تقارير ودراسات

مستقبل الإخوان المسلمين في مصر بعد قمة السيسي وأردوغان

بالتأكيد، كان من الصعب على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أن يشاهدوا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو يلتقي بالعدو اللدود للجماعة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في قمة ثنائية في القاهرة في فبراير / شباط الماضي. كانت القمة خطوة محورية نحو المصالحة التركية المصرية، وجاءت بعد عقد من القطيعة منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013 بقيادة السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع في مصر في ذلك الوقت، والذي أطاح بالرئيس الراحل محمد مرسي، وشنّ أعنف حملة قمع ضد أعضاء جماعة الإخوان منذ تأسيسها عام 1928.

وعلى الرغم من الدعم السخي الذي قدمه أردوغان للجماعة، حيث قدم ملجأ لقادتها على الأراضي التركية، ومنح المئات من أعضائها الجنسية التركية، واستضافة قنواتهم الإعلامية ـ فإن الجهود الأخيرة لاستعادة العلاقات بين أنقرة والقاهرة لم تكن موضع ترحيب بشكل خاص.

إن استخلاص الاستنتاجات حول ما يجري يكشف عن متغيرات لم تكن بالتأكيد في صالح جماعة الإخوان التي تعاني حالياً من انقسامات داخلية وتلقت ضربات موجعة بالقبض على مرشدها محمد بديع ونائبيه خيرت الشاطر ومحمود عزت، إلى جانب الآلاف من كوادرها ونوابها وأعضائها البارزين في كل أنحاء مصر.

ومع انتهاء الخلاف السياسي بين تركيا ومصر، وبدء رأب الصدع بين الدوحة والقاهرة في عام 2021، تواجه الحركة ضعفاً إقليمياً. وهذا ما يزيد الضغوط عليها، ويفاقم مأزقها، ويشكل خطراً وجودياً عليها؛ إذ لم يعد أمامها سوى خيارات محدودة وحلفاء محدودين.

وتخلق التحولات في السياسة التركية تجاه مصر أزمة لجماعة الإخوان؛ إذ تثير قضية الجنسية الممنوحة لعدد من قياداتها، مع حديث عن انتهاكات، فضلاً عن مراجعات من قبل السلطات التركية. ويرى مراقبون أن هناك تراجعاً في حضور الإخوان في تركيا، أو ربما ضغوطاً لنقل بعض قادتهم المطلوبين للسلطات المصرية إلى عواصم أوروبية. ويمكن أن تشمل الخطوات أيضاً تقييد أنشطة الأعضاء، ورفض تجديد إقامة بعضهم، مع منع أي نشاط إعلامي أو سياسي معادٍ للقاهرة.

وقد تتصاعد الأمور إلى حد تجريد بعض قيادات الإخوان من جنسيتهم التركية على خلفية مخالفات قانونية مزعومة في إجراءات منحهم إياها أصلاً. وهذه قضية حساسة يشرف عليها وزير الداخلية الجديد علي يرلي كايا، الذي تعهد بعد توليه منصبه في يونيو/ حزيران الماضي بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وضبط ملف اللاجئين والمقيمين الأجانب على الأراضي التركية.

ومنذ يوليو/ تموز من العام الماضي، استهدفت حملة موسعة، خاصة في إسطنبول، جميع المهاجرين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية أو عبر شبكات التهريب. ومع ذلك، وبحسب كايا، فهو لا يستهدف مجموعة أو جنسية محددة.

ووفقاً لأحد كبار المسؤولين في جماعة الإخوان المسلمين، الذي تحدث إلى ميدل إيست مونيتور شريطة عدم الكشف عن هويته، فقد أثيرت مسألة تجريد المرشد العام للجماعة محمود حسين من جنسيته – وهو يعيش في إسطنبول – قبل زيارة أردوغان لمصر. لكن وسائل إعلام أثارت الموضوع في هذا الوقت، في محاولة لربط الزيارة بإجراءات جديدة يتم اتخاذها. وأشار إلى أن ملف الهجرة بشكل عام على رأس أجندة الحكومة التركية وليس مخصصاً للمسؤولين الإخوانيين فقط.

وأوضح المصدر: “صحيح أن البعض فقدوا جنسيتهم، لكن ليس لأنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين”. “كان ذلك بسبب وجود ثغرات قانونية في قضاياهم وعدم اكتمال المستندات. ولم يتم ترحيل أحد من تركيا باستثناء قضية محمد عبد الحفيظ الشاب الذي حكم عليه بالإعدام وتم ترحيله إلى مصر في فبراير / شباط 2019، وتم التحقيق في الحادثة من قبل الأتراك”.

ونفى عضو مجلس شورى جماعة الإخوان، مدحت الحداد، إسقاط الجنسية التركية عن حسين بعد عودة أردوغان من مصر. وادعى أنه حدث خطأ فني فيما يتعلق بالمعلومات والتفاصيل التي كان من المفترض تقديمها.

أما السيناريو الأكثر ترجيحاً، فهو نقل بعض كبار مسؤولي الجماعة إلى دول أخرى في أوروبا دون تسليم أي منهم إلى مصر. وقد يتم تقنين أوضاع البعض الآخر، وقد يتم تقليص المساحة السياسية والإعلامية الممنوحة لجماعة الإخوان المسلمين، مما يحد من أنشطتها، مع إعطاء الأولوية للحد من المشاكل مع مصر.

وتبث قناتان تمثلان المعارضة المصرية، الشرق والوطن، برامجهما من تركيا، فيما اضطرت قناة مكملين إلى إغلاق مكتبها هناك. وطلبت السلطات التركية من الإعلاميين معتز مطر ومحمد ناصر عدم مهاجمة السيسي وعائلته، ما دفعهما إلى نقل برامجهما خارج تركيا بحسب مصادر في القنوات الثلاث.

ويمكن الجزم أن الطريقة التي ستتعامل بها تركيا مع ملف الإخوان ستأخذ في الاعتبار التقدم الذي يتم إحرازه في العلاقة بين أنقرة والقاهرة، ولن تسمح بأي توسع للجماعة المناهضة لنظام السيسي، والتي صنفتها مصر جماعة “إرهابية” منذ ديسمبر / كانون الأول 2013.

إن نتائج زيارة أردوغان إلى القاهرة، وزيارة السيسي لأنقرة المقررة في الأيام القادمة، وعقد مجلس التعاون الاستراتيجي التركي المصري رفيع المستوى، ستشكل ضغوطاً على جماعة الإخوان المسلمين، وربما تؤدي إلى مزيد من العزلة والانحدار السياسي، إلا أنها قد تدفعها إلى التحلي بمزيد من المرونة وانتهاج نهج عملي والانفتاح على تفاهمات جديدة تتيح لتركيا حل مشكلتها مع مصر، خاصة وأنها لم تعد تمارس أي ضغوط في الشارع المصري. كما أنها تعاني من انقسامات داخلية وانهيار مشروعها السياسي في مصر ودول الجوار.

وقدم الباحث السياسي المصري محمد شهاب رؤيته للمستقبل الذي يمكن البناء عليه لحل الأزمة. ويتضمن انسحاب الجماعة من السياسة، عدم الترشح لأي انتخابات رئاسية أو برلمانية لمدة محددة، ووضع أصولها ومواردها تحت إشراف الجهات المعنية داخل مصر، والموافقة على شرعية مؤسسات الدولة المصرية.

في المقابل، يرى شهاب، أن النظام المصري يمكنه إطلاق سراح آلاف المعتقلين، وإلغاء أحكام الإعدام والأحكام المؤبدة، وإعادة محاكمة قادة الجماعة أمام محاكم مدنية تفي بالمعايير الدولية، مما يمهد الطريق لاعتماد مصالحة وطنية شاملة. كل ذلك بشرط تنفيذ توصيات المجلس القومي لحقوق الإنسان الصادرة في مارس / آذار 2014.

ودعا المجلس في تقريره حول فض اعتصامي رابعة والنهضة لأنصار مرسي والإخوان في 14 غشت / آب 2013 إلى إجراء تحقيق قضائي مستقل، وتعويض جميع ضحايا الاشتباكات المسلحة الذين لم يثبت تورطهم في أعمال العنف. كما دعا كافة القوى السياسية والحكومية إلى وقف ورفض أعمال العنف والعنف المضاد واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

ومن المنطقي أن يشكك البعض في إمكانية تحول هذا السيناريو إلى واقع، لكن المصالح قد تنتصر. يمكن أن يتم ذلك إذا نجحت تركيا في إقناع مصر بتبني سياسة تصفير المشاكل مع الإخوان، أو إذا نجحت في دفع الإخوان إلى إبداء مرونة سياسية أكبر تأخذ الواقع بعين الاعتبار، خاصة وأن الجماعة بدأت تفقد ثقلها السياسي وشبكات نفوذها داخلياً وخارجياً.

ويرى ناشط حقوقي مصري أن ما حدث حتى الآن، هو تقارب وتغليب المصالح على الخلافات بما يحقق أهداف مصر وتركيا على حد سواء. واستبعد تسليم قيادات الإخوان إلى مصر أو إسقاط جنسيتهم. وأضاف أن “الكرة الآن في ملعب الإخوان إذا أرادوا استعادة نفوذهم في المعادلة السياسية”، داعياً الجماعة إلى معالجة مسألة الانقسامات الداخلية وإنهائها، واستعادة توازنها السياسي، وتجديد خطابها الإعلامي.

من الناحية الواقعية، فإن وجود الإخوان المسلمين، سواء في الداخل أو الخارج، لم يعد يشكل تهديداً للنظام المصري، مقارنة بالسنوات القليلة الأولى بعد الانقلاب العسكري. ومن الواقعي أيضاً أن مصر، في ضوء الولاية الرئاسية الثالثة للسيسي حتى عام 2030، وفي ضوء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أصبحت في حاجة أكبر إلى التخلص من مشاكلها في الداخل والخارج.

الرابط:

https://www.middleeastmonitor.com/20240227-the-muslim-brotherhoods-future-in-egypt-following-sisi-erdogan-summit/

زر الذهاب إلى الأعلى