هل أصبح نزع سلاح حزب الله ممكناً؟

قال محلّلون إن نزع سلاح حزب الله، الذي كان أمراً لا يمكن تصوره، ربما أصبح أخيراً ممكناً مع حث الولايات المتحدة لبنان على التحرك وتصعيد الضغوط على إيران، داعمة الحزب، بشأن برنامجها النووي.
وأصبح حزب الله ضعيفاً للغاية نتيجة لأكثر من عام من الأعمال القتالية مع إسرائيل، والتي بدأت بحملة إطلاق الصواريخ التي شنتها المجموعة على عدوّها اللدود دعماً لحليفتها حماس، وبلغت ذروتها بحملة قصف إسرائيلية كبرى وتوغل برّي في لبنان.
وفي الأشهر التي أعقبت الحرب، التي دمرت أجزاء من البلاد وقتلت العديد من كبار زعماء الحزب، انتخب لبنان رئيساً وشكل حكومة بعد فراغ دام أكثر من عامين مع تحول ميزان القوى.
وقال ديفيد وود من “مجموعة الأزمات الدولية” لوكالة “فرانس برس” إن الحرب “غيرت بشكل واضح الوضع على الأرض في لبنان”.
وأضاف وود: “من الممكن الاعتقاد بأن حزب الله قد يتجه نحو نزع سلاحه وربما حتى يشارك في هذه العملية طواعية”.
كان حزب الله الجماعة الوحيدة التي رفضت نزع سلاحها بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). وبفضل ترسانته التي اعتُبرت في السابق أقوى من ترسانة الجيش اللبناني، قدم نفسه لفترة طويلة كأفضل خط دفاع للبلاد ضد العدوان الإسرائيلي.
ولكن مخزوناته وقياداته العليا استُنزفت بسبب الحرب، وكان زعيمه المخضرم حسن نصر الله من بين القادة الذين قتلوا.
وبموجب هدنة تم التوصل إليها في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان من المقرر أن يسحب الحزب مقاتليه إلى شمال نهر الليطاني في لبنان ويفكك أي بنية تحتية عسكرية متبقية في الجنوب، في حين كان من المقرر أن ينتشر الجيش اللبناني في المنطقة.
وكان من المفترض أن تسحب إسرائيل قواتها، لكنها لا تزال متمركزة في خمس نقاط تراها “استراتيجية” وتنفذ ضربات منتظمة على ما تقول إنها أهداف تابعة لحزب الله في الغالب.
وقال مصدر مقرب من حزب الله لـ “فرانس برس” إن الحزب تخلى للجيش اللبناني عن نحو 190 من مواقعه العسكرية الـ265 المحددة جنوب الليطاني.
وقالت نائبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، التي تقود حملة واشنطن للضغط على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، إن ذلك يجب أن يحدث “في أقرب وقت ممكن”.
وقال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي تعهد باحتكار الدولة لحمل السلاح، إن هذه القضية تتطلب حواراً وطنيًّا.
ووافق حزب الله ـ الذي تأسس بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 ـ بالفعل على تقديم تنازلات سياسية كبيرة هذا العام، بما في ذلك عدم الوقوف في طريق اختيار الرئيس الجديد.
وقالت حنين غدار من “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” لـ “فرانس برس” إن نزع سلاح حزب الله أمر “لا مفر منه”.
وأضافت غدار، وهي ناقدة لحزب الله، إن البديل الوحيد لعدم قيام الدولة اللبنانية بنزع سلاح الحزب “هو أن تقوم إسرائيل بذلك” عسكرياً.
وقال رئيس جهاز المخابرات المتقاعد في جنوب لبنان العميد علي شحرور إنه بعد النكسات الأخيرة التي مني بها حزب الله “ليس من مصلحته بالتأكيد الدخول في أي حرب (مع إسرائيل) أو مواجهة ضد الدولة (اللبنانية)”.
وأضاف أن المحادثات بين إيران، راعية حزب الله، والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني من شأنها أن تؤثر على الجماعات المدعومة من طهران في مختلف أنحاء المنطقة.
وانطلقت تلك المفاوضات في نهاية الأسبوع الماضي، حيث هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتحرك العسكري ضد إيران إذا فشلوا في التوصل إلى اتفاق.
وقال عدد من مسؤولي حزب الله إن الجماعة مستعدة للحوار بشأن استراتيجية الدفاع اللبنانية، بما في ذلك قضية أسلحة الحزب، لكنها غير مستعدة لتسليمها الآن.
وقالت غدار إن زعيم حزب الله الحالي نعيم قاسم ورئيس كتلته البرلمانية محمد رعد ربما يراهنان على “لعبة الوقت” لتجنب نزع السلاح.
وأشارت إلى إن الحزب يريد “البقاء” كمؤسسة عسكرية، مضيفة أن أيّ انقسامات داخلية ستركز على “كيفية القيام بذلك”.
وصرح العديد من الخبراء بأن الوجود العسكري الإسرائيلي المستمر على طول الحدود يصبّ في مصلحة الحزب.
وقال شحرور، المسؤول الاستخباراتي المتقاعد، إن “الإسرائيليين يقدمون بالتأكيد لحزب الله مبرراً للاحتفاظ بسلاحه”.
وقال المصدر المقرب من حزب الله، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الجيش اللبناني يفتقر إلى “القدرة العسكرية للدفاع عن الجنوب” ضد إسرائيل.
واتهم واشنطن بالإصرار على تدمير صواريخ حزب الله، بدلاً من مصادرتها، من أجل إبقاء الجيش اللبناني ضعيفاً.
وقال وود من “مجموعة الأزمات الدولية” إن خيارات بيروت تشمل تفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله أو دمج أسلحته ومقاتليه في الجيش النظامي.
وأضاف أن “النهج الأكثر أماناً” هو “التحرك بحذر وأخذ الوقت الكافي”.
وقال كريم بيطار، المحاضر في دراسات الشرق الأوسط بمعهد العلوم السياسية في باريس، إن قضية ما يجب أن يأتي أولاً – الانسحاب الإسرائيلي الكامل أو نزع سلاح حزب الله – تشبه “وضع الدجاجة والبيضة”.
وقال لوكالة “فرانس برس” إن من المرجح أن يسلم حزب الله بعض أسلحته الثقيلة وينفي مسؤوليته عن الأسلحة التي بحوزة أفراد متحالفين معه.
وقال: “في غياب الضوء الأخضر الإيراني، أشك في أن حزب الله سيسلم سلاحه طوعاً للجيش اللبناني، حتى لو عُرض عليه تشكيل كتيبة مستقلة داخل الجيش”.
وأضاف: “الكثير من هذا سيعتمد على المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران”.
