تقارير ودراسات

منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تعين موالياً لأردوغان له صلة بمفاوضات سرّية مع داعش أميناً عامّاً لها

تم انتخاب شخصية مثيرة للجدل إلى حد كبير ومتحالفة مع الرئيس التركي الإسلامي رجب طيب أردوغان لشغل منصب الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي منظمة أمنية إقليمية تضم 57 عضواً وتمتد عبر أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا الوسطى، وتواجه حالياً صعوبات شديدة نتيجة للصراع الروسي الأوكراني.

وتم تعيين فريدون سينيرلي أوغلو، الدبلوماسي المحترف ذو التاريخ المثير للجدل – بما في ذلك إجراء مفاوضات سرية مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والدعوة إلى عملية زائفة في سوريا لتبرير غزو مسلح – أميناً عامّاً لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 6 ديسمبر / كانون الأول 2024.

وقد جاء ترشيحه خلال رئاسة مالطا، في وقت أصبحت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ـ التي تأسست في الأصل أثناء الحرب الباردة لتعزيز السلام والاستقرار والتعاون من خلال الحوار بشأن منع الصراعات وحقوق الإنسان والحد من الأسلحة ـ مشلولة بسبب العراقيل من جانب روسيا وأذربيجان وتركيا.

ولم يكن سينيرلي أوغلو مدرجاً في القائمة الأصلية للمرشحين الرئيسيين التي اقترحتها مالطا، رئيسة المنظمة الحالية، في وقت سابق من هذا العام. وكان المرشح الرئيس لهذا المنصب هو إيجلي حساني، وزير خارجية ألبانيا وأحد المطلعين المخضرمين على شؤون المنظمة، والذي حظي بدعم الأغلبية من الدول الأعضاء.

ولكن الصراعات السياسية بين الدول الأعضاء، التي استغلت شرط الإجماع الذي تفرضه منظمة الأمن والتعاون لاتخاذ القرارات، حالت دون ظهور حساني كمرشح موحد. ومن الغريب أن تركيا، بدعم غير متوقع من منافستها اليونان، نجحت في الدفع بسينيرلي أوغلو كمرشح تسوية.

كما اختارت روسيا، التي تتمتع تقليدياً بنفوذ كبير داخل المنظمة، تأييد المرشح التركي نظراً لقرار أنقرة الامتناع عن المشاركة في العقوبات الغربية ضد روسيا ودورها في تمكين موسكو من التحايل على القيود المالية والاقتصادية عبر الأراضي التركية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تعرقل فيها تركيا عملية اختيار المرشحين لقيادة منظمة الأمن والتعاون في أوربا. ففي عام 2020، منعت أنقرة حزمة مقترحات قيادية بعد أن سمح مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنظمة لمنظمات حقوق الإنسان التي تنتقد حكومة الرئيس أردوغان بشأن قضايا مثل سيادة القانون وقمع وسائل الإعلام وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية بالمشاركة في اجتماعاته.

لقد وصفت تركيا العديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان بأنها “إرهابية” وانتقدت بشدة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لإشراك ممثليها في فعاليات حقوق الإنسان. لقد أصبح اتهام المنتقدين والمعارضين بتهم الإرهاب الملفقة سمة مميزة لحكومة أردوغان التي سجنت عشرات الآلاف من المعارضين ظلماً على مدى العقد الماضي.

وعلى الرغم من أن منظمة الأمن والتعاون في أوربا لم تعد تتمتع بنفس التأثير في الشؤون الأوروبية كما كانت في السابق، وأنها تواجه ضغوطاً متزايدة من بعض الدول الأعضاء، فإنها لا تزال تتمتع بنفوذ كبير في مجالات مثل مراقبة الانتخابات، ومراقبة حريات الصحافة، وحماية حقوق الأقليات القومية.

وفي حين أن منصب الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا يتطلب الحياد والاستقلال؛ لأن تحيز الأمين العام قد يؤثر على عمليات المنظمة، فإن من المتوقع أن يستغل سينيرلي أوغلو، الموالي الموثوق به للرئيس أردوغان، أي مجال متاح لحماية حكومة أردوغان القمعية من التدقيق الدولي بشأن انتهاكات الانتخابات الحرة، وحقوق الإنسان الأساسية، ومعاملة الأقليات.

إن خلفيته تثير مخاوف كبيرة بشأن الدور الذي قد يلعبه كأمين عام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. فقد أثبت مراراً وتكراراً أنه فاعل سياسي وحزبي أكثر منه دبلوماسياً محترفاً، وغالباً ما يعطي الأولوية للمصالح السياسية على المبادئ التقليدية للعمل الدبلوماسي.

فعلى الرغم من افتقاره إلى الأقدمية المطلوبة، عين أردوغان سينيرلي أوغلو وكيلاً لوزارة الخارجية في عام 2009، وهو المنصب الذي يتم شغله عادة لمدة تتراوح ما بين عامين وثلاثة أعوام. ومع ذلك، ظل سينيرلي أوغلو في منصبه حتى عام 2016، متجاوزاً بذلك فترة الخدمة المعتادة.

وقد اتُهم مراراً وتكراراً بالمحسوبية وإساءة استخدام موارد الوزارة أثناء توليه منصب وكيل الوزارة. وفي إحدى المرات، زُعم أنه تقاضى عشرات الآلاف من اليورو كنفقات شخصية لوجبة واحدة دون تقديم أي فواتير، الأمر الذي أدى إلى استياء بالغ داخل مكتب المحاسبة بالوزارة.

وفي أثناء عمله وكيلاً لوزارة الخارجية، عيَّن سينيرلي أوغلو زوجته عائشة في منصب رفيع في الوزارة في سبتمبر/ أيلول 2014. كما خصص بشكل غير قانوني مقر الإقامة الرسمي للقنصلية التركية في دبي لابنه لمدة عام تقريباً، على الرغم من أن الابن كان يعمل في شركة بريطانية خاصة. ومنع سينيرلي أوغلو تعيين مستشار عام جديد للقنصلية للسماح لابنه بمواصلة الإقامة هناك.

في عام 2014، تورط سينيرلي أوغلو في مؤامرة تتضمن تسليم القنصلية العامة التركية وموظفيها في الموصل إلى داعش، مما أدى إلى احتجازهم كرهائن. وجاءت هذه الخطوة في إطار استراتيجية لتسهيل المفاوضات مع داعش، مما أدى إلى إطلاق سراح معتقلي التنظيم من السجون التركية وتحقيق مكاسب مالية من النفط المهرب.

واتهم أوزتورك يلماز، القنصل العام التركي في الموصل آنذاك، الحكومة التركية ببيع الرهائن للاستفادة من نفط داعش في سوريا. وكشف أن محاولاته العديدة لحمل السلطات التركية على شن غارات جوية على قوات داعش المتقدمة قوبلت بالتجاهل، وأن البرقيات الطارئة التي أرسلها إلى أنقرة اختفت، مما يشير إلى أن سينيرلي أوغلو متورط في التستر على الموقف.

ويتمتع سينيرلي أوغلو بتاريخ طويل في تنظيم العمليات السرية لصالح أردوغان، بما في ذلك المناقشات التي جرت في عام 2014 حول عملية زائفة في سوريا لتبرير غزو عسكري للبلاد. ويسلط تورطه في مثل هذه العمليات الضوء على نمط ثابت من استخدام التكتيكات السرية لتحقيق مكاسب سياسية ومالية.

كان أردوغان واحداً من المؤيدين المتحمسين للحرب في سوريا، كما كشف عنه تسجيل مسرب في مارس/ آذار 2014، حيث سُمع هو ورئيس وكالة الاستخبارات التركية آنذاك هاكان فيدان وآخرون، وهم يناقشون إمكانية التدخل العسكري في سوريا من خلال عملية زائفة تنظمها الاستخبارات.

كان سينيرلي أوغلو متشدداً بشكل ملحوظ خلال الاجتماع، حيث دعا إلى غزو عسكري لسوريا، في حين اقترح فيدان اختلاق ذريعة، قائلاً: “إذا لزم الأمر، سأرسل أربعة رجال إلى سوريا، [ثم] سأطلب منهم إطلاق ثماني قذائف هاون على الجانب التركي، وهذا يخلق ذريعة للحرب”.

لكن الجيش قاوم الفكرة حتى عام 2016، عندما قامت حكومة أردوغان بتطهير جميع الضباط الموالين لحلف شمال الأطلسي الذين عارضوا الحرب في سوريا في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي اعتبرت على نطاق واسع عملية زائفة من تدبير أردوغان نفسه.

ويمنح منصب الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا سينيرلي أوغلو قدرة فريدة على الوصول إلى القادة والمؤسسات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، مما يجعله قادراً على جمع المعلومات الاستخباراتية لصالح حكومة أردوغان والتأثير [المحتمل] على القرارات خلف الأبواب المغلقة.

المصدر: موقع “نورديك مونيتور”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى