تقارير ودراسات

قصتي مع الحجاب الإلزامي في إيران

عندما ولدت، لم يكن الحجاب إلزاميًّا بعد في إيران، ولكنني نشأت في أسرة دينية تقليدية كانت ملتزمة بارتداء الحجاب حتى قبل ثورة 1979.

حتى سنوات مراهقتي، لم أكن أرى امرأة بلا حجاب إلا في اجتماعات النساء أو مع الأسرة المباشرة. كنت أعتقد أن العالم كان دائماً على هذا النحو، وأن كل النساء يرتدين الألوان الداكنة، ويحتفظن بالألوان والجمال خلف الأبواب المغلقة، بعيداً عن الغرباء من الرجال.

في المجتمع الذي وصلت فيه إلى مرحلة الأنوثة، لم يكن جسدي موضع تقدير على الإطلاق، وكنت أشعر بالخجل دائماً من كشفه. والآن بعد أن ابتعدت عن ذلك المجتمع لسنوات عديدة ولم أعد أرتدي الحجاب، ما زلت أشعر أحياناً بالحرج من جسدي وأسأل نفسي: “هل من الممكن حقاً ارتداء هذا الفستان دون الشعور بالخجل والذنب؟”.

هذه قصة ورسالة من أرض لم ير من ولدوا فيها قبل أربعين عاماً نساء في الشوارع يرتدين الملابس التي اخترنها بحرية. وربما يكون من الأدق أن نقول إن النساء في إيران لم يُنظَر إليهن قط باعتبارهن حرائر.

النساء: أول الضحايا

آخر ما فكر فيه ثوار فبراير / شباط 1979 هو قضية ملابس المرأة بعد إقامة الحكومة الدينية.

خلال عهد أول ملك بهلوي، أُجبرت النساء في مرحلة ما على خلع الحجاب، على الرغم من أن الشاه الأخير محمد رضا بهلوي لم يتدخل في وقت لاحق في هذه المسألة. في ذلك الوقت، كانت إيران تمر بفترة حيث كان الجميع يرتدي ما يحلو له من أزياء، ولم تتخيل النساء أنهن سيصبحن أول ضحايا الحكم الديني الذي نشأ مع ظهور الجمهورية الإسلامية.

لقد شارك العديد من النساء غير المحجبات في المظاهرات والتجمعات ضد رضا بهلوي. ويشير بعض الروايات إلى أن الموظفات في الإذاعة والتلفزيون اللاتي رغبن في المشاركة في هذه التجمعات كن يذهبن إلى مصففي الشعر مسبقاً لكي يظهرن بمظهر أنيق. ولكن تدريجيًّا، أصبح الظهور دون حجاب نادراً جدًّا، ثم توقف تماماً.

وطُلب من النساء بدلاً من ذلك ارتداء غطاء للرأس “مؤقتاً” لإظهار الوحدة. وفي وقت لاحق، شارك الرجال والنساء في مسيرات منفصلة.

في ذلك الوقت، لم يكن أحد يفرض على النساء ارتداء الحجاب، بل إن بعض النساء اعتقدن أن الظهور بمظهر موحد بشكل مؤقت قد يساعد على تحقيق أهداف المتظاهرين بشكل أسرع.

وعندما نشرت الصحف صور نساء من العائلة المالكة بملابس السباحة على شاطئ البحر، سارعت نفس النساء اللائي لم يرتدين الحجاب عن قناعة، بل ارتدينه لتحقيق أهدافهن السياسية إلى إخفاء ألبومات صورهن العائلية خوفاً من أن تقع الصور في أيدي الثوار. وشيئاً فشيئاً، أصبح من الواضح أن الحجاب لم يعد مجرد قطعة قماش يمكن ارتداؤها مؤقتاً وخلعها متى شاءت النساء.

المضايقات وعدم اليقين عشية الثورة

تكشف الروايات الموثقة أنه حتى قبل مغادرة الشاه للبلاد وتغيير النظام، في خريف عام 1978، تعرضت النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب للمضايقة ولهجمات بالسكاكين، الأمر الذي أدانته المنظمة الوطنية للأكاديميين في بيان لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1978.

كما تدخل روح الله الخميني، الأب المؤسس للجمهورية الإسلامية، وطالب من منفاه بوضع حد لمثل هذه السلوكيات المشينة. وفي مقابلة مع صحيفة السفير نُشرت في بيروت في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978، تحدث عن الحقوق المتساوية للرجال والنساء في الإسلام، وعن “حق المرأة في تقرير مصيرها”، وأكد أن النساء يتمتعن “بحرية الاختيار وحرية التعليم والعمل والانخراط في أي نوع من النشاط الاقتصادي”.

