يجب وضع حدّ للتساهل الغربي تجاه الإسلام السياسي

على مدى أربعة عقود، رحّبت الحكومات الأوروبية بمئات القادة الإسلاميين في بلدانها. بعضهم فعل ذلك لأسباب سياسية واستراتيجية، والبعض الآخر مدفوعاً باعتبارات حقوقية. لكن المؤكد أن نوايا هؤلاء الوافدين “الغريبين” لا علاقة لها بتوقعات السلطات الأوروبية ودوافعها. هؤلاء الإسلاميون يستغلون بخبث الحريات التي تضمنها الديمقراطيات الغربية التي يبغضونها بشدة. والأسوأ من ذلك أنهم لا يتورعون عن نشر خطاب انفصالي بين المسلمين المقيمين في الغرب، وتشجيعهم على المطالبة بحقوق [حصرية] محددة، وفي نهاية المطاف تطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعاتهم.
دعونا لا ننخدع: هدف الإخوان المسلمين هو أسلمة هذا الغرب الذي لا يبالي بمخططاتهم الدنيئة! لقد ارتكب الكثيرون في الغرب أخطاء فادحة في تحليلهم للطبيعة الأيديولوجية للإخوان المسلمين، مما أدى إلى سوء فهم لأهدافهم الحقيقية، لدرجة أن العديد من العلماء والسياسيين في أوروبا اعتبروهم مسلمين معتدلين قادرين على التعايش مع القيم والقوانين الديمقراطية الحديثة.
لقد خدع قناع الاعتدال المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين العديد من الأوروبيين والأمريكيين، الذين اطمأنوا لخطاب “ناعم” و”ودود” لا علاقة له بالخطاب الإسلاموي الأصلي، والذي صيغ باللغة العربية واستهدف في البداية أنصار الجماعة، ثم المسلمين بشكل عام.
تتجلى هذه الازدواجية اللغوية بوضوح عند التمعن في كتابات الإخوان المسلمين شبه التصالحية المنشورة بالفرنسية، والأفكار الهدامة والعنيفة التي ينشرونها على مواقعهم الإلكترونية وفي صحفهم العربية. وقد استخدم الإخوان المسلمون الجزائريون هذا الأسلوب، على سبيل المثال، خلال حملاتهم الانتخابية في تسعينيات القرن الماضي، حين خاطبوا القراء الناطقين بالفرنسية بمفردات أقرب إلى العلمانية، بينما استخدموا خطاباً يمجد التطرف والمتطرفين عند مخاطبتهم القراء الناطقين بالعربية.
نجحت هذه الحيلة حتى وقوع الهجمات الدامية في فرنسا وأوروبا على يد الجهاديين. حينها، وجد السياسيون والباحثون والصحفيون وغيرهم من مروجي “إسلام التنوير” أنفسهم أمام إنكارهم الخاص. خصصت أقلية منهم وقتاً لفحص الوجه الحقيقي لهذه الجماعة، وطريقة عملها، ومواقفها، وأفعالها عبر التاريخ. وأخيراً، أُميط اللثام عن حقيقة جماعة الإخوان المسلمين من خلال الكتب والتحقيقات والتقارير والمقالات الصحفية التي تُشرّح وتحلل خطابها، كاشفة عن فاشية بعض قادتها وحلفائهم في الغرب، الذين يديرون العديد من المساجد والمراكز الثقافية المزعومة.
هكذا بدأ الرأي العام في الغرب يكتشف شيئاً فشيئاً العالم المظلم والهياكل السرية لجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا، جد طارق وهاني رمضان. وما إن انكشف أمرهم، حتى لجأ الإخوان إلى التخفي، مستخدمين التقية؛ أي التعامل بالنفاق والمراوغة، محاولين بكل الوسائل تمييز أنفسهم عن الجهاديين، وتجميل صورتهم. لكن دون جدوى، لأن صلاتهم السرية بالجماعات الإسلاموية العنيفة، ومخططاتهم، ومؤامراتهم، وتورطهم في الاغتيالات، وتعاونهم مع الرايخ الثالث، أصبحت الآن معروفة وموثقة.
كشف محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين (2004-2010)، عما يخطط له أتباع حسن البنا على مدى عقود، قائلاً: “هدف الإخوان المسلمين هو إقامة دولة إسلامية عالمية. نحن المسلمون نهاجر إلى جميع أنحاء العالم، وما زال أمامنا طريق طويل قبل أن نتمكن من السيطرة على أوروبا”.
وفي مقابلة مع مجلة الكرامة المصرية، ختم المرشد حديثه بالقول إن “الإسلام هو الحل لا يزال شعارنا الانتخابي الرئيس”. ونصح المرشد الآباء بختان بناتهم الصغيرات: “ينفق الأمريكيون ملايين الدولارات باستمرار لتغيير صورة المسلمين. لقد أعلنوا الحرب على ختان الإناث، وهي عادة تمارس منذ عهد الفراعنة في 36 دولة”.
لا يختلف موقف المرشد كثيراً عن موقف رفيقه في جماعة الإخوان، الداعية الشهير يوسف القرضاوي، الذي يؤيد هو الآخر هذا البتر الإجرامي: “الختان جائز. وإذا رأى الأهل أنه مفيد لبناتهم فليفعلوه، حتى وإن كان الأمر محل نقاش بين علماء المسلمين”، كما أوضح عالم الدين البارز في قناة الجزيرة.
أما مصطفى مشهور، الزعيم السابق لجماعة الإخوان ما بين 1996 و2002، فقد أعلن دون تردد في 7 يوليو/ تموز 1997 للنسخة الإنجليزية من صحيفة الأهرام إبدو: “باعتبارهم أهل ذمة، وفقاً للشريعة الإسلامية، يتعين على الأقباط دفع الجزية (ضريبة مفروضة على غير المسلمين الذين يعيشون في بلد إسلامي)”.
صفوت حجازي، أحد أبرز مفكري الإخوان المسلمين، يلخص مشروع الإخوان بعبارات واضحة: “على قارئ كتابات الإخوان ألا يغيب عن باله أمران: الخلافة والهيمنة على العالم. نعم، سنكون يوماً ما سادة العالم”.
كما نقرأ على موقع جماعة الإخوان المسلمين تمجيداً لداعش، نُشر بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، لأحد كوادرها، حلمي القاعود، وهو كاتب وأستاذ بارز بجامعة طنطا في مصر […]. علاوة على ذلك، رفض زعيم الإخوان المسلمين في الأردن، حمزة منصور، في خطاب متلفز مطلع عام 2015، وصف داعش بالإرهاب.
في تحريضه المسلمين المقيمين في الغرب على التعصب الطائفي، يطرح يوسف القرضاوي حجة غريبة، داعياً المسلمين في الغرب إلى “الاقتداء باليهود” بالانعزال في غيتوهات!: “قلت لإخواننا في الخارج: حاولوا أن تُنشئوا لأنفسكم مجتمعاً صغيراً في المجتمع الكبير، وإلا ستذوبون في الغرب كما يذوب الملح في الماء. ما أنقذ اليهودية في القرون الماضية هو مجتمعها الصغير المعروف باسم غيتو اليهود. حاولوا أن يكون لكم مجتمعكم الخاص”.
هل ستدرك النخب الغربية الحاكمة خطورة جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى لأسلمة العالم؟ وهل ستدرك الطبيعة الشمولية والتوسعية للحرب الأيديولوجية التي تشنها على الغرب والبشرية جمعاء؟
الكاتب: عمار مرياش
