هل تمهّد هيئة تحرير الشام لعودة الديكتاتورية في سوريا؟
![](https://i0.wp.com/thearabcenter.org/wp-content/uploads/2025/02/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%85%D9%87%D9%91%D8%AF-%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%9F.png?resize=780%2C470&ssl=1)
لم يكن إعلان المجلس العسكري الذي شكلته هيئة تحرير الشام بأن زعيم الجماعة، أحمد الشرع، سيكون رئيساً مؤقتاً لسوريا مفاجئاً لأحد. منذ إطاحة هيئة تحرير الشام بالرئيس السوري بشار الأسد، عزز الرجل المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني سيطرته على دمشق، مطالباً السوريين والمسؤولين الأجانب بمعاملته بصفته الزعيم غير المتنازع عليه لسوريا.
خلال حفل تنصيبه في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، ارتدى الشرع زيًّا عسكريًّا أمام عشرات من قادة المتمردين المتحالفين معه، في إشارة إلى الجذور العسكرية لسلطته. وكانت تصريحاته خلال الحفل موجزة، وسلطت الضوء إلى حد كبير على النصر على نظام الأسد.
وفي اليوم التالي، لم يستغرق خطابه المرتقب إلى الشعب السوري أكثر من خمس دقائق. وعلى الرغم من أن الشرع استخدم نبرة تصالحية، فإن تعليقاته كانت عامة، وخاصة فيما يتصل بالفترة الانتقالية. فقد صرح بأن البلاد ستستعد لإجراء انتخابات عامة، لكنه لم يقدم جدولاً زمنياً، على الرغم من مقابلة سابقة قال فيها إن إجراء الانتخابات قد يستغرق ما يصل إلى أربع سنوات. وتحدث عن العدالة الانتقالية، لكنه لم يحدد كيف ستنفذ حكومته هذه العدالة.
والأمر الأكثر أهمية هو أن سلسلة من الإعلانات المهمة رافقت تعيين الشرع، حيث أعلنت حكومته المؤقتة حل البرلمان، وإلغاء الدستور، وإنشاء مجلس تشريعي، وحل حزب البعث الحاكم السابق، إلى جانب جميع المؤسسات الأمنية والعسكرية السابقة، التي حلت محلها أجهزة هيئة تحرير الشام نفسها.
إن إزالة نظام الأسد الوحشي خطوة إيجابية. ومع ذلك، فإن استبدال المؤسسات السابقة بمؤسسات يهيمن عليها الموالون لهيئة تحرير الشام يعرض أي أمل في نظام حكم تعددي في سوريا للخطر. ويطمئن الشرع السوريين والمجتمع الدولي إلى أن حكومته الانتقالية ستكون شاملة وممثلة للمجتمع السوري المتنوع، إلا أنه لم يف بهذه الوعود حتى الآن.
إن هيئة تحرير الشام، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، تعمل فعلياً على إعادة تشكيل الدولة السورية لتتماشى مع الشرع وأيديولوجيته الإسلاموية. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى إطالة الفترة الانتقالية. إن الشرع وأتباعه يعرفون كيف يسترضون الجهات الفاعلة المحلية والدولية بالتصريحات، في حين يعملون على تحويل مؤسسات الدولة السورية لتحقيق أغراضهم الخاصة. فمن دون تفويض قانوني، على سبيل المثال، قاموا بتغيير المناهج التعليمية في البلاد من خلال إدخال محتوى يعزز القيم الإسلاموية، في حين أزالوا المواد التي يرون أنها تتعارض مع تفسيراتهم للإسلام.
وتذكرنا تصرفات هيئة تحرير الشام بالطريقة التي عزز بها البعثيون في عهد حافظ الأسد سيطرتهم. فبدءاً من عام 1971، أجرى حافظ تحولات شاملة غيرت وجه سوريا لعقود من الزمن. فقد أعطت سوريا البعثية الأولوية للهوية العربية للبلاد. وتسعى هيئة تحرير الشام إلى تأسيس شيء يمزج بين القومية العربية والتفوق الإسلامي السُنّي. وبعد خمسة عقود من الحكم تحت هيمنة نظام علوي، أصبح العديد من السنة حريصين على دعم هذا التحول. والآن أصبحت هيئة تحرير الشام هي صاحبة اليد العليا في صياغة دستور دائم للبلاد، وهو الدستور الذي من شأنه أن يضفي طابعاً مؤسسياً على أيديولوجيتها الإسلاموية.
ومن المرجح أن تستغل هيئة تحرير الشام تدفق المساعدات من دول الخليج مثل قطر لتعزيز قبضتها في هذه الفترة الانتقالية. وكلما زاد التمويل الذي تتلقاه من رعاتها العرب لجهود إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، استغلت هذه الموارد بشكل أكبر لتنسب الفضل إلى نفسها في تحسين سبل عيش السوريين الذين يعيش 90% منهم تحت خط الفقر. فإلى جانب تعزيز صورتها كمحررة لسوريا من الأسد، تهدف هيئة تحرير الشام إلى ترجمة الفرص الاقتصادية المتاحة خلال الفترة الانتقالية إلى رأس مال سياسي للانتخابات المستقبلية.
في نهاية المطاف، سوف تشهد سوريا شكلاً من أشكال الانتخابات، وتهدف هيئة تحرير الشام إلى الاستفادة من كل فرصة متاحة للحفاظ على هيمنتها من خلال كسب قلوب وعقول العرب السنة. وعندما تسيطر مجموعة واحدة على مؤسسات الدولة، يصبح من الأسهل عليها أن تظل لاعباً رئيسياً يتمتع بدعم شعبي مقبول. وحتى لو لم يكن الشرع رجلاً قوياً بحكم الأمر الواقع في المستقبل، فمن المرجح أن يظل الشخصية الأكثر قوة في المشهد السياسي السوري لبعض الوقت. أما القوى الليبرالية القليلة المتبقية في سوريا، فستواجه معركة صعبة في السنوات المقبلة.
الكاتب: سيروان كاجو
![](https://i0.wp.com/thearabcenter.org/wp-content/uploads/2023/01/%D9%84%D9%88%D8%BA%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81.png?resize=100%2C100)