ولم يشر الخميني إلى الحق في حرية اللباس، ويبدو أنه عندما أكد على “حق المرأة في تقرير مصيرها”، كان يشير إلى حريتها في المشاركة في المظاهرات والانتخابات.

ويبدو أنه في تلك المرحلة، تم ذكر هذه القضايا، في الغالب، حتى لا تصبح نصف القوة المحتملة التي يمكن استخدامها لتأمين انتصار الثورة سلبية أو منعزلة بسبب الخوف من فقدان بعض حرياتها وامتيازاتها.

فقبل سنوات، كان الخميني ضد حق المرأة في التصويت وكتب رسالة إلى الشاه يسلط فيها الضوء على مخاوف علماء الدين والمسلمين بشأن هذه المسألة. ومع ذلك، في منتصف الثورة، لم يبد أي تحفظات بشأن حرية جميع النساء في التصويت.

ما قاله الخميني عن الحجاب قبل فبراير/ شباط 1979 كان محدوداً جداً وغامضاً وخالياً من أي إشارة مباشرة إلى قواعد اللباس أو غيرها من القضايا المرتبطة بحقوق المرأة في هذا المجال.

وفي تصريحاته الأكثر وضوحاً فيما يتصل بالحجاب، قال الخميني في الثامن والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 1978 إنه لا يمكن إجبار أحد على ارتداء الشادور. ولكنه لم يوضح ما إذا كانت النساء يتمتعن بالحرية في ارتداء ما يحلو لهن. ولكن بقوله “إننا لن نحظر إلا الملابس الضيقة”، كان يمنح صناع القرار حرية التصرف في تحديد شكل الملابس المناسبة للنساء.

عند هذه النقطة، بدأ العديد من الرجال والنساء يشعرون بقلق شديد وخطر داهم. ولعل التعميم الفظ بشأن وضع المرأة كان أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت المتظاهرين خلال مظاهرة حاشدة خرجت في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 1979 إلى المطالبة بالعودة إلى أحكام دستور عام 1906.

وبحسب التقارير الصحفية، شارك نحو 150 ألف شخص في تلك المظاهرة التي شكلت النساء ثلاثة أخماس المشاركين فيها. ولكن تلك المظاهرة تعرضت “للرشق بالحجارة” من جانب عناصر ثورية إسلامية كانت حريصة على تحويل الأمور لصالح الخميني قبل تفريقها. ويمكن النظر إلى تلك المظاهرة، بوصفها المحاولة الأخيرة التي قامت بها النساء لإنقاذ حقوقهن قبل انتصار ثورة 1979.

وحتى بعد عودته إلى إيران، واصل الخميني الحديث في عموميات غامضة حول حقوق المرأة، لكن التهديد أصبح أكثر وضوحاً قبل أسبوع من انتصار الثورة عندما أدلى آية الله [محمد كاظم] الشريعتمداري (رجل دين بارز آخر) بتعليقات بشأن “الضوابط التي تقيد المرأة في الإسلام”.

وسرعان ما أصبحت القوانين الإسلامية ضد المرأة أكثر وضوحاً، وأثارت الخوف في قلوب الكثيرين، ولكن الثورة كانت الآن في طريقها إلى النصر، ولم يعد من الممكن الوقوف في طريقها.

الشتاء الأبرد بالنسبة للنساء

بمجرد أن بدأت مشاعر الفرح والإثارة التي رافقت انتصار الثورة تتلاشى، وحتى قبل إجراء الاستفتاء الداعي إلى إنشاء جمهورية إسلامية، قرر الثوار إطلاق عملية أسلمة واسعة النطاق للبلاد، وبدأوا بالنساء.

في السابع من مارس/ آذار 1979، عشية اليوم العالمي للمرأة في ذلك العام، أمر الخميني النساء بارتداء الحجاب في المكاتب. وفي صباح اليوم التالي، لم يُسمح لمن لا يرتدين الحجاب بدخول أماكن عملهن، وأُمِرن بالعودة إلى المنزل وإحضار غطاء للرأس.

ولكن العديد من النساء رفضن العودة إلى منازلهن، وبدلاً من ذلك، نزلن إلى الشوارع لتنظيم أول مسيرة ضد الحجاب الإلزامي في حركة احتجاجية استمرت لمدة ثلاثة أيام. وفي الوقت نفسه، قال آية الله محمود طالقاني (شخصية بارزة في ثورة 1979) إن الحجاب ليس إلزامياً وأن “ارتداء قطعة من القماش لا ينبغي أن يزعج أحداً”. وتظهر نظرة سريعة على الوثائق والخطب والتصريحات من تلك الأيام الحاسمة أنه تم بذل جهد كبير لتهدئة النساء المحتجات من خلال الوساطة و”نصائح كبار السن الحكيمة”.

