مسار تصادمي: هل تتجه إسرائيل وتركيا نحو المواجهة؟

في الأسبوع الماضي، شنت طائرات إسرائيلية غارات جوية على قاعدة التيفور الجوية ومطار حماة في سوريا، بالإضافة إلى قاعدتين جويتين عسكريتين أخريين. ووفق العديد من التقارير الإعلامية العبرية، كانت العملية تهدف إلى إحباط المساعي التركية لتركيب دفاعات جوية وأنظمة رادار في المواقع المستهدفة. ويعد الهجوم الإسرائيلي جزءاً من مواجهة أوسع نطاقاً وشيكة بين أنقرة وتل أبيب.
تعد سوريا حالياً الجبهة الأكثر نشاطاً في هذا الصراع. وتشمل نقاط الاحتكاك الأخرى الضفة الغربية وغزة وشرق البحر الأبيض المتوسط، ولكن ما هي القوى الدافعة وراء هذا النزاع، ولماذا شهدت الأشهر الأخيرة هذا التصعيد المفاجئ والحاد؟ هل تسير إسرائيل وتركيا في مسار تصادم حتمي؟ يتولى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلاموي السلطة في تركيا منذ عام 2002. ينبغي النظر إلى رئاسة أردوغان من منظور تاريخي. فالزعيم التركي منخرط في عملية تحول تركيا، داخليًّا وفي علاقاتها مع محيطها.
يعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مؤخراً أحدث مؤشر على أن أردوغان لا ينوي التخلي عن السلطة عبر العملية الانتخابية. في السنوات الأخيرة، تمكن أردوغان تدريجيًّا من إضعاف مراكز القوة في تركيا التي كان من الممكن أن تشكل تحدّياً له؛ إذ تم إجبار الجيش والمحاكم ووسائل الإعلام على الرضوخ. كما يجري الآن تحييد المعارضة السياسية بالوسائل الإدارية.
فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية لتركيا، لم تكن استراتيجية أردوغان وحلفائه أقل تحولاً. فقد تبنت أنقرة استراتيجية التمركز حول الذات، مبتعدة عن الموقف الموالي للغرب الذي ميز السياسة الخارجية التركية خلال سنوات الحرب الباردة.
وبدلاً من التوجه الموالي للولايات المتحدة، تحولت تركيا إلى مسار يجمع بين التحالف مع حركات الإسلام السياسي ورؤية عثمانية جديدة انتقامية، حيث تسعى أنقرة إلى تأكيد نفوذها بشكل أحادي الجانب، ثم الهيمنة على مناطق واسعة من الأراضي تمتد من الخليج إلى العراق وبلاد الشام، وعبر البحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى ليبيا.
في سعيها لتكون القوة المهيمنة في المنطقة، أنشأت تركيا قواعد عسكرية دائمة في قطر والعراق وسوريا والصومال وشمال قبرص وليبيا. وشنت عمليات عسكرية ضد خصومها الأكراد في العراق وسوريا في أعوام 2016 و2018 و2019، مما أدى إلى سيطرتها الفعلية على مساحات شاسعة من الأراضي في كلا البلدين.
في شرق البحر الأبيض المتوسط، وقعت تركيا معاهدة مع ليبيا عام 2019 تطالب فيها بمنطقة اقتصادية خالصة واسعة. في حال قبول طلبها، ستُمنح أنقرة حق الوصول إلى رواسب الغاز الطبيعي. لم توافق اليونان وقبرص وإسرائيل على هذه الاتفاقية بعد.
أدى ذلك إلى استمرار الاحتكاكات، إذ تستخدم تركيا سفنها الحربية لمضايقة السفن التي تستكشف موارد الغاز الطبيعي في المياه اليونانية أو القبرصية. ومن المقرر أن تعلن تركيا عن منطقة اقتصادية خالصة مماثلة مع سوريا.
في ليبيا، أدى تدخل أنقرة باستخدام القوات بالوكالة والطائرات من دون طيار، فضلاً عن قواتها الخاصة، إلى الحفاظ على حكومة الوفاق الوطني التي يهيمن عليها الإسلاميون في طرابلس.
وفي عدد من المناطق، كان استخدام تركيا لقواتها الحكومية يسير جنباً إلى جنب مع شراكات مع الحركات والميليشيات السنية المحلية.
عادة ما تكون هذه المجموعات، إن لم يكن دائماً، ذات طابع إسلاموي (تحديداً، في السياق العراقي، عملت تركيا مع جماعات سنية غير إسلامية). في ليبيا والعراق وسوريا والأراضي الفلسطينية، عملت أنقرة مع قوى محلية لبناء قوتها ونفوذها.
الدعم التركي لحماس
يشكل الدعم التركي لحماس في السياق الفلسطيني جزءاً من هذه الصورة الأوسع، كما هو الحال مع انهيار العلاقات الإسرائيلية التركية، الذي يعد نتيجة مباشرة للتحول الذي شهدته تركيا في عهد أردوغان. فبعد تقارب ظاهري قصير في الفترة التي سبقت أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصلت العلاقات الآن إلى أدنى مستوياتها. في 5 مايو/ أيار 2024، أعلنت تركيا تعليقاً فورياً لجميع تعاملاتها التجارية مع إسرائيل.
أعلن الزعيم التركي دعمه لحركة حماس في حربها ضد إسرائيل. وفي ختام صلاة عيد الفطر في 30 مارس/ آذار، قال: “اللهم دمّر إسرائيل الصهيونية”. وفي سياق آخر، شبه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بهتلر، مؤكداً أن إسرائيل تنوي غزو تركيا.
لحماس مكتب نشط في إسطنبول. ومن هذا المكتب تم التخطيط لاختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين، وهو ما أشعل فتيل الحرب بين إسرائيل وحماس عام 2014. تسهل تركيا أنشطة حماس في المنطقة، وتزود أعضاءها بجوازات سفر تركية.
إن هذا النمط الراسخ من السياسة الخارجية الداعمة للإسلاميين ليس جديداً. فلماذا هذا التصعيد المفاجئ؟
لفترة من الزمن، بدا وكأن إيران هي الرابح الأكبر من التفكك والاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي على مدى العقدين الماضيين. سيطر وكلاء طهران على لبنان والعراق ومعظم اليمن.
بدا أن الإيرانيين قد دافعوا بنجاح عن عميلهم في دمشق. كانوا الرعاة الرئيسيين للميليشيات الإسلاموية الفلسطينية. وفي الأماكن التي لم يخترقها وكلاء طهران، نجح النظام العربي القديم في استعادة وجوده ضد الانتفاضات الإسلاموية السُنية في الربيع العربي ـ لا سيما في مصر وتونس.
بدا أن الأتراك وحلفاءهم القطريين، الذين سعوا لركوب موجة الإسلاموية السنية، قد خسروا رهانهم. لكن الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 غيرت هذه الصورة جذريًّا، فقد تلقى نظام الوكلاء الإيراني ضربة موجعة على يد إسرائيل.
في لبنان والعراق، انسحبت الميليشيات التابعة لإيران، مؤقتاً على الأقل، من القتال. وقد مكنت الأضرار التي لحقت بهذه الميليشيات، بشكل غير متوقع، من عودة ظهور القوى الإسلاموية السنية المدعومة من تركيا في سوريا، والتي نجحت أخيراً في إسقاط نظام الأسد.
إن زحف هيئة تحرير الشام من محافظة إدلب، التي تحميها تركيا، إلى دمشق يتيح لأنقرة إمكانية حقيقية لبناء نظام إسلاموي جديد تحت وصاية حكومة أردوغان. سيشكل هذا النظام إضافة قوية جديدة إلى النفوذ الإقليمي المتنامي لتركيا.
إن نشر أنظمة الدفاع الجوي التركية إس-400 في سوريا سيجعل إسرائيل عاجزة عن الرد على أي عدوان، أو استخدام المجال الجوي السوري في طريقها إلى إيران. إن قيام دولة سورية إسلاموية مركزية جديدة، قوية، ذات جيش تبنيه تركيا، سيشكل أداة فعالة في يد رئيس تركي أوضح نواياه السياسية العدائية تجاه إسرائيل.
لهذا السبب، قررت إسرائيل بوضوح عدم السماح بظهور نظام جهادي جديد كهذا. ويعكس نمط النشاط الإسرائيلي في سوريا منذ سقوط بشار الأسد هذا القرار.
ويتجلى ذلك في إنشاء منطقة عازلة في محافظة القنيطرة؛ والدعوة إلى السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها في الغرب، مع بقاء الولايات المتحدة في الشرق؛ ودعم القدرة العسكرية الدرزية المستقلة في الجنوب؛ والإصرار على منع ظهور قدرة عسكرية إسلاموية قوية جديدة مدعومة من تركيا.
في أعقاب الغارات على مطاري التيفور وحماة، أشار وزير الخارجية التركي ورئيس الاستخبارات السابق هاكان فيدان إلى أن تركيا لا تسعى إلى “مواجهة” مع إسرائيل في سوريا.
ومع ذلك، تبدو مصالح واستراتيجيات البلدين في سوريا متعارضة تماماً، في ظل العلاقات التركية الإسرائيلية المتوترة أصلاً بسبب صعود حكم إسلاموي داعم لحماس في أنقرة، واتباع تركيا سياسات عدوانية وتوسعية في المنطقة. ويبدو من المرجح حدوث المزيد من التدهور.
الكاتب: جوناثان سباير
https://www.meforum.org/mef-online/collision-course-are-israel-and-turkey-headed-for-confrontation
