لماذا تنضم الجماعات الإرهابية المسلحة في إفريقيا إلى صفوف داعش؟
مراجعة لكتاب "الدولة الإسلامية في إفريقيا: ظهور وتطور ومستقبل جبهة القتال الجهادية القادمة"
نُشر كتاب “الدولة الإسلامية في إفريقيا: ظهور وتطور ومستقبل جبهة القتال الجهادية القادمة” في ديسمبر / كانون الأول 2021، وهو من تأليف جيسون وارنر، الأستاذ المساعد في قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية، إلى جانب رايان كامينغز، وهيني نسيبيا، وريان أوفاريل. والكتاب دراسة استقصائية على مستوى القارة الإفريقية حول وجود تنظيم الدولة الإسلامية وحلفائه المحليين ومسارات العنف الجهادي في إفريقيا.
في عام 2019، خسر تنظيم الدولة الإسلامية آخر ما تبقى له من الأراضي في سوريا، وقُتل خليفته أبو بكر البغدادي. ويبدو أن هذه النكسات كانت بمثابة ناقوس موت الخلافة، وتوقع الكثيرون زوالها الوشيك. ومع ذلك، فإن الجماعات التابعة له لا تزال قائمة، وخاصة في إفريقيا: فقد أكدت كل خلايا التنظيم تقريباً في القارة ولاءها، واستمرت الهجمات باسمه، وتم تنشيط العديد من المجموعات، وظهرت ولاية جديدة. والسؤال: لماذا، في إفريقيا، لم يكن للنكستين الرئيستين عام 2019 تأثير يذكر على دعم تنظيم الدولة الإسلامية؟
يتتبع وارنر وثلاثة مؤلفين آخرين في كتابهم ظهور وتطور تسعة فروع تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا، منذ المرة الأولى التي أعلن فيها التنظيم رسمياً عن وجوده في ليبيا وحتى عملياته المكثفة الأخيرة في موزمبيق.
قام المؤلفون بفحص المنتسبين إلى داعش من حيث قدرتهم على تنفذ عمليات عنف والحفاظ على علاقة دائمة مع تنظيم داعش المركزي من خلال ثلاث مراحل: ما قبل البيعة (قبل إعلان الخلافة من قبل زعيم داعش الأول أبو بكر البغدادي عام 2014)، أثناء البيعة، وما بعد البيعة (بعد مقتل البغدادي في أكتوبر / تشرين الأول 2019).
وبحسب المؤلفين، فقد تم هذا التصنيف بسبب الأهمية التي يعلقها الجهاديون على البيعة، والتي تعد قوة سياسية ودينية ملزمة وحدت جميع الجماعات تحت سلطة خليفة واحد.
ومع ذلك، وعلى الرغم من ولائها الصريح لتنظيم الدولة الإسلامية، تجاهل المؤلفون مجموعات أصغر أخرى، لم تتمكن من تأسيس قيادة هرمية أو الحفاظ على علاقات متسقة مع التنظيم المركزي.
سعى المؤلفون إلى الإجابة عن سؤال حاسم يتعلق بالصعود المحير لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا، على الرغم من تقلص العمليات المركزية للتنظيم، والفجوات القيادية، وفقدان السيطرة على الأراضي في العراق وسوريا: مع تراجع تنظيم داعش المركزي، لماذا احتفظت الولايات الإفريقية بالولاء له؟ ولماذا انضمت إليه مجموعات أخرى؟
لفهم هذا اللغز، استخدم المؤلفون نهجاً متعدد التخصصات في تحليل المصادر الجهادية الأولية مثل مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية وغيرها من الوثائق، كما أجروا مقابلات مع الأفراد الذين احتكوا بتنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك الأعضاء السابقون والضحايا وغيرهم ممن لديهم معرفة مباشرة بأنشطة التنظيم مثل المنظمات الحكومية وغير الحكومية.
عندما أعلنت العملية العسكرية متعددة الجنسيات ضد تنظيم الدولة الإسلامية، التي لم تدم طويلاً، استعادة جميع الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق، رأى الباحثون والمحللون أن هذا النصر ليس نهائياً، وأن الوقت ما زال بعيداً عن إنهاء عمليات التنظيم أو اقتلاع قاعدته الأيديولوجية المتطرفة. وبينما كان تنظيم داعش المركزي يقاتل من أجل التنفس في العراق وسوريا، كان في الوقت نفسه يتلقى البيعة من أعضاء الشبكات الإرهابية والجهادية الأخرى في إفريقيا الذين كانوا يسعون إلى الحصول على ركيزة عقائدية لشن هجمات ضد السلطات تحت هوية جديدة.
منذ عام 2014، أظهرت الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا استعدادها لتكون الأرضية التالية لعودة خلافة داعش، إلى درجة أن التنظيم الأم منحها صفة الهجرة والجهاد، مما يسمح بالتدفق المباشر للجهاديين العابرين للحدود الوطنية إلى القارة.
في البداية، رحب الجهاديون في إفريقيا بوجود تنظيم الدولة الإسلامية منذ إعلان البغدادي قيام دولة الخلافة، وهو ما منحهم رؤية جديدة للمدينة الفاضلة الإسلامية، على النقيض مما عرضه تنظيم القاعدة. الإعلان والدعوة المفتوحة للولاء جعلا الارتباط الجديد ممكناً. وحاولت العديد من الجماعات الجهادية الإفريقية الانضمام إلى “دولة” داعش. تم قبول بعضها وتم رفض البعض الآخر أو دمجه مع ولايات أخرى.
لماذا تنضم الجماعات الأفريقية إلى تنظيم داعش؟
يرى المؤلفون أنه على الرغم من وجود خلفية عملياتية مختلفة، وعدم تلقي سوى القليل من المساعدة أو عدم تلقيها من الأساس، تعهدت المنظمات الجهادية في إفريقيا بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية المركزي فيما أسموه “دمقرطة الجهاد”. وقد أعطى هذا للجماعات الجهادية المحلية في إفريقيا إحساساً بالهدف العالمي والقدرة على اختيار هوية جهادية جديدة عابرة للحدود الوطنية من خلال الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية بدلاً من تنظيم القاعدة الذي كان متردداً في قبول ولائها العلني.
قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، قدم المؤلفون تاريخ وجود تنظيم القاعدة في إفريقيا، وخاصة في السودان، حيث أقام أسامة بن لادن من عام 1991 إلى عام 1996 وأنشأ مشروعاً تجارياً استخدمه لتمويل حملته في القارة حتى طرده بعد ضغوط من الولايات المتحدة. قبل تنظيم القاعدة ولاء أول فرع له في إفريقيا عام 2006 تحت اسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، والتي تغيرت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
منذ زمن أبي مصعب الزرقاوي إلى اليوم الذي أعلن فيه أبو بكر البغدادي قيادته للعالم الإسلامي كخليفة جديد بعد الانشقاق عن تنظيم القاعدة، يقدم الفصل التمهيدي للكتاب خلفية شاملة عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
ويجادل الكتاب بأن دعوة المسلمين إلى مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية فتحت الباب أمام ظهور شبكة جهادية عابرة للحدود الوطنية من الولايات والمؤيدين الداعمين، غير أن هذا الارتباط لا يعني دائماً المشاركة المباشرة في شؤونهم، بل تعني الشعور بالانتماء إلى والد أكبر مع الحفاظ على الاستقلالية. وقد أدى ذلك إلى خلق وضع لم يكن فيه لحالة العمليات المركزية للتنظيم أي تأثير مباشر على حالة المنتسبين، حيث أنهم لم يعتمدوا عليه بشكل كامل.
وردًّاً على سؤال حول سبب اعتبار تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى إفريقيا أرضاً خصبة للتمدد والانتشار، يرى المؤلفون أن الأماكن ذات الأغلبية المسلمة التي تعاني من عدم الرضا السياسي والفساد الاقتصادي لديها ميل أكبر للانضمام إلى هذه الجماعات، وبعض الدول الإفريقية تجسد ذلك. فالمتطرفون يوجدون عادةً في المناطق الفقيرة والمهمشة اقتصادياً. ويتجلى هذا في حالة شمال شرق نيجيريا، حيث ظهرت جماعة بوكو حرام بعد أن استشرى الفقر والفساد هناك، والذي أدى إلى نقص فرص العمل والتعليم وغير ذلك من الحقوق الأساسية.
مرحلة ما قبل البيعة
تناول المؤلفون ظروف ما قبل البيعة التي أدت إلى تشكيل الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. على سبيل المثال، كان ظهور التنظيم في ليبيا نتيجة لانهيار القيادة المركزية لمعمر القذافي، والتي أعقبتها محاولة معقدة ومثيرة للجدل وغير ناجحة لبناء دولة ليبية جديدة.