وعلى الرغم من كل هذا، فقد أصر الخميني على موقفه السابق القائل بأن ارتداء الجادور ليس إلزاميًّا، لكنه أضاف الآن شرطاً يلزم النساء بتغطية أنفسهن. وكان صهره آية الله إشراقي أكثر صراحة، عندما قال إن “رغبة الخميني كانت أن يتم تطبيق الحجاب الإسلامي، وبالتالي كان لزاماً على النساء الالتزام بالحجاب”.

وتُظهر السجلات الموثقة المختلفة أن النساء رددن باللجوء إلى كل ما في وسعهن من إجراءات، بدءاً من الاعتصامات والاحتجاجات ضد قلة التغطية الإعلامية، وخاصة الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، لمظاهراتهن ضد الحجاب الإلزامي، إلى الخطب والمقابلات والتجمعات الجماهيرية في الجامعات.

وفي مواجهة هذا التحدي، توقف الخميني عن الإدلاء بأي تعليقات مباشرة حول الحجاب، بل إنه أيد حتى التصريحات التي أدلى بها آية الله طالقاني وآخرون حول عدم إلزامية الحجاب.

من خفض التصعيد التدريجي إلى الضربة القاضية

من مارس / آذار 1979 إلى يوليو / تموز 1981، لم يدل الخميني بأي تعليقات إضافية بشأن الحجاب. ولكن خلال هذه الفترة، مُنعت النساء من حضور جميع الأحداث الرياضية العامة، في حين سارعت السلطات التعليمية الجديدة إلى فصل المعلمات بزعم منحهن الفرصة لإجراء مناقشات حرة ومفتوحة في الفصل. كما مُنعت النساء من العمل في القضاء، وتم تطبيق الفصل بين الجنسين على الشواطئ، وتم تقديم إرشادات صارمة بشأن نوع الملابس المناسبة للنساء لممارسة الرياضة.

وكان الإنجاز الوحيد الذي حققته النساء المتظاهرات هو أن الممرضات ومقدمات الرعاية الصحية يجب أن يستمررن في العمل وهن يرتدين زيهن الأبيض قصير الأكمام مع قبعتهن المميزة.

وفي وقت لاحق، وبأمر من اللجان الثورية، وبهدف محدد هو فصل الرجال عن النساء، تم إغلاق حوض السباحة التابع لنادي آرارات، والذي كان تابعاً للجالية الأرمينية الإيرانية. واستمر فرض قيود مماثلة حتى يوليو/ تموز 1979، بعد ذلك بدأت إجراءات أكثر صرامة في تطبيقها فيما يتصل بالحجاب الإلزامي وغيره من القضايا المتعلقة بحضور المرأة في المجتمع.

وسرعان ما ظهرت تقارير إعلامية تفيد بمنع النساء من الخدمة في القوات المسلحة ودخول أماكن عملهن دون ارتداء الحجاب. كما وردت أنباء عن مطالبة التجار في سوق شيراز بمنع المتسوقات غير المحجبات من دخول السوق.

وفي حين دعت القوى الثورية إلى تطبيق تدابير صارمة على نحو متزايد، عادت النساء إلى الشوارع، حيث وصفت صحيفة كيهان اليومية في طهران المتظاهرين بازدراء بأنهم “حفنة من العاهرات والأشخاص عديمي الشرف”.

وعلى الرغم من أن كل هذه الجهود فشلت في نهاية المطاف في تحقيق أي شيء، فإن تغطيتها في وسائل الإعلام أصبحت بمثابة أداة في يد النظام لتشويه سمعة كل النساء اللاتي خرجن إلى الشارع للاحتجاج.

في الأول من يوليو/ تموز 1980، وجه الخميني الضربة القاضية لحق المرأة في ارتداء ما تشاء من ملابس بإصداره الأمر إلى جميع المكاتب الإدارية بالالتزام الكامل بالشريعة الإسلامية. وتبع ذلك مرسوم رئاسي أصدره أبو الحسن بني صدر [أول رئيس لإيران بعد الثورة الإيرانية] ينص على أن جميع النساء العاملات في المكاتب الحكومية مطالبات “بمراعاة جميع المعايير الإسلامية في مكان العمل، بما في ذلك قواعد اللباس”. وحذر بني صدر من أنه في حالة حدوث أي انتهاك، فسيتم منع النساء من دخول مكان العمل. وأضاف أن الانتهاك المستمر لهذا الأمر الإداري سيؤدي إلى مقاضاة جميع المخالفين ومعاقبتهم.

وبناء على ذلك، ابتداء من صباح يوم 5 يوليو/ تموز 1980، مُنعت النساء غير المحجبات من دخول المكاتب الحكومية، وهو الحظر الذي تم تدوينه وترسيخه قانونياً في وقت لاحق (1982).

في عام 1984، عندما كنت في الخامسة من عمري، صادق مجلس الشورى الإسلامي على قانون العقوبات الإسلامي الجديد الذي يقضي بجلد المرأة التي لا ترتدي الحجاب في الأماكن العامة 72 جلدة. وقد استمر العمل بهذا القانون منذ أن بلغت السن القانونية، الأمر الذي جعل من ارتداء الحجاب أمراً إلزامياً بالنسبة لي حتى يومنا هذا.

على مدى السنوات الأربع والأربعين الماضية، ناضلت النساء في إيران بكل ما أوتين من قوة حتى لا يخضعن لهذه الأفعال الصارخة من الترهيب والاضطهاد. وفي أعقاب الحرب بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن العشرين، بدأت النساء في استخدام الأوشحة الملونة، في حين تم إدخال الموضة والأناقة في المعاطف التي كن يرتدينها عموماً كجزء من قواعد اللباس. وفي كل هذه السنوات، لجأت النساء إلى طرق مختلفة من التحدي من خلال التلاعب بحجم معاطفهن وسراويلهن وأوشحتهن وشالاتهن بما يتماشى مع أذواقهن الخاصة.

وفي الوقت نفسه، أصبحت الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الحجاب الإلزامي سمة ثابتة للمجتمع الإيراني.

وشملت الاحتجاجات البارزة ضد الحجاب إحراق هوما دارابي لنفسها، ورفض بروانه فوروهار تصويرها بالحجاب أثناء مقابلاتها، وقرار فيدا موفاهدي الوقوف في شارع مزدحم في طهران، وهي تحمل حجابها على عصا.

لقد استبدلت النساء الأوشحة الملونة والفساتين الفاخرة بالحجاب الأسود والمعاطف الطويلة، التي يخرجنها على عجل من حقائبهن قبل دخول أماكن عملهن في المكاتب الحكومية، ثم يستبدلنها بمجرد انتهاء يوم العمل. وحتى يومنا هذا، تضع النساء الإيرانيات حياتهن على المحك، ولا يلنَّ أبداً في النضال من أجل استعادة حقوقهن المغتصبة.

بالنسبة إلى ابنتي

أتذكر ذات يوم عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، كان عليّ أن أرتدي غطاء رأس في حرارة شهر أغسطس / آب، بينما كان ابن أختي، الذي كان أصغر مني بثلاث سنوات، يتجول مرتدياً قميصاً قصير الأكمام وسروالاً قصيراً. أتذكر أنني سألت والدتي عما إذا كان بإمكاني أن أصبح مسيحية في الصيف ومسلمة مرة أخرى عندما يبرد الطقس. لم يكن هذا هو الحل على أي حال، ولكنني أتذكر أنني تمنيت في ذلك اليوم ألا أنجب فتاة أبداً، حتى لا تضطر إلى تحمل كل هذا الحر والإزعاج الذي عانيت منه.

في وقت لاحق، اكتشفت أنني لن أحصل على حضانة طفلي، وأنني سأحتاج إلى إذن من “ولي الأمر” قبل مغادرة البلاد. وبعد أن اكتشفت أنني سأحصل على حصة أقل من ميراث الأسرة، عزوت كل هذه التمييزات إلى حقيقة أنني ولدت أنثى.

لقد استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن أدرك أن كوني مواطناً من الدرجة الثانية كان نتيجة لولادتي على أرض انحدرت إلى هاوية تاريخية حيث كانت النساء مهمشات ومستبعدات بشكل متزايد.

كانت هذه أرضاً لم يكن فيها “بهمن” (أو “الانهيار الجليدي” بالفارسية) مجرد اسم لشهر تقويمي أثمرت فيه ثورة. فكما يحدث في الانهيار الجليدي، ألقيت النساء في مزيج من الثلج والجليد لم يجلب لهن سوى شتاء مظلم دائم بدلاً من ربيع واعد لم يأت قط.

 

الكاتب: منصوره حسيني يغانه*

* صحفية وناشطة سياسية إيرانية مقيمة في لندن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى