لماذا يعارض المحافظون الإيرانيون وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله؟
مع وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لوقف إطلاق النار مع حزب الله بأنه خطوة استراتيجية للتحول نحو التركيز على التهديد النووي الإيراني، يستعد البعض في طهران لمواجهة تهديد عسكري متزايد للبلاد.
وأعربت العديد من الأصوات الإيرانية المحافظة عن مخاوفها من أن تخفيف التوترات على الجبهة الشمالية لإسرائيل قد يشجع العدو اللدود لإيران في المنطقة. ومع ذلك، أشادت إيران رسمياً بوقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان بوصفه انتصاراً للمجموعة اللبنانية.
وقال محلّل محافظ مقرب من المؤسسة الإيرانية لموقع ميدل إيست آي: “عندما يعلن النظام الإسرائيلي أن إيران هي الهدف الأساسي لوقف إطلاق النار في لبنان، فهذا يعني أننا سنواجههم حتماً، سواء أردنا ذلك أم لا”.
وقال المحلل إنه مع تحويل إسرائيل تركيزها بعيداً عن الجبهة الشمالية، فإنها سوف تتمتع بقدرة أكبر على إعادة تنظيم صفوفها، والتركيز على تحييد جبهة غزة، وربما دفع الولايات المتحدة نحو موقف أكثر عدوانية تجاه المنشآت النووية الإيرانية.
وأضاف أن “السؤال الآن هو أيّ جانب سيتحرك أولاً وبقوة أكبر لمواجهة العدو”.
“لطالما كانت إسرائيل تشعر بالقلق من أن إيران، من خلال حلفائها ـ وخاصة في لبنان وغزة ـ قد تستهدفها. والآن، ومع وقف إطلاق النار في الشمال، وفك الارتباط بين جبهتي لبنان وغزة، وتقليص العمليات في العراق، قد ترتكب إسرائيل خطأ في التقدير، وهو الخطأ الذي لابد من منعه”.
فك الارتباط بين الجبهات
منذ بدء الحرب على غزة، اجتمع حزب الله وحلفاؤه الإقليميون خلف حماس في إطار استراتيجية “وحدة الجبهات” التي شهدت مهاجمة إسرائيل من لبنان واليمن والعراق وإيران.
ولكن مع تصاعد الصراع إلى حرب مدمرة شاملة في لبنان، أصبح من الصعب على حزب الله الحفاظ على الصلة بين الجبهة اللبنانية ووقف إطلاق النار في غزة؛ فقد قُتِل أكثر من 3900 شخص في لبنان نتيجة للقصف الإسرائيلي، ونزح أكثر من مليون شخص.
لقد أدى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله إلى فصل الجبهتين بشكل عملي، مما أثار المخاوف في إيران بشأن تداعيات ذلك على “محور المقاومة”.
وقال محلل ثان محافظ في مجال السياسة الخارجية لموقع ميدل إيست آي: “في الواقع، يمنح هذا الاتفاق إسرائيل قدراً من الراحة على الجبهة اللبنانية، مما يمكنها من متابعة أهدافها بقوة في مناطق أخرى مع تركيز وتصميم متزايدين”.
“ويجب أن يكون هذا سبباً للقلق؛ لأنه يشير إلى احتمال تصعيد التوترات في جميع أنحاء المنطقة بكثافة أكبر”.
وفي حين وصف نتنياهو وقف إطلاق النار بأنه هزيمة لحزب الله وفرصة لتحويل التركيز نحو إيران، سارعت الجماعة اللبنانية وطهران إلى تصويره على أنه انتصار للمقاومة.
وفي اتصال مع وزير الخارجية اللبناني، وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الاتفاق بأنه إنجاز تم تحقيقه بفضل صمود الشعب اللبناني وتصميم مقاتلي حزب الله والمناورات السياسية للحكومة اللبنانية.
وكتب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي رسالة إلى قيادة حزب الله قال فيها: “وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية هزيمة استراتيجية ومخزية للكيان الصهيوني الذي فشل في تحقيق أي من أهدافه أو طموحاته الخبيثة في حربه ضد حزب الله. وربما يكون هذا بمثابة بداية لوقف إطلاق النار ونهاية الحرب في غزة”.
ولكن هذه الرواية الرسمية لم تفعل الكثير لتهدئة المخاوف من تصاعد التوترات الإقليمية.
وقال دبلوماسي كبير سابق لموقع ميدل إيست آي: “ما دامت غزة في حالة صراع، فلا يمكن اعتبار أزمات الشرق الأوسط محلولة. لا تزال اليمن وسوريا ولبنان وغزة جزءاً من تحديات المنطقة”.
وسائل الإعلام الإيرانية
وردّد كثيرون في وسائل الإعلام الإيرانية التفسير الرسمي لوقف إطلاق النار، وإن كان مع بعض التحفظات.
وقالت صحيفة كيهان المحافظة، التي يعين المرشد الأعلى علي خامنئي رئيس تحريرها، إن “فشل” إسرائيل نابع من عدم قدرتها على التقدم في جنوب لبنان، وإطلاق حزب الله للصواريخ عبر الحدود دون انقطاع، وقدرة الجماعة على إعادة تنظيم هيكلها القتالي والحفاظ عليه بعد مقتل كبار قادتها.
وكتبت صحيفة اعتماد الإصلاحية أن وقف إطلاق النار يعزز مكانة حزب الله في لبنان ويحافظ على استعداده للصراعات المستقبلية المحتملة مع إسرائيل.
“إن هذا القرار يصور حزب الله كقوة مسؤولة في حين يعزز شرعيته على الصعيدين المحلي والإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن وقف إطلاق النار يمنح محور المقاومة فرصة لإعادة تقييم وإعادة بناء قدراته للمواجهات المستقبلية”.
لكن الصحيفة أضافت أن انتهاء القتال على الجبهة اللبنانية من شأنه أن يخفف الضغوط على إسرائيل، مما يسمح لها بتركيز عملياتها على غزة. وحذرت كذلك من أن وقف إطلاق النار قد يستدعي ضغوطاً دولية للحد من الدور السياسي والعسكري لحزب الله.
الاحتفال بالنصر
ووصف المحلل المحافظ أحمد غديري اتفاق وقف إطلاق النار بأنه “كأس السم”.
وفي منشور على موقع اكس (تويتر سابقاً)، حذر من أن وقف إطلاق النار قد يؤدي إلى زيادة الوجود العسكري الإسرائيلي في الجنوب ونزع سلاح حزب الله.
وانتقد أيضاً تأخر الرد الإيراني على الهجمات الإسرائيلية على أراضيه، واصفاً ذلك بأنه عامل رئيس في الوضع الحالي.
ولكن مراقبين آخرين اعتبروا وقف إطلاق النار انتصاراً لحزب الله. فقد زعم دياكو حسيني، وهو محلل إصلاحي في مجال السياسة الخارجية، أن أحد المؤشرات على أن حزب الله لم يُهزم يكمن في طبيعة الاتفاق نفسه.
“إن حزب الله لم يُهزم على يد إسرائيل لسبب بسيط، وهو أنه لو حدث ذلك لكنا شهدنا اتفاق سلام وليس اتفاق وقف إطلاق نار، وهو ما يعترف ضمناً بقدرات حزب الله العسكرية والهجومية”.
ونقلاً عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، كتب محسن ميلاني، وهو محلل مستقل وأستاذ في العلاقات الدولية يقيم في الولايات المتحدة: “إن الجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر، أما في حرب العصابات، فإنك تنتصر إذا لم تخسر”.
في حين يرى الصحافي المحافظ صادق نيكو أن المقياس الحقيقي لوقف إطلاق النار يكمن في مشاعر الشعب اللبناني.
“عندما يكون الشعب اللبناني سعيداً ويحتفل بالنصر حاملاً أعلام حزب الله، فمن نحن حتى نحلل الهزيمة أو عدم النجاح؟”.
المصدر: موقع ميدل إيست آي