ما أصبح لاحقاً فرعاً لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا كان في البداية مجموعة من الإسلاميين من ليبيا يُطلق عليهم “لواء البتار” الذين قاتلوا بشار الأسد في سوريا. وفي أعقاب الخلاف بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، حول لواء البتار والعديد من المقاتلين الأجانب في سوريا ولاءهم لتنظيم الدولة الإسلامية.
ووفقًا للمؤلفين، أنشأ تنظيم الدولة الإسلامية لأول مرة موطئ قدم في إفريقيا عام 2013 من خلال لواء البتار، الذي بدأ مقاتلوه في العودة إلى ديارهم بناء على أوامر داعش واندمجوا مع الجماعات الأخرى الصديقة مثل أنصار الشريعة لتشكيل “مجلس شورى شباب الإسلام”.
مرحلة البيعة
خلال فترة البيعة، قام المؤلفون بتحليل كيفية إخضاع المنظمات الجديدة التي ترغب في الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية لفترة انتظار يشار إليها باسم “التحقق من صحة المنفعة التابعة”، حيث تقوم القيادة المركزية للتنظيم بتقييم الفائدة التي ستترتب عن انضمامها.
تتغير هذه الفائدة مع مرور الوقت. قد يتم منح بعض المجموعات عضوية فورية ومباشرة، بينما قد يُطلب من مجموعات أخرى الانتظار أو رفضها تماماً. قدم المؤلفون أمثلة على الجماعات المبايعة في تونس التي تم حرمانها من الانتماء إلى التنظيم على الرغم من استيفائها لنفس المعايير التي توفرت، على سبيل المثال، في الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى والصومال.
تعد عملية الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية مبهمة نسبياً، وتصل البيعة عادةً بتنسيقات صوتية أو فيديو أو نصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من قنوات الاتصال غير المباشرة. لكن أيضاً، وبالتناوب، يمكن لأعضاء المجموعة أن يجتمعوا شخصياً مع ممثل تنظيم الدولة الإسلامية لإجراء البيعة.
“بمجرد أن وجدت الجماعات المسلحة الإفريقية أن التحول إلى فروع رسمية لتنظيم الدولة الإسلامية سيكون أمراً جديراً بالاهتمام، ظلت عملية البيعة لجميع الكيانات متشابهة بشكل عام، على الرغم من اختلاف سرعة قبولها والطريقة التي أثبتت بها كل مجموعة أنها تستحق الانضمام”، كتب المؤلفون.
مرحلة ما بعد البيعة
إن الحصول على الانتماء الإقليمي الرسمي يسمح للمنتسبين الجدد إلى داعش بالعمل “كتابعين سياديين”. ويشير هذا إلى أن المجموعات التابعة لتنظم الدولة الإسلامية، ستعمل بشكل مستقل مع البقاء خاضعة للسلطة المركزية للتنظيم لدعم توسعه العالمي.
وقد صور المؤلفون العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية والمجموعات التابعة له على أنها روحية في المقام الأول مع القليل من الفوائد المادية. ومع ذلك، فإن هذه المجموعات تستفيد أكثر من ارتباطها الأيديولوجي بتنظيم الدولة الإسلامية المركزي، فبينما يستخدمهم التنظيم للدعاية والتوسع، تتواصل معه المجموعة التابعة لتشعر بقوة الانتماء إلى شبكة جهادية عابرة للحدود الوطنية.
يعد الكتاب سرداً تاريخياً جيداً لتطور المجموعات التابعة لتنظم الدولة الإسلامية في إفريقيا منذ عام 2013، عندما وطأت قدم التنظيم الإرهابي القارة لأول مرة، حتى عام 2019، بعد وفاة البغدادي. ويتناول الكتاب العلاقات المعقدة بين التنظيم وفروعه المحلية.
وعلى الرغم من أن التحليل انتهى بوفاة البغدادي، إلا أن المؤلفين يعترفون بأنهم كانوا على علم بأن بعض الجماعات التابعة له اكتسبت قوة بعد وفاته، لكنهم فضلوا إنهاء الكتاب بهذه الملاحظة. ولم يوضح الكتاب، الذي ركز على دوافع انضمام الجهاديين الأفارقة إلى تنظيم الدولة الإسلامية وعواقبه، العوامل التي مهدت الطرق أمام هؤلاء للصعود واكتساب القوة في الفترة التي تلت مقتل “الخليفة الأول”.
الرابط:
https://humanglemedia.com/review-why-armed-terror-groups-in-africa-are-joining-forces-with-isis/