هل تلعب تركيا على جانبيْ الحرب الأهلية في السودان؟

كشفت تقارير حديثة لصحيفة واشنطن بوست عن تورط شركات تصنيع أسلحة تركية في مبيعات أسلحة للقوات المسلحة السودانية، وربما لقوات الدعم السريع المتمردة، التي اتهمتها الولايات المتحدة بارتكاب أعمال إبادة جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان طوال الحرب الأهلية في السودان.
يقدم التقرير تفاصيل عن قيام شركة “بايكار”، وهي شركة تركية رائدة في تصنيع الأسلحة، يملكها صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، سلجوق بيرقدار، ببيع أسلحة هجومية إلى منظومة الصناعات الدفاعية السودانية، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشتريات العسكرية في السودان. ويبدو أن شحنات “بايكار” للقوات المسلحة السودانية تنتهك العقوبات الأمريكية والأوربية القائمة.
تبلغ قيمة الصفقة بين “بايكار” والقوات المسلحة السودانية 120 مليون دولار، وتشمل بيع ست طائرات مسيرة من طراز تي بي2، وثلاث محطات تحكم أرضية، و600 رأس حربي في عام 2023. ومن المثير للاهتمام أن البيع تم في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على منظومة الصناعات الدفاعية السودانية.
بالإضافة إلى ذلك، يشير تقرير صحيفة واشنطن بوست إلى أن شركة “أركا للدفاع”، وهي شركة تركية أخرى لتصنيع الأسلحة، على صلة وثيقة بالقوني حمدان دقلو موسى، وهو شخصية بارزة في قوات الدعم السريع ورئيس قسم المشتريات فيها وشقيق قائدها، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت “أركا” قد باعت أسلحة لقوات الدعم السريع، وقد نفت الشركة هذا ذلك.
الحرب الأهلية في السودان
اندلعت الحرب الأهلية السودانية في أبريل/ نيسان 2023 إثر تصاعد التوترات بين فصيلين متنافسين: القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). كان الجنرالان الرئيسان في البلاد حليفين في البداية، في انقلاب عام 2021 الذي أسقط الحكومة الانتقالية الناشئة المؤيدة للديمقراطية بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير عام 2019، إلا أنهما اختلفا حول كيفية دمج القوات شبه العسكرية في الجيش النظامي.
تصاعدت الحرب في السودان لتتحول إلى كارثة إنسانية كبرى. خلصت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2024 إلى أن كلا الجانبين ارتكبا “مجموعة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية”، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والاعتقالات التعسفية والتعذيب. نصف سكان السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حيث يعاني 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بينما تقدر الولايات المتحدة أن الحرب قد أودت بحياة 150 ألف شخص.
مصالح تركيا
ليس سراً أن أردوغان يعمل على توسيع العلاقات العسكرية والدبلوماسية التركية في منطقة القرن الإفريقي. فبالنسبة إلى تركيا، من مصلحتها الترويج لنفسها كقوة عظمى. في ديسمبر / كانون الأول 2024، اتصل أردوغان بقائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعرض عليه “التدخل لحل الخلافات بين السودان والإمارات العربية المتحدة”.
عززت تركيا حضورها في القارة الإفريقية من خلال إرساء وجود عسكري في الصومال وتوقيع اتفاقية لتعدين اليورانيوم مع حكومة النيجر. في الصومال، استثمرت أنقرة بكثافة، حيث قدمت التدريب والمساعدة للجيش الصومالي، وحصلت على حقوق التنقيب عن الهيدروكربون، وأقامت علاقات ودية مع دولة ذات موقع استراتيجي على ممرات الشحن الحيوية في القرن الإفريقي. فيما يتعلق بالنيجر، يبدو أن أنقرة تستكشف خيارات الحصول على اليورانيوم سعياً لتطوير قدراتها النووية. لطالما حلم الرئيس أردوغان بأن تصبح تركيا مستقلة عن الغرب من حيث التزاماتها تجاه حلفائها واحتياجاتها من المشتريات العسكرية.
يُظهر تورط أنقرة في السودان افتقار سياستها الخارجية لأي قيم، واستعدادها لتجاهل العقوبات الهادفة إلى ردع المزيد من إراقة الدماء. لا ينبغي أن يكون أيٌّ من هذا مفاجئاً. فقد لعب أردوغان أيضاً على طرفي الصراع الأوكراني. فمن جهة، كان يتظاهر بالالتزام بمسؤوليات تركيا كعضو في حلف الناتو بإغلاق المضائق التركية أمام السفن الروسية. ومن جهة أخرى، سمح للنظام المصرفي التركي بتمرير أموال روسية غير مشروعة تابعة لأثرياء بوتين، وللشركات التركية ببيع سلع ذات استخدام مزدوج للجيش الروسي، مقدماً بذلك دعماً حيوياً لجهود بوتين الحربية غير القانونية.
في عام 2012، أسست مجموعة من الجنرالات العسكريين الأتراك، بقيادة عدنان تانريفردي، طُردوا من الجيش التركي عام 1997 لميولهم الإسلاموية، أول شركة عسكرية خاصة في تركيا، وهي شركة “سادات”. تانريفردي هو أحد المقربين من أردوغان. منذ تأسيسها، قدمت “سادات” خدمات الأمن والتدريب العسكري للمنظمات ذات التوجهات الإسلاموية في ليبيا وأذربيجان وغرب إفريقيا وسوريا والعراق. تتضمن المهمة الرئيسية للشركة تشكيل تحالف من الدول الإسلامية يأخذ مكانته بين القوى العظمى في العالم.
ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا توخي الحذر. هناك إجماع متزايد في الغرب على أنه لمواجهة التهديدات الروسية التوسعية تجاه أوربا، يجب منح تركيا مقعداً على الطاولة، بما في ذلك استئناف عملية انضمام أنقرة المتعثرة إلى الاتحاد الأوربي. رئيس وزراء بولندا والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مقتنعان بأن أوروبا، التي تضم تركيا، بقدراتها العسكرية الهائلة، وحدها القادرة على مواجهة التحديات الأمنية الوجودية التي يفرضها العدوان الروسي. السؤال هو: ما الذي يجعلهم يعتقدون أن تركيا ستدعم أوروبا؟
الكاتب: سنان سيدي، صوفيا إيبلي
https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/is-turkey-playing-both-sides-of-sudans-civil-war
