من أفغانستان إلى أمريكا: اتساع نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان

بعد مرور أربع سنوات على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، امتد التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان إلى ما هو أبعد من المنطقة، حيث أصبح الآن يشكل خطراً على الأراضي الأمريكية والأوروبية. ومع نشاط التنظيم في تجنيد المقاتلين ونقلهم عبر الحدود، أثبتت الجهات الفاعلة الإقليمية مثل طالبان وإيران وطاجيكستان وباكستان عجزها عن كبح جماح نمو الجماعة الجهادية.
تقرير للأمم المتحدة يسلط الضوء على توسع داعش خراسان
في تقرير صدر في السادس من فبراير/ شباط، سلط فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع لمجلس الأمن الضوء على التوسع السريع لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات الفعلية في أفغانستان والدول الإقليمية، فقد صنف فريق الرصد التنظيم المعروف باسم “ولاية خراسان” على أنه “يشكل أكبر تهديد إرهابي خارج المنطقة”.
وفي العاشر من فبراير/ شباط، أعرب فلاديمير فورونكوف، وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، عن هذه المخاوف. ففي معرض تقديمه لمحة عامة عن الإرهاب العالمي على مدى الأشهر الستة الماضية، صرح بأن تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان لا يزال “يشكل تهديداً كبيراً” نظراً لأن أنصار التنظيم دبروا هجمات في مختلف أنحاء أوروبا وكثفوا جهودهم لتجنيد أفراد من آسيا الوسطى والقوقاز.
التهديد الذي يواجه الولايات المتحدة
مع توسع نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان إلى الولايات المتحدة، حولت إدارة الرئيس دونالد ترامب تركيزها إلى مواجهة نفوذ التنظيم وقدراته المتزايدة. ففي العاشر من فبراير/ شباط، حذرت دوروثي شيا، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، من أن “المجموعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في آسيا الوسطى، وأبرزها تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، تشكل تهديداً عالميًّا كبيراً. وما زلنا نشعر بالقلق إزاء قدرات تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على التخطيط وتنفيذ هجمات”.
ولكن الخطر لا يقتصر على التكهنات، بل إنه بدأ بالفعل. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن توجيه اتهامات إلى مواطن أفغاني على صلة بتنظيم داعش خراسان “كان يتآمر لتنفيذ هجوم إرهابي في يوم الانتخابات في الولايات المتحدة”. وفي وقت سابق، في يونيو/ حزيران 2024، ألقي القبض على ثمانية مواطنين طاجيكيين على صلة بالتنظيم أيضاً في نيويورك ولوس أنجلوس وفيلادلفيا.
كما انتقد ترامب قرار الإدارة السابقة بالتخلي عن المعدات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وهي الخطوة التي سمحت لطالبان بالاستيلاء على هذه الأصول واستعراضها كنوع من السخرية من الولايات المتحدة. وذكرت دراسة أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2022 أن هذه الأصول شملت 78 طائرة، و40 ألف مركبة عسكرية، وأكثر من 300 ألف قطعة سلاح، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 7 مليارات دولار.
ونظراً لعجز طالبان عن الحفاظ على سلطتها العسكرية كاملة، فقد انتهى المطاف بجزء كبير من هذه الأسلحة المصنعة في الولايات المتحدة في أيدي جماعات جهادية أخرى. على سبيل المثال، يظهر مقطع فيديو تم تداوله مؤخراً معدات عسكرية أمريكية في حوزة جيش العدل، وهي جماعة مصنفة إرهابية في الولايات المتحدة. ويشير التسلل العميق لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان إلى أجهزة الأمن التابعة لطالبان إلى أن التنظيم لديه القدرة على الوصول إلى هذه الأصول أيضاً.
التهديد الذي يواجه أوروبا
سلط تقرير الأمم المتحدة الضوء على تنظيم داعش في خراسان بوصفه الخطر الإرهابي الخارجي الأبرز الذي يهدد أوروبا أيضاً. ويؤكد تزايد وتيرة المؤامرات الفاشلة على تصميم التنظيم وقدرته على شن هجمات تخلف أعداداً كبيرة من الضحايا وتستهدف في المقام الأول حشوداً كبيرة وأهدافاً سهلة.
وتتعزز قدرات تنظيم داعش خراسان من خلال شبكة دعائية متطورة عبر الإنترنت وبنية تحتية لوجستية تعمل عن بعد باستخدام اللغة الروسية، وهي لغة شائعة بين المجندين من آسيا الوسطى وشمال القوقاز. وقد سهّل العديد من أعضاء داعش خراسان الحاصلين على إقامة قانونية نقل عملاء التنظيم إلى منطقة شنغن في أوربا، كما قدموا الدعم المالي واللوجستي للهجمات. وقد أثبتت عملية أمنية مشتركة في النمسا وبلجيكا وألمانيا في يوليو / تموز 2024 هذا الاتجاه، مما أدى إلى اعتقال 19 عضواً من الشيشان والطاجيك في داعش خراسان متورطين في تمويل وتنظيم عمليات إرهابية.
