مؤسسة بحثية في واشنطن تروج لإخوان الأردن
لماذا تعمل مؤسسة الديمقراطية الآن للعالم العربي (داون) الموالية لقطر على الترويج لأجندة جبهة العمل الإسلامي في الأردن؟
في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، سارع أعضاء مجلس إدارة مؤسسة الأبحاث الأمريكية الديمقراطية الآن للعالم العربي (داون) إلى تبرير هجوم نفذه مواطنان أردنيان في إسرائيل بالقرب من البحر الميت.
وكشف المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، معاذ الخوالدة، أن المهاجمين “كانوا أعضاء في الجماعة وشاركوا دائماً في الفعاليات التضامنية مع غزة ودعم المقاومة”. وبالفعل، أشادت جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ورأس الحربة في الاحتجاجات المؤيدة لحماس في المملكة، بالهجوم الإرهابي.
ويبدو أن مؤسسة داون عملت كذراع توزيع باللغة الإنجليزية لجبهة العمل الإسلامي، بما في ذلك ترجمة كاملة لبيان تأييد الجبهة للهجوم الذي وقع في أكتوبر/ تشرين الأول إلى جانب بيانها الصحفي الخاص. وأكد بيان داون بشكل خاص على إشادة جبهة العمل الإسلامي بالهجوم بوصفه “عملية بطولية… ردّاً على المجازر التي ارتكبها الاحتلال ضد السكان الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية”.
وتزعم المؤسسة البحثية التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقرّاً لها أنها تعمل على تعزيز “الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان لجميع شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، لكن منتقديها يرونها “وكيلاً غير رسمي للمصالح القطرية في الولايات المتحدة”، مشيرين إلى أن مواقفها السياسية “تنتقد في المقام الأول خصوم قطر” بالتعاون مع نشطاء الإخوان المسلمين في الغرب.
أما جبهة العمل الإسلامي، فهي منظمة إسلاموية أردنية قوية. وعلى مدار العام الماضي، تميز نشاطها في الأردن بهتافات مثل “كل الأردن حماس” وشعارات لدعم مهندسي هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي نفذته حماس في جنوب إسرائيل. وفي احتجاج عام أقيم في عمان في يونيو/ حزيران 2023، أشاد رئيس الجبهة، مراد العضايلة، الذي يبدو أنه كان على علاقات وثيقة مع زعيم حماس الراحل إسماعيل هنية، بـ “مقاومة” حماس وبمحمد الضيف، زعيم الجناح العسكري للحركة (المتوفى): كتائب القسام.
تركيز داون على الأردن
لقد ركزت مؤسسة داون بشكل خاص على الأردن في السنوات الأخيرة. ففي أواخر عام 2023، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول، دعت المؤسسة الدول العربية، بما في ذلك الأردن، إلى الانسحاب من المعاهدات المبرمة مع إسرائيل. وهذا المطلب بالذات هو سياسة راسخة لدى جبهة العمل الإسلامي، وقد كررته المؤسسة مؤخراً بعد الانتخابات البرلمانية في سبتمبر / أيلول.
في الوقت نفسه، وصفت داون في تقرير نُشر في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 الوجود العسكري الأمريكي في الأردن بأنه “خطير” و”مضر” بالمدنيين الأردنيين، ودعت إدارة بايدن إلى “تصميم جدول زمني معقول لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الأردن”. وزعم مدير الدعوة في المؤسسة، رائد جرار، أن الوجود العسكري الأمريكي “يجر الأردن إلى مواجهة مع إسرائيل ويعرض الجميع في البلاد للخطر”. وعلى نحو مماثل، زعمت المديرة التنفيذية للمؤسسة، سارة لي ويتسن، أن الحكومة الأردنية “تتحمل مسؤولية حماية مواطنيها وتجنب إغراق البلاد في حرب إقليمية أوسع” من خلال حث القوات الأمريكية على المغادرة. وندد بيان صحفي صادر عن المؤسسة باتفاقية التعاون الدفاعي التي وقعتها واشنطن وعمان في عام 2021 بوصفها “انتهاكاً للدستور الأردني”.
ويعكس بيان مؤسسة داون موقف جماعة الإخوان المسلمين. ففي أغسطس/ آب 2022، أدانت جبهة العمل الإسلامي اتفاقية 2021 باعتبارها “انتهاكاً صارخاً لسيادة الأردن”، كما اعتبرتها “شكلاً جديداً من أشكال الاستعمار”. ووصفت الجبهة الاتفاقية بأنها “باطلة قانونياً ودستورياً”، ودعت البرلمان إلى “تعليق وإلغاء هذه الاتفاقية المشينة”. في الوقت نفسه، انتقد النائب الإسلامي عن الجبهة، صالح العرموطي، الذي عُين مؤخراً رئيساً للبرلمان الأردني، غياب الرقابة البرلمانية وحث الحكومة على إلغاء الاتفاقية، مشيراً إلى انتهاكها للدستور الأردني وسيادة البلاد.
وأعربت مؤسسة داون باستمرار عن دعمها للاحتجاجات المؤيدة لحركة حماس في الأردن على مدار العام الماضي، متجنبة ذكر الانتماءات الإسلاموية للمحتجين. ففي بيان صادر في مارس/ آذار 2024، حثت المؤسسة السلطات الأردنية على “إنهاء الاعتقالات والطرد والمضايقة والترهيب لطلاب الجامعات بسبب نشاطهم السلمي من أجل حقوق الفلسطينيين”. وزعم المستشار الأردني الكبير في المؤسسة، جمال الطاهات، أن “حق الطلاب في حرية التعبير يجب أن يكون حقاً غير قابل للتدخل”، متهماً الملك الأردني نفسه “بعدم السماح للأردنيين بنفس الحق في التعبير عن آرائهم”.
وبعد أقل من شهر، جددت داون دعوتها للسلطات الأردنية لـ “إنهاء حملتها العنيفة ومضايقتها واعتقالها واحتجازها المستمر للمتظاهرين السلميين الذين يحتجون على الهجوم الإسرائيلي على غزة”، كما دعت إلى تعليق العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاستخباراتي مع تل أبيب بحجة أنه “سيحد من الصراعات الأهلية”. وانتقد الطاهات نهج الحكومة الأردنية في التعامل مع المظاهرات، وقال إن “السياسات القاسية غير الحكيمة التي ينتهجها النظام قد تحول استقرار الأردن إلى الضحية الثانية لحرب غزة”.
وقد عكس موقف داون نشاط وخطاب جبهة العمل الإسلامي، التي ساعدت على تنظيم الاحتجاجات وراهنت بنجاح على غضب المحتجين إزاء غزة في سعيها إلى تحقيق نصرها الانتخابي في الانتخابات البرلمانية الأردنية التي جرت في سبتمبر/ أيلول، حيث نجحت في تأمين 31 مقعداً من أصل 138. وخلال الحملة، استخدمت الجبهة الشعار الإسلامي “بالإسلام نحمي الوطن ونبني الأمة”، في حين رفع مرشحوها أعلاماً تحمل رموزاً تابعة لحماس.
وفي نجاحها السياسي، استفادت جبهة العمل الإسلامي أيضاً من نفوذها على نقابة المعلمين الأردنيين التي يبلغ عدد أعضائها 140 ألفاً، وهي نقابة أغلقتها السلطات في عام 2020 بسبب علاقاتها الوثيقة بجماعة الإخوان المسلمين والمشاركة في سلسلة من الاحتجاجات التعليمية. ومرة أخرى، تدخلت داون في هذه القضية، حيث مارست بالتنسيق مع جبهة العمل الإسلامي ضغوطاً مكثفة من أجل إعادة فتح النقابة، ودعت داون الولايات المتحدة إلى وقف مساعداتها العسكرية والاقتصادية للأردن. وقال الطاهات: “إن الانتقام المستمر من أعضاء نقابة المعلمين … هو عرض شرير لاستخدام الحكومة لسلطتها لقمع حقوق الشعب الأردني”.
لقد راقبت مؤسسة داون عن كثب السياسة الأردنية. ففي يونيو/ حزيران 2024، انتقدت المؤسسة المتحالفة مع قطر لجنة الانتخابات المستقلة في الأردن لحلها العديد من الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلاموي، واتهمت الحكومة الأردنية باللجوء إلى “مضايقة وترهيب أعضاء الأحزاب السياسية، والرقابة على وسائل الإعلام الخاصة بهم”.
كما تزايدت الشكوك داخل الأردن بشأن النفوذ الأجنبي على المنظمات السياسية، وخاصة الإسلاموية. ففي 29 مارس/ آذار 2024، نقلت صحيفة الشرق الأوسط ومقرها لندن عن مصدر أردني رسمي قوله إن هناك “ارتباطات ودعوات خارجية تدفع الأردنيين إلى التصعيد ضد حكومتهم”، مؤكداً أن جبهة العمل الإسلامي كانت وراء دعوات الاحتجاج. وبحسب المصادر، فإن الاحتجاجات تم تنسيقها من قبل قادة الحركة الإسلامية في الأردن وزعماء حماس في الخارج “لجر الأردنيين إلى معركة غزة”.
رجل جبهة العمل الإسلامي في واشنطن
إن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين راسخ. وفي السنوات الأخيرة، انتقد المسؤولون الأردنيون نشطاء حماس والإخوان المسلمين الذين يختبئون في الدوحة بشكل آمن ويعملون على “التحريض” على الاضطرابات في الأردن “بمساعدة الإخوان المسلمين في الداخل”.
وباعتبارها وكيلاً للدوحة ومصالح الإخوان المسلمين المختلفة، كان من الطبيعي أن تركز مؤسسة داون على المملكة الهاشمية أيضاً. ولكن استعداد المؤسسة لترويج خطاب جبهة العمل الإسلامي ربما يكون له علاقة أكبر بـ “المستشار الكبير” للمجموعة في واشنطن جمال الطاهات.
الطاهات هو ناشط إسلامي أردني بارز، دعا إلى الإطاحة بالملك الأردني عبد الله الثاني بحجة أن الأردنيين لكي يستعيدوا بلدهم، فإنهم يحتاجون أولاً إلى تخليصه من “مخالب الهيمنة الإسرائيلية المتمثلة في الفاسد والطاغية وعائلته”.
وقد اتهمت وسائل الإعلام الرسمية في الأردن الطاهات بعلاقات مالية مع جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، ووضعته في صف جبهة العمل الإسلامي، ونشرت صوراً لاجتماعه مع شخصيات إسلاموية بارزة في الأردن. وعلى الرغم من أنه لا يمكن الوثوق بالضرورة في مزاعم وسائل الإعلام الرسمية، فإن هناك القليل فقط من الشك في أن الطاهات متورط بشكل وثيق مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث أشار مسؤولون من الجماعة علناً إلى وجود تعاون بينهم.
في الولايات المتحدة، تعمل مؤسسة داون على تتبع جماعات الضغط التابعة للحكومات العربية، ومنها الحكومة الأردنية، وكشفها، ولكنها في الوقت نفسه لا تقدم سوى القليل من الإشارات إلى أجنداتها الخارجية. وفي حين تركز بشكل انتقائي على دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، فإنها تتجنب انتقاد قطر وتركيا، وهي الأنظمة التي يرتبط بها أعضاء مجلس إدارة المؤسسة.
لا يمكن النظر إلى الدعم الصريح الذي تقدمه مؤسسة داون للإسلاميين باعتباره نشاطاً عادياً تقوم به مؤسسة بحثية أمريكية. لذلك ينبغي لنا أن نُعرّف بالمؤسسة على حقيقتها: فهي جماعة ضغط تعمل لصالح الإسلاميين من الدوحة إلى القاهرة إلى عمان.
المصدر: منتدى الشرق الأوسط