تقارير ودراسات

هل يمكن للايقين أن يجعلنا عنيفين؟

دور اللايقين في تشجيع الأيديولوجيات العنيفة والمتطرفة

إن اللايقين [أو مبدأ الارتياب] حالة يعيشها جميع الأفراد، وهو شيء نواجهه جميعاً، بدرجات متفاوتة، كل يوم. ومع ذلك، هناك بعض المواقف والحوادث التي قد تثير مشاعر اللايقين الشديدة وطويلة الأمد لدى الناس. أثناء جائحة كوفيد-19، عانى الكثير منا من اللايقين بمستوى أعلى بكثير مما اعتدنا عليه مع تعرض الأمان الوظيفي للخطر، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية، والروتين اليومي للحجر المنزلي، إلى جانب المعرفة العلمية غير الواضحة [آنذاك] بالفيروس المتطور باستمرار. ومع ذلك، بالنسبة إلى أولئك الذين عانوا من الصراعات، فإن تحمل الصدمات الشديدة وحالة اللايقين جزء من طبيعة الحياة. غالباً ما يتعرض الأفراد القادمون من الأماكن المتضررة من الصراعات، والذين عانوا أيضاً من العنف، على سبيل المثال، للنزوح، ولتغير مفاجئ ودراماتيكي في حياتهم، والذي يكون مصحوباً في العادة بنقص في المعلومات حول مصيرهم.

يسعى هذا المقال إلى فهم العوامل التي تشكل السلوكيات العنيفة والسلمية في مناطق الصراع. ونحن نعلم أن اللايقين يلعب دوراً في تشكيل كل من السلوك الاجتماعي والتعرض للأيديولوجيات العنيفة. لذلك، في المجتمعات المتضررة من الصراعات، حيث يسود الفراغ واللايقين، من الأهمية بمكان دراسة كيفية حدوث هذه العملية من أجل المساعدة على وقفها.

ماذا نعني باللايقين؟

عند تحليل آثار اللايقين على سلوكيات الأفراد واتخاذ القرارات، من المهم الإشارة إلى كثرة وتنوع النظريات التي تعالج الموضوع من زاوية نفسية ـ اجتماعية، ومن بين هذه النظريات يمكننا تحديد اثنتين بارزتين. الأولى هي نظرية الهوية غير المؤكدة، وهي نظرية نفسية اجتماعية تركز على كيفية إدراك الأفراد لأدوارهم في المجتمع. تتشكل هويات الأفراد إلى حد كبير من خلال الأدوار التي يؤدونها في المجتمع، مثل كونهم ابنة أو ابناً، أو زوجاً أو زوجة، أو يتم تحديدهم من خلال الوظيفة التي يقومون بها. عندما يتعرض الأفراد لخسائر في مناصبهم – فقدان وظيفة أو شريك على سبيل المثال – تتعرض هوياتهم للتهديد، ويصبحون غير متأكدين من أنفسهم. هذا الشك يجعلهم عرضة للمنظمات التي تتميز بحدود وقواعد وأهداف وتقاليد محددة للغاية داخلياً وفي علاقاتها بالبيئة الخارجية؛ تتمتع هذه المنظمات بقوة كبيرة؛ لأنها توفر للأفراد، الذين يعانون من حالة اللايقين، هويات محددة. إن اختيار الناس للانضمام، على سبيل المثال، إلى دين أصولي متطرف، أو مجموعة متطرفة، يتأثر بشدة ببيئتهم الاجتماعية وديناميكيات المجموعة. وبالتالي، فإن الفكرة الأساسية لنظرية الهوية غير المؤكدة هي أن الأفراد يتماهون مع المجموعات المنظمة من أجل التقليل من مشاعر وإدراكات اللايقين المتعلقة بأنفسهم وهويتهم ومواقفهم الحياتية المستقبلية [غير المؤكدة].

من ناحية أخرى، ركزت الأبحاث على حالة أخرى تتمثل في فرط التحسس من اللايقين، وهي سمة شخصية مستقرة ودائمة لا تنشأ عن ظروف أو تغييرات محددة، على النقيض من نظرية الهوية غير المؤكدة، حيث يجد الأفراد الذين يعانون من فرط التحسس من اللايقين تلك الظروف التي يفتقرون فيها إلى إمكانية التنبؤ بالأحداث من حولهم والتحكم فيها، مثل الصراعات أو الحروب، مزعجة للغاية، في حين يمكنهم ممارسة حياة طبيعية، عندما يكونون قادرين على السيطرة على الأحداث في حياتهم. وهذا الاتجاه يرتبط بشكل كبير باضطرابات القلق المتنوعة، مثل اضطراب القلق العام، أو اضطراب الهلع، أو اضطراب الوسواس القهري. إن الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من الارتياب هم أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات غير تكيفية – وهذا هو الحال أيضاً مع الأفراد الذين يعانون من هوية غير مؤكدة – في محاولة للحد من الضيق الذي تسببه حالة اللايقين وزيادة سيطرتهم على الظروف المحيطة بهم. يمكن أن يؤدي الانضمام إلى جماعة متطرفة أو طائفة إلى تقليل هذا الضيق والانزعاج بسبب المشاعر والقيم المشتركة وحالة التماسك التي توفرها هذه الجماعات أو الطوائف. وفي سياق الصراع، من المهم أيضاً أن نلاحظ أن تجارب الحرب يمكن أن تخلق صدمة تؤدي إلى المزيد من الارتياب، وبالتالي خلق مواقف، حيث يجد الأشخاص الذين يتحسّسون من اللايقين أنفسهم عالقين بشكل كامل في ظروف غير مؤكدة.

ما هي العلاقة بين اللايقين والتطرف العنيف؟

لقد توصلت الأبحاث التي تناولت نظرية الهوية غير المؤكدة وفرط التحسس من اللايقين إلى أن الأفراد يحاولون على الدوام الحد من أي مظهر من مظاهر اللايقين يمكن أن يحيط بإدراكاتهم ومعتقداتهم ومشاعرهم وسلوكياتهم. ومع ذلك، فإنهم لا يتبنون دائماً أساليب إيجابية للقيام بذلك. ونتيجة لذلك، بدأ مسار بحثي جديد في التحقيق فيما إذا كان الشعور باللايقين، أو وجود مستويات عالية من الارتياب، يمكن أن يؤثر على تأييد الأفراد للأيديولوجيات المتطرفة. وهذا مهم بشكل خاص عندما يكون الأفراد من المناطق المتضررة من الصراعات، حيث يمكن للجماعات الإرهابية والمتطرفة استغلال الفوضى وعدم الاستقرار المجتمعي في هذه المناطق من أجل اكتساب السلطة والسيطرة من خلال تجنيد أعضاء جدد والدعاية واستخدام العنف الموجَّه.

في أثناء بحثهما عن الدور الأساسي الذي تلعبه الهوية الجماعية، وجد عالما النفس هوج وأدلمان أن الأفراد الذين يعانون من اللايقين بشأن هويتهم وأنفسهم كانوا أكثر عرضة للانخراط في أنشطة إجرامية ومتطرفة في محاولة لزيادة إحساسهم بالأمان الشخصي. وبالمثل، وجدت دراسة أخرى أنه عندما يعاني الأفراد من حالة من اللايقين الحاد والمزمن، فإنهم قد ينجذبون بشكل كبير إلى الجماعات المتطرفة وأيديولوجياتها لأنها توفر اليقين حول كيفية تصرف الفرد وما يؤمن به. ويُعتقد أيضاً أنه عندما يمر الأفراد بأزمة، فإنهم يصبحون أكثر ضعفاً وعرضة للوقوع تحت تأثير أيديولوجيات ومعتقدات جديدة. يطلق فيكتوروفيتش على هذه العملية مصطلح “الانفتاح المعرفي”، حيث يؤدي التغيير الشخصي أو الاقتصادي أو الديني إلى دفع الشخص إلى محاولة فهم حياته وهويته من جديد. يمكن أن تكون الجماعات المتطرفة جذابة في هذه المواقف؛ لأنها تزود الأفراد بإحساس قوي ومحدد بذاتهم، فضلاً عن هيكل وقيادة صارمة.

إن اللايقين قد يلعب دوراً حاسماً في دعم الأيديولوجيات المتطرفة والعنيفة، وبالتالي السلوكيات العنيفة المحتملة، حيث من المرجح أن يصبح الأفراد عُرضة للجماعات المتطرفة في محاولاتهم للحد من حالة الارتياب التي تمزقهم من الداخل. ويصبح هذا الأمر أكثر أهمية في سياق الصراعات، حيث تسود مستويات عالية من اللايقين بسبب البيئات المؤلمة والعنيفة التي يجد الأفراد أنفسهم فيها، وحيث من المرجح أن تجد الجماعات المتطرفة موطئ قدم لها بسبب الوضع الأمني ​​والسياسي غير المستقر والفوضوي. لذلك، عند تحديد التدخلات التي يجب اتباعها لدعم الأفراد في المناطق المتضررة من الصراعات، من الأهمية بمكان أن يأخذ صناع السياسات في الاعتبار الدور الذي قد يلعبه اللايقين في حياة الشخص. ومع ذلك، يجب عليهم أيضاً ملاحظة أن اللايقين يمكن أن يتجلى بطرق مختلفة. عندما يكون لدى شخص ما هوية غير مؤكدة، فقد تكون التدخلات التي تساعد على استعادة دور الشخص في المجتمع مفيدة. إذا كان لدى الفرد فرط تحسس من اللايقين، فيمكن تعليمه تقنيات تعمل على تحسين قدرته على اتخاذ القرارات في لحظات الأزمة. ولكن في نهاية المطاف، لابد أن تسير السياسات على المستوى الفردي جنباً إلى جنب مع التدخلات الرامية إلى المساعدة على معالجة القضايا البنيوية الأساسية التي تسبب عدم الاستقرار واللايقين في حياة الكثيرين، كما هو الحال في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، حيث من الممكن أن يساعد هذا على تحويل الناس بعيداً عن الأيديولوجيات العنيفة والجماعات المتطرفة وخلق عالم أكثر وضوحاً وأمناً.

الكاتب: فيديريكا كاليسانو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى