كيف تستخدم حركة طالبان تويتر كسلاح؟

على مدى الأشهر الماضية، تلقت الناشطة في مجال حقوق المرأة حسنية، التي نحجب اسمها الحقيقي لحماية هويتها، رسائل عشوائية من مستخدمين تابعين لطالبان على تويتر [المعروف الآن باسم اكس]، يصفونها بـ “العاهرة” و”الجاسوسة الأجنبية”. شاركت حسنية، التي تختبئ في كابول، في العديد من الاحتجاجات السرية بعد قمع المظاهرات التي تقودها النساء بعنف من قبل قوات طالبان. لم تتأثر في البداية، ولكن مع تزايد التهديدات بالقتل والاغتصاب، اضطرت إلى إلغاء حسابها على تويتر. في مرحلة ما، تلقت رسالة تسألها عما إذا كانت تفضل القتل “برصاصة في الرأس” أو “الرجم حتى الموت” إذا لم تتخلى عن نشاطها.
تستخدم حركة طالبان وسائل التواصل الاجتماعي لتهديد وترهيب ومضايقة الصحفيين والناشطين والمحتجين. ويعمل الآلاف في مناخ من الخوف والسرية، في حين اضطر آخرون إلى الفرار والعمل في المنفى للحفاظ على تدفق المعلومات وإيجاد طرائق مبتكرة لمعارضة الحركة.
وجد تقرير حديث صادر عن جمعية “أفغان ويتنس” الحقوقية أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من أعضاء ومؤيدي طالبان، بما في ذلك على تويتر، كانوا متورطين إلى حد كبير في الإساءة والمضايقة عبر الإنترنت ضد النساء الناشطات سياسيًّا ومدنيًّا. يكشف التقرير أن الكراهية عبر الإنترنت ضد هؤلاء النساء زادت ثلاث مرات، بنسبة 217٪، بين النصف الثاني من عام 2021 والفترة نفسها في عام 2022. وتظهر نتائج التقرير أن جزءاً كبيراً من الإساءة كان جنسيًّا، حيث أفادت النساء المستهدفات بتلقي رسائل مباشرة تضمنت محتوى إباحي وصور جنسية صريحة وتهديدات بالاعتداء الجنسي والاغتصاب والقتل.
أعادت العديد من شركات وسائل التواصل الاجتماعي النظر في سياساتها عندما استولت طالبان على السلطة في أفغانستان. ومن بين شركات أخرى، حظرت شركة ميتا، التي تعتبر طالبان منظمة إرهابية بموجب قوانين العقوبات الأمريكية، الصفحات والمحتوى المرتبط بالحركة على فيسبوك وإنستغرام، بما في ذلك قناة “ار تي أي” التلفزيونية المملوكة للدولة ووكالة أنباء بختر. دفع الحظر العديد من الناشطين إلى بدء حملة رقمية لحث تويتر على القيام بنفس الشيء.
في يوليو/ تموز 2022، انطلقت حملة لحظر الحركة من تويتر على المنصة. وأصبح هاشتاجها #بان_طالبان رائجاً في أفغانستان وباكستان والهند والإمارات العربية المتحدة وألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة. وردًّا على ذلك، أطلق أنصار طالبان حملتهم الخاصة، #أفغانستان_تدعم_طالبان، والتي تمت مشاركتها أكثر من 130 ألف مرة وأصبحت رائجة في باكستان بين عشية وضحاها. في حملة أخرى، حاول أنصار طالبان إدراج كلمة “فدائيون” [مفجرون انتحاريون] في قائمة الترند. ونظراً لوجود طالبان في باكستان وعلاقاتها بالمدارس الجهادية والمؤسسة الأمنية هناك، فإن تركيز النشاط في ذلك البلد كان منطقياً إلى حد ما. ومع ذلك، كان هناك أيضاً عامل آخر يلعب دوراً، ألا وهو الاستخدام الجماعي والاستراتيجي للروبوتات من قبل الحركة لحشد الفضاء الافتراضي.
لا يوجد لدى تويتر سياسة محددة ضد طالبان، وعلى عكس ميتا، لم يتم إغلاق حسابات طالبان ومحتواها على المنصة. أثار النشاط المتزايد لطالبان على تويتر انتقادات وغضباً داخل وخارج أفغانستان. في 17 أغسطس / آب 2021، بعد يومين من استيلاء الحركة على كابول، كتب دوج لامبورن، عضو مجلس النواب الأمريكي الجمهوري من كولورادو، رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة تويتر آنذاك، جاك دورسي، يشكو فيها تسامح الشركة مع رسائل طالبان المتطرفة.
كان وصول الملياردير المثير للجدل، إيلون ماسك، إلى رئاسة تويتر محل إشادة العديد من الجماعات المتطرفة التي طالما اشتكت من سياسات المنصة ضد خطابات الكراهية، بما في ذلك طالبان التي رحبت بهذا التغيير. على سبيل المثال، أشاد محمد جلال، الذي سبق أن عرّف نفسه بأنه مسؤول في طالبان، بماسك قائلاً إنه “سيجعل تويتر عظيماً مرة أخرى”. كان أحد أول التغييرات التي أدخلها ماسك على سياسة المنصة هو تحقيق الدخل من عملية توثيق حسابات المستخدمين. لسنوات، كانت المنصة توثق الحسابات بإصدار شارة زرقاء بعد أن يتقدم المستخدم بطلب للحصول عليها، غالباً من خلال عناوين بريد إلكتروني رسمية مرتبطة بمنظمات قانونية. بعد أن أعلنت الشركة أنها ستتقاضى رسوماً مقابل هذه الخدمة، ظهرت تقارير عن بدء طالبان في دفع ثمن شارات التوثيق الزرقاء. وفي الأيام الأولى من إعلان تويتر عن نظام الاشتراك النقدي، حصل على الخدمة اثنان على الأقل من مسؤولي طالبان وأربعة من أنصارها البارزين وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي مونيتورز).
لقد ظهرت طفرة وسائل التواصل الاجتماعي في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في نفس الوقت تقريباً الذي أصبحت حركة طالبان قوة عنيفة بارزة في أفغانستان. شهد الوصول إلى الهواتف والإنترنت نمواً هائلاً في البلاد. فقد كان هناك ما يقدر بنحو 26.95 مليون هاتف محمول ونحو 8 ملايين مستخدم نشط للإنترنت في أوائل عام 2023 مقارنة بمليون واحد فقط في عام 2005. وعلى عكس فترتها الأولى في السلطة، عندما حكمت في سرية وبعيداً عن أيّ وسائل حديثة للاتصال والترفيه، كانت طالبان سريعة في التكيف مع التغيير في الفضاء الرقمي خلال تمردها الذي دام 20 عاماً ضد الحكومة المعترف بها دولياً. لم يكن استخدام الحركة لتقنيات الاتصال الحديثة والهواتف الذكية أقل فعالية من حرب العصابات الوحشية التي شنتها وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين وقوات الأمن. وباستغلال جيل الشباب المتمكن من التكنولوجيا، انخرطت الحركة في حرب نفسية معقدة وعمليات دعائية استغلت إخفاقات الحكومة في كابول وروجت لرواية مضادة تبرر عنفها.
بدأت طالبان في استخدام تويتر في عام 2011، عندما تبادل عبد القهار بلخي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الآن، كلمات حادة مع قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) بشأن هجوم إرهابي على السفارة الأمريكية في كابول. ومنذ ذلك الحين، زاد بلخي، الذي تلقى تعليمه في نيوزيلندا، وهو أحد القلائل جدًّا في طالبان الذين يتحدثون الإنجليزية، من متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي من بضعة آلاف إلى أكثر من 223000 اليوم، معظمهم بعد عام 2021. وينطبق الشيء نفسه على المتحدثين البارزين الآخرين باسم الحركة، بما في ذلك ذبيح الله مجاهد وسهيل شاهين ونعيم وردك. واليوم، تضم حسابات هؤلاء الثلاثة وحدها أكثر من مليوني متابع على تويتر، بينما في سبتمبر / أيلول 2021، كان لدى 63 حساباً بارزاً لطالبان مجتمعة نفس العدد تقريباً من المتابعين.
بعد عام 2018، عندما بدأت الولايات المتحدة التفاوض مباشرة مع طالبان، وجدت الحركة فرصة استراتيجية جديدة في الفضاء الافتراضي. وبعد مرور عام، كانت آثار استخدام طالبان لتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي المتطورة واضحة في “هجوم الربيع” الذي بلغ ذروته بعودتهم إلى السلطة في منتصف أغسطس / آب 2021. كشفت دراسة أجراها “مركز الذكاء الاصطناعي والبيانات والصراع” أنماطاً واضحة في استراتيجيات الاتصال التي اعتمدتها طالبان خلال هذه الفترة. فقد تم تنسيق توقيت ومحتوى أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي مع الأحداث على الأرض، مما أدى، من بين أمور أخرى، إلى تعزيز المعلومات المضللة والمزاعم الكاذبة حول النصر المبكر والمبالغة في المكاسب الإقليمية. وخلصت الدراسة إلى أن وصول طالبان على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الجماهير المحلية – من خلال أكثر من 126000 حساب على تويتر – كان أعلى بأربع مرات من 18 منفذاً إخبارياً محلياً رئيساً مجتمعة. ووفقاً لدراسة منفصلة أجريت عام 2020، فإن حساب ذبيح الله مجاهد غرد يومياً أكثر بخمس عشرة مرة من حساب وزارة الدفاع الأفغانية.
منذ عودتها إلى السلطة، استخدمت طالبان موقع تويتر كأداة دعائية فعالة للسيطرة على بيئة المعلومات وإعادة بناء هويتها. وتنتج الحركة محتوى مدروساً في محاولة للتأثير على الرأي العام لصالح قوانينها العنيفة والصارمة، وخاصة ضد النساء والفتيات، وأيضاً للتأثير على بعض الجماهير في الغرب. على سبيل المثال، حلت الرسائل التي تروج لـ”السلام” و”الاستقرار” و”الترحيب بالسياح الأجانب” محل المحتوى الجرافيكي ومقاطع الفيديو التي تصور الهجمات الانتحارية التي تفجر مركبات القوات الأجنبية والدعوات إلى العنف وقطع الرؤوس. وكثيراً ما تصور الحركة نفسها على أنها جيش تحرير حرر البلاد من الغزاة الأجانب ونظامها كحكومة شرعية ينبغي للعالم أن يتعامل معها ويعترف بها.
وعلى الرغم من أن تويتر لم يكن جديداً على طالبان، فإن سرعته وقدراته منحا النظام في كابول أداة فعالة من حيث التكلفة ومفيدة لاستهداف المعارضة وإسكات المنتقدين. ويحافظ النظام على شبكة واسعة من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، تمتد إلى عشرات الآلاف من الحسابات التي تضم كبار قادة الحركة والمتحدثين باسمها والمنصات التابعة لها إلى جانب جيوش من المتصيدين والروبوتات.
كما نجحت طالبان في الاستيلاء على بعض حسابات تويتر الرسمية التابعة للحكومة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت عشرات الحسابات الرسمية الجديدة، وجندت المئات من مديري الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت في التعامل مع المزيد من اللغات بخلاف الفارسية والبشتونية والإنجليزية، وخاصة من خلال موقعها الرسمي “الإمارة”. وتشمل اللغات الجديدة العربية والأردية، وهو ما يشير إلى قدرة الحركة على تلبية احتياجات مجموعات مختلفة من الجمهور، والتي تعتبر مهمة لبقائها. وتستند اتصالاتها باللغة العربية إلى هويتها كجماعة أصولية إسلامية وروابطها المالية بمصادر في الخليج، في حين أن استخدام الأردية يهدف إلى جذب الجمهور المحافظ على نطاق واسع في باكستان، حيث يتم تغذية الجذور الأيديولوجية للحركة.
لقد مكّنت السيطرة غير المسبوقة على الفضاء الافتراضي لمواقع التواصل الاجتماعي في أفغانستان طالبان من سد الفجوة المعلوماتية الناجمة عن القيود الشديدة التي تفرضها على وسائل الإعلام الحرة والمستقلة. وفي حين يتداول المراسلون والمتحدثون باسم الحركة والقادة بحرية رسائل لا حصر لها على تويتر كل يوم، يجد الصحفيون المحليون الذين يعملون مع وسائل الإعلام المستقلة صعوبة في الإبلاغ حتى عن الأحداث اليومية على الأرض خوفاً من الترهيب والاعتقال والتعذيب. وقد استعانت طالبان مؤخراً بشركة هواوي تكنولوجيز الصينية العملاقة لتثبيت كاميرات مراقبة جماعية في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في كابول. وتزعم الحركة أنها تهدف من خلال هذه الخطوة إلى معالجة التهديدات الأمنية، لكن المنتقدين اعتبروا أن هذا من شأنه أن يزيد من تعميق المخاوف بشأن انتهاكات الخصوصية والسيطرة على المعلومات وتقييد حركة المعارضة.
الكاتب: ميسم إلطاف
