من “العقاب القاسي” إلى “الانسحاب التكتيكي”: الوقت ليس في صالح طهران
خففت إيران من حدة خطابها ضد إسرائيل وتحولت عن “الانتقام العنيف” إلى “الغموض الاستراتيجي”. تعتقد طهران أن الوقت في صالحها، وأن ردّها على إسرائيل لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لا ينبغي أن يكون بالضرورة وشيكاً. ومع ذلك، تشير التطورات على الأرض إلى خلاف ذلك.
في حين تعهد عدد كبير من كبار المسؤولين في النظام بالانتقام لهنية في أواخر يوليو/ تموز، فإن طهران لم تنفذ هذه التهديدات بعد. وعلى النقيض من ذلك، ردّت إيران في غضون 12 يوماً بعد استهداف إسرائيل لشخصيات رئيسة في الحرس الثوري في دمشق. من الواضح أن طهران تتبنى الآن نهجاً مختلفاً عن ردّها في أبريل/ نيسان، ويبدو أنه من غير المرجح أن ترد بنفس الطريقة.
في العشرين من غشت / آب، أفادت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) أن نهج النظام الحالي المتمثل في “الغموض الاستراتيجي” ضد إسرائيل تسبب في حالة تأهب غير مسبوقة في إسرائيل والمنطقة “دون إطلاق رصاصة واحدة”. وفي اليوم نفسه، صرح المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد علي محمد نائيني بأن “الوقت في صالحنا والرد [على إسرائيل] قد يستغرق وقتاً طويلاً. في الوقت الحالي، يجب على الصهاينة أن يتحملوا هذه الحالة من الانتظار”.
إن التصريحات الصادرة عن وكالة الأنباء الإيرانية والحرس الثوري الإيراني تعكس الموقف الذي عبر عنه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي قبل أسبوع: “في بعض الأحيان يكون التراجع تكتيكياً؛ والتراجع التكتيكي هو تماماً مثل التقدم”. في الواقع، يتمتع خامنئي بتاريخ طويل من استخدام العبارات المبتكرة لتبرير عجز النظام عن تنفيذ تهديداته بشكل جدي مثل “المرونة البطولية” و”الصبر الاستراتيجي”. إن استخدام هذه المصطلحات غالباً ما يشير إلى أن النظام غير قادر على تصعيد التوترات مع أعدائه وفي الوقت نفسه يريد حماية سمعته في نظر مؤيديه داخل إيران وفي جميع أنحاء المنطقة.
وتشير أحدث خطابات خامنئي إلى أن نظامه يعيد حساباته بشأن رده على الاغتيال المهين لإسماعيل هنية في طهران على أمل زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل. وعلى الصعيد الدبلوماسي، اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر الكنعاني إسرائيل بعدم الاهتمام بإقرار وقف إطلاق النار في غزة، ودعا إلى بذل جهد جماعي للضغط على تل أبيب. وفي محاولة أخرى لحشد الدعم ضد إسرائيل، بث التلفزيون الحكومي الإيراني مقطع فيديو درامي في أوائل غشت / آب يصور رياضياً أوليمبياً إسرائيلياً ويداه ملطختان بالدماء في مواجهة رياضيين آخرين.
ولعل إحجام النظام الإيراني عن شنّ هجوم آخر واسع النطاق ضد إسرائيل، يرجع إلى عامل الردع من الغرب والافتقار إلى الدعم من الشرق. فقد أكدت الولايات المتحدة بحزم، أنه إذا ردت طهران بشن هجوم كبير، فإن “حكومة إيران واقتصادها قد يتعرضان لضربة مدمرة”. كما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أنها بعثت رسائل واضحة إلى طهران مفادها أن الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل من الهجمات الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع إسرائيل أن تدعمها المملكة المتحدة وفرنسا عسكرياً، إذا نفذت إيران تهديداتها بالانتقام.
وفي الوقت نفسه، لم تتلق الجمهورية الإسلامية دعماً دبلوماسياً ذا أهمية من موسكو وبكين بعد اغتيال هنية. ويُقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن طلب من خامنئي “ردّاً منضبطاً” بدلاً من إدانة الاغتيال. وعلى نحو مماثل، ثبط المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان طهران بشكل غير مباشر عن الرد بالقول: “من الأهمية بمكان أن يعمل المجتمع الدولي على خفض التصعيد. وبالنسبة إلى الصين، ستظل ملتزمة بالحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”.
ولكن ما إذا كان هذا النهج القائم على “الصبر الاستراتيجي” مفيداً حقّاً لأهداف طهران يظل موضع خلاف. فعلى الرغم من الضغوط الدولية الداعية إلى وقف إطلاق النار، أكدت إسرائيل أن نزع سلاح حماس هو هدف لا يمكنها التنازل عنه. وصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال البحري دانييل هاجاري بأن الجيش قتل أكثر من 17 ألف مقاتل من حماس في قطاع غزة منذ بداية الحرب.
في الوقت نفسه، أدت عمليات الاغتيال المستهدفة التي تنفذها إسرائيل إلى مقتل العديد من الشخصيات رفيعة المستوى في شبكة الوكلاء التابعة لإيران في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا. كما أدت الغارات الجوية التي شنتها الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة إلى القضاء على مقاتلي حماس وحزب الله في نابلس وطوباس وغزة وبيروت والنبي شيت وشبعا والنبطية وحمص والعديد من المواقع الأخرى. وتثير هذه الخسائر الفادحة التي تكبدها “محور المقاومة” تساؤلات حول جدوى امتداح القادة الإيرانيين “للمرونة البطولية” وزعمهم أن “الوقت في صالح [النظام]”.
الرابط: