ما الذي تبقى من جماعة الإخوان المسلمين؟
كانت الأجنحة القيادية المختلفة لجماعة الإخوان المسلمين مشغولة بصراعات السلطة لدرجة أن الحركة نفسها ضلّت طريقها.
في حين قدَّم الربيع العربي لجماعة الإخوان المسلمين فرصة للصعود إلى السلطة في مصر، إلا أنه كان أيضاً بداية نهاية الحركة. وقد فاز الإخوان المسلمون بالانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو 2012، لكنهم فشلوا في إدارة علاقتهم مع مؤسسات الدولة والقوى السياسية الأخرى، وكذلك المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية. ومهدت هذه الإخفاقات المتعددة الطريق لتدخل القوات المسلحة الذي أنهى حكم الإخوان في تموز/يوليو 2013. ومنذ إطاحتها من السلطة، طرأت على جماعة الإخوان المسلمين تغييرات جذرية، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الأعضاء.
في مرحلة ما بعد عام 2013، شهدت المجموعة سلسلة من النزاعات على القيادة. وقع أول خِلافٍ كبير في عام 2015 بين أولئك الذين دافعوا عن استخدام العنف وسيلةً للمقاومة ضد النظام المصري وأولئك الذين عارضوه. آنذاك، تولّى عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين محمد كمال دوراً قيادياً فعلياً في الفترة ما بين 2014-2015 ونفّذ استراتيجية تصعيد الهجمات العنيفة ضد قوات الأمن والبنية التحتية والمصالح الاقتصادية للنظام، غير أن جزءاً من قيادة الإخوان المسلمين رفضَ هذا النهج العنيف. وكان الأمين العام للحركة محمود حسين الذي يقيم في إسطنبول، في طليعة هذه الأصوات المعارضة. وفي العامين الماضيين، نشب نزاع آخر بشأن من له الحق في زعامة الجماعة، وكان هذه المرة بين حسين والقائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة إبراهيم منير. وانتهت هذه الأزمة مع وفاة منير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
وعلى الرغم من إمكانية توصيف هذه النزاعات داخل قيادة الإخوان المسلمين بطرائق مختلفة من النقاش حول استخدام العنف في عام 2015 إلى اتهامات الفساد في عام 2021، إلا أنها جميعاً تتخلص في مسألة السيطرة؛ أي من يسيطر على الجماعة وهيكلها ومواردها المالية.
تسببت هذه النزاعات على الزعامة في خيبة أمل العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الشباب. وتُظهر المقابلات أن معظمهم أصيب بخيبة أمل شديدة من الجماعات المختلفة المتنافسة على القيادة وعدم وجود استراتيجية لدى القيادة نفسها، لدرجة أن الكثيرين قرروا الابتعاد عن الحركة. ويسود شعورٌ أن القيادة لا تفتقر إلى الرؤية فحسب، بل إن الكثيرين يعتبرونها مسؤولة عن الهزيمة السياسية للجماعة. وقد ذهب بعض أعضاء الجماعة إلى حد اتهام القيادة بالفساد والخيانة، بينما حاول قادة الإخوان المسلمين تأطير البيئة السياسية بعد عام 2013 على أنها صراع بين جماعتهم والجيش، فاجأ الغضب الشعبي على الإخوان المسلمين العديد من شباب التنظيم، مما دفع العديد منهم إلى مساءلة جوهر مشروعهم السياسي، ولماذا فقد سريعاً الدعم الشعبي الذي تمتّع به بعد عام 2011، وعندما سُئل عن مواقفه تجاه استخدام العنف، أجاب أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالقول: “لم يكن السؤال ما إذا كان يجب استخدام العنف أم لا، ولكن السؤال الحقيقي، كان لأيّ هدف؟ كان علينا أولاً البدء بإصلاح تنظيمنا واتخاذ قرار بشأن مشروعنا السياسي”.
تركَ هذا الافتقار إلى إطارٍ عقائدي بعض هؤلاء الشباب عرضة لأفكار أخرى مثل الجهادية السلفية. وفي حين انضم عدد قليل منهم إلى الجماعات الجهادية، فإن الأغلبية لا تزال تبحث عن مشروع سياسي جديد.
كانت أجنحة القيادة المختلفة مشغولة للغاية بالصراع من أجل السيطرة على التنظيم لدرجة أنها لم تولِ اهتماماً كبيراً للحركة نفسها. وأدّى هذا الصراع بين القادة المختلفين إلى انسحاب العديد من الأعضاء الشباب من التنظيم بسبب افتقاره إلى مشروع واضح وتوجّه يتبعونه. وفي حين لا يزال العديد من هؤلاء الشباب يبحث عن إجابات في مؤلفات رموز الجماعة المؤثّرة، مثل حسن البنا وسيد قطب، فإن عدم وجود إطار عقائدي متماسك بعد عام 2013 قد أضر بقدرتهم على التماهي مع الإخوان المسلمين. ويمكن للمرء أن يصف حالة الإخوان المسلمين بأنها تنظيمٌ من دون حركة، وحركة من دون إطار عقائدي، وهذا ما يجعل الجماعة تفقد زخمها.
لقد بلغت جماعة الإخوان المسلمين في صورتها التي نعرفها نهايتها، إلّا أنّ المنظمات لا تختفي بقدر ما تفقد أهميتها، مثلما كان الحال مع حزب الرفاه في تركيا ومختلف الأحزاب الشيوعية في أوروبا. وفي الأثناء، يبحث شباب الإخوان المسلمين عن مشروع سياسي جديد واتجاه جديد. وتبقى مسألة ما إذا كانوا سيجدون ضالّتهم وكيف ستبدو عليه رهناً بالزمن.