وقد سلط الهجوم الإرهابي الذي وقع في ميونيخ بألمانيا في الثالث عشر من فبراير/ شباط، وأسفر عن إصابة 36 شخصاً ومقتل شخصين، الضوء على شبكة نفوذ داعش خراسان في أوروبا. وذكرت السلطات الألمانية أن المهاجم كان طالب لجوء أفغانياً “ذو توجه جهادي”.
لقد تطورت ألمانيا لتصبح مركزاً حاسماً لنشاط تنظيم داعش خراسان في السنوات الأخيرة، مع تصعيد ملحوظ في عام 2024. في أبريل/ نيسان الماضي، وجه مكتب المدعي العام الفيدرالي الألماني اتهامات إلى سبعة أجانب من طاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان بالتخطيط لهجمات إرهابية نيابة عن التنظيم.
وتتجاوز تهديدات داعش خراسان حدود أوربا القارية. ففي 13 فبراير/ شباط، أدينت امرأة تبلغ من العمر 36 عاماً من المملكة المتحدة بارتكاب جرائم إرهابية بعد أن خططت للسفر إلى أفغانستان للانضمام إلى معسكرات التنظيم. وكشفت شرطة وارويكشاير أنها وفرت المال لرحلة ذهاب فقط وشاركت مواد متطرفة مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي بين سبتمبر/ أيلول 2022 ويناير/ كانون الثاني 2024.
فشل إيران في احتواء داعش
على الرغم من أن إيران حاربت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، فإنها فشلت في كبح جماح التنظيم في أفغانستان. ونتيجة لهذا، تجد طهران نفسها معتمدة على طالبان لحل أو تخفيف هذا التهديد، التي أثبتت عجزها أيضاً عن القيام بذلك. وفي التاسع من فبراير/ شباط، أمر المرشد الأعلى علي خامنئي “بأقصى قدر من التعاون مع أفغانستان”. وجاء هذا الأمر في أعقاب اجتماع عقد في يناير/ كانون الثاني بين وزير دفاع طالبان يعقوب مجاهد ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ناقش خلاله الجانبان تبادل المعلومات الاستخباراتية.
وعلى الرغم من هذه الجهود، تظل إيران بمثابة مركز عبور لمجندي داعش خراسان، حيث أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن طرق التهريب الرئيسية لعملاء التنظيم تمر عبر مدن أورومية ومشهد وزاهدان الإيرانية قبل دخول محافظتي هرات ونيمروز في أفغانستان.
كما فشلت الجمهورية الإسلامية في تعقب عناصر التنظيم المسؤولين عن التفجيرين المزدوجين اللذين وقعا في يناير/ كانون الثاني 2024 في مدينة كرمان جنوب شرق إيران. وفي حين اعتقلت باكستان مؤخراً بعض الأفراد الذين مولوا ونظموا الهجوم، فإن العقل المدبر الرئيسي، طارق الطاجيكي، لا يزال طليقاً في أفغانستان.
إن هذا التطور مهين بشكل خاص للنظام في طهران بالنظر إلى خلفية أحد قادة الحرس الثوري الإيراني. إن فيلق القدس التابع للحرس الثوري، المسؤول عن تنفيذ العمليات الخارجية للجمهورية الإسلامية، يقوده إسماعيل قاآني، الذي تركزت حياته المهنية بالكامل في أفغانستان. ومع صعود تنظيم الدولة الإسلامية على طول الحدود الشرقية لإيران وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا على جناحها الغربي، أثبت فيلق القدس بشكل متزايد عجزه عن مواجهة التهديد الذي يشكله الجهاديون السنة في المنطقة.
دور طاجيكستان
سلط تقرير الأمم المتحدة الضوء على رسوخ قدم المواطنين الطاجيك في صفوف تنظيم داعش خراسان، مشيراً إلى أن “مواطني آسيا الوسطى، ومعظمهم من المواطنين الطاجيك، تم تجنيدهم كجزء من الشبكة التي تسهل الحركة غير المشروعة للمقاتلين عبر حدود أفغانستان”. وكان المثال الأكثر وضوحاً على ذلك عندما نفذ مواطنون طاجيك من داعش خراسان هجوماً مميتاً في موسكو في مارس / آذار 2024.
وتواجه دوشانبي هذا التحدي داخل حدودها أيضاً. ففي عملية كبرى لمكافحة الإرهاب، أصدرت محكمة طاجيكية في الرابع عشر من فبراير / شباط أحكاماً بالسجن تتراوح بين ثماني سنوات وعشرين عاماً على أكثر من ثلاثين من عناصر داعش خراسان لمحاولتهم تنفيذ هجوم إرهابي جماعي.
تنظيم داعش يستغل ضعف طالبان
لقد أدى عجز حركة طالبان عن منع التسلل والفساد داخل صفوفها إلى تمكين تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان من التوسع. ومن الأمثلة البارزة على ذلك انشقاق مولوي نيك محمد أيزيفا، مدير استخبارات طالبان في ولاية باميان، وانضمامه إلى التنظيم.
وللتخفيف من الخسائر المتزايدة، لجأت طالبان إلى تجنيد جماعات مسلحة أخرى لمحاربة هذا التهديد الناشئ. ومع توسع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان إلى شمال أفغانستان، حشدت طالبان مقاتلين من حركة تركستان الشرقية الإسلامية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وجماعة أنصار الله لمواجهته.
المصدر: مجلة الحرب الطويلة
