعة السلفية. وكانت هذه الجماعات، بما في ذلك الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في مصر، والجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، بمثابة رواد الجماعات السلفية الجهادية اليوم. ومن الناحية الأيديولوجية، كان مصدر إلهامهم الرئيسي سيد قطب، وهو منظّر أيديولوجي مصري غزير الإنتاج لجماعة الإخوان المسلمين والذي دعا إلى نسخة ثورية متطرفة من نشاط الإخوان. ويُعَد قطب شخصية مثيرة للجدل داخل الجماعة. فقد أدت أفكاره المتطرفة إلى انقسام القيادة العليا للإخوان في مصر. وبالنسبة إلى قطب، العالم المعاصر يسكنه المنافقون والمرتدون الذين استبدلوا حكم الإنسان بحكم الله. وكل الجماعات المستوحاة من أفكار قطب تهدف إلى الإطاحة بالحكومات القائمة واستبدالها بدول إسلامية.
تهدف هذه الورقة إلى إظهار تطور السلفية من كونها أيديولوجية غير سياسية إلى قوة سياسية. يوضح الفصل الأول من المقالة نشأة السلفية ويحلل أيضاً علاقاتها الخاصة بمفاهيم وحركات أخرى مثل الأصولية والإسلاموية والوهابية، والتي تعد حيوية لفهم التطور الأيديولوجي والسياسي السلفي. يركز الفصل الثاني على دراسة داعش، الجماعة الإرهابية الأكثر ثراءً وعنفاً في التاريخ الحديث، والتي تطورت من جماعة متمردة محصورة جغرافياً إلى جيش شبه تقليدي له تأثير عالمي.
الكاتب: خوان كارلوس أنتونيز مورينو**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– Juan Carlos Antunez Moreno, “Salafism: From a Religious Movement to a Political Force”, Revista de Estudios en Seguridad Internacional, Vol. 3, No. 1 (2017), pp. 11-41. DOI: http://dx.doi.org/10.18847/1.5.2
** أستاذ بجامعة إشبيلية. متخصص في الدراسات العربية والإسلامية.