تقارير ودراسات

كيف تنكر إيران هزيمتها في سوريا؟

في الوقت الذي تتردّد أنباء سقوط بشار الأسد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، يدور نوع مختلف من الصراع في إيران: صراع يتم خوضه بالروايات وليس بالأسلحة.

أطلق المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام الرسمية، ما يبدو أنها حملة منسقة لإعادة تشكيل الرواية حول التحول السياسي في سوريا.

إن أسلحتهم مألوفة: مزاعم حول سياسات الحجاب الإلزامي في سوريا الجديدة، ورفض الفظائع الموثقة في سجن صيدنايا بوصفها مجرد “مسرحية”.

إن هذه الرسالة تخدم غرضين؛ فبالإضافة إلى محاولة تبرير سنوات من الاستثمار الإيراني في نظام الأسد، فإنها تهدف إلى مواجهة المعارضين المحليين الذين يرون في سقوط الأسد انتصاراً للحرية على الطغيان.

ولمواجهة هؤلاء المعارضين، انتقد بعض أنصار الجمهورية الإسلامية، ومن بينهم الفيلسوف بيجان عبد الكريمي، “المثقفين الإيرانيين الذين يسعدهم سقوط الأسد وهزيمة المقاومة ضد النظام القمعي العالمي”.

وأضاف أن سقوط الأسد لا ينبغي أن يؤثر على “الروح الوطنية” أو القوات المسلحة.

وفي حين لا يزال مصير القوات الإيرانية المتبقية في سوريا، وخاصة في منطقة اللاذقية، غير محدد، فمن الواضح أن إيران فشلت في التحرك بسرعة لسحب قواتها، وتفاجأت بالأحداث في سوريا.

ومع ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: “على عكس الأجواء السائدة، لم أجد شخصياً التطورات في سوريا غير متوقعة”.

في الأيام الأولى لسقوط الأسد، سلطت وسائل الإعلام القريبة من الجمهورية الإسلامية الضوء على سببين رئيسيين لهذه النهاية: تجاهل الأسد لتحذيرات المرشد الأعلى الإيراني، وفشله في معالجة السخط العام.

ويزعم المسؤولون في الجمهورية الإسلامية، الذين يتجاهلون مطالب شعبهم، أن سقوط الأسد كان نتيجة لانفصاله عن شعبه وفشله في الاهتمام باحتياجاتهم ومخاوفهم.

وقال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني يعقوب رضا زاده: “للأسف، تجاهل بشار الأسد تحذيرات إيران في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى تفاقم الاستياء بين الشعب والجيش السوري”.

وقال رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف: “لو تم الاستجابة لهذه التحذيرات في الوقت المناسب، ولم يتم الاستهانة بتهديد العدو، وتم اتباع طريق الحوار مع الشعب، لما كانت سوريا على شفا الفوضى الداخلية والعنف الطائفي والإضرار بممتلكاتها الوطنية”.

ويتناقض هذا مع تصريحاته في عام 2021، عندما وصف إعادة انتخاب الأسد بأنها “نجاح كبير” و”علامة أمل لمستقبل سوريا”.

وانتقد بعض المسؤولين الإيرانيين أيضاً افتقار سوريا إلى الديمقراطية، مشيرين إلى ذلك بوصفه أحد أسباب سقوط نظامها.

وقال حشمت الله فلاح بيشه، عضو البرلمان السابق، إن الأسد فشل في الحصول على دعم الشعب من خلال النهج الديمقراطي.

لكن في عام 2021، أثناء الانتخابات الرئاسية السورية، أرسل البرلمان الإيراني مجموعة من المراقبين إلى دمشق.

وقالت زهرة إلاهيان، عضو لجنة الأمن القومي وأحد المراقبين، في ذلك الوقت: “إن سوريا رمز للأمن والاستقلال والديمقراطية”.

وتؤكد سلطات الجمهورية الإسلامية الآن أنها لم تُهزم في سوريا، وأن الجيش السوري هو الذي تأثر بالحرب النفسية، وأنه حين لا يقاتل الجيش السوري، فلا ينبغي لإيران أن تقاتل أيضاً.

وتسعى إيران إلى تحويل اللوم عن فشلها في حماية “محور المقاومة” إلى نظام الأسد.

وقال أحد المسؤولين المقربين من المرشد الأعلى: “كان بشار الأسد يثق بإيران والقائد والنظام، لكنه فقد تلك الثقة وتوجه نحو الغرب ولم يستمع لنصيحة المرشد الأعلى”.

وأضاف أن “الزعيم [المرشد الأعلى] حذره من أن الومضات التي يوجهونها له ستضعه في مأزق، وكل من يتجاهل كلام الزعيم سواء في الداخل أو الخارج يتعرض للضرب”.

من ناحية أخرى، ترى السياسية المتشددة منصورة معصومي، بشكل مثير للسخرية، أن سقوط سوريا يمثل انتصاراً للجمهورية الإسلامية.

وقالت إن “سقوط سوريا كان فصلاً ذهبياً آخر يؤكد قوة هذا النظام وزعيمه الحكيم…لأن العالم أدرك أنه أينما تدخلت إيران ونشرت قواتها المجاهدة فإن النصر مؤكد، وأينما لم تتدخل فإن الفشل والهزيمة يتبعانها”.

كما أعرب حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، عن استيائه من سقوط الأسد.

ولكن في تعليقاته اللاحقة على الوضع السوري، قال سلامي: “طالما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش، لأننا كنا حريصين على كرامته. والآن يدرك أهل دمشق كم هي عالية قيمتهم بوجود رموز المقاومة، وكم من المعاناة تواجهها الأمة في غيابهم”.

وتهدف كل هذه التصريحات إلى تحويل اللوم عن الفشل إلى عوامل خارجية، والتقليل من تأثير الهزيمة على موقف الجمهورية الإسلامية.

صيدنايا: ساحة قتل تحولت إلى “مسرح” عند الجمهورية الإسلامية

أصبح سجن صيدنايا موضوعاً مثيراً للجدل، خاصة مع تداول وثائق وصور مزورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتستخدم الجمهورية الإسلامية هذه الحالات لتشويه الأحداث التي وقعت في سجن صيدنايا، في محاولة للتغطية على الفظائع التي ارتكبت هناك. وقد أطلقت وكالة أنباء فارس على هذا السجن سيئ السمعة اسم “مسرح صيدنايا”.

كما أشار إليه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق محمد حسيني باسم “سيرك سجن صيدنايا”.

وفي حين توجه العديد من السوريين إلى السجن بحثاً عن أحبائهم، وتم الإبلاغ عن مشاهد مفجعة من داخل المنشأة، قامت وكالات الأنباء الإيرانية بتغطية بعض التقارير عن السجن بشكل انتقائي، مثل التقرير الذي نشره نادي الصحفيين الشباب، والذي نقل عن رئيس إدارة الكوارث والطوارئ التركية الذي زار سوريا أن فريقه “قام بتفتيش شامل لسجن صيدنايا في دمشق ولم يعثر تحته على أي زنازين أو سجون مخفية”.

لكنه أشار أيضاً إلى أن ساحة المنشأة مليئة بالألغام، ولم يتمكنوا حتى الآن من التحقيق فيها بشكل كامل، وأنهم عثروا على أدوات قادرة على التسبب بإصابات بالغة، مثل آلات الضغط وحاويات الأحماض التي يصعب وصفها.

ويملك سجن صيدنايا تاريخاً طويلاً من الفظائع.

وفي عام 2017، أفادت منظمة العفو الدولية أن السلطات السورية نظمت قتل الآلاف في السجن.

وجاء في التقرير أن “أبحاث منظمة العفو الدولية تظهر أن عمليات القتل والتعذيب والاختفاء القسري والإبادة التي ارتكبت في صيدنايا منذ عام 2011 كانت جزءاً من حملة واسعة النطاق ومنهجية ضد السكان المدنيين، وتم تنفيذها تعزيزاً للسياسة القمعية للدولة”.

الكاتب: عطا